الباحثون يتوصلون أخيراً إلى أدلّة لمنافع الإدارة طويلة المدى

10 دقائق

تحقق الشركات نتائج متميزة حين يركز المدراء على الإدارة من أجل خلق القيمة طويلة المدى ومقاومة ضغوط المحللين والمستثمرين للتركيز بشكل مفرط على الالتزام بتوقعات الأرباح الربعية السائدة في وول ستريت. لقد كان ذلك بالنسبة إلينا ومنذ فترة بعيدة أمراً صحيحاً بالضرورة ولا يحتاج أي دليل لإثباته. لقد رأينا شركات من قبيل يونيلفر، وإي تي آند تي، وأمازون تحقق نجاحات كبيرة عبر الالتزام باستراتيجيات إدارية طويلة المدى. إلا أننا حتى الآن لا نمتلك البيانات الشاملة الضرورية لحساب العائد على منهجية الإدارة طويلة المدى.

وقد وجدت أبحاث جديدة بقيادة فريق من مركز ماكنزي العالمي للأبحاث بالتعاون مع مؤسّسة إف سي إل تي غلوبال (FCLT Global) أنّ الشركات التي تعمل وفق ذهنيّة إداريّة تركّز على المدى الطويل، قد حققت وبشكل متواصل نتائج أعلى في القطاع الذي تنشط به مقارنة بنظيراتها من الشركات الأخرى منذ العام 2001، وذلك تقريباً وفق كافّة المعايير الماليّة المعتبرة.

لقد كانت الاختلافات هائلة. فمن بين الشركات التي حددناها باعتبار أنها تركز على المدى الطويل في عملياتها كان متوسط نمو الإيرادات والأرباح أعلى بنسبة 47% و36% على التوالي في العام 2014، كما شهدت قيمتها في السوق معدل نموّ أسرع كذلك. أما بالنسبة للعائدات على المجتمع والاقتصاد بشكل عام فقد كانت النتائج مذهلة. ووفق تحليلاتنا، فإن الشركات التي كانت تدار بالتركيز على المدى الطويل خلقت قرابة 12,000 وظيفة جديدة أكثر من نظرائها بين العامين 2001 و2015. كما حسبنا أن إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكي خلال العقد الماضي كان يمكن أن يكون أكثر بمقدار 1 تريليون دولار أمريكي لو كان الاقتصاد عموماً قد حقّق أداءً يقترب من الأداء الذي حقّقته الشركات المتميّزة التي تعتمد على استراتيجيات الإدارة طويلة المدى، كما كان ذلك سيخلق خمسة ملايين وظيفة إضافية خلال تلك الفترة.

فمن هي هذه الشركات ذات الأداء المتميّز وكيف تمكّنا من معرفتها؟ سنتطرق إلى إجابة هذا السؤال بعد قليل، لكن دعونا قبل ذلك نتوقف قليلاً للتفكير بالسبب الذي يجعل العثور على بيانات قطعية بخصوص جدوى الإدارة طويلة المدى أمراً بالغ الصعوبة، والوقوف على مستوى التعقيد الخاص بالجدل الدائر حول هذه القضية.

لقد عرفنا الكثير في السنوات الماضية عن أسباب تصاعد منهجيات الإدارة قصيرة المدى وسطوتها المتزايدة. فعبر الاعتماد على الاستبيانات التي أجرتها مؤسسة FCLT مثلاً نجد أن 61% من المدراء والتنفيذيين يقولون إنهم يفضلون خفض الإنفاق التقديري لتفادي مخاطرة التخلف عن تحقيق نسبة معينة من الأرباح، كما أن 47% قد يؤجلون البدء في مشروع جديد في ظرف كهذا، حتى لو كان سينجم عن ذلك تضحية محتملة بالقيمة. كما تبين لنا أن معظم التنفيذيين يشعرون أنّ ثمة اختلالاً في التوازن بين المسؤولية على المدى القصير والنجاح على المدى الطويل؛ 65% يقولون إنّ الضغط قصير المدى الذي يواجهونه قد ازداد في السنوات الخمسة الأخيرة. ويتضح لنا جميعاً كيف يمكن أن تكون نتائج منهجيات الإدارة قصيرة المدى على شكل مستويات غير مسبوقة من إعادة شراء الأسهم في الولايات المتحدة التي ترافقت مع انخفاض تاريخي في الاستثمارات الجديدة في رأس المال.

لكن ومع أن قياس الزيادة في الضغوطات المتولدة على المدى القصير وتحديد الحوافز الشاذة لا ينطوي على الكثير من التعقيد، إلا أن تقييم الأثر النهائي لمنهجيات الإدارة قصيرة المدى على أداء الشركة والنمو الاقتصادي الكلي عملية بالغة التعقيد. فالإدارة على المدى القصير مبدئياً لا تتوافق مع أي معيار قابل للقياس، وما هي إلا مزيج من العديد من العوامل المعقدة التي قد يكون من المستحيل تحديدها. ونتيجة لذلك، ورغم الدعوات المستمرة للاعتماد على منهجيات طويلة المدى في الإدارة والتي نوجهها نحن أو سوانا من المدراء التنفيذيين الذي يتفقون مع وجهة نظرنا، مثل لاري فينك من شركة بلاك روك، ومارك وايزمان، الرئيس السابق للمجلس الكندي لاستثمارات التقاعد، فإن الجدل ما زال متواصلاً بين الاقتصاديين والمحللين بخصوص ما إذا كانت منهجيات الإدارة قصيرة المدى تنعكس سلباً على القيمة.

لقد ربطت الدراسات الأكاديمية بين الآثار المحتملة لمنهجيات الإدارة قصيرة المدى وانخفاض معدلات الاستثمار بين الشركات العامة، كما ارتبط ذلك بتراجع العوائد خلال أفق زمني عبر سنوات متعددة. كما سعت بعض الأبحاث الجادة إلى حساب النمو الاقتصادي غير المتحقق بسبب خفض نفقات الأبحاث والتطوير بدافع الاعتماد على منهجيات الإدارة قصيرة المدى، والتي تجعل الإنفاق عليها يقتصر على 0.1% سنويّاً. إلا أن بعض الباحثين ظلّوا مترددين ومرتابين بشأن هذا الأمر. فكيف أمكن للشركات الأمريكية في رأيهم أن تحافظ على هذه الأرباح الكبيرة لفترة طويلة إن كانت المنهجيات قصيرة المدى تؤثر فعلاً على الأداء؟ ثمّ أليس التركيز على النتائج الربعيّة هي نتيجة حتمية لقواعد الحوكمة الصارمة في الشركات والتي تمكن من محاسبة المدراء التنفيذيين؟

عمل ميداني

ومن أجل المساعدة في توفير قاعدة من الحقائق بخصوص هذا الجدل فقد بدأ مركز ماكنزي العالمي بالتعاون مع الزملاء من قسم الإستراتيجية وتمويل الشركات في شركة ماكنزي بالإضافة إلى الفريق العامل في معهد FCLT، بوضع طريقة تساعد على القياس المنهجي لأثر السياسات قصيرة المدى والسياسات طويلة المدى على مستوى الشركات. وكانت نقطة البدء في وضع مؤشر أفق الشركة (Corporate Horizon Index). وقد تمّ الحصول على البيانات الخاصّة بهذا المؤشر من 615 شركة من خارج القطاع المالي أصدرت تقارير مالية سنوية بشكل متواصل من العام 2001 حتى العام 2015 وكانت قيمتها السوقية في تلك الفترة تتجاوز 5 مليارات دولار أمريكي في سنة واحدة على الأقل. (كنا نرغب في التركيز على الشركات الكبيرة بالقدر الذي يمكن معه تحديد الضغوطات قصيرة المدى المحتملة التي يمارسها المساهمون وأعضاء مجالس الإدارة والناشطون وغيرهم.) وتمثل هذه العينة مجتمعة حوالي 60% إلى 65% من رأسمال السوق العام في الولايات المتّحدة خلال هذه الفترة. ومن أجل ضمان صحة نتائجنا وتجنب أي تحيز في العينة فقد اقتصرنا في تقييم جميع الشركات في المؤشر بالمقارنة مع نظرائها في القطاع الذي تعمل به والتي تمتلك الفرص نفسها وتعمل في ظروف سوقية مماثلة خضعت للدراسة كذلك خلال عدة سنوات. كما نظرنا إلى التركيب التناسبي للمجموعات التي تعمل وفق منهجيات الإدارة على المدى الطويل وتلك التي تعمل وفق منهجيات المدى القصير وذلك من أجل ضمان توافقها وتماثلها قدر الإمكان، بحيث لا ينتج عن تفاوت الأداء في القطاعات تحيز يؤثر على النتائج بشكل عام، كما أجرينا اختبارات ومراجعات أخرى من أجل ضمان الدقة الإحصائية للنتائج. (وللاطلاع بشكل أوسع على منهجية البحث يمكن تنزيل التقرير الكامل هنا).

