الانشغال ليس نجاحاً دائماً: أسباب تلاعب الرؤساء التنفيذيين بالنتائج في السعودية

2 دقيقة
الشركات السعودية
shutterstock.com/thodonal88

في عالم الشركات السعودية اليوم، أصبح من الشائع أن ترى الرئيس التنفيذي منهمكاً في أكثر من دور: تجده رئيساً تنفيذياً هنا، وعضواً في مجلس إدارة هناك، ومستشاراً لشركة أخرى في مكان آخر. قد ينظر إليه في البداية على أنه "نجم إداري" متعدد المهام، لكن هل هذا الانشغال يعكس النجاح فعلاً؟ وهل كثرة المناصب علامة قوة أم مؤشر خطر؟

دراستان حديثتان من جامعتي الجوف والملك فيصل السعوديتين تقدمان إجابات واضحة وصادمة بهذا الخصوص: تعدد المناصب وكثرة انشغال الرئيس التنفيذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بانخفاض دقة البيانات المالية وتزايد التلاعب في النتائج المالية للشركات.

درس الباحث طلال الرويلي في بحث جامعة الجوف بيانات 134 شركة مدرجة في سوق تداول بين عامي 2019 و2022، واكتشف 4 صفات تجعل المدير التنفيذي أكثر قابلية للتلاعب بالنتائج المالية:

أولاً، كلما طال بقاء المدير التنفيذي في منصبه، زادت احتمالات التلاعب. يبدو أن طول فترة الإدارة يخلق شعوراً بالسيطرة المطلقة، ما قد يدفعه إلى تجميل الأرقام.

ثانياً، كلما ارتفع راتب المدير التنفيذي أو مكافأته، ازداد إغراؤه بإظهار أداء مميز ولو بصورة وهمية، سعياً لزيادة مكاسبه الشخصية.

ثالثاً، إذا كان المدير عضواً في مجلس الإدارة أيضاً، فإنه يمسك بزمام الأمور من الجانبين، ما يجعله أكثر قدرة ورغبة في تعديل الأرقام لمصلحته.

رابعاً، إذا كان المدير يمتلك أسهماً في الشركة، فإنه أكثر استعداداً للتلاعب حفاظاً على ارتفاع قيمة أسهمه.

لكن المثير للانتباه في هذه الدراسة أنها وجدت عاملاً واحداً فقط يقلل من هذه الممارسات السلبية، هو امتلاك المدير التنفيذي خبرة مالية. هنا تصبح المعرفة المالية حصناً واقياً يمنع المدير من المغامرة بسمعة الشركة ومستقبلها.

المدير الذي لا يملك هذه الخبرة قد يندفع لتحسين النتائج المالية على الورق دون إدراك العواقب الطويلة الأجل. في المقابل، من لديه معرفة عميقة بالأمور المالية يدرك جيداً أن التلاعب في الأرباح قد يعطي نتائج قصيرة المدى، لكنه سيلحق ضرراً بالغاً بمصداقية الشركة وجاذبيتها للاستثمار على المدى الطويل.

إذا كنت مهتماً بمتابعة المزيد من أفكار الدكتور حمود المحمود، فإنه سيطلق قريباً نشرة بريدية موجهة للمدراء العرب والطامحين للقيادة، سجل على الرابط من هنا لتصلك النشرة عند انطلاقها.

أما الدراسة الثانية الصادرة عن جامعة الملك فيصل في يناير/كانون الثاني 2025، فقد درس فيها الباحثان عبد الرحمن العمير، وعبد العزيز سعيد النعيم، بيانات 125 شركة سعودية بين عامي 2018 و2022. وتبين بكل وضوح أن كثرة انشغال الرئيس التنفيذي، وتوزيع وقته وتركيزه بين عدة مناصب، يقلل من دقة المعلومات المالية، خاصة بيانات الميزانية. وتفسر الدراسة السبب ببساطة: المدير المشغول لا يستطيع متابعة العمليات اليومية بدقة، ما يؤثر سلباً على جودة البيانات، ويضر بثقة المستثمرين في الشركة.

والمثير في الدراسة الثانية أنها قدمت نتيجة مختلفة فيما يتعلق برئيس مجلس الإدارة ورئيس لجنة المراجعة، فقد وجدت أن انشغالهما المحدود في مناصب أخرى قد يكون إيجابياً. فهما يجلبان خبرات واسعة وشبكات رقابية تساعد في رفع مستوى الشفافية وجودة التقارير المالية، شريطة ألا يصل الانشغال لدرجة فقدان السيطرة على مسؤولياتهما الأساسية.

هذه النتائج تقودنا مباشرة إلى أهم النصائح العملية للشركات والمستثمرين في السوق السعودية:

أولاً، لا تسمح بانشغال المدير التنفيذي. فهذا المنصب الحيوي يحتاج إلى تفرغ تام لضمان الدقة في إدارة الشركة ومتابعة يومية للعمليات المالية.

ثانياً، استفد من الخبراء المشغولين في المناصب الرقابية فقط، ولكن بحذر. فرئيس مجلس الإدارة أو لجنة المراجعة، إذا انشغل في مناصب مشابهة انشغالاً محدوداً، يمكن أن يضيف قيمة واضحة إلى الحوكمة وجودة الرقابة.

ثالثاً، عزز قواعد الحوكمة الواقعية. بدلاً من منع تعدد المناصب بصورة مطلقة، ضع معايير محددة واضحة تميز بين المنصب التنفيذي الذي يحتاج إلى تفرغ كامل والمناصب الرقابية التي قد تستفيد من تعدد الخبرات.

في النهاية، ربما حان الوقت لإعادة تعريف مفهوم "النجاح الإداري" في السعودية، من كثرة الظهور وتعدد المناصب إلى الوضوح والتركيز الكامل على دقة الأرقام والمصداقية. فالنجاح الحقيقي هو بناء ثقة دائمة مع المستثمرين والمساهمين، لا مجرد صورة خادعة من النجاح المؤقت.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي