إن العمل لساعات طويلة في بيئة شديدة التطلب يمكن أن يرهقك بكل تأكيد. ولكن وفقاً للأبحاث، هناك ثمن يدفعه المرء جراء يوم عمله المجهد، ألا وهو إهمال المهام الثانوية، والتي على الرغم من أنها قد لا تكون ظاهرة كثيراً أو لن يمدحك مديريك على أدائك لها، إلا أنها تكون أساسية جداً لأمان مؤسستك.
لكن هناك بعض الأخبار السارة، إذ إن الاستراحات المنتظمة والطويلة نوعاً ما تحسّن الأوضاع كثيراً.
هناك ورقة علمية نُشرت في مجلة "العلوم النفسية التطبيقية"، وهي تُعتبر الأولى من نوعها التي تقيس "ما إذا كانت المطالب التي يفرضها العمل المتراكم يمكن أن تؤثر على الامتثال للقواعد على مدار يوم عمل واحد". وقد وضع مؤلفو الورقة فرضية مفادها أنه مع مرور الوقت على العامل خلال نوبة عمله، فإن امتثاله "بالمعايير المهنية" (وهنا نقصد أموراً مثل غسيل اليدين في المستشفى على سبيل المثال) سيتراجع، وسيتفاقم هذا الأمر أكثر عندما يكون إجهاد العمل أعلى أو بعد مجموعة متراكمة من نوبات العمل. إضافة إلى ذلك، يلمّح المؤلفون إلى أنه عندما يأخذ العمال استراحات ما بين نوبات العمل، فإنهم سيكونون أكثر ميلاً إلى الامتثال للمعايير المهنية عند العودة إلى العمل.
وقد تبيّن أن كل فرضياتهم كانت صحيحة تماماً
اختبر هؤلاء الباحثون فرضياتهم من خلال تتبع مدى نظافة أيدي العاملين في المستشفيات وذلك لأسباب ثلاثة: أولاً، لأنها واحدة من أكثر الطرق فعالية للتقليل من مخاطر انتقال الأمراض المعدية، ثانياً، لأن العمل في المشافي متطلب جداً وغالباً ما يتضمّن العمل لنوبات طويلة، ثالثاً، لأن غسل اليدين على الرغم من حيويته غالباً ما لا يُنظر إليه على أنه من المهام الأساسية للأطباء أو الممرضين.
درس هؤلاء الباحثون البيانات الخاصة لأكثر من 4 آلاف شخص من مقدّمي الرعاية الصحية في 37 مستشفى مستعملين "بروفينتيكس" (Proventix)، وهي شاشة مراقبة تقيس متى يستعمل الموظفون أجهزة صابون غسل اليدين ومعقم اليدين. وقد تبيّن أن غالبية العمال لم يمتثلوا على الإطلاق، وأن حجم الامتثال كان يزداد سوءاً مع مضي ساعات اليوم. وقد أخبرتني كبيرة الباحثين في الدراسة أنه "عندما أدخلنا البيانات الخام في الحاسوب، فوجئنا بالتراجع الهام والقوي الذي لاحظناه في نظافة اليدين على مدار نوبة عمل واحدة".
صحيح أن هذه الأرقام مرعبة بما يكفي، بيد أنها لا تعني بالضرورة بأن تزايد التعب على مدار نوبة العمل هو السبب المباشر لانخفاض النتائج فيما يتعلق بغسل اليدين. لذلك اختبر الباحثون النتائج مقابل مدى إجهاد العمل. وقد وجدوا أن العمل لساعات أكثر، والذي فاقمه العمل في أوضاع أكثر إجهاداً (الأمر الذي صعّب على الموظفين التقاط أنفاسهم) قاد الموظفين إلى غسل أيديهم بوتيرة أقل حتى.
لكن المهم في الأمر هو أن هذه التأثيرات لوحظت بعد ساعات العمل المجردة
في الوقت الذي تعتبر فيه هذه مشكلة لمدراء المشافي وغيرهم من مدراء الرعاية الصحية الآخرين، يمكن أن يكون التعب الناجم عن المهام الثانوية مهماً في مجالات أخرى، بحسب كبيرة الباحثين داي، مثل أولئك الذين يعملون في تقديم خدمات الحقول النفطية الذين يتعيّن عليهم الامتثال لأنظمة السلامة، أو المصرفيين في المصارف الاستثمارية (والذين يشتهرون بالعمل لساعات طويلة جداً) الذين يجب عليهم الانتباه إلى قواعد التداول.
بيد أن هناك خطوات بوسع المدراء اتخاذها لجعل الموظفين يلتزمون بالمهام الثانوية. على سبيل المثال، توصل البحث إلى أن الاستراحات ما بين نوبات العمل زادت من معدل الامتثال، ولا سيما إذا كان الموظف قد نال قسطاً أطول من الراحة بعد العمل لساعات أطول.
توصي كبيرة الباحثين داي المدراء بتطوير طرق لتذكير موظفيهم بالمهام الثانوية الملقاة على عاقتهم، ولا سيما عند نهاية نوبة العمل، وكذلك التفكير في تنفيذ أنواع مختلفة من التداخلات طوال يوم العمل بوسعها أن "تبدّل وتيرة العمل اليومية وتساعد الموظفين على استعادة قدرتهم على تنظيم ذاتهم دورياً. وتؤكد أنه بوسع المشرفين تشجيع الآخرين (وتذكير أنفسهم) بالاستفادة من النشاطات التي يُظهر البحث أنها قادرة على محاربة التعب، مثل أخذ قيلولة أو تأمّل منظر طبيعي. بعبارة أخرى، هذا برهان إضافي على أننا جميعاً نحتاج إلى التنزه مشياً على الأقدام.