الانخراط داخل مجموعة يثري ثمار التعلم

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نادراً ما ينمو المرء بمعزل عن الآخرين. في الواقع، قدم بعض علماء النفس دليلاً دامغاً على أننا لا ننمو إلا بالتعايش مع الآخرين وعقد رباط تواصل معهم. ومع ذلك، فنحن لسنا بحاجة إلى الآخرين حينما يتعلق الأمر ببرامج التدريب أو التطوير الرسمية، إننا قادرون على خلق فرصنا الخاصة بحيث نتمكن من اكتساب فكرة أوضح وأعمق عن الأشياء، وأن نتسلح بالمعرفة، ونتزود بالمهارات التي تدفعنا إلى الأمام في مسار تصاعدي. لكن يمكننا أن نحظى بقدر أكبر من السيطرة على تعلمنا وتطورنا في العمل إذا جعلنا بناء علاقات رفيعة المستوى إحدى أولوياتنا.

إذاً، ما هي العلاقات رفيعة المستوى؟ إنها العلاقات التي نبنيها مع الناس من حولنا، ونشعر فيها بتقبل إيجابي منهم، وبتفاهم متبادل معهم، وبالحيوية في التواصل معهم. التقبل الإيجابي هو الشعور بأن الشخص يرى أفضل ما فينا من خصال، حتى إذا كانت قد جمعتنا علاقة منذ وقت قريب. أما التفاهم المتبادل فهو شعورنا بالتجاوب والانفتاح من جهة الشخص الآخر. وأخيراً، الحيوية وهي تعكس الشعور العميق بالطاقة الذي يتخللنا عندما نتواصل مع شخص آخر – كما لو دبت فينا الحياة بقوة أكبر في هذه اللحظة.

وتصف باربرا فريدريكسون العلاقات رفيعة المستوى بأنها “اللحظات الصغيرة من الحب”. ولا تدع كلمة “الحب” تشعرك بالخوف. فهذه اللحظات من الإفعام بالحياة بالتواصل مع الآخرين تخلق لنا بيئة من الأمان والقدرات المعززة، تصبح بدورها أرضاً خصبة للتطور. فنحن ننمو ونتطور في علاقات رفيعة المستوى لأن ذلك يوسع مداركنا، ويجعلنا نستوعب المعرفة بشكل أسرع، ويعطينا مخزون تدابير وأفعال واسع النطاق، كما أننا نصبح أكثر انخراطاً ومرحاً وانفتاحاً ومرونة في مواجهة الانتكاسات. وتتناقض العلاقات رفيعة المستوى تناقضاً صارخاً مع العلاقات رديئة المستوى، التي تنخفض فيها فرص التطور والنمو، بسبب ما نشعر به في هذه العلاقات من نقص، وحاجة إلى الدفاع عن النفس، وانعدام الأمان.

تُظهِر الأبحاث التي أجريناها نحن وزملاؤنا، أن هناك 8 طرق على الأقل يمكننا من خلالها التطور والتحسن من خلال العلاقات رفيعة المستوى. وضع في اعتبارك أن هذه الطرق لن تعمل مع العلاقات الأقل جودة.

