كيف تعثر على أفكار جديدة عندما لا تملك شبكة واسعة من العلاقات؟

3 دقائق
كيف تولد أفكاراً إبداعية جديدة

يتحدث الكثير ممن يدرسون الإبداع والابتكار عن موضوع كيف تولد أفكاراً إبداعية جديدة وعن قيمة "التهجين" (recombination)، وهو الجمع ما بين الأفكار الموجودة بالفعل أو الممارسات أو الإجراءات أو التقنيات، مع الطرق الجديدة أو استخدامها في سياقات أو أسواق جديدة. وهو نموذج قاد إلى الكثير من المنتجات الاستهلاكية الرائجة، مثل زجاجات المياه المقاومة للتسرب التي تأخذ فوهاتها من موزعات الشامبو، وأجهزة قياس الكