كلما كانت الشركات عالمية ومتباعدة، كلما قلّ الاتصال البشري المادي. لم تعد مهمة المدراء هي التجوال في المكتب واستقبال الزائرين والتواصل مع الناس فقط. لقد تم استبدال الحضور مع الناس شخصياً لمناقشة القضايا الملحّة بالاجتماعات عن بعد عبر المؤتمرات على شبكة الإنترنت.
في شركة مايكروسوفت، حيث أعمل أنا "كاثلين" والمستشاران أيضاً "راسموس وجاكلين"، كان الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت "ساتيا ناديلا" وفريقه يعكفون على تجريب الأدوات الرقمية بغرض تضييق الفجوة وتقريب المسافات. وهذه بعض الاستراتيجيات العملية التي اعتُمدت لبناء ذلك المجتمع وخلق التواصل بين الموظفين والمديرين.
شبكات تواصل اجتماعية مؤسساتية
تُعتبر خدمات الشبكات الاجتماعية التابعة للمؤسسات قنوات مهمة للموظفين ليتواصلوا مع بعضهم ويتشاركوا الأفكار. وتستخدم شركة مايكروسوفت صفحة "يامر" (Yammer) كمنصة خاصة وقناة لنادالا والمدراء الآخرين ليتواصلوا مع الموظفين ويستمعوا لهم ويعرفوا ما بدور في أذهانهم. في صفحة "التواصل مع المدير التنفيذي"، يمكن للموظفين طرح الأسئلة والتواصل مع موظفين آخرين حول عديد القضايا؛ يمكن مناقشة أي شيء بدءاً باستراتيجية المنتَج وانتهاء بحوافز الموظفين. و يساعد هذا الأمر في تعزيز الشعور بالانتماء ويخلق تواصلاً مباشراً بين الموظفين والمدراء.
وتتخذ الشركة إجراءات استباقية بمتابعة الأسئلة على الشبكة الاجتماعية مباشرة من قبل كبار المدراء الذين يجيبون عن الأسئلة مباشرة. وبالانخراط في هذا النقاش الافتراضي فإن بوسع الإدارة الاستجابة السريعة للمتطلبات على أوسع نطاق، حيث يتم الحصول على وجهات نظر الموظفين القيمة وهمومهم في أي يوم. ويمكن أن يتدخل المدير في المحادثة في أي وقت ويقدم وجهة نظره، وهذه فائدة مهمة غير موجودة في طرق التواصل التقليدية داخل المؤسسات كدراسات الاستبانة. وبدلاً من التواجد مع الموظفين في المكاتب فقط، فمدراء مايكروسوفت يتواصلون مع الموظفين مباشرة في أي مكان من العالم، ما يسمح بتجاوز الحدود الجغرافية واستيعاب جداول أعمال متنوعة.
تفقد يومي للأعمال
يتلقى كل يوم عينة من الموظفين في شركة مايكروسوفت تقريراً عاماً "استبانة" يسمى التفقد اليومي. وهذا التفقد اليومي، الذي يعد بإشراف قسم الموارد البشرية، يعطي فكرة عما يشعر به الموظفون تجاه الشركة وثقافتها وغيرها من القضايا المتصلة. وتصمم الاستبانة بعناية لضمان الحصول على نتائج يسهل تحليلها وتفسيرها.
ويتألف التفقد اليومي من عشرين سؤالاً جوهرياً تقريباً، وعدد الأسئلة الخاصة بالشركة يمكن أن يصل إلى خمسة (وفقاً لما يطلبه فريق الإدارة العليا). بالإضافة إلى ما سبق، هناك أسئلة دورية مفتوحة يتم تغييرها كل شهر للحصول على الآراء في قضايا معينة، وهذه الأسئلة قد تتضمن على سبيل المثال: كيف ترى شركة مايكروسوفت مختلفةً اليوم عما كانت عليه السنة الماضية؟ ما التغير الملحوظ الذي تحب أن تراه في الإدارة ليعطيك ذاك دافعاً لتكون أكثر فاعلية في عملك؟ وبسبب المرونة في إضافة أسئلة أخرى تبعاً للحالة، فإن ذلك يزود الإدارة برؤى منتظمة عن أراء الموظفين عند الاستحواذ على شركات جديدة، أو القيام بعمليات هيكلة كبرى، أو إجراء تغييرات أخرى داخل الشركة.
