ملخص: في الوقت الذي يسعى فيه قادة الشركات جاهدين للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة للعودة إلى مقرات العمل، يجب أن يغتنموا الفرصة للتفكير بعناية في الأعمال التي ينبغي لك إنجازها في المقرات المكتبية وتلك التي عليك إنجازها عبر الوسائل الافتراضية، والأعمال التي يمكن أداؤها من خلال أسلوب يمزج بين المنهجين، ومن ثم يمكنهم تصميم صيغة أقرب إلى المثالية. وتقدم مؤلفة المقالة 6 أسئلة يجب طرحها عند وضع خطة عمل فريقك. ففي ظل الظروف العصيبة التي مرت بنا خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية، سيكون من المخجل ألا نستفيد من كل مكامن الحكمة التي اكتسبناها بشق الأنفس حول العمل والحياة والعلاقة بين الاثنين. فدعونا نسخر أفكارنا ورؤانا الجديدة حول الوقت والتكنولوجيا والتكاتف لإعادة النظر في أساليب العمل، وعلى وجه التحديد أساليب اجتماعنا وهل نحتاج فعلاً إلى الالتقاء وجهاً لوجه؟
العمل لثلاثة أيام في المقر المكتبي، والعمل ليومين من المنزل؟ أو العمل لأسبوعين في المقر المكتبي، ثم العمل لأسبوعين من المنزل (أو أي مكان آخر يفضله الموظف)؟ أو عمل كل الموظفين في المقر المكتبي للشركة طوال الوقت، كما كان الحال عام 2019؟
هذه بعض الخيارات التي يفكر فيها قادة الشركات وهم يسعون جاهدين للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة للعودة إلى العمل. بيد أن الموظفين قد لا يشعرون بالارتياح تجاه بعض هذه الترتيبات الجديدة. فعلى سبيل المثال: يقاوم الموظفون في شركة "آبل" الالتزام بسياسة عمل تفرض عليهم الحضور إلى المقرات المكتبية للشركة 3 أيام في الأسبوع، واصفين "حالة الانفصال بين طريقة تفكير الفريق التنفيذي في العمل عن بُعد، أو حرية اختيار مكان العمل، والتجارب الحية للكثير من موظفي الشركة".
وللتخلص من مشاعر القلق الناجمة عن هذا الشد والجذب، لا بد من إعادة صياغة المحادثة والتركيز على الأهداف التي نحاول تحقيقها فعلياً بدلاً من التركيز على المكان الذي سنكون فيه تحديداً ونحن نحاول تحقيقها. تستلزم هذه الاستراتيجية دراسة طبيعة المهمات الماثلة أمامنا وتحديد أهدافنا بدقة متناهية، إضافة إلى تحديد الأهمية النسبية لمختلف الأهداف، مثل الكفاءة والفاعلية والصداقة الحميمة والصحة العقلية. وبمجرد أن نحدد الأعمال التي يجب إنجازها في المقرات المكتبية وتلك التي يجب إنجازها عبر الوسائل الافتراضية، والأعمال التي يمكن أداؤها من خلال أسلوب يمزج بين المنهجين، يمكننا تصميم صيغة أقرب إلى المثالية.
وهو ما أشارت إليه بريا باركر في كتابها "فن التجمع: كيف نلتقي وأسباب أهميته" (The Art of Gathering: How We Meet and Why It Matters)، إذ تقول: "تستهلك التجمعات أوقاتنا وتسهم في تحديد نوع العالم الذي نحيا فيه". لذا، فإن ضمان مواصلة التطور ومواكبة المستجدات، وليس العودة إلى الوراء، يستوجب أن نعيد النظر في أسلوب الالتقاء الذي يعتبر بمثابة الركن الأساسي لأماكن العمل الحديثة.
لا شك في أننا نعيش حقبة مربكة. وإليك 6 أسئلة يجب أن تطرحها حينما تحاول وضع خطة عمل فريقك:
1. هل يجب عقد هذا الاجتماع؟
إذا كان هناك أي شيء قد تعلمناه خلال العام الماضي، فهو قيمة الوقت، ومدى استنزافه عندما يبدو أننا نضيّع الغالبية العظمى من وقتنا في الاجتماعات.
إليكم ما حدث عام 2020: كان علينا تحديد مواعيد الفعاليات في ظل غياب القدرة على التقاء بعضنا بالقرب من آلة صنع القهوة أو اقتحام مكتب أحدهم لبحث مواعيد الفعاليات المقررة وموضوعاتها. ونتيجة لذلك، استغنينا عن الهرولة بين اجتماع وآخر، واستبدلنا بها محاولات العثور على روابط الاجتماعات على منصة "زووم".