  1. أنشئ مجموعة عمل في وقت وجبة الغذاء، أو بعد ساعات العمل الرسمية، مؤلفة من أشخاص يعملون معك في مؤسستك، وذلك لمشاهدة حوارات تثقيفية، أو للالتحاق بدورة تدريبية عبر الإنترنت معاً. وادعموا بعضكم، وتنافسوا فيما بينكم تنافساً بنّاء. على سبيل المثال، شاهدوا حلقة من مؤتمر “حديث تيد” (TED Talks)، لبناء قدرات التحكم في الضغط والتوتر لديكم، فإنها تعطي إلهاماً وتثقيفاً حول الاستراتيجيات الناجحة لتخفيف الضغط والتوتر.
  2. قدم إلى فريقك أو مجموعة عملك مقترحاً لدورة تعليمية تدار ذاتياً، وتقاسموا معاً مسؤوليات تصميم العناصر المختلفة من البرنامج التدريبي، وقيادتها. فقد صمم طاقم العمل من كلية جاين – “كلية روس لإدارة الأعمال” (Ross School of Business) – برنامجاً تدريبياً مدته 6 أسابيع عن القيادة الإيجابية. وأدى انخراطهم الشخصي في تصميم البرنامج وتنفيذه إلى الخروج ببرنامج ناجح: ولم يقتصر ذلك النجاح على تكرار البرنامج في العام القادم، لكنه مهّد أيضاً لظهور فرص تعلم جديدة في صورة مبادرات طرحها طاقم العمل. ويعمل الطاقم الآن على تصميم برنامج تدريبي بشهادة معتمدة، لتلقين محتوى برنامج القيادة الإيجابية التدريبي لفرق أخرى في الجامعة.
  3. حدِّد أهداف التعلم لفترة معينة من الوقت، وادع شخصاً أو شخصين ممن حولك ليكونوا شركاء مشرفين عليك، لتشجيعك على تولي مسؤولية تحقيق هذه الأهداف، ودعمك. ففي شركة استشارية تناولتها إيميلي في دراستها، تعاون أحد الشركاء مع مدير مشروعات، بهدف دعم تطور ونمو بعضهما بعضاً. فأحدهما أراد العمل على تطوير المهارات اللازمة للحصول على ترقية في السلم الوظيفي، والآخر وجّه تركيزه على تحقيق قدر أكبر من التوازن بين العمل والحياة الشخصية. وعن طريق عقد جلسات توجيه وإشراف منتظمة وغير رسمية، استطاعا مساعدة بعضهما بعضاً في تحقيق أهدافهما. وكان الاتفاق فعالاً للغاية، لدرجة أنهما استمرا في عقد جلسات إشراف وتوجيه بشكل دوري.
  4. ابحث عن تحدٍ في مؤسستك، وألّف فرقة عمل أو مجموعة عمل لمواجهته، مع وضع هدف صريح من ذلك يتمثل في بناء علاقات رفيعة المستوى تؤدي إلى تعليم جميع أفراد المجموعة وتطويرهم. وفي شركة حلول القوى العاملة “كيلي سيرفيسز” (Kelly Services)، اكتشف اثنان من قادة العمليات وجود حاجة إلى زيادة توجه إعداد القيادات بالشركة، وكذلك تعزيز التواصل مع الموظفين من خلال تقوية شبكات التواصل. وفضلاً عن ذلك، أرادا تحسين سمة الحنكة في إدارة الأعمال، وكذلك فهم العمل بين جميع القادة. وقد أسسا مجموعة موارد أعمال تدعى “القيادة في قلب الحدث” (“Leadership in Action “LIA)، والتي تضم مدراء من مستويات متعددة في الشركة، ونظمت المجموعة مقابلات وأحداث ومحاضرات دراسية عبر الويب، قدم فيها كبار القادة نظرة متعمقة على التغييرات التي طرأت على السوق الخارجي، وكيف تعاملت استراتيجية الشركة مع هذه التغييرات. وقد استخدم أعضاء المجموعة وسائل تواصل، مثل “سيلزفورس تشاتر” (Salesforce Chatter)، وهي شبكة تواصل اجتماعي داخلية، لتشجيع الموظفين على عقد نقاشات، كما شاركوا مقالات على الشبكة الداخلية للشركة. وكان الانطباع عن مجموعة “القيادة في قلب الحدث” إيجابياً للغاية، فقد ترقى العديد من أعضاء المجموعة إلى مناصب قيادية جديدة (تتضمن مناصب قيادية عليا)، وقد أشار هؤلاء الأعضاء إلى مشاركتهم في المجموعة باعتبارها عاملاً رئيسياً وراء نجاحهم.
