3 انحيازات سلوكية تحول دون تحولك لضفدع برتقالي

5 دقائق
الانحيازات السلوكية
shutterstock.com/TierneyMJ
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعود مصطلح “الضفدع البرتقالي” (Orange Frog) إلى الأستاذ بجامعة هارفارد وخبير علم النفس الإيجابي “شون آكور”، ويُقصد به السلوك المتفائل والإيجابي الذي يسلكه الفرد ضمن مجموعة من الأفراد السلبيين، وأصل تسمية “الضفدع البرتقالي” تعود لقصة رمزية ذكرها شون آكور في أحد كتبه عام 2013، وتدور حول ضفدع يحمل بقعة برتقالية اللون على جلده، تميّزه على باقي أقرانه من الضفادع وتسبب له شيئاً من الإحراج نظراً لأنه مختلف، ثم يكتشف أن هذه البقعة تتوسع كلما مارس ما يحبه ويجعله سعيداً وأكثر إنتاجية، وهنا يواجه الضفدع قراراً صعباً: هل يحجم على فعل ما يجعله سعيداً وينتمي لمجموعته السلبية والمتشائمة دون اختلاف بارز، أم يستمر في فعل ما يحبّه ويصبح لونه برتقالياً مع مرور الوقت؛ ليؤْثر في نهاية الأمر تبنّي إرضاء ذاته على إرضاء الآخرين ويتبنّى حياة “برتقالية” مليئة بالسعادة والإنتاجية، ويلاحظ فيما بعد أن الضفادع الأخرى بدأت تقلده في أسلوب حياته وتتلون هي الأخرى باللون البرتقالي.

لا شك في أن السلوك الإيجابي أمر معدٍ بين الموظفين، لذلك يحث شون القادة والمسؤولين على إيجاد السلوكيات الإيجابية في بيئة العمل داخل الشركة وتشجيعها حتى لو كانت مخالفة لما هو متعارف عليه، ثم حث باقي الأفراد على تبنيها؛ لكن حتى تنتشر هذه الممارسات الإيجابية، يجب على الموظفين والمدراء الانتباه لثلاثة انحيازات سلوكية تثبت همة و الموظفين وتحول دون وصولهم للحالة التي أطلقت عليها أستاذة كلية الأعمال بجامعة هارفارد فرانشيسكا جينو اسم “التمرد البناء“. يمكن حصر هذه الانحيازات السلوكية فيما يلي:

1. الانحياز للوضع السائد (Status quo Bias)

أو “الانحياز الوضع الراهن”، وهو مصطلح استُخدم أول مرة من طرف الباحثين “سامويلسون” و”زيكهاوسر” عام 1988 لوصف تفضيل الأفراد للأوضاع الراهنة، ويُستخدم في مجال الأعمال لوصف العادات والتقاليد المؤسسية التي تنشأ وتستمر بحكم الروتين بدلاً من نشوئها نتيجة لاختيارات مدروسة. يمكن أن تؤدي هذه العادات إلى الجمود وفتور الحماس وتقييد القدرة على الابتكار أو العمل بمستوى متميز، إذ عادة ما ينحاز الموظفون إلى اتخاذ القرارات التي تحفظ الأوضاع الراهنة نتيجة لشعورهم بالثقة والاطمئنان عند التقيد بالأُطر المعتادة لهم في التفكير والتصرف، وذلك راجع لحقيقة أنهم يقيمون وزناً للخسائر المحتملة الناتجة عن مخالفة الوضع السائد أكثر مما يقيمون وزناً للمكاسب المحتملة.

يوجد انحياز سلوكي آخر مشابه له هو “انحياز الانتماء إلى المجموعة” (In-group Bias)، ويصف طبع البشر الذين يشعرون براحة أكبر عندما ينتمون إلى مجموعة اجتماعية معينة، ويميلون للاعتقاد بأن مجموعتهم تتفوق على أيّ مجموعة أخرى، وهو ما يؤدي إلى تفضيل آراء أفراد مجموعتهم الخاصة وتصرفاتهم، ويُساهم ذلك في بناء هويتنا الاجتماعية واحترامنا لذاتنا ويذكرنا أفراد مجموعتنا بهذا الانتماء ويحصلون في المقابل على معاملة تفضيلية بطريقة تلقائية.

