روّاد الأعمال الأكثر خبرة يعانون من مشاكل أكبر في الالتزام بالمواعيد النهائية

6 دقائق
الالتزام بالمواعيد النهائية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتبّع الأستاذ الجامعي آندي وو (Andy Wu) وطالب الدكتوراه أتيكوس بيترسون (Aticus Peterson) في كلية هارفارد للأعمال 314 رائد أعمال ممن أطلقوا عدة منتجات تكنولوجية تندرج ضمن المكونات المادية للأجهزة على منصة التمويل الجماعي “كيك ستارتر” (Kickstarter) خلال الفترة الواقعة بين سبتمبر/أيلول 2010 ويونيو/ حزيران 2019. وكلما كان عدد المشاريع التي أطلقها المؤسسون أكبر، كانت الهوامش الزمنية التي تجاوزوا بها التواريخ المحددة لإطلاق منتجاتهم في السوق أوسع. الخلاصة هي:

بروفيسور وو، دافع عن بحثك العلمي

وو: يمتلك روّاد الأعمال سمعة سيئة للغاية فيما يخص الوفاء بالمواعيد النهائية التي يحددونها بأنفسهم. ولم يكن روّاد الأعمال الذين شملتهم عيّنة استطلاعنا استثناءً لهذه القاعدة. فنسبة مشاريعهم التي استُكْمِلَت في الوقت المحدد لم تتجاوز الربع. ورغم أن الخبرة يجب أن تساعد الناس من الناحية النظرية على توقّع الزمن المطلوب لإنجاز مهمّة معيّنة، وتحديد مُهل نهائية تتسم بقدر أكبر من الواقعية، وتنفيذ المطلوب بسرعة أكبر، إلا أن الواقع العملي يشير إلى أن العكس تماماً هو الذي حصل. ونحن هنا لا نتحدث عن نكسات ثانوية، فقد رأينا حالات من التأخير لفترات إضافية تبلغ ستة أسابيع لكل مشروع لاحق نفّذه روّاد الأعمال هؤلاء.

هارفارد بزنس ريفيو: هذا أمر غريب جداً! فلماذا لم يتعلموا من التجربة؟

إذا أردت وضع توقعات دقيقة، فيجب أن تكون قادراً على تقدير درجة تعقيد مشروع معيّن بدقة، وتحديداً عدد المهام أو المكونات المستقلة. وكلما نفّذ روّاد الأعمال المزيد من المشاريع، فإنهم يزدادون براعة في هذه النقطة. لكنهم يكتشفون أيضاً كيف بوسعهم تحسين منتجاتهم، ما يضفي مزيداً من التعقيد الذي لم يتوقعونه – وهذا هو التأثير الذي يميل إلى أن يكون مهيمناً. كلا هذين النوعين من التعلم مهمان، لكنهما يتقطعان بطريقة تتسبب بجنوح روّاد الأعمال الذين تتزايد خبراتهم نحو وضع تنبؤات غير واقعية متزايدة تؤدي في نهاية المطاف إلى تجاوز المهل النهائية المحددة سلفاً.

لماذا لا يحددون مسافة أمان زمنية؟

هم يفعلون ذلك في حقيقة الأمر. فجميع روّاد الأعمال الذين قابلناهم حاولوا أن يُعطوا أنفسهم وقتاً أطول من الوقت الذي كانوا يعتقدون أنهم بحاجة إليه. وقد توصّلنا إلى أنهم قد منحوا أنفسهم ثمانية أيام إضافية تقريباً، في المتوسط، لكل مشروع لاحق، لكن هذه المدة غير كافية. فميزة إضافية جديدة واحدة قادرة على توليد سلسلة من التغييرات في المكونات تستدعي المزيد من العمل، وبالتالي المزيد من الوقت. وفي بعض الحالات المتطرفة، قد يزداد التعقيد وفق تابع أسّي. وعندما كان المشاركون في دراستنا يحددون مواعيدهم النهائية، كانوا يحددونها وفق تابع خطّي. وقد كانوا يفشلون في رؤية كم مشكلة يمكن أن تنشأ نتيجة لتغيير بسيط واحد.

فيما يلي مثال على ما أقوله. بنى أحد روّاد الأعمال أحد أحجار الليغو التي تسمح للعملاء بالتحكم بالمحركات والأنوار في المجسمات التي كانوا يصنعونها من قطع الليغو. وبعد أن أطلق منتجه الأولي، اكتشف أنه من المفيد إضافة أجهزة استشعار تسمح مثلاً لسيارة خاضعة للتحكم عن بعد باكتشاف الظلام وإشعال أنوارها تلقائياً. تُعتبر هذه الزيادة مجرد زيادة تدريجية، لأن المنتج بقي هو ذاته دون تغيير. وقد منح رائد الأعمال المعني نفسه لتنفيذ هذا التغيير وقتاً أطول من الوقت الذي كان قد احتاجه للنسخة الأصلية. ومع ذلك فقد أساء تقدير حجم العمل الذي تطلّبته هذه الميزة الجديدة. إذ كان بحاجة إلى معدات أكثر تعقيداً، ولم تكن الجهة التي صنّعت القطعة الأصلية أهلاً لإنجاز هذه المهمة. لذلك اضطر إلى التعامل مع سبعة مصنّعين آخرين قبل أن يتمكن من العثور على شركة تنجز المهمة كما يجب. وبطبيعة الحال كانت النتيجة هي أنه تجاوز المهلة النهائية التي كان قد حددها.

لماذا التركيز على مشاريع تخص المكونات التكنولوجية المادية للأجهزة؟

تُعتبر هذه المنتجات – كالأجهزة القابلة للارتداء، والطابعات ثلاثية الأبعاد، والأجهزة التعليمية، والروبوتات – من بين أعقد الأجهزة التي يمكن لرائد أعمال أن يطرحها في السوق. ونحن لم ندرس إلا حالة أشخاص يحاولون استكمال صنع منتجات متعددة من النوع نفسه بحيث يكون للخبرة السابقة دور.

جمعنا البيانات من التعليقات والتحديثات الموضوعة على صفحات روّاد الأعمال على موقع “كيك ستارتر”، حيث يناقشون المشاكل التي تنشأ. وقد توصّلنا إلى أنه في حالة كل مشروع لاحق، ازدادت المشاكل والمسائل غير المتوقعة بمعدّل وسطي يبلغ 21%.

يشتهر روّاد الأعمال بثقتهم المفرطة، وربما يسهم النجاح الأولي في ازدياد هذا الشعور. هل يمكن أن تكون نتائجكم ببساطة هي انعكاس لهذه الحالة؟

الثقة المفرطة هي جزء من الحالة بكل تأكيد، لكن التعقيد هو مفهوم يصعب على أي إنسان استيعابه وأخذه بالحسبان بالكامل. ومع ذلك، فإن روّاد الأعمال هؤلاء قد يكونون أكثر ثقة من معظم الناس بقدرتهم على التنفيذ في المستقبل. لكن الأمر أكثر ارتباطاً بعدم قدرتهم على استيعاب مدى صعوبة المستقبل. وهذا تحدّ بالنسبة لنا جميعاً.

يجب أن تدركوا أن أي تعديل بسيط في منتجكم قد يؤدي إلى حدوث زيادة هائلة وسريعة في درجة التعقيد. فكّروا بطريقة أسّية وليس بطريقة خطية.

إذا كانوا قد عجزوا عن التقيد بالمهل النهائية في الماضي، ولم يحصل شيء مريع نتيجة لذلك، فربما أنهم لا يشعرون بقلق كبير من هذا الأمر مستقبلاً؟

هذا شيء غير مرجّح. فقد أظهرت الأبحاث أن تأخّرك في الماضي قد يضر بحظوظك في جمع الأموال مستقبلاً. وقد أظهرت مقابلاتنا أن المؤسسين ينزعجون من أنفسهم أيّما انزعاج عندما لا يلتزمون بالمهل النهائية التي وضعوها لأنفسهم. لا بل أسوأ من ذلك، فهم يتعرضون للملاحقة من الزبائن الغاضبين على شبكات التواصل الاجتماعي؛ وهم يكرهون ذلك.

روّاد الأعمال هؤلاء لجأوا إلى منصات التمويل الجماعي لتمويل أعمالهم. فهل تعتقدون أنكم سترون النزعات والميول ذاتها لدى المؤسسين الذين يحصلون على أموالهم من المستثمرين التقليديين؟ لربما درستم مجموعة فرعية من روّاد الأعمال الأقل دراية أو مهارة؟

من يعتمدون على “كيك ستارتر” هم في معظم الحالات تقريباً من روّاد الأعمال الذين مازالوا في المراحل المبكرة، رغم أن بعضهم يجمعون رؤوس الأموال الجريئة أيضاً. في الحقيقة، كانت مصادر التمويل الأخرى هي أحد العوامل التي ضبطناها في التجربة. لذلك فإن التأثيرات التي وجدناها كانت ربما في أقوى حالاتها بالنسبة للمؤسسين الذين يُعتبرون في مراحل مبكرة نسبياً من مسيراتهم المهنية. وهناك سبب يدعو للاعتقاد أنك عندما تكون شديد الخبرة، فإنك تتغلب على بعض التحديات المرتبطة بعملية التوقع.