  5. خض تجربة مشتركة مع زملائك الذين تربطك بهم علاقات رفيعة المستوى، بهدف استكشاف “نظرات جديدة” حول كيفية إتمام العمل، وفهم هذه النظرات. على سبيل المثال، ضع نفسك مكان عملائك، وحاول فهم تصوراتهم. وقد فعلت شركة “ثيداكير” (Theda Care)، وهي نظام صحي مؤلف من 5 مستشفيات في أبليتون بويسكنسون، هذا بالضبط، عندما لعب فريق من موظفي الشركة دور المرضى داخل المستشفى، من قبيل التحضير لإعادة تصميم نظام توصيل الرعاية الصحية الحرجة والطارئة. وقد أسهمت التغييرات التي أوصى بها الموظفون في إدخال تحسينات هائلة على مدى أمان الرعاية وكفاءتها وفعاليتها.
  6. أعد إشعال النشاط في مجموعة أو فريق عمل تشترك فيه حالياً، عن طريق رفع جودة العلاقات بنشاط. وشجع الأعضاء على التماس المساعدة من بعضهم بعضاً، وكذلك مساعدة أحدهم الآخر. على سبيل المثال، دأب أعضاء فريق القيادة المسؤول عن عرض “هاميلتون” (Hamilton) الرائع بمسرح برودواي على طلب المساعدة من بعضهم بعضاً، حتى يتمكنوا من الأداء بشكل بارز أثناء تطوير العرض. ووصف بعض أعضاء الفريق مجموعة العمل بأنها “أكثر مساحة مُحِبة ومحفزة على الإبداع ولطيفة الروح عملت بها على الإطلاق. لم يكن هناك ما يدعى “الخطأ”، فيمكنك أن تفشل في الأداء فشلاً ذريعاً، وتعود في اليوم التالي وتحاول دون أدنى مشكلة”. وفي حالة هذا الفريق، ساعدتهم هذه العملية على تأسيس استعراض فني موسيقي أيقوني وفريد من نوعه.
  7. أما بالنسبة للموظفين الذين يعملون عن بعد، أو الذين يحظون بقدر محدود من التواصل وجهاً لوجه، فابذل جهداً مضنياً لمشاركة قصص عن التحديات والفرص التي يتضمنها إتمام العمل معهم شخصياً. فقد أظهرت دراسات عديدة أن مشاركة قصص العمل أمر ضروري للغاية في تطوير المعرفة الضمنية، ولضمان أن جميع الأسئلة قد طرحت بشكل آمن ومتواتر، ولإتاحة الفرصة أمام أصحاب المهن المشابهة لمشاركة خبراتهم وتقويتها. درس كريس مايرز الفِرق الطبية المرافقة لرحلات الطيران في العديد من المستشفيات الجامعية، ووجد أن هذه الفرق تستخدم وقت استراحة الغذاء عادة للبحث عن بعضها، ومشاركة قصص مبنية على حالات واقعية، وهو أمر شديد الأهمية لمعرفة التشخيصات الحديثة والتقنيات العلاجية الجديدة.
  8. وسّع نطاقات مجتمع عملك بحيث تحظى بعلاقات عمل تمتد خارج سقف العمل المشترك، وذلك للعثور على مصادر جديدة للتعلم والدعم. إذ كانت إيميلي، وهي عازفة موسيقية، على علاقة بعازفين موسيقيين آخرين (عازف كمان، وعازف طبلة، وعازف بوق، وعازف باص جميعهم من الفرقة الموسيقية نفسها)، وقد اتفقوا على عزف آلحانهم أمام بعضهم بعضاً خارج إطار العمل، بغرض تحسين مهارتهم الفنية، وقدرتهم على العزف. وأصبحت هذه المجموعة مكاناً يمكن لكل عازف فيه أن يحدد لنفسه أهدافاً طموحة، ويحصل على تقييم من عازفين لهم آذان موسيقية، ولا يتنافسون على نفس الوظيفة. ونتيجة لذلك، نجح 3 منهم في اجتياز تجارب الأداء في فرق موسيقية أعلى شأناً.

مع تضاؤل مقدار الاستثمارات التي يضخها أصحاب العمل في التدريب والتطوير، يجب علينا جميعاً حمل مسؤولية تطوير أنفسنا. إذ يمكن للمرء تعزيز فرص التطور والتعلم، من خلال بناء علاقات رفعية المستوى. فابحث عن هذا النوع من العلاقات داخل فريق عملك وخارجه، وخارج حدود مؤسستك، أو حتى خارج إطار حياتك المهنية. وأعظم فائدة تعود من الاستثمار في بناء هذه العلاقات والحفاظ عليها هي أن الجميع يربح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .