ملخص: تواجه المشاريع الكثير من العثرات، لكن مدراء المشاريع يستخدمون 4 أدوات أساسية لفهم أسباب هذه العثرات ومساعدة فِرقهم على تجاوزها. أولاً، يجب فهم علم الأعصاب وكيفية تأثير العثرات على الدماغ والنظام العصبي لتشجيع الناس على التعلم والتطور. ثانياً، الاعتراف بالعثرة علناً لمنع التراجع. ثالثاً، اعتماد عقلية النمو لمساعدة الآخرين على السعي من أجل التطور بدلاً من ترك الأمور تسير تلقائياً. رابعاً، العمل على وضع الخطط للسيناريوهات المحتملة لضمان توفير خيارات واضحة للمضي قُدماً ومواجهة أي تحدي.
يواجه معظم الموظفين عثرات وتحديات في مرحلة ما من مسيرتهم المهنية، ويعرف الكثير منا مفاهيم مثل التعلم من الأخطاء والنمو بعد الصدمة والفشل الذي يؤدي إلى النجاح؛ لكن العثرات ليست فشلاً أو خطأ أو صدمة دائماً. تُعرّف العثرة بالتراجع أو توقف التقدم. إنها اللحظة التي يختفي فيها الطريق أمامنا، وتؤدي إلى تراجع غير متوقع وعودة إلى نقطة البداية وترغمنا على إعادة توجيه المسار.
يعرف مدراء المشاريع هذه التجربة جيداً؛ ربما يكون العميل أو أحد أصحاب المصلحة غير راضٍ عن نتيجة المشروع، ما يتطلب إعادة توجيه الفريق وصياغة الأهداف، فيكشف اختبار المنتج عن مشكلات غير متوقعة ما يرغم الفريق على العودة إلى نقطة البداية بعد سنوات من العمل. أو ربما يستقيل شخص ما في مرحلة حرجة قبل اكتمال المشروع، فتتغير أهداف المشروع مرة أخرى.
لا تُعد العثرات تجارب جيدة أو ممتعة، ولكنها في كثير من الأحيان تصبح حافزاً للنمو والتغيير والابتكار.
يشير العديد من قادة الأعمال الذين أجريت مقابلات معهم على مدار العقد الماضي إلى أن عثراتهم المهنية الكبرى هي التي دفعتهم إلى ابتكار أفكارهم الإبداعية وإنجاز مشاريعهم الناجحة. يشارك كتابي "دورة العثرة" (The Setback Cycle) تلك القصص، إلى جانب إطار عمل قائم على الدلائل يساعد الأفراد والفرق في التعامل مع تلك العثرات.
فيما يلي 4 دروس رئيسية من إطار العمل، التي يمكن أن تساعد مدراء المشاريع في التغلب على العثرات التي تحدث بطريقة لا مفر منها في أثناء تنفيذ المشروع.
فهم علم الأعصاب وتأثير العثرات على الدماغ والنظام العصبي
توضح عالمة الأعصاب، شانتال برات، أنه بعد العثرة، يتلقى البشر معلومات جديدة تعمل على برمجة العقد القاعدية (basal ganglia)، وهي جزء من الدماغ، الذي يعتمد على الخبرات السابقة لتحديد الإجراءات المستقبلية. تؤدي العقد القاعدية دوراً في تنظيم عملية اتخاذ القرارات وتعزيز الدافع وتحفيز رغبتنا في التعلم.
بالإضافة إلى ذلك، عندما نتعرض لعثرة تنخفض مستويات الدوبامين في دماغنا، النبأ السار هو أن الدوبامين يعمل على تنشيط المرونة العصبية، تماماً مثلما تقوي التمارين البدنية عضلاتنا، وبالتالي تعزز العثرات قدرة الدماغ على التكيف والتعلم، لذلك فانخفاض مستويات الدوبامين هو ما يدفعنا إلى التعلم من التجارب السيئة.
يمكن أن يؤدي كل ذلك إلى تعزيز الإبداع والابتكار في المستقبل، لكن ذلك يحدث فقط عندما يكون لدينا الحافز.
تقول برات: "تمتلك أدمغة كثير منا ميلاً فطرياً إلى التعلم من العثرات أكثر من التعلم من النجاحات، لكن استعدادنا لمواجهة العثرات يعتمد على مدى محاولة دماغنا تجنبها. يميل بعض الأشخاص إلى تجنب الأشياء السيئة بدلاً من السعي نحو الأشياء الجيدة التي تتطلب عادة جهداً أكبر".
يحدث هذا غالباً في المشاريع: عندما تسير الأمور على ما يرام أو وفقاً للخطة تنخفض الدوافع لدى الفرق لاستكشاف أشياء جديدة أو تجربتها، لكن يمكن أن يؤدي ذلك إلى الملل ونقص الإبداع ويجعل عمل الفريق تلقائياً، وذلك لا يؤدي دائماً إلى أفضل النتائج. تشير برات أيضاً إلى إنه كلما زادت العثرات التي نواجهها زادت قدرة أدمغتنا على التكيف والتعلم، وهذا عموماً ما يؤدي إلى توليد الابتكار والإبداع.
لأن مدراء المشاريع يستطيعون تحديد هذه العثرات في وقت مبكر فبإمكانهم المشاركة في تعزيز عملية التعلم، وبذلك يستطيع الفريق تغيير مساره، ما يسمح لأفراده باستخلاص العبر والدروس والأفكار الجديدة حول كيفية المضي قدماً.
الاعتراف بأن ما يواجهه فريقك هو في الواقع عثرة
من السهل تجاهل علامات التحذير التي تشير إلى أن المشروع يواجه عثرة. في كثير من الأحيان، يبدو أن الاستمرار في المسار الحالي أسهل من تغييره أو اتخاذ خطوات جديدة لا سيما بعد بذل جهد وطاقة كبيرين فيه، لكن المرحلة الأولى من دورة العثرة هي مرحلة التأسيس، ولعلها أكثر صعوبة مما يعتقده المرء.
في كثير من الأحيان، يكون الموظفون مصممين على الوفاء بالمواعيد النهائية لدرجة أنهم يستمرون في العمل حتى لو كانوا يعلمون في قرارة أنفسهم أن الأمور تتجه نحو الفشل، والاعتراف الواضح بأن الفريق يواجه عثرة سيساعده على تجنب الاستمرار في هذا المسار المحكوم عليه بالفشل. كما أن تعديل المسار في مرحلة مبكرة هو أفضل طريقة لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح.
يقول كايل مكيوين، الذي يعمل في إدارة المشاريع منذ أكثر من عقد ويدير حالياً فريقاً من مدراء المشاريع: "سيساعد استخدام منهجية أجايل (Agile) أو منهجية أجايل الهجينة (hybrid-Agile) في بناء المشاريع على إدارة التغييرات لا سيما عندما تثار الشكوك حول تحديد نطاق المشروع، إذا كانت منهجية أجايل غير مناسبة للمشروع، فمن الجيد التأكد من وجود آليات فعالة للتحكم بالتغيير في نطاق عملك".
على الرغم من الوتيرة السريعة في معظم المشاريع، يجب على الفرق التوقف قليلاً والاعتراف بما حدث من أخطاء ومعرفة سببها وتقييم الموقف بموضوعية.
يقول مكيوين: "يجب أن توجّه أفراد فريقك وتساعدهم في التغلب على العثرات والمشكلات بدلاً من محاولة حلها بنفسك، إحدى الطرق الفعالة لدعم فريقك هي قيادة اجتماعات استرجاعية تشجع أفراد الفريق فيها على مناقشة ما نجحوا فيه وما يجب تحسينه. تعزز هذه الاجتماعات الثقة والروح الجماعية وتساعد على تطوير مهارات حل المشكلات الجماعية. يمكن أن يؤدي توفير مساحة للفريق لتعزيز قدراته الذاتية إلى تعزيز المرونة والقدرة على التكيف، كما يساعد على التعافي من العثرات المستقبلية بسرعة أكبر".
تبنّي عقلية النمو
وفقاً لعالمة النفس، كارول دويك، تعتمد عقلية النمو على الإيمان بإمكانية تنمية ميزاتك الأساسية من خلال جهودك واستراتيجياتك ومساعدة الآخرين لك".
تشجعك هذه العقلية على الإيمان بأنك قادر على تطوير مهاراتك في جانب معين، حتى لو تطلب ذلك الأمر المحاولة والتعثر والتعلم. مقياس النجاح عند اعتماد عقلية النمو هو السعي المستمر للتحسين بدلاً من الاستمرار في العمل التلقائي والتعامل مع المشاريع بالطرق التقليدية التي تستخدمها دائماً.
