اعتاد الناس في بداية كل عام اتخاذ قرارات جديدة لتحسين حياتهم الشخصية والمهنية. ويتضمن أكثرها شيوعاً عادةً أهدافاً تتعلق بالصحة، مثل الإقلاع عن التدخين أو إنقاص الوزن. وقد تكون الأهداف المهنية ثاني أكثر الأهداف شيوعاً، مثل العثور على وظيفة جديدة أو نيل ترقية محدّدة. وفي حين أننا نميل إلى فصل الأهداف المهنية عن الأهداف المرتبطة بالصحة أو نمط الحياة في أذهاننا، فثمة الكثير من التداخل بينها في واقع الأمر. وإذا كنت تتطلع إلى تحديد بعض الأهداف المهنية، فيجدر بك أن تفكر في التمتع بصحة أفضل أيضاً؛ إذ تشير الأدلة الجديدة إلى أن الأفراد الذين يتمتعون بمظهر صحي جيد يُنظر إليهم على أنهم قادة أفضل، حتى أكثر من الأشخاص ذوي المظهر الذكي.
وتستند هذه الأدلة إلى دراسة قادها برايان سبيساك من جامعة فو أمستردام (VU University of Amsterdam) ونُشرت في مجلة آفاق علم الأعصاب البشري (Frontiers in Human Neuroscience). طلبت الدراسة من المشاركين الحكم على الإمكانات القيادية لأشخاص افتراضيين من خلال التفرُّس في وجوههم. لماذا ندرس ردود فعلنا على الوجوه؟ لأنها تقودنا إلى إصدار أحكام لحظية سريعة عن الآخرين. تقول الورقة البحثية: "قد يكون لصفات مثل أنوثة الوجه تأثيرٌ كبيرٌ على نوعية الأتباع الذين يؤيدون القائد في مختلف المواقف؛ لأن هذه الإشارات المرئية قد تكون بمثابة دليل واضح على الإمكانيات السلوكية الكامنة". على سبيل المثال، قد تشير أنوثة الوجه إلى ميول غريزية لتكوين الصداقات أو التعاون. وبالمثل، يمكن استخدام المظهر العمري لتقدير مستوى الحكمة أو الخبرة. وترتبط الوجوه الطفولية غالباً بالثقة، إيجاباً وسلباً.
أنشأ الباحثون في هذه الدراسة تحديداً مجموعة من الوجوه بنظام المحاكاة بناءً على مُركَّب من 3 متطوعين جامعيين (بحيث لا يتعرَّف أحد على شخص معين). أنشؤوا 4 وجوه، كلها لرجال ذوي بشرة بيضاء حليقي الذقن لا يرتدون نظارات أو مجوهرات، ثم تلاعب الباحثون بهذه الوجوه لجعل "شخصياتها" تبدو أكثر أو أقل صحة وأكثر أو أقل ذكاءً، بناءً على نتائج بحث سابق حول افتراضات تستند إلى ملامح الوجه. ثم عرض الباحثون أزواجاً من هذه الوجوه على 148 مشاركاً جرى اختيارهم عبر الإنترنت. أُعطي المشاركون واحداً من 4 سيناريوهات لشركة خيالية وطُلب منهم اختيار الرئيس التنفيذي الجديد للشركة من كل زوج. حددت السيناريوهات الأربعة المسؤولية الأساسية للرئيس التنفيذي، إما تنفيذ استراتيجية تنافسية حادة، أو إعادة التفاوض بشأن اتفاقية شراكة رئيسية مع شركة أخرى، أو قيادة عملية جديدة لاقتحام سوق غير معروفة، أو الإشراف على الاستغلال المستمر للموارد غير المتجددة.
وعندما دوّن الباحثون اختيارات المشاركين كلهم، وجدوا أن الاختيار قد وقع على القادة الذين يتمتعون بالمظهر الصحي والذكي في أغلب الأحيان؛ لكن مؤشرات الصحة كانت أكثر تأثيراً من مؤشرات الذكاء في اختيار القادة. فقد فضَّل المشاركون في 69% من الاختيارات وجوهاً ذات مظهر صحي على الوجوه ذات المظهر غير الصحي. وكان يغلب على المشاركين الميل إلى اختيار الوجوه ذات المظهر الصحي، أياً كان السيناريو المعروض. يقول الباحثون: "تشير النتائج التي توصلنا إليها بشكل عام إلى أنه على الرغم من أهمية الذكاء للنجاح في المناصب القيادية في ظروف معينة، فيبدو أن المظهر الصحي يحكم عملية صناعة القرار في سياقات القيادة كلها". ولم تُعطَ الأفضلية للوجوه الذكية على حساب الوجوه الأقل ذكاءً إلا في السيناريوهات التي تتطلب الدبلوماسية أو التفكير الإبداعي؛ أي في سيناريوهات إعادة التفاوض واقتحام الأسواق الجديدة.
تنقسم الآثار المترتبة على هذه الدراسة إلى شقين، يشملان كلاً من المؤسسة والفرد؛ إذ تشير الدراسة، فيما يخص المؤسسات، إلى أن التحيز الخفي قد يؤثر على التخطيط لتعاقب القيادات ويعطي الأفضلية للأفراد الأصحاء دون داعٍ. ووفقاً للورقة البحثية، "قد يكون لدى القائد ذي المظهر الصحي الجيد نسبياً فرصة أفضل لاستقطاب أعداد كافية من الأتباع وإقناعهم ببدء التغيير. ومن ناحية أخرى، فقد يتعرّض القائد المحتمل الذي يبدو أقل صحة نسبياً للتجاهل حتى لو كان أكثر ملاءمة للمنصب".
وتُعتبَر الآثار أكثر وضوحاً بالنسبة للأفراد، وتتلخص فيما يلي: حافظ على صحتك.
وينصح سبيساك قائلاً: "إذا أردت أن يقع عليك الاختيار لشغل منصب قيادي، فإن المظهر الذكي يشكّل ميزة إضافية اختيارية" لا يُعتدُّ بها إلا في سياقات معينة. ويضيف: "يبدو المظهر الصحي مهماً في مجموعة متنوعة من المواقف". حتى إن الباحثين يرون أن هذا هو ما يجعل السياسيين المعاصرين يولون صحتهم ومظهرهم كل هذا القدر من الاهتمام.
وإذا كنتَ من النوع الذي يتحيّن فُرصة العام الجديد لوضع أهداف جديدة وصياغة خطة تنفيذية لتحقيق هذه الأهداف، فعليك أن تقاوم إغراء التركيز على الأهداف المهنية أو الصحية فقط أو الفصل بين الاثنين في ذهنك. عليك أن تفكر بدلاً من ذلك بطريقة شاملة. وإذا كنت تسعى للحصول على ترقية طال انتظارها، فاعلم أن صحتك لا تقل أهمية عن الخبرات العملية والمعرفة النظرية اللتين تخطط لاكتسابهما هذا العام (إن لم تكن تفوقهما أهمية).