2. متلازمة البطل (Hero Syndrome)

تُسمى أيضاً “عقدة البطل” (Hero Complex)، ويُقصد بها الحالة النفسية التي تدفع صاحبها للظهور بمظهر البطل في مختلف المواقف التي تواجهه، أو حتى في المواقف التي يفتعلها بنفسه؛ على سبيل المثال، قد يخلق الشخص موقفاً مزعجاً أو يضرّ بالآخرين، فقط كي يحصل على الفضل عند إصلاحه لاحقاً.

لا تُعدّ “عقدة البطل” مصطلحاً طبياً أو اضطراباً عقلياً يمكن تشخيصه بدقة، ومع ذلك فإن الأعراض التي تظهر على الشخص (مثل الإحساس بقيمة الذات على نحو مبالغ فيه) مشابهة لأعراض المرضى المصابين بـ “أوهام العظمة” (Delusions of Grandeur)، إذ يعتبرون أنفسهم مشهورين وأقوياء وفي بعض الأحيان يشيرون إلى أنفسهم بمصطلحات تتعارض مع الطبيعة البشرية.

توجد بعض العلامات يستدل بها المختصون، وتشير إلى شعور الفرد بعقدة البطل منها:

  • الاستعراض (Showboating): حب التميز عن الآخرين من حيث العمل أو أسلوب الحياة، والشعور بالحاجة لإنقاذ المحتاجين؛ على سبيل المثال، قد يسارع الشخص دوماً إلى تقديم المشورة دون طلب ذلك منه.
  • النرجسية (Narcissism): التباهي بمساعدة الآخرين والأنانية وحب الذات.

قد يؤثر وجود شخص يسعى دوماً للظهور بمظهر البطل في الأداء الجماعي لفريق العمل الذي ينتمي إليه، إذ أنه يعمد لتقديم المشورة دون الحاجة لذلك، ويتدخل في مهام الآخرين ليبدو بمظهر المتميز، ويعزو دائماً الفضل لنفسه، ما يؤثر سلباً في روح الجماعة وإنتاجية باقي الموظفين.

3. لامبالاة المتفرج (Bystander Apathy)

يُسمى أيضاً “تأثير المتفرج” (Bystander Effect)، و”متلازمة جينوفيز” (Genovese Syndrome)، وهو أحد الانحيازات السلوكية أو ظاهرة نفسية اجتماعية هي امتناع الفرد عن تقديم أي مساعدة للضحية بحضور أفراد آخرين. يعود أصل هذا المصطلح إلى عام 1964 عندما حدثت جريمة مروعة راحت ضحيتها “كيتي جينوفيز” البالغة من العمر آنذاك 28 عاماً، إذ قُتلت في شوارع نيويورك طعناً، وعلى الرغم من أن 38 شخصاً على الأقل سمعوا صراخها في الحي (حسب صحيفة نيويورك تايمز)، فلم يكلف أحد منهم نفسه عناء المساعدة أو طلب الشرطة، وهو ما دفع بالباحثان “جون دارلي” أستاذ علم النفس والشؤون العامة بجامعة برينستون، و”بيب لاتاني” أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة نورث كارولاينا إلى قيادة تجربة لدراسة العجز واللامبالاة الحاصلان في تصرف الأفراد ضمن المجموعات، وخلال تجربتهما، دُفع الأشخاص إلى الاعتقاد بأنهم جزء من نقاش جماعي حول مشكلات شخصية، وكان من بين الحضور شخص مصاب بنوبات الصرع؛ فتساءل دارلي ولاتاني عن الظروف التي ستساعد على التنبؤ إن كان الشخص الذي يشهد إصابة أحد الحضور بنوبة سيتخذ موقفاً سلبياً ويبقى متفرجاً، أو سيقاطع “الاجتماع” ويتخذ إجراء معيناً لمساعدة المصاب، وتبيّن أنه كلما كان حجم المجموعة أكبر، قل احتمال أن يتصرف الشاهد تصرفاً مغايراً لتصرف الآخرين من الحضور الذين لا يستطيعون المساعدة أو لا يريدون تقديمها، وصارت هذه الظاهرة معروفة باسم لامبالاة المتفرج.