توضيح أخير: إن لدينا قناعة كبيرة بأن هذا المؤشر يساعدنا على تصنيف الشركات ووصفها بأنها تعتمد على منهجيات إدارة "طويلة المدى" بشكل موضوعي وبلا تحيز، ولكن لا بد من التنبيه مع ذلك إلى أن نتائجنا هي وصفية وحسب. فنحن لا نحكم بأن التوجهات طويلة المدى تؤدي إلى تحقيق أداء أفضل، كما أننا لم نستوفِ دراسة كافة العوامل التي قد تؤثر على العلاقة بين الأمرين. كل ما يسعنا ملاحظته هو أن الشركات ذات التوجه طويل المدى في الإدارة تميل إلى تحقيق أداء أفضل مقارنة بالشركات التي تركز على المنهجيات قصيرة المدى. وعلى أية حال فإنّ الارتباط الذي كشفنا عنه بين أنماط السلوك التي ترتبط بالمنهجيات طويلة المدى والتفوّق بالأداء يقدم رسالة يصعب في واقع الحال تجاهلها.

ومن أجل وضع مؤشّر أفق الشركة قمنا بتحديد خمسة مؤشرا مالية جرى اختيارها بسبب توافقها مع خمس فرضيات طرحناها بخصوص أوجه الاختلاف بين الشركات ذات المنهجيات طويلة المدى وقصيرة المدى، وهذه المؤشرات والفرضيات هي:

  • الاستثمار. معدّل نفقات رأس المال إلى الاهتلاك. نحن نفترض أن الشركات ذات المنهجيات طويلة المدى ستستثمر مبالغ أكبر وبشكل أكثر ثباتاً مقارنة بالشركات الأخرى.
  • جودة الأرباح. المستحق كحصة من الإيرادات. نعتقد أن أرباح الشركات ذات المنهجيات طويلة المدى ستكون أقل تأثراً بالقرارات المحاسبية وستعتمد أكثر على التدفق النقدي الأساسي أكثر من الشركات الأخرى.
  • نمو هامش الأرباح. الفرق بين نمو الأرباح ونمو الإيرادات. نحن نفترض أن الشركات التي تعتمد المنهجيات طويلة المدى أقل ميلاً لتحصيل هوامش غير مستدامة من أجل أن تحقق أهدافاً قصيرة المدى.
  • نمو الأرباح. الفرق بين نموّ الأرباح لكل سهم والنمو الفعلي للأرباح. نحن نفترض أنّ الشركات التي تعتمد منهجيات الإدارة طويلة المدى ستركز بشكل أقل بالنظرة السائدة في وول ستريت بخصوص الأرباح على الأسهم، والتي قد تتأثر بعمليات من قبيل عمليات إعادة شراء الأسهم، وتعتمد أكثر على الزيادة أو التراجع في الأرباح في التقارير المالية.
  • الأهداف الربعية. أي موقف يشتمل على تجاوز الأرباح المستهدفة للأسهم أو الإخفاق في تحقيقها بأقل من سِنتين أمريكيين. نحن نفترض أنّ الشركات ذات منهجيات الإدارة طويلة المدى أكثر عرضة لعدم تحقيق الأرباح المستهدفة بقدر أدنى بنسبة قليلة وحسب (رغم أنّه يكون بوسعها اتخاذ إجراءات معينة لتحقيقها)، كما أنّها أقل ميلاً لتجاوز الأرباح المستهدفة بنسب قليلة (حين يكون تحقيق ذلك يعني تحويل بعض المصادر عن حاجات أخرى لأداء الأعمال).

وبعد حساب معدّلات هذه المؤشرات ظهرت لدينا مجموعتان واسعتان من بين 615 شركة أمريكيّة عامّة كبيرة ومتوسطة: مجموعة الشركات التي تعتمد على منهجيات طويلة المدى وعددها 164 شركة (27% من العينة)، وهي تلك الشركات التي إما تعتمد على منهجيات طويلة المدى بالمقارنة مع نظرائها في ذات القطاع من هذه العينة، أو أنها صارت تعتمد بشكل أكبر على المنهجيات طويلة المدى من الفترة الممتدّة من النصف الأوّل من الدراسة إلى النصف الثاني منها. أما المجموعة الثانية فهي الشركات المتبقية والبالغ عددها 451 شركة (73% من العينة). لقد كانت الفجوة التي ظهرت في الأداء بين المجموعتين هي الدليل الأوضح الذي يتوافر لدينا حتى الآن بخصوص الأثر السلبي للمنهجيات قصيرة المدى، والمنفعة الحقيقية المترتبة على منهجيات الإدارة طويلة المدى.

زاوية الربح

ولتلخيص ما سبق نقول إنّ الشركات التي درسناها بين العامين 2001 حتى 2014 والتي تعتمد على منهجيات طويلة المدى حسب مؤشر أفق الشركات الذي وضعناه قد حققت زيادة بالإيرادات بنسبة 47% مقارنة بالشركات الأخرى في نفس القطاع، وأن أرباحها قد ازدادت بنسبة 36% بالمعدّل. كما أنّ نمو الإيرادات لدى هذه الشركات قد كان أقل تقلّباً خلال هذه الفترة، إذ كانت نسبة الانحراف المعياري للنمو 5.6% مقابل 7.6% لجميع الشركات الأخرى. كما أظهرت هذه الشركات أّنها أكثر استعداداً للالتزام بإستراتيجاتها خلال الأزمات الاقتصادية. فأثناء الأزمة الاقتصادية العالمية بين العامين 2008 و2009 لم تشهد هذه الشركات سوى انخفاض محدود في الإيرادات والأرباح، كما أنّها لم تخفّض من استثماراتها في البحوث والتطوير، بينما اضطرت الشركات الأخرى لتخفيض الإنفاق على هذه الجوانب. وقد نما الإنفاق على الأبحاث والتطوير منذ العام 2007 وحتى 2014 بمعدل سنوي يصل إلى 8.5%، مقارنة بمعدل 3.7% للشركات الأخرى.

ثمة طريقة أخرى لقياس تحقّق القيمة للشركات التي تعتمد على المنهجيات طويلة المدى، تكون عبر النظر من زاوية "الربح الاقتصادي". المقصود بالربح الاقتصادي هو ما تحققه الشركة من أرباح بعد طرح تكاليف رأس المال الذي استثمرته الشركة (رأس المال العامل، والأصول الثابتة، والسمعة التجارية). وتكاليف رأس المال هي مقدار رأس المال المُستثمَر مضروباً بتكلفة الفرصة البديلة لرأس المال - أي العائد الذي يتوقعه المساهمون من الاستثمار في الشركات ذات المخاطر المماثلة. فعلى سبيل المثال، لو كانت لدينا الشركة س، والتي تحقق 100 دولار أمريكي من الأرباح التشغيلية بعد اقتطاع الضرائب، ولديها تكلفة رأسمال تبلغ 8% ورأس المال المستثمر هو 800 دولار. ففي هذه الحالة تكون أعباء رأس المال هي 800 دولار مضروبة بنسبة 8%، أي 64 دولاراً. وعند طرح أعباء رأس المال من الأرباح فسيكون لدينا 36 دولاراً والتي تمثل الربح الاقتصادي. وهكذا فإنّ الشركة تخلق قيمة حين يكون الربح الاقتصادي إيجابياً، أما حين يكون سلبيّاً فهذا يعني أنّ الشركة تخسر القيمة.

و بالاعتماد على هذا المقياس، فإنّ الفجوة بين الشركات التي تعتمد المنهجيات طويلة المدى وغيرها من الشركات ستكون أكبر. فمنذ العام 2001 وحتى 2014 حققت الشركات ذات المنهجيات طويلة المدى زيادة تراكمية على أرباحها الاقتصادية بنسبة تزيد عن بقية الشركات بواقع 63%. وبحلول العام 2014 كانت الأرباح الاقتصادية السنوية لهذه الشركات أعلى بنسبة 81% من بقية الشركات، ويعود ذلك إلى المخصصات الأكبر من رأس المال والتي أتاحت خلق هذه القيمة الكبيرة.

ليس هنالك أي طريق يؤدي إلى النجاح بلا أي تحديّات، والشركات التي تطبق منهجيات طويلة المدى في الإدارة من عيّنة الدراسة واجهت العديد من الظروف الصعبة التي كانت بمثابة اختبار لنموذجها. فخلال الأزمة الماليّة العالميّة الأخيرة مثلاً تأثرت أسعار أسهم هذه الشركات بشكل أكبر مما عانته نظيراتها من الشركات التي تعتمد على منهجيات قصيرة المدى. لكن وبمجرد انتهاء الأزمة عادت تلك الشركات لتحقيق أداء أفضل من سواها، مضيفة ما معدله 7 مليارات دولار أمريكي على رأسمالها في السوق من العام 2009 وحتى 2014 أكثر من الشركات الأخرى.