في المقابل، تمنع العقلية المحدودة الكثير من الفرق من إعادة توجيه مسار المشاريع بطريقة صحيحة عند التعثر، فعندما يركز المرء بشدة على الخطة الأصلية، فسيجد صعوبة في التكيف مع التغيرات المحتملة. فالخطة بالنسبة لذوي العقلية المحدودة ثابتة لا يمكن تغييرها، ويعتقدون أن عليهم اتباع الخطوات التي وُضعت في بداية المشروع بغض النظر عن الظروف المتغيرة، لذلك، لا يوجد مجال للاستكشاف والتعلم والتطور عند تبنّي تلك العقلية.
العثرات هي فرص مثالية لتعزيز عقلية النمو إذ تتيح لفريقك اغتنام فرص التعلم، وتتمثل مهمة مدير المشروع في توجيه الفريق للتغلب على العثرات ورسم مسار جديد للمضي قدماً.
يقول مكيوين: "يمثل فريق المشروع نموذجاً مصغراً عن حياتنا اليومية، فعندما نتعرض لعثرات في حياتنا نصبح غالباً أذكى وأقوى ونتمتع بدرجة أكبر من الوعي، حتى لو لم نلاحظ ذلك في البداية. يمكن أن تكون العثرات نقطة تحول تؤدي إلى ظهور قيادات ملهمة وحلول مبتكرة".
التخطيط للسيناريوهات المحتملة
من المهم التفكير في سيناريوهات مختلفة بمجرد أن يصبح الفريق جاهزاً للانتقال إلى العمل بعد وضع خطة جديدة وتعديل الجدول الزمني.
لذلك، توصي المدربة التنفيذية، روشان شاه، باتباع ما تسميه "نهج أيه بي سي" (ABC) لتحديد الأهداف. تقدّم شاه 3 نماذج لتخطيط السيناريوهات المحتملة من أجل زيادة فرص النجاح:
- الخطة "أ" (A) هي الخطة المثالية لتحقيق أفضل نتيجة.
- الخطة "ب" (B) هي الخطة الاحتياطية. عندما لا تنجح الخطة الأولى، كيف يمكنك إعادة توجيه جهودك إلى الأهداف القيّمة التي يمكن تحقيقها نسبياً؟
- الخطة "ج" (C) هي شبكة الأمان (أو الخطة البديلة للخطة الاحتياطية). إذا لم تتمكن من تحقيق هدفك من خلال الخطتين السابقتين، فعليك تغيير الطريقة مرة أخرى حتى تتمكن من تحقيق هدف مهم وذي قيمة.
يساعد هذا النشاط الفرق على العمل معاً لتقييم النتائج المحتملة المختلفة ووضع أهداف وتوقعات واقعية.
تقول شاه: "تساعد هذه الاستراتيجية الناس في التخلص من الشعور بالإحباط أو العار من خلال تعميم فكرة أن تغيير المسار إجراء طبيعي في بعض الأحيان؛ وهو لا يعني بالضرورة الفشل أو ضياع الجهود كلها. تعلّمنا هذه الطريقة أن نزيد قدرتنا على التكيف والتعامل بمرونة بالإضافة إلى تقبّل التغيرات والتفكير في الخطوات التالية التي يجب اتخاذها بدلاً من الاستسلام عند التعثر".
من الأفضل تخطيط السيناريوهات المحتملة في بداية أي مشروع، لكن نظراً لعدم قدرتنا دائماً على التنبؤ بالعثرات التي سيواجهها الفريق يمكن أن يساعد هذا التخطيط الفريق في التعامل مع هذه العثرات والتغلب عليها.
يقول مكيوين: "ضع استراتيجيات للتغلب على العثرات قبل أن تبدأ تنفيذ المشروع، بمجرد أن نتجاوز العقبات ويعود فريقنا إلى النشاط مرة أخرى، من المهم أن نتوقف مؤقتاً ونذكّر أنفسنا بأن العثرات تجعلنا مدراء مشاريع أفضل. فمن خلال التكيف مع هذه العثرات والتعلم منها نكتسب الخبرة اللازمة لإدارة المشاريع بطريقة أفضل".
العثرات هي جزء لا مفر منه في مسيرتنا المهنية والقيادية وفي حياتنا الشخصية عموماً. لكن إذا استطعنا تعلم كيفية التعرف على علامات حدوث العثرات وتبني عقلية النمو ووضع أهداف جديدة والتفكير بعناية في سيناريوهات مختلفة لإنشاء مسار واضح للمضي قدماً، فمن الممكن أن نتغلب على العثرات التي تواجهنا ونزداد قوة وحماساً واستعداداً للتعامل مع أي تحديات قادمة.