الآن وقد باتت التفاعلات الشخصية ممكنة بين الحين والآخر، وبعد أن عرفنا كيفية أداء أعمالنا على الوجه الأكمل عبر الوسائل الافتراضية، فلنفكر ملياً فيما إذا كان من الأفضل قضاء الوقت ضمن الاجتماع في التفكير أو الكتابة أو الانخراط في مشاريع أخرى. ما قلّ ودلّ: فكلما قل عدد الاجتماعات، زادت الفوائد المرجوة منها. فالهدف الأساسي هو العنصر الأهم في هذا السياق. اسأل نفسك: ما سبب حضور هذا الاجتماع؟ واحرص على التوصل إلى إجابة منطقية. هل هناك داعٍ حقيقي لعقد هذا الاجتماع؟ حدد أولويات العمل غير المتزامن، واحرص على استغلال الاجتماعات في الجوانب التي تتطلب التوصل إلى حلول إبداعية والتعاون المشترك، بدلاً من مجرد مشاركة المعلومات.
قد لا يكون من الضروري عقد اجتماعات أعضاء الفريق لتقديم التقارير المرحلية، مثلاً، حيث يكون كل فرد مختصاً بإدارة قطاع معين ولكنه يظل صامتاً نسبياً بقية الوقت. يمكن استخدام الكتابة في هذا السياق لتحقيق الأهداف بشكل أكثر كفاءة. من ناحية أخرى، يمكن الاستفادة من ديناميات التجمع في جلسات العصف الذهني لأن الأشخاص يبنون على أفكار بعضهم البعض.
2. هل أهداف اجتماعاتي مبنية على العلاقة أو قائمة على المهمات؟
قد تتضمن الأهداف القائمة على المهمات إطلاع مجلس الإدارة على آخر المستجدات أو إحاطة الناخبين بآخر الأخبار أو التخطيط لفعالية ما. ويمكن تحقيق هذه الأهداف في أغلب الأحوال من خلال عقد اجتماعات افتراضية (إذا كان الاجتماع ضرورياً في الأساس).
أما الأهداف القائمة على العلاقات، فتتضمن تقوية العلاقات بين أعضاء الفريق أو إصلاحها، وعادةً ما يتم تحقيق هذه الأهداف بالحضور الشخصي. إذ يجب إعطاء الأفراد آراء تقييمية وجهاً لوجه، خاصة إذا شابها بعض الملاحظات القاسية. ويجب أيضاً إجراء المحادثات الجماعية الصعبة في المقرات المكتبية حتى لا تطغى الدردشات الجانبية المدمرة والمشتتة على المناقشة المحورية.
لماذا أقول "عادةً"؟ لأنني شاركت على مدار العام الماضي في بعض الاجتماعات الافتراضية ذات المغزى التي شهدت انسجام المشاركين وانفتاح بعضهم على بعض بطرق أشك في أنها كانت لتحقق في الأجواء التقليدية. كما أن الشاشة تخلق إحساساً بالأمان النفسي لدى البعض، وتعطيهم فرصة التعبير عن آرائهم بكل حرية والمجازفة بعرض أفكار استثنائية.
3. ما مدى تعقيد أهدافي؟
يشكّل التعقيد في بعض الأحيان إطار عمل أكثر فائدة لتحديد الشكل الذي يجب أن يتخذه الاجتماع. ويشمل هذا الأمر كلاً من التعقيد العاطفي ومستوى الاعتماد المتبادل الذي قد تستلزمه بعض القرارات أو النتائج.
ويستعرض الرسم البياني التالي الأهداف وفقاً لمستوى تعقيدها النسبي. قد تلاحظ وجود علاقة ترابطية بين الأهداف القائمة على العلاقات والتعقيد، لكن التداخل بينهما غير مكتمل. ويمكن تصنيف الاجتماعات المنعقدة لتحديد المخصصات الرأسمالية أو الاستثمارات المهمة، على سبيل المثال، ضمن فئة الاجتماعات القائمة على المهمات. ولكن إذا تضمنت هذه المناقشات التعامل مع التعقيدات الشخصية وغيرها من أشكال التعقيدات أو الموازنة الدقيقة بين الأولويات المتضاربة، فقد يكون من الأفضل التعامل معها وجهاً لوجه.
قد تكون الأهداف القائمة على العلاقات بسيطة نسبياً في الوقت نفسه. وقد كانت إحدى قصص نجاحي المفضلة غير المتوقعة في حقبة تفشي الجائحة هي تجربتي في إدارة حفل أقامته إحدى كبرى الشركات العقارية عبر منصة "زووم" بمناسبة العطلة. إذ يعد هذا التجمع بالنسبة لشركة "برنشتاين مانجمنت كوربوريشن" (Bernstein Management Corporation) فرصة للاحتفال بالموظفين وتكريمهم كهدف مباشر بمجرد وصولهم.
يومها قال لي الرئيس التنفيذي للشركة، جوشوا برنشتاين: "لو سألتني قبل عام عما إذا كنت سأفكر في استضافة حفل افتراضي بمناسبة العطلة، لقلت لك ’لا‘ دون تردد ولشككت في قواك العقلية. ولكنه سار على نحو أفضل من نواحٍ كثيرة. فقد ركز كل مشارك على المحادثة ذاتها. ولم يظهر مقعد مهترئ في منازل المشاركين. وأعرب الجميع تقريباً عن دهشتهم من مدى استمتاعهم بالبرنامج، وفي نهاية الأمر بات عنصرا المفاجأة والحداثة جزءاً من النجاح".
4. هل يمكن أن يتخذ اجتماعي شكلاً أو سمتاً مختلفاً تماماً؟
هناك غرفة الاجتماعات، وهناك برنامج "زووم"، وأيضاً الأسلوب الهجين. ولكن ثمة أيضاً كمية كبيرة من الاحتمالات لا تقع ضمن أي من هذه الفئات. والآن بعد أن أصبح لدينا الكثير من الأدوات المتاحة بين أيدينا، هل توجد طرق أخرى يمكن من خلالها نقل المعلومات بحيث يمكن استيعابها بفاعلية أكثر؟
فقد استبدلت إحدى عميلاتي باجتماعها الشهري للموظفين فيديو مسجلاً مسبقاً يمكن للموظفين مشاهدته أو الاستماع إليه في الوقت المناسب لكل منهم، ربما خلال ممارستهم لرياضة الركض أو في أثناء تحضير العشاء. وإذا فاتهم شيء، يمكنهم إعادة مشاهدة مقطع الفيديو. يتميز هذا النهج بأنه يلائم مختلف أنواع المتعلمين لأن البعض يحفظون المعلومات في ذاكرتهم بشكل أفضل حينما يؤدون مهمات جانبية أخرى. وتستطيع الشركات التي تتبع هذا المسار أن تطلب من الموظفين مشاهدة الفيديو في تاريخ معين، ثم تعقد جلسات متابعة اختيارية لطرح الأسئلة وتلقي الأجوبة على منصة مثل "سلاك" أو حتى "واتساب".
وعندما أعمل مع العملاء عبر المنصات الافتراضية، غالباً ما نعين كاتباً لكل غرفة جانبية، بحيث يسجَل الكاتب ملاحظاته حول المحادثة في "مستندات جوجل". وعندما نعود للالتقاء معاً، يأخذ الجميع "جولة في المعرض" ويطالعون "مستندات جوجل" لعدة دقائق لمراجعة ما توصلت إليه المجموعات الأخرى والتعليق على الأفكار التي تثير إعجابهم. يسهم هذا الأسلوب في التخلص من ظاهرة تُعرف باسم "إضاعة الوقت في الردود"، وهي الظاهرة التي تحدث عندما يتحدث ممثلو كل مجموعة عن تفاصيل محادثاتهم، في حين يقضي الآخرون الوقت كله في تدبر ما سيقولونه عندما يحين دورهم في الحديث.
5. ما الاجتماعات التي ستكون أكثر شمولية؟
قبل تفشي جائحة "كوفيد-19"، كانت الصورة واضحة أمامي بضرورة حضور المشاركين في برنامج "الشهادة التنفيذية في تسهيل العمل" (Executive Certificate in Facilitation)، الذي أديره في جامعة "جورج تاون" شخصياً مرة واحدة في الشهر لمدة 4 أشهر متتالية، وهو ما كان يقتضي سفر كبار المدراء والمسؤولين التنفيذيين المشاركين من جميع أنحاء العالم لمدة 3 أيام في كل مرة. كانت الروابط الشخصية العميقة التي نشأت بين المشاركين حاسمة لنجاحنا، فقد كنا نعلمهم كيفية مساعدة المجموعات الأخرى على تكوين علاقات تعتمد على الثقة. وعلى الرغم من أنني توليت تنسيق ورش العمل عن بُعد لأكثر من عقد من الزمان، فقد كنت أشك في إمكانية تدريس هذا البرنامج على وجه التحديد عن بُعد.
ولكنني كنت مخطئاً. إذ تتمثل إحدى أهم مزايا التنسيق الافتراضي في أنه كان أكثر شمولاً في واقع الأمر، لأن المشاركين من كافة أقطار الولايات المتحدة أو خارجها تخلصوا من تعب اختلاف التوقيت، كما أن أولئك الذين يحصلون على منح من مؤسساتهم تسمح بتغطية رسومهم الدراسية باستثناء تكاليف السفر بالطيران أو الإقامة بالفنادق لم يعودوا يواجهون هذه العقبات المالية. علاوة على ذلك، فهناك عدد كبير من الأمهات اللائي لديهن أطفال صغار، وقد ازداد إقبالهن على المشاركة في البرنامج أكثر من أي وقت مضى.
وهذا لا يعني أننا لم نشعر بفداحة الخسارة التي سببها عجزنا عن الالتقاء وجهاً لوجه معاً، لكن برنامجنا له الكثير من الأهداف ويشمل مجموعة واسعة من الأنشطة أو "المهمات" المختلفة. وقد يكون بعضها فاعلاً للغاية عبر الإنترنت، مثل أولئك الذين يركزون بشدة على تصميم الفريق وتطويره.
ونخطط من الآن فصاعداً لفرض الحضور الشخصي في وحدتين من وحداتنا الأربع، مع إجراء الوحدتين الأخريين عبر الوسائل الافتراضية. وهذه طريقة مختلفة، بل وأكثر شمولاً لتطبيق الأساليب الهجينة: فبدلاً من مشاركة بعض الأشخاص شخصياً ومشاركة آخرين على الشاشة، سيكون الجميع متساويين، ما يؤدي إلى تعظيم مساهمة كل شخص وفوائد كل وسيط.
6. هل يمتلك الميسّرون في شركتي المهارات والأدوات التكنولوجية اللازمة لتطبيق الأسلوب الهجين في عقد الاجتماعات؟
في الأيام الأولى لافتتاح المقرات المكتبية، كانت هناك مغريات قوية لعقد الاجتماعات وجهاً لوجه مع إتاحة خيار الأسلوب الهجين لأولئك الذين يعملون عن بُعد. قد يكون هذا حلاً ممتازاً إذا تم تنفيذه جيداً، ما يسمح للجميع بالعمل من المكان الذي يشعرون فيه براحة أكبر. ولكن هناك مهارات خاصة لا بد من توافرها لتيسير عقد الاجتماعات بالأسلوب الهجين، لأن هذه الاجتماعات إذا انعقدت بشكل غير صحيح، فقد ينتهي بك الأمر إلى تهميش المشاركين عن بُعد، وحتى عزلهم.
ويعرف الميسّرون المهرة الذين يتبعون الأسلوب الهجين كيف يجعلون المشاركين عبر منصة "زووم" يشعرون بأنهم يشاركون في الاجتماع بكل كيانهم. فهم يضعون بروتوكولات واضحة لجميع المشاركين للإدلاء بآرائهم وعرض أفكارهم. ويجرون اتصالاً مباشراً بالعين ليس فقط مع الموجودين في الغرفة، لكن أيضاً بالكاميرا.
كما أن التقنيات التكنولوجية والاستعدادات تشكل أيضاً عناصر رئيسية. وقد نزلت إحدى زميلاتي قبل تفشي جائحة "كوفيد" في فندق بمدينة نيويورك، متحمسة لالتقاء كافة الحضور الذين كانت تعتقد أنها توشك على قيادتهم. ثم ما لبثت أن اكتشفت لدى وصولها أن بعض المشاركين سينضمون إلى الحضور عبر الإنترنت. لقد بذلت قصارى جهدها للارتجال، لكنها صممت برنامجاً يعتمد على الأنشطة البدنية ويعتمد على التنقل في كافة أرجاء الغرفة. وكانت النتيجة أن البرنامج لم يُترجم على الفور إلى مادة تلائم البيئة الافتراضية، على الأقل ليس مع التكنولوجيا المتاحة. وفي النهاية كان المشاركون متفاعلين تماماً وجهاً لوجه، ولكن تم إيقاف تشغيل كاميرا كل مشارك عبر الوسائل الافتراضية.
وإلى أن يتمكن أولئك الذين يديرون اجتماعاتك من صقل مهاراتهم في فن تيسير الاجتماعات بالأساليب الهجينة ويتقنون التكنولوجيا اللازمة لدعمهم، فكر في عقد اجتماع افتراضي بالكامل، حتى لو كان الكثير من المشاركين يحضرونه من المقر المكتبي للعمل عبر منصة "زووم".
ففي ظل الظروف العصيبة التي مرت بنا خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية، سيكون من المخجل ألا نستفيد من كل مكامن الحكمة التي اكتسبناها بشق الأنفس حول العمل والحياة والعلاقة بين الاثنين. فدعونا نسخّر أفكارنا ورؤانا الجديدة حول الوقت والتكنولوجيا والتكاتف لإعادة النظر في أساليب العمل، وعلى وجه التحديد أساليب اجتماعنا وهل نحتاج فعلاً إلى الالتقاء وجهاً لوجه؟