فعاليات شهرية مباشرة
تعقد الشركة كل شهر اجتماعاً للموظفين يحاكي الاجتماعات التقليدية المباشرة تناقش فيه الأمور المهمة وسير الأعمال وثقافة الشركة في لقاء مفتوح. ويُبث هذا الاجتماع على الهواء مباشرة ويتابعه الموظفون في أنحاء المعمورة، كما أنه متوفر حسب الطلب للموظفين الذين لم يتمكنوا من متابعة البث الحي بسبب اختلاف التوقيت وبمساعدة أعضاء فريق الإدارة، فإن نادالا يطلعهم شهرياً على مستجدات أمور الأعمال، ويتلقى أسئلة مباشرة من الموظفين ومن صفحة المدير التنفيذي على "يامر". وهذا يعطيه الفرصة لمشاركة الأفكار مع الموظفين في مناطق زمنية مختلفة، بما في ذلك أمور الشركة والصناعة ككل والمجتمع، ويسمح أيضاً للموظفين بإثارة القضايا التي تهمّهم.
ويتم قياس مشاركة الموظف أثناء الاجتماع بغرض معرفة مشاعره مباشرة. وبعد انتهاء الاجتماع، تُحدّث صفحة "يامر" مع جدول محتويات قابل للبحث حول القضايا المطروحة، وكذلك فيديوهات قصيرة لأهم المواضيع، ما يسمح للفريق بمعرفة أهم التوجيهات.
"عقلية التطوير العملية" سلسلة فيديوهات
وكان نادالا قد قال إنه يريد لمايكروسوفت أن تكون شركة "تعلم كل الأشياء" وليس "اعرف كل الأشياء". وفي دعمه لهذا الطموح، فإنه يستضيف في سلسلة فيديوهات تسلط الضوء على أشخاص وفرق تتبنى عقلية التطوير. والهدف من الفيديوهات تقديم نموذج عن التغير لخلق منظمة تعلّم تتقبل الحوار وتشجع الموظفين ليتحدثوا عما تعلموه.
وساعدت الشركة في زيادة إمكانية الوصول إلى هذه الفيديوهات عبر الاستعانة بالمؤثرين. وهذا يعني مشاركة هذه الفيديوهات مباشرة مع الفرق ذات العلاقة عبر البريد الإلكتروني كل شهر، بناء على الاهتمامات. على سبيل المثال أثأر فيديو مؤخراً قضية مشروع "إنك تو كود" (Ink to Code) – وهي منصة لمطوري البرمجيات- من قبل برنامج "كراج مايكروسوفت" (Microsoft Garage)، وهو حاضنة أعمال داخلية. وتمت مشاركة هذا الفيديو مع مجموعة "الكراج" ومجموعات التوزيع الخاصة بالمصنعين. لدى مايكروسوفت مئات من قوائم التوزيع لأناس من اهتمامات متنوعة، لذلك تساعد هذه القضايا المختارة بإطلاق الرسائل للأشخاص المعنيين. وكما هو الحال مع أي مشروع، يعد الحفاظ على التواصل بشكل دائم أمراً صعباً. إلا أن وجود تقويم تحريري "متطور" – قادر على التغير وكسب رضا الموظفين وتلبية حاجاتهم- ضروري في مسيرة النجاح المستمرة.
لا تقدم تجارب مايكروسوفت نافذة على التقنيات التي تستخدمها وحسب، بل تقدم أيضاً صورة ملهمة عن الدوافع الكامنة وراء ذلك لإثراء المعرفة وإشراك الناس في جميع أنحاء المعمورة. فتوظيف هذه التقنيات الحديثة ليتواصل الناس على أوسع مدى هو حجر الزواية في رحلة الريادة في القرن الحادي والعشرين.