ملخص: قد يلجأ الموظف إلى تغيير مجال عمله لتعزيز شغفه المهني، ولكن ذلك ينطوي حتماً على مخاطر. تحدد الكاتبة في هذا المقال 4 أسئلة عليك أن تمعن النظر في تحديد إجاباتها قبل أن تنتقل إلى مجال عمل جديد: 1) ما الذي يدعوك إلى هذا التغيير؟ 2) ما أبسط طريقة تتأكد بها من صحة تصوراتك؟ 3) هل لديك من المدخرات ما يكفي لتحمّل تبعات تغيير مجال العمل؟ 4) ما خطتك الاحتياطية؟
لقد انحسرت موجة "الاستقالة الكبرى" العاتية، وما نجم عنها من تغيير عدد كبير من الموظفين لمجال عملهم، لكن نسبة كبيرة منهم ما زالت تفكر في إمكانية تغيير مجال العمل. وبلغت نسبة من يفكرون جدياً في الإقدام على هذه الخطوة 58% من إجمالي عدد الموظفين، حتى الصيف الماضي. وبطبيعة الحال، فإن على أي موظف يخطط لتغيير مجال عمله أن يدرس كيفية رفع مستوى مهاراته وبناء علاقات جديدة في المجال الذي ينوي الانخراط فيه. وكما أطرح في كتابي "أن تعيد صياغة ذاتك" (Reinventing You)، إليك أربعة أسئلة جوهرية وصعبة يجب أن تطرحها على نفسك قبل الإقدام على تغيير مهنتك.
ما الذي يدعوك إلى هذا التغيير؟
جواب هذا السؤال واضح أحياناً: أنت، مثلاً، من محبي التصوير الفوتوغرافي، وصقلت مهارات التصوير لديك حتى بلغت التميز، والآن حان الوقت التحول من الهواية إلى احتراف هذه المهنة. هذا مثال، ولكننا نجد في أمثلة أخرى أن الرغبة في تغيير المهنة تنبع في بعض الأحيان من عدم الرضا عن مسار مهني حالي، وفي أكثر الأحيان من ظروف معينة مثل العمل تحت إمرة مدير غير متعاون أو في ظل ثقافة شركة لا تحبها. ونظراً لما ينطوي عليه تغيير مجال عملك، والانتقال من قطاع إلى آخر، من تخصيص وقت طويل وتبعات مزعزعة، فمن المهم أن تمتلك رؤية واضحة بشأن ما تريده بحق؛ فهل ترغب في الانتقال إلى مجال عمل جديد، أم أنك تبتغي الخلاص من وضعك الحالي فقط (وفي هذه الحالة، قد يكون الحل في إعادة التعيين بمنصب آخر داخل الشركة نفسها أو الانتقال إلى شركة جديدة، وسيكون ذلك أشبه بتحول وظيفي كامل).
ما أبسط طريقة تتأكد بها من صحة تصوراتك؟
نتصور غالباً أننا ندرك السبيل إلى الخلاص من مخاوفنا المهنية؛ ونعتقد أن الحل يكمن في السعي لنيل درجة أكاديمية أعلى، أو الانتقال إلى العمل في مجال تكنولوجي، على سبيل المثال. ومع صحة تلك التصورات بوجه عام، يوجد الكثير من التفاصيل والجوانب الأخرى التي لن تعرفها حتى تجربها.
وكما سبق أن كتبت في هذا الموضوع، فقد حكت لي مدربة مهنية عن عميلة كانت مقتنعة بأنها تريد تغيير مهنتها لتصبح منسقة زهور. وعلى الرغم من رغبة عميلتها في البحث مباشرة عن تلك الوظيفة، فقد حثّتها على ملازمة أحد من يعملون في تنسيق الزهور ليوم واحد؛ وقد كانت نصيحة تنم عن فطنة وبصيرة، فبعد أن نفذتها العميلة أدركت على الفور أن ظروف بيئة العمل المنخفضة الحرارة (فالتبريد ضرورة للحفاظ على نضارة الزهور)، لن تناسبها.
لذا، عليك بالتفكير في أساليب بسيطة يمكنك من خلالها اختبار تصوراتك، أو افتراضاتك الكامنة، بشأن المسار المهني الذي ترغب فيه. وقد يتمثل اختبار كهذا في تجربة تمزج خلالها بين مقابلات استشارية وملازمة وظيفية وقراءة كتب وسير ذاتية لمن سبق لهم العمل في المجال الذي تنشده، وأن تطرح على من يعملون فيه أسئلة صريحة محددة حول أسوأ ما يمرون به في عملهم، لتحصل في النهاية على أدلة تناقض تصوراتك المسبّقة عن المجال.
هل لديّ من المدخرات ما يكفي لتحمل تبعات تغيير مجال العمل؟
ينطوي تغيير المهنة على الانتقال إلى مجال لا تمتلك فيه، على الأرجح، خبرة واسعة، وهو ما يؤدي في أغلب الحالات إلى تحديد راتب أقل مما كنت تحصل عليه، أو أن تشغل منصباً أقل درجة أو درجات من منصبك السابق، ولو مؤقتاً على الأقل. ولا بأس في ذلك على المدى البعيد. وأضرب لك مثلاً بسيدة تحدثت عنها في كتابي "أن تعيد صياغة ذاتك". فبعد مسيرة مهنية طويلة في شركات وول ستريت، وافقت على عرض زمالة لسنتين في مؤسسة غير ربحية. ولم يكن الأمر هيناً عليها؛ فقد كان الراتب أقل إلى حد كبير، علاوة على أنها وجدت صعوبة في التواصل مع زملائها الجدد. ولكنها صقلت المهارات واكتسبت العلاقات التي ساعدتها في الحصول على وظيفة قيادية مرموقة في مجال الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص بعد انتهاء فترة الزمالة. وهي نموذج ناجح، ولكن من المهم أن ندرك أن ما أتاح لها ذلك هو امتلاكها مدخرات مالية كافية. فإذا كانت لديك مدخرات كبيرة أو كان هناك شريك مستعد أن يدعمك، فبذلك يمكنك تحمّل تكاليف تلك النقلة المهنية الأكبر، وعندئذ لن يشغلك الراتب المنخفض على المدى القصير.
أما إذا كانت مدخراتك محدودة، فالأفضل أن ترتضي بتغييرات تدريجية أبطأ في وتيرتها وأكثر حكمة، بحيث لا تبتعد عن شبكة علاقاتك الحالية ومجموعة مهاراتك التي تتسلح بها، والتي يمكنك أن تحقق بها الدخل الذي تنشده، أو ما يناهزه. وعلى سبيل المثال، قد تكون محامياً متخصصاً في قضايا حقوق الملكية الفكرية، لكنك تحلم أن تصبح مخرجاً سينمائياً، ولكن بدلاً من الانخراط مباشرة في مجال لن يعرض عليك فيه أحد، في البداية على الأقل، أجراً يضاهي ما كنت تكسبه، يمكنك البدء بتغيير تخصصك القانوني لتركز على القضايا ذات الصلة بقطاع الترفيه، حتى توطد علاقاتك بصناع السينما، ومن ثم الاستعداد تدريجياً لخطوة لاحقة نحو احتراف الإخراج السينمائي.
ما خطتك الاحتياطية؟
لا ريب في أن تغيير مجال العمل ينطوي على مخاطر. (وهنا يجدر بي أن أنبهك على أن الاستمرار في مجال عملك الحالي قد ينطوي على مخاطر أيضاً؛ لذا يجدر بك أن تتخذ من الخطوات ما يخفف من تداعيات تلك المخاطر عليك في كلتا الحالتين). فقد تحب مجالك الجديد لكنك لا تجد راحتك في الشركة التي دخلت ذلك المجال عبرها، أو ربما يتبين لك أنك لم تحسن تقدير الفترة الزمنية اللازمة لشركتك الناشئة حتى تتحول إلى تحقيق أرباح. وأنصحك بأن تدرس مسبّقاً احتمالات الفشل وفرص النجاح، حتى تتنبه للمخاطر الكامنة وتضع استراتيجيات تجاوزها. فيمكنك على سبيل المثال أن تعطي الأولوية للتواصل وبناء العلاقات خلال عامك الأول في المهنة الجديدة، حتى يسهل عليك التحول إلى تنفيذ "الخطة البديلة" والانتقال إلى مهنة جديدة، إن لم تعجبك وظيفتك الأولى، أو يمكنك التشاور مع شريكك بشأن الحصول على قرض عقاري ثانٍ إذا لم تحقق شركتكما الناشئة مستوى المبيعات المنشود في عامها الأول.
إننا نتردد غالباً في وضع خطط احتياطية بدافع من تفاؤلنا بمسعانا الجديد، أو حتى لا نبدو عاجزين عن حسم قرارنا بكل جرأة. وهذا لأنه يتعين عليك في كثير من الأحيان طمأنة شكوك أفراد العائلة والأصدقاء المقربين في فرص نجاح هذا التغيير المهني، والرد على تساؤلات مثل: "لماذا تتخلى عن مهنة عملت بجد من أجل نجاح مسيرتك بها؟". أو "ما الدخل الذي يفترض أن نعتمد عليه في حياتنا؟"، فعندئذ تكون ميالاً إلى الإفراط في التفاؤل. ولكن الالتزام برؤية واقعية للعقبات المحتملة ضرورة لتحقيق النجاح مستقبلاً وتعزيز قدرتك على التكيف مع الواقع، إن لم تأت الرياح بما تشتهيه سفينتك.
قد تلجأ إلى تغيير مجال عملك لتعزيز شغفك المهني، وتعريف أوساط مهنية جديدة بما تمتلكه من مهارات ومواهب. وعندما تطرح على نفسك تلك الأسئلة الأربعة يتسنى لك مواجهة ما قد ينطوي عليه قرارك من مخاطر لم تنتبه لها، ومن ثم يسهل عليك تحقيق هذه النقلة المهنية بتبعاتٍ أخف وطأة.