تتعرض صناعة البقالة الأميركية لوضع جديد فريد من نوعه مع إعلان سلسلتي متاجر البقالة الألمانيتين "آلدي" (ALDI) و"ليدل" (LIDL) عن خططهما لافتتاح مئات المتاجر الجديدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث تخطط آلدي لافتتاح 900 متجر بحلول عام 2022، بينما تخطط ليدل لافتتاح 100 متجر بحلول نهاية عام 2019. كما جرى في عام 2017 أيضاً قيام عملاق البيع عبر الإنترنت، أمازون، بشراء سلسلة متاجر "هوول فودز" (Whole Foods)، مطلقاً سلسلة من الميزات الجديدة الخاصة بالطلب والتسعير والتسليم في المتاجر في جميع أنحاء البلاد. كما أضافت الاتجاهات الجديدة على غرار الوجبات الجاهزة وامتلاك أسهم في المزارع وطلب وتسليم المشتريات عبر تطبيقات الهواتف المحمولة مزيداً من التحديات لسلاسل متاجر البقالة الحاليين.
وبينما احتلت قضية استحواذ أمازون على هوول فودز والطلب عبر تطبيقات الهواتف المحمولة والوجبات الجاهزة عناوين الصحافة، لم نجد، في اعتقادنا، ما يكفي من التغطية الإعلامية لتوغل سلسلتي متاجر آلدي وليدي داخل السوق الأميركي.
سيكون من البديهي ملاحظة حجم التهديدات التي سيجلبها المنافسون الصاعدون الألمان للسلاسل المحلية مثل وول مارت وتارغت وكوستكو وكروغر. ويمكننا امتلاك فكرة حول ذلك من خلال النظر إلى سوق البقالة في المملكة المتحدة، إذ باتت كل من آلدي وليدي تستحوذان على حصة سوقية تبلغ 13.1% في المملكة المتحدة اليوم، حيث نمت بما يزيد عن 50% خلال السنوات الخمس الماضية، في حين تستحوذ أكبر أربع شركات بقالة بريطانية: "تيسكو" (Tesco) و"سينزبيري" (Sainsbury) و"أسدا" (Asda) و"موريسونز" (Morrisons) معاً على ما يصل إلى 68.5% من سوق البقالة حالياً بعد أن كانت 76.3% قبل خمس سنوات فحسب.
هل ستكون سلاسل البقالة الأميركية في وضعية أفضل؟ ستختلف الإجابة في حال تمكنت تلك السلاسل من التعلم من تجربة سلسل البقالة الفرنسية أم لا. ففي السوق الفرنسي، يملك المنافسان الألمانيان الجدد حوالي 12% من السوق، مثلما هو الحال في المملكة المتحدة، لكن في الوقت نفسه، يُتوقع استمرار نمو آلدي وليدي في سوق المملكة المتحدة وانخفاض حصتهما في فرنسا والتي كانت في عام 2009 قد وصلت إلى 14.9%.
كيف تمكّن تجّار التجزئة الفرنسيون الأصغر من مقاومة هذين العملاقين الألمانيين؟ لقد تمكنوا من القيام بذلك عبر استخدامهم لمنتجاتهم الخاصة (المنتجات التي تحمل العلامة التجارية للمتجر نفسه).
يستفيد مقدمو الخصومات الضخمة من تقديمهم لمنتجات تحمل علامتهم التجارية الخاصة بهم لتحقيق الربح، حيث تكون ما نسبته 90% من بضائع مقدم الخصومات الضخمة في العادة تحمل علامته التجارية الخاصة به، بينما يبيع متجر البقالة العادي في الوقت نفسه وسطياً 51%؛ في حين كانت النسبة في فرنسا والمملكة المتحدة 34% و15% في الولايات المتحدة. كما أن المتاجر أصحاب الخصومات الكبيرة تبيع طيفاً أقل من المنتجات (تكون بحدود 2,000 منتج في العادة) مقابل 30 إلى 40 ألف لدى المتاجر التقليدية و100 ألف لدى العملاق وول مارت. ولدى مقدم الخصومات الكبيرة ثلاث ميزات في العادة هي: منتجات رخيصة ونوعية جيدة وإراحة لذهن العميل، حيث يمكن للعميل الحصول على ما يحتاجه خلال أقل من 30 دقيقة. وتتمثل السلبيات هنا في أن الخيارات تكون أقل وخدمة العملاء تكون محدودة فضلاً عن أن طريقة العرض نفسها أقل جاذبية. ولكن يمكن للعملاء الحصول على منتجات ذات نوعية جيدة بأسعار أقل، فضلاً عن أن دورة حياة المنتج تكون أسرع، إذ تُباع تلك المنتجات بسرعة، فلا تحتوي تلك المتاجر على منتجات كثيرة تشغل حيزاً كبير بلا ضرورة. ويفوز مقدمو الخصومات الكبيرة عبر قيامهم فقط بتخزين المنتجات التي تُباع بشكل سريع.