ورغم ذلك، فإننا ندرس حالياً ما إذا كانت هذه المشكلة قائمة في حالة روّاد الأعمال المدعومين من شركات رأس المال الجريء أيضاً وكيف يمكن للمستثمرين حلها. فعندما تتأخر هذه المشاريع، فإن شركات رأس المال الجريء غالباً ما تضطر للتدخل وإنقاذها عبر سد فجوة التمويل. ونحن نحاول أن نحدد كيف بوسع شركات رأس المال الجريء التغلب على ذلك من خلال تحسين تقديراتها التي تضعها للأطر الزمنية.

هل كان لحجم المبلغ الذي جُمِع أي تأثير على طرح المنتج في الوقت المحدد في السوق؟

نعم لقد كان لذلك تأثير. فقد توصّلنا في الحقيقة إلى أنه في الحالات التي تجاوز فيها روّاد الأعمال مبلغهم المستهدف، كانت حالات التأخر لديهم تزداد سوءاً، لأن ذلك كان يعني أن عدد الأشخاص الذين طلبوا المنتج قد فاق التوقعات. وعندما يحدث ذلك، فإنه غالباً ما يتطلب تعديلات على التصنيع والتوزيع. فإذا ما كنت تخطط لتلبية حاجة 100 زبون، فإنك بحاجة إلى سلسلة توريد من نوع معيّن. وإذا ما كان هناك 1000 شخص قد ظهروا فجأة ويريدون منتجك، فإن ذلك يتسبب بصدمة كبيرة في النظام. ولكن عندما أجرينا حساباتنا الخاصة بنتائجنا، ضبطنا كمية المال الإجمالية التي جُمِعَت.

كما ضبطنا أيضاً الصفات الثابتة لدى روّاد الأعمال – مثل الموهبة الطبيعية، والذكاء، وأخلاقيات العمل – وضبطنا الحالات التي كان فيها الأشخاص قد شرعوا في حملة سابقة غير ناجحة لجمع الأموال. افترضنا أنه إذا كان رائد الأعمال قد تعرّض لصدمة نفسية جرّاء فشل سابق وشعر بالقلق إزاء عدم قدرته على جمع ما يكفي من المال لمشروعه التالي، فإنه قد يحدد مهلة نهائية قريبة جداً لزيادة جاذبية المشروع في عيون الزبائن المحتملين. لكننا لم نعثر على دليل يدعم هذه الفرضية.

هل تعتقدون أنكم ستجدون النمط ذاته من اتساع هامش عدم الالتزام بالمهلة النهائية فيما لو درستم حالة المبتكرين ذوي الخبرة الأكبر ممن يعملون ضمن شركات كبيرة؟

نتوقع أن نرى التأثير ذاته ضمن شركة كبيرة تطلق سلسلة من الابتكارات ضمن فئة جديدة من المنتجات. وفي الحقيقة، نتوقع لحالات التأخير أن تكون أسوأ، لأن هناك قدراً أكبر من التعقيد المؤسسي، لذلك فإن الخطأ في التقدير والتوقع قد يطال عدداً أكبر من المسائل والمحصلات. إلا أن الوضع سيختلف في حالة الشركة الراسخة التي تبتكر في منتج سبق لها أن أطلقت عدة نسخ منه من قبل.

هل لديكم أي نصيحة توجهونها إلى المؤسسين الذين يأملون في تجنّب الوقوع في هذا الفخ؟

أول نصيحة أقدّمها لهم هي أن يحاولوا فهم طبيعة التعقيد، لأن الكثير من المجاهيل غير المعروفة ستنشأ. يجب أن تدركوا أن أي تعديل بسيط في منتجكم قد يؤدي إلى حدوث زيادة هائلة وسريعة في درجة التعقيد. فكّروا بطريقة أسّية وليس بطريقة خطية.

نصيحتي الثانية هي أن تحاولوا وضع توقّع أفضل للمشاكل المحددة التي قد تواجهكم. وبمقدوركم فعل ذلك من خلال التجريب بالمكونات الجديدة ضمن بيئات لا تنطوي على مخاطر كبيرة – من خلال استعمال اختبارات التحمّل المتزايدة تدريجياً، وإنتاج دفعات صغيرة من المنتج، واستعمال عمليات منهج “أجايل” وغيرها من عمليات التكرار – من أجل تحديد المشاكل المحتملة في وقت مبكر، قبل أن تحددوا إطاركم الزمني.

تذكروا أن للوقت قيمة مالية، وأن هذه التأخيرات ليست تفصيلاً سخيفاً لأنها يمكن أن تتسبب بالتأخير في الحملات. لذلك حاولوا أن تخططوا لها بأفضل ما أوتيتم من قدرة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .