على الرغم من الفرق بين الشراكة والاندماج والاستحواذ (M&A)، إلا أنّ الكثير يستخدم هذه الكلمات في غير موضعها. ففي حالة الاندماج، تذوب الشركات المعنية في وحدة تنظيمية جديدة مثل بنك أبوظبي الأول الذي نشأ من دمج بنك الخليج الأول في بنك أبوظبي الوطني بإجمالي أصول بلغ نحو 182 مليار دولار عام 2016. وتقريباً ذات الأمر بالنسبة للاستحواذ، حيث يُستحوذ على الشركة الأصغر حجماً سواء بإرادتها أو عكس إرادتها، وتُنقل أصولها للشركة المستحوذة، ولو أنه في كثير من الأحيان تحافظ الشركة المستحوذ عليها على علامتها التجارية ونسبة معينة من الاستقلالية، أو جزء ضئيل من الملكية كما هي الحال مع شركة فولكس فاغن التي استحوذت على نسبة 99.64% من أسهم شركة أودي.
بالنسبة للشراكة، فهي باختصار تمثل حلاً وسطاً بين المواجهة المباشرة، ممثلة في المنافسة، والاندماج أو الاستحواذ، وتعد هذه الوضعية الوسط بين المنافسة الحرة التي يحكمها السوق والتقارب الكلي داخل نفس الوحدة التنظيمية هو ما يميز الشراكات الاستراتيجية عن باقي علاقات التعاون، أي أن الشركاء يسعون إلى الاستفادة من إيجابيات المنافسة والاندماج أو الاستحواذ وتجنب سلبياتهما في نفس الوقت.
اقرأ أيضاً: ما الذي تخبرنا به الاندماجات الكبرى لعام 2017 عن العام 2018؟.
الفرق بين الشراكة وعمليات الاندماج والاستحواذ
فيما يلي، أهم مميزات الشراكات الاستراتيجية مقارنة بعمليات الاندماج والاستحواذ :
أولاً، تسمح الشراكات باستغلال الروابط التي تنشأ بين الشركاء داخل نطاق تعاون محدد بدقة دون المساس بباقي أنشطة الشركة، وهو ما يعتبر ميزة كبيرة مقارنة بعمليات الاندماج والاستحواذ التي عادة ما تؤدي إلى تنويع غير مرغوب فيه، أي الحصول على أكثر مما تريد وتدفع مقابل ذلك ثمنا باهظاً. عندما اشترت شركة بروكتر آند غامبل علامة لامس" (Lams) لصناعة الأطعمة الفاخرة للحيوانات المنزلية في العام 1999 لقاء 2.3 مليار دولار أميركي، لم تكن على علم أنها ستضطر لإعادة بيعها لشركة مارس (Mars) عام 2014 التي كانت تمتلك بالفعل علامات تنتمي لنفس مجال أطعمة الحيوانات، وذلك بعدما أيقنت أنها استحوذت على تشكيلة من العلامات التجارية البعيدة نسبياً عن نشاطها الأساسي، وارتفاع عدد الشركات المنافسة المتخصصة في نفس مجال الأطعمة، لذلك كثيراً ما تُتبع عمليات الاندماج أو الاستحواذ بمرحلة إعادة تركيز طويلة ومكلّفة تتعلق بالتخلص من النشاطات البعيدة عن النشاط الأساسي.
على النقيض من ذلك، قد تؤدي هذه العمليات إلى تركيز مفرط في مجال نشاط واحد، وهو ما يفرض على الشركة المستحوذة تقليص حصتها السوقية في مجال النشاط المستهدف من أجل احترام شروط السلطة القانونية القائمة على تنظيم المنافسة. في هذا الصدد، قام قاض فيدرالي في الولايات المتحدة الأميركية بإحباط صفقة استحواذ ستيبلز (Staples) على منافسه المباشر أوفيس ديبو بقيمة 6.3 مليار دولار سنة 2016، وصرحت ديبي فاينستاين مديرة لجنة التجارة الفيدرالية بخصوص هذه العملية: "سيؤدي هذا الاتفاق إلى إلغاء المنافسة المباشرة بين الشركتين، كما سيؤدي على الأرجح إلى زيادة في الأسعار وانخفاض في جودة المنتجات ما يؤثر سلباً في زبائن الشركات المعنية".
ثانياً، في حالة استحواذ الشركة على قسم معين فقط (قسم البحث والتطوير مثلاً)، يمكن أن يفقد الموظفون ذوي المهارات الخاصة المنتمين لهذا القسم الكثير من قيمتهم، لأن الدعم الذي كانوا يحصلون عليه من موظَفي الأقسام أخرى سوف ينقطع أو يتغير. يمكن تشبيه هذه الحالة مع ما يحصل في مجال الرياضة، حيث يُرجع الكثير من خبراء كرة القدم المستوى المنخفض الذي يقدمه النجم ليونيل ميسي مع منتخب الأرجنتين، إلى انقطاع أو على الأقل انخفاض جودة الدعم الذي يتلقاه مع منتخب بلاده مقارنة مع طبيعة الدعم الموجود في ناديه الإسباني برشلونة. في حالات أخرى تغادر الكفاءات المستهدَفة الشركة المستحوذ عليها مباشرة بعد إتمام صفقة الاستحواذ، ما يعني الحصول على أصول باهظة وفارغة لا تحتاج إليها الشركة أو ما يُطلق عليه مصطلح "العلبة الفارغة" (Empty Box)، في حين لو كان الاتفاق عبارة عن شراكة، فيمكن فضّه إذا كانت موارد الشريك لا تلبي الطموحات، وهو ما يعتبر ميزة أخرى، حيث تتيح درجة من المرونة في التراجع عن بعض القرارات. (The Reversibility)
اقرأ أيضاً: لا تتجاهل عملاءك أثناء عملية الاندماج.
ثالثاً، حقيقة أن الشركاء يحافظون على استقلاليتهم خارج مجال التعاون يمثل ميزة أخرى، فحفاظ الشركات على هويتها وثقافتها يجنبها الصدمات الثقافية التي تحدث عادة بين العمال في مرحلة ما بعد الاندماج والاستحواذ (Post-Merger Integration)، ويوفر عليها تكاليف إرساء ثقافة موحدة بين عمال الشركتين.
لعل الفشل الذي مُنيت به عملية اندماج دايملر بنز مع كرايزلر خير مثال على خطر الصدمات الثقافية. علاوة على ذلك، يقع عدد كبير من الشركات الناشئة التي استُحوذ عليها من شركات كبيرة في التعقيدات البيروقراطية لهذه الأخيرة، وتخسر المرونة والقدرة الابتكارية التي تمثل مصدر ميزتها التنافسية، وهذا ما حدث في الكثير من عمليات الاستحواذ في مجال صناعة الأدوية أين تستحوذ المخابر العالمية على شركات ناشئة محلية.
رابعاً، تبنيّ الشراكات الاستراتيجية له مزايا أيضاً مقارنة بالالتجاء إلى السوق (صفقات شراء)، ففي حالة رغبة الشركة الحصول على أصول خاصة أو تطوير منتجات مبتكرة، فإن اللجوء إلى متعهد خارجي يعتبر خياراً محفوفاً بالمخاطر لأنه يمكن أن يطور سلوكاً انتهازياً ويرفع الأسعار أو ألاّ يستثمر بما فيه الكفاية، فالحل من أجل تخفيض التكاليف يتمثل في استثمار مشترك في تطوير هذا المنتج على شكل مشروع مشترك مثلاً.
أما في حالة البحث عن الكفاءات، فعادة ما يصعب الحصول عليها من السوق، إما بسبب ثمنها الباهظ جداً، أو بسب طبيعة الكفاءة في حد ذاتها على اعتبار أنها ضمنية أو تكمن في عمل جماعة من الكفاءات، فهي صعبة جداً للنقل، كما أن تطوير كفاءة عن طريق القدرات الخاصة للشركة (نمو داخلي) يُعتبر بطيئاً وغير مضمون النتائج، وشراء تكنولوجيا جديدة يتطلب وقتاً وتكويناً طويلاً من أجل التحكم فيها، إذن، فالشراكات تعطي الفرصة للتعلم والاستفادة المتبادلة من كفاءات الشركاء عن طريق العمل المشترك.
اقرأ أيضاً: لماذا أصبحت عملية الدمج والاستحواذ التقليدية أقل أهمية؟.
خامساً، أخيراً، يمكن أن تصبح الشراكات الاستراتيجية أداة لتنفيذ خيارات الاستراتيجية الكلية للشركة بفعالية، ففي حالة النمو عبر دخول سوق جديد، يمكن استخدام مشروع مشترك مع شركة محلية، يكون بهدف الاستطلاع والتعرف على بيئة الأعمال المحلية وفرص النمو، لاسيما في الأسواق التي تتميز بدرجة مرتفعة من حالة عدم التأكد أو الأسواق المحمية من حكومات بلدانها، وذلك قبل الدخول فعلياً في هذه الأسواق، أما في حالة رغبة الشركة الخروج من أحد مجالات النشاط غير المربحة، فإن الشراكة تمثل مرحلة انتقالية نحو التخلي الكلي عن هذا النشاط ينقل فيها البائع معرفته إلى المشتري، ما يُعطي هذا الأخير فكرة واضحة عن قيمة النشاط الذي هو في صدد شرائه ويجنبه الاستثمارات الإضافية لتعلم المهنة الجديدة.
يعتبر المشروع المشترك "فيليبس-ويرلبول" (Philips-Whirlpool) الذي دام ثلاث سنوات من 1989 إلى 1992 مثالاً جيداً على هذين الخيارين، فشركة فيليبس أرادت أن تخرج من قطاع الأجهزة الكهرومنزلية عن طريق هذا المشروع المشترك، واستخدمت فترة الشراكة في نقل المعرفة والخبرة الطويلة بالسوق الأوروبية إلى الشريك الأميركي وبالتالي تقييم أفضل لهذا النشاط، وشركة ويرلبول الأميركية من جهتها أرادت أن تخترق السوق الأوروبية وتتعرف عليها من خلال خبرة شريكها، قبل شراء كل أسهم المشروع المشترك عام 1992، والاحتفاظ بحق استعمال العلامة التجارية "فيليبس-ويرلبول" لغاية عام 1998، أي لغاية تعرّف الزبائن الأوروبيين على العلامة الأميركية، ولكي نتفادى الخلط بين هذه المصطلحات، علينا أن نذكر أنفسنا باستمرار بالفرق بين الشراكة و الاندماج والاستحواذ.
اقرأ أيضاً: لماذا يجب عليك تقييم أمن بيانات الشركة قبل عملية الاستحواذ عليها؟.