وأدركت شركات البقالة الفرنسية، خلال محاولتها مقاومة مقدمي الخصومات الكبيرة، حاجتها إلى تحسين نوعية المنتجات التي تحمل علامتها التجارية. وبينما كانت البضائع التي تحمل علامتها التجارية ضرورية دائماً للمساهمة في هامش أرباح تلك المتاجر، إلا أن تلك المتاجر أدركت أيضاً أن عليها التغلب على مقدمي الخصومات الأقوياء في ملعبهم نفسه، بمعنى أن عليها تخفيض أسعار السلع التي تحمل علامتها التجارية مع تحسين جودتها في الوقت نفسه، الأمر الذي لم يكن سهلاً. وقد تمكنت سلاسل متاجر البقالة الفرنسية من استعادة حصتها في السوق عبر تقديمها لسلع ذات جودة معقولة وبأسعار مقبولة.
أما في المملكة المتحدة، فقد اعتمدت سلاسل متاجر البقالة هناك منذ فترة طويلة على السلع التي تحمل علامتها التجارية لدعم هوامش ربحها وتمييزها عن منافسيها؛ ما يعني ضمنياً وجود سلع تحمل علامتها التجارية بنوعية جيدة وأسعار جذابة. كما قررت تلك السلاسل، وبغرض المنافسة مع مقدمي الخصومات الكبيرة، الأخذ بنهج متدرج فيما يتعلق بالمنتجات التي تحمل علامتها التجارية، حيث قدمت سلعاً عالية الجودة بأسعار مرتفعة، وسلعاً عادية بأسعار متوسطة، وسلعاً منخفضة الجودة بأسعار منخفضة، وكانت أسعار الأخيرة رخيصة بالفعل، وأرخص من أي شيء يمكنك أن تجده لدى آلدي أو ليدل. كما اضطرت سلاسل متاجر البقالة في المملكة المتحدة، لكي تكون قادرة على تقديم هذه المنتجات الرخيصة جداً، إلى خفض الجودة لدرجة لم تعجب المتسوقين، والذين فضّلوا الدفع أكثر قليلاً والتسوق لدى آلدي أو ليدل للحصول على أسعار منخفضة وجودة معقولة. وكانت النتيجة تآكل حصة سلاسل المتاجر الحالية البريطانية في السوق.
وسيكون الطريق أمام سلاسل المتاجر الكبرى الأميركية أصعب، حيث تتخلف متاجر التجزئة الأميركية عن نظيراتها الأوروبية فيما يتعلق بمنتجاتها التي تحمل علامتها التجارية الخاصة وستعاني كثيراً خلال منافستها آلدي وليدل. وسنكرر من جديد قولنا إن حوالي 90 % من المنتجات التي يبيعها مقدما الخصوم الكبيرة الألمانيين هي من علامتهما التجارية الخاصة، في حين تشكل تلك النسبة لدى سلاسل المتاجر الأميركية 14.5% تقريباً. (وتشكل هوول فودز استثناء ملحوظاً هنا، فكان مصدر قوتها متمثلاً في سلعها الخاصة وهو أحد الأسباب التي جعلتها هدفاً جذاباً لأمازون التي كانت تهتم بالمنتجات التي تحمل تلك العلامة التجارية). وسيتعين على شركات البقالة الأميركية تعويض الوقت الضائع ومحاولتها زيادة تلك نسبة مبيعات منتجاتها الخاصة بها من خلال الخبرة والتجربة.
كما سيتعين على سلاسل متاجر البقالة الأميركية تقديم سلع تحمل علامتها التجارية الخاصة بها بالجودة "المناسبة" والسعر "الأنسب" لمحاربة مقدمي الخصومات العنيدين. وللقيام بذلك، ستحتاج أولاً إلى العثور على موردين يمكنهم تزويدها بمنتجات ذات أسعار معقولة من دون التضحية بالجودة. ولن يكون هذا ممكناً إلا إذا ضمنت تلك السلاسل حجم توريد كاف لهؤلاء الموردين لكي يتمكنوا من إجراء الاستثمارات المناسبة. كما يجب على سلاسل المتاجر، لزيادة حجم مبيعات علامتها التجارية الخاصة، تغيير طريقة عرض سلعها التي تحمل علامتها التجارية وطريقة الترويج لها. وسيتعين عليها الالتزام بهذه الاستراتيجية لفترة لا بأس بها في ظل قطاع تجارة تجزئة مواد غذائية متقلب وغير ومؤكد.
تظهر تجربة محلات البقالة الفرنسية أنه ليس من المستحيل التغلب على مقدمي الخصومات الأقوياء في ملعبهم، ولكن علينا التذكر أيضاً أن تجربة فرنسا تمثل الاستثناء، لا القاعدة.