ومع أنه لا يمكننا قياس تكلفة المنهجيات قصيرة المدى بشكل مباشر، إلا أن تحليلنا يقدم فكرة عامة على الأقل بخصوص المقدار الكبير من القيمة التي قد يفوت الشركات ذات المنهجيات قصيرة المدى. لقد أشرنا من قبل أنه لو نجحت جميع الشركات العامة الأمريكية بخلق وظائف جديدة بنفس المستوى الذي نجحت بتحقيقه الشركات ذات المنهجيات طويلة المدى في عينتنا، لكان لدى الدولة خمسة ملايين وظيفة إضافية بين العامين 2001 و2015، وزيادة على نموّ إجمالي الناتج المحلي بمقدار تريليون دولار أمريكي (أي ما يعادل نسبة 0.8% من نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي). وفي حال لم تطرأ أي تغييرات في المستقبل لسد تلك الفجوة بين الشركات ذات منهجيات الإدارة طويلة المدى وغيرها من الشركات، فإن الاقتصاد الأمريكي سيفوت تحقيق ما يعادل 3 تريليونات دولار أمريكي إضافية من إجمالي الناتج المحلي وزيادة الوظائف بحلول العام 2025. وعليه فإنّ التعامل مع ظاهرة الإدارة قصيرة المدى لا بد أن تكون قضية عاجلة ليس للمستثمرين ومجالس الإدارة وحسب بل ولصناع القرار كذلك.

إن هذا البحث ليس سوى خطوة أولى نحو فهم نطاق وأثر منهجيات الإدارة قصيرة المدى في الشركات. فنحن نشير مثلاً إلى أن عينة الدراسة المبدئية قد اقتصرت على الولايات المتحدة الأمريكية، ولكننا ندرك أن القضية ذات نطاق عالمي. فكيف يا ترى تختلف التكاليف والمؤشرات من منطقة إلى أخرى؟ كما أن العينة تتناول الشركات العامة فقط، فكيف سنحدد الاختلاف في هذا الصدد بين الشركات الخاصة، أو بين الشركات العامة التي تختلف هياكل الملكية فيما بينها؟ هل هنالك مثلاً مقاييس تساعد على تحديد ما إذا كانت شركة ما تبالغ في الاعتماد على منهجيات الإدارة قصيرة المدى؟ وهل ستختلف هذه المقاييس من قطاع لآخر؟ والأمر الأكثر أهمية بطبيعة الحال هو معرفة الإجراءات الأكثر نجاعة لجعل المؤسّسات أكثر اعتماداً على المنهجيات طويلة المدى في الإدارة.

التغيير الحقيقي

وبخصوص هذه النقطة الأخيرة فلقد قمنا نحن وسوانا بتحديد عدد من الخطوات التي يمكن للمدراء التنفيذيين ومجالس الإدارة والمؤسسات الاستثمارية اتباعها من أجل إيجاد توازن أفضل بين تحقيق الأهداف على المدى القصير والعمل وفق رؤية واستراتيجيات متسقة وطويلة المدى. وتتراوح هذه الإجراءات من توجيه الاستثمارات التي تحقّق خلق القيمة على المدى الطويل، إلى الأساليب الخاصة بالتخلص من التحيز في عمليات تخصيص رأس المال في الشركات، وإعادة النظر بالأساليب التقليدية فيما يتعلق بعلاقات المستثمر وتركيبة مجالس الإدارة. وسنعود بمقالة أخرى في الأشهر المقبلة تشتمل على المزيد من البيانات والأفكار التي تساعد الشركات على تعزيز قدرتها في الإدارة طويلة المدى.

الرسالة الأساسيّة التي يقدمها هذا البحث ليست الإشارة إلى أنّ المنهجيات طويلة المدى في الإدارة ترتبط بعوائد ومنافع عظيمة وحسب، بل ويريد أن يؤكّد البحث كذلك على أنّ التغيير الحقيقيّ ممكن فعلاً، بالرغم من كل الضغوطات القويّة التي تشير إلى خلاف ذلك. والدليل على هذا يكمن في مجموعة فرعية صغيرة ولكنها بالغة التأثير في عينة الشركات ذات الأداء المتميز والتي تعتمد على منهجيات الإدارة طويلة المدى، تشكل 14% من حجم العينة، والتي لم تكن في البداية ضمن هذه الفئة. فقد كانت هذه الشركات ضمن فئة الشركات ذات المنهجيات قصيرة المدى وفق المؤشر. ولكن خلال السنوات الخمسة عشر موضوع الدراسة تمكن قادة هذه الشركات من تغيير سلوك شركاتهم بشكل جعلها تُصنف أخيراً في فئة الشركات التي تعتمد على منهجيات الإدارة طويلة المدى. فما هي الإجراءات العمليّة التي أقدمت عليها تلك الشركات؟ هذا ما سنسلط الضوء عليه في أبحاثنا في السنة القادمة. أما الآن فيكفي أن نقول إنّ هذا النجاح على أقلّ تقدير يبعث على الإلهام والتفاؤل بالقدرة الكبيرة على التغيير والنجاح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي