تشهد الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ سنوات انخفاضاً في عدد طلبات التقديم على تأشيرة "آتش 1 – بي" (H-1B)، بحسب تقرير حديث صادر عن "دائرة خدمات الجنسية والهجرة الأميركية" (USCIS). (وتأشيرة "آتش 1 – بي" (H-1B) هي تصريح عمل يسمح لأصحاب العمل في الولايات المتحدة توظيف عمال أجانب مؤقتاً في مهن متخصصة). إذ صرحت الدائرة، في الشهر الماضي، أنها استقبلت 199 ألف طلب هذا العام، أي أقل بـ 37 ألف طلب عن العام السابق.
ويمثل هذا الانخفاض مصدراً للقلق لشركات التكنولوجيا، التي توقع العديد منها، على خلاف ما حدث، ازدياداً كبيراً في عدد الطلبات بسبب المستقبل الضبابي لبرنامج التأشيرة. ونتيجة لذلك، يتسابق، حالياً، مدراء التوظيف في الشركات لاختيار الموظفين من ضمن عينة محلية ضيقة النطاق. كما ضاعف آخرون جهود التوظيف لديهم من خلال زيادة الإنفاق على إعلانات موقعي "لينكد إن" و"فيسبوك"، أو من خلال حضور فعاليات التواصل المحلية لاستقطاب مرشحين للعمل.
ولا شك أن هذه التكتيكات ستحدث فرقاً، لكن هناك استراتيجية واحدة يمكن أن يكون لها الأثر الأكبر، وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن المعنيين بالموارد البشرية لم يستغلوها بعد، وهي الاستفادة من البيانات المدنية، والخروج منها برؤى لوضع برامج توظيف ذات أهداف أكثر تحديداً.
فصحيح أن "لينكد إن" قد يمنحك إمكانية استهداف الأشخاص الذين يملكون حسابات عبر هذا الموقع، لكن بيانات العمل المدنية ستساعدك على الذهاب إلى نطاق أوسع، إذ ستتمكن من إيجاد أعداد أكبر من المرشحين المحتملين.
ويمكن أن تستفيد شركات التكنولوجيا بشكل أفضل من الكميات الهائلة من المعلومات التي تطرحها الحكومة الأميركية علناً، ثم يمكنهم بعد ذلك استخلاص رؤى واضحة من هذه البيانات المدنية لتبينَ لهم، مثلاً، الوجهة الجغرافية الصحيحة لإدراج الإعلانات على مواقع العمل مثل "لينكد إن" و"غلاس دور" (Glassdoor)، بحيث تصل الرسائل للمرشحين في أسواق العمل التي تمتلك نسبة أقل من فرص العمل عالية الكفاءة. كما سيصبح بمقدور الشركات الاستفادة من البيانات المدنية في اختيار الصحف التجارية المحلية لإدراج إعلاناتها فيها، بحيث يصل الإعلان للمرشحين في بقعة جغرافية محددة جداً، معلناً عن مهنة محددة، أو عن مجموعة المهارات التي تتطلبها هذه المهنة.
استكشاف مصادر البيانات المدنية
هناك العديد من المصادر العامة التي برهنت على فعاليتها في العثور على المتقدمين وجذبهم، ومن ضمنهم "مكتب إحصاءات العمل" في الولايات المتحدة (U.S Bureau of Labor Statistics -BLS)، وكذلك التعداد الاقتصادي (Economic Census)، ومسح المجتمع الأميركي (American Community Survey) المنبثقين عن مكتب تعداد الولايات المتحدة (U.S Census Bureau).
فيقدم "مكتب إحصاءات العمل" بيانات عن الحالة الاقتصادية للأمة. ويشتهر بحصوله على البيانات المتعلقة بالبطالة عبر مختلف المناطق والصناعات، ومشاركتها لهذه المعلومات.
أما مكتب "التعداد الأميركي"، فيصدر تعداداً اقتصادياً كل 5 سنوات. وتتضمن البيانات التي جُمعت خلال هذا المسح؛ معلومات عن كل المؤسسات مصنفة حسب طبيعة العمل وطبيعة الملكية والموقع والعائدات الكلية وكشوفات الرواتب السنوية وكذلك الخاصة بالربع الأول من العام، وعدد العاملين في فترة الدفع. وتتباين بقية المعلومات من صناعة لأخرى.
فيما يوفّر "مسح المجتمع الأميركي" معلوماتٍ عن التغيرات السكانية والإسكان والقوى العاملة في البلاد، متضمناً تفاصيل عن الدخل وتكاليف السكن المتوسط. ويمكن الاستفادة من هذه المعلومات في تقدير وضع الانتقال الجغرافي لمساعدة مدراء التوظيف في تحديد المواقع المحتملة لافتتاح مكاتب فرعية. فعلى سبيل المثال، إذا أظهرت البيانات أن الأشخاص ينتقلون من مركز تقني مثل "وادي السيليكون" إلى مدينة أخرى مثل سانت لويس، فقد يكون ذلك مؤشراً على وجود عمال تقنيين في سانت لويس للتعاقد معهم. كما تعطي هذه البيانات للمعنيين بالتوظيف فكرة مبكرة عن المدن التي يجب عليهم استطلاعها كمواقع محتملة لمكتبهم الفرعي.
تعتبر هذه المصادر مجرد 3 فقط من أصل العديد من قواعد البيانات المجانية التي يمكنها تقديم العون لمدراء التوظيف لاستنباط الرؤى حول الأماكن التي يمكن البحث فيها عن مرشحين للعمل وفقاً للمنطقة الجغرافية وبحسب الصناعة المطلوبة. كما يمكن لهذه المعلومات أن تساعد مدراء التوظيف في جذب المرشحين على نحو أفضل، على سبيل المثال، من خلال عرض رواتب أعلى، أو تقديم مجموعة من الميزات، أو عن طريق تأسيس مكتب فرعي في مدينة مجاورة.
استخدام الرؤى المستنبطة عن البيانات المدنية لاكتساب ميزة تنافسية.
باستخدام التقنية المناسبة لتبسيط عملية تحديد مصادر البيانات المدنية وتصفيتها وتحليلها، يمكن لمدراء التوظيف الاستفادة من قواعد البيانات العامة لاكتساب ميزة تنافسية. وفيما يلي 3 استراتيجيات يمكنها تقديم العون:
الموقع: يظهر المخطط أدناه أي الولايات تمتلك الأفضلية بالنسبة للفئة الوظيفية (علوم الحاسوب والرياضيات)، والمصنفة وفق "مكتب إحصاءات العمل"، التي بدورنا أسميناها على المخطط "مهندسون ماهرون". وتُحسب تلك الأفضلية وفقاً لمفهوم "نسبة الموقع" (location quotient)، وهو عبارة عن طريقة لاكتشاف مدى تركيز وجود صناعة معينة في منطقة أو مدينة ما مقارنةً بالبلد أو الإقليم بأكمله. وتظهر البيانات المفتوحة للوظائف النسبة المئوية للقوى العاملة التي تشغل مهنة محددة على الصعيدين المحلي والوطني. وينتج عن تقسيم هذه النسب المئوية حساب "نسبة الموقع". ولمزيد من التوضيح، لنأخذ هذا المثال. إذا شغل مبرمجو الحواسيب نسبة 10% من الموظفين محلياً ونسبة 2% من الموظفين وطنياً، فإن "نسبة الموقع" هنا تكون 5 (بقسمة الأخير على الأول). وكلما ازدادت "نسبة الموقع"، ازدادت الفرصة لمدراء التوظيف للعثور على مرشحين ماهرين. ما يعني أن الولايات ذات القيمة المنخفضة في "نسبة الموقع" يمكن أن تكون هدفاً للمهندسين الموهوبين الذين يبحثون عن تحديات أكبر.
الراتب: باستخدام قواعد البيانات العامة، سيتمكن مدراء التوظيف من تقدير أي الولايات التي تدفع أجوراً أعلى من المتوسط الوطني، وأيها تدفع أجوراً أقل منه. وبالتالي، سيتمكن المعنيون بالتوظيف من تحديد الوجهة الجغرافية لنشر إعلاناتهم في ولايات محددة حيث يحقق المرشحون مكاسب أقل. سيساعد ذلك في زيادة احتمالية جذب عمال ماهرين من خلال تقديم رواتب أعلى من التي يمكن أن يتقاضاها المرشح المحتمل محلياً أو في ولاية مجاورة. يوضح المخطط التالي أي الولايات التي يقل متوسط الأجور فيها عن المتوسط الوطني وذلك في قطاع وظائف الحواسيب والرياضيات.
مصدر للتزويد بالعاملين: يعتبر عدد المرشحين المتوفرين أمراً رئيسياً عند البحث عن عامل موهوب. ويوضح المخطط أدناه أقاليم وولايات الولايات المتحدة حيث يتقاضى العاملون في قطاع علوم الحاسوب والرياضيات أعلى نسبة من الرواتب. تعد الولايات ذات النسبة المرتفعة من تعداد الموظفين في قطاع محدد مع نسبة منخفضة من الأجور أرضاً خصبة للتوظيف. فقد تحتوي هذه الولايات على مرشحين مستعدين لتغيير أماكن عملهم بحثاً عن فرص أفضل.
في نهاية المطاف فإن كل هذا يعتبر مجرد عملية جمع للمعلومات حول كيفية الانتفاع من البيانات العامة بهدف إنشاء برامج توظيفي أكثر تحديداً. والعامل الأهم سيكون لمدراء التوظيف في الشركات التكنولوجية للعمل على الاستثمار في الأدوات التي تتطلبها الوظيفة المعنية.