جمعتني قبل أيام جلسة مع رؤساء تحرير عدد من وسائل الإعلام في المنطقة العربية، وكان النقاش حول أكبر التحديات التي يمكن أن تواجهها المؤسسات الإعلامية من الآن وحتى عام 2020. وبرغم اختلاف الحضور حول فكرة تمويل المؤسسات الإعلامية وربحيتها، لكن الجميع توافق على أن مشكلة توفر "الكفاءات" لوظائف العصر الجديد هي التحدي المشترك الأكبر.
لا تظنوا أن هذا الهمّ يقتصر على المؤسسات الإعلامية فقط، بل هو هاجس عام يشغل معظم الشركات في وقتنا الراهن؛ الكل يتحدث عن المهارات والكفاءات "تالنت .. تالنت".
وهنا يتجلى التناقض التاريخي في سوق العمل العربي؛ فمن جهة تشهد المنطقة العربية بالمجمل معدلات بطالة مرتفعة، زادتها في السنوات الأخيرة الحروب والصراعات الداخلية لدرجة لم يسبق لها مثيل، ومن جهة أخرى تتعالى أصوات الشركات بحثاً عن المواهب والكفاءات في كل قطاع.
تزداد اليوم حدة التناقض في سوق العمل العربي مع دخول التحول الإلكتروني إلى معظم مفاصل الحياة والأعمال، ومساهمة هذا التحول في خلق أعمال جديدة، ومهارات لم تكن متوفرة من قبل تتطلبها سوق العمل بسرعة، بينما تعجز المؤسسات التعليمية عن توفيرها بالسرعة والجودة اللازمة. وقد بيّن تقريرالمنتدى الاقتصادي العالمي عن مستقبل الأعمال والمهارات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الصادر عام 2017، أن حوالي نصف الدول العربية تعاني من جودة تعليم منخفضة، وأن 40% من أصحاب الأعمال في الدول العربية يعانون من تفاوت المهارات بين خريجي التعليم الحكومي والخاص.
لا تبدو بالطبع مشكلة المهارات قابلة للحل السريع، بانتظار أن تعيد المؤسسات التعليمية إصلاح نفسها واللحاق بقطار المستقبل، لكن الحل الأسرع هو التدريب والتأهيل والتعاون بين القطاع الحكومي والخاص في ربط المدارس والجامعات بالشركات ومراكز الأبحاث العلمية، وتفعيل برامج التدريب والتأهيل التعاوني بحسب نصيحة خبراء المنتدى الاقتصادي الدولي.
وبرغم كل ذلك، فإنني أعتقد أن هذه الفجوة بين المهارات المكتسبة من المؤسسات التعليمية التقليدية وتلك المهارات الجديدة والمتجددة التي تتطلبها أسواق العمل، هي التي تميز أصحاب المبادرة من غيرهم من الطلاب والباحثين عن العمل أو الموظفين الحاليين؛ فأمثال هؤلاء الطلاب المبادرين هم الذين يطرقون أبواب شركاتكم بحثاً عن فرص للتدريب المجاني بمبادرة شخصية منهم، وأمثال هؤلاء المبادرين من الباحثين عن العمل، هم الذين لا يضيعون وقتاً في انتظار الوظيفة وهم جالسون على المقهى أو عبر التسلي بألعاب الإنترنت، بل يحاولون إصلاح ثغراتهم التعليمية وتطوير مهاراتهم كل يوم عبر ورشات تدريبية وتطويرية متخصصة. وينطبق هذا السؤال أيضاً على الموظف الذي يمارس عمله منذ سنوات. هل هو ثابت أم متطور، هل هو مدرك للمهارات الجديدة التي باتت مطلوبة بصيغتها المتجددة؟ هل عمل على إثبات قدرته على امتلاك المهارات الجديدة، أم بقي ديناصوراً غير قابل للتأقلم؟