بعد إجراء سلسلة من التجارب، توصّل دارلي ولاتاني إلى دافعيْن أساسيين وراء هذه الظاهرة: الأول هو “تأثير انتشار المسؤولية” (Diffusion of Responsibility Effect)، ويُقصد به تصوّر الفرد الذي يكون ضمن مجموعة أن المسؤولية تقع على عاتق فرد آخر، وأن هذا “الآخر” سيتصرف بعد قليل، أو أنه تصرّف بالفعل، ويظهر هذا الدافع في الحالات التي تكون فيها المسؤولية غير محددة بوضوح، وهو ما حدث بالفعل في حالة “جينوفيز”.
أما الدافع الثاني، فهو “قوة المعايير الاجتماعية” (The Power of Social Norms)، ويُقصد به أنّ تقييم الأفراد لأحداث معينة يتغير بوجود آخرين معهم، إذ يلاحظون في البداية ردود أفعال الآخرين ممن حولهم ثم يتصرفون بناء عليها، فإن رأى الآخرون أن ما يحدث حالياً هو أمر غير طارئ، يميل الفرد لتقييمه على أنه كذلك بالفعل، ومن مظاهر هذا الدافع تبادل النظرات بين الحاضرين لفهم ما يحدث؛ كما ينطوي هذا الدافع على عوامل أخرى مثل الامتناع عن تقديم المساعدة خوفاً من خرق خصوصية الآخرين، أو الخوف من الظهور بمظهر غير لائق أو مظهر الأحمق الذي يسيء التصرف.

حماية نفسك من الانحيازات لتصبح ضفدعاً برتقالياً

تكبح هذه الانحيازات السلوكية رغبة الفرد في التصرف بتلقائية واستثمار مواطن قوته الفريدة، وتحدي الوضع السائد، لذلك يجب الانتباه لها وفهم دوافعها ثم العمل على معالجتها حتى تستطيع الشركات توفير بيئة عمل أكثر ابداعاً وإنتاجية يشعر فيها الموظفون بالحماس تجاه عملهم، ويسهمون فيه بكامل طاقتهم.
بمجرد إحساسك بأنك تحت تأثير أحد هذه الانحيازات السلوكية استخدم هذه الأدوات للتقليل من قوة تأثيرها:

  • ذكّر نفسك دوماً بالأهداف التي تسعى إليها، وتحقق من مدى إسهام الوضع الراهن في خدمتها؛ فقد تكتشف أن بعض جوانب الوضع الراهن تقف حاجزاً بينك وبين تحقيق تلك الأهداف.
  • لا تنظر إلى الوضع الراهن على أنه الخيار الوحيد المتاح، وبادر إلى تحديد خيارات أخرى لتلجأ إليها كمعادِل في الوزن والقوة، مع تقييم كل ما بين يديك بحرص من ناحية إيجابياته وسلبياته.
  • اسأل نفسك إذا ما كنت ستختار الوضع الراهن كخيار في حال لم يكن هو الوضع الراهن الآن.
  • تجنب تضخيم الجهد المطلوب أو التكلفة المتوقعة عند الانتقال من الوضع الراهن إلى سواه.
  • تذكر أن رغبتك في الوضع الراهن ستتغير مع الزمن، وبالتالي حين تقارن البدائل، قيّمها في سياق المستقبل كما تفعل في سياق الحاضر.
  • إذا بدا لك عدد من البدائل التي تتفوق على الوضع الراهن، فلا تركن له فقط لأنك تجد صعوبة في الاختيار بينها وتحديد الأفضل، بل ألزم نفسك بالاختيار.
  • إن كان هناك شخص يريد أن يؤدي دور “البطل” في بيئة العمل، تكلم معه على انفراد وبيّن له أهمية العمل الجماعي وضرورته في تحقيق الأهداف المسطرة، بل وأن العمل التجاري نفسه قائم على مجهود الجميع وليس فرداً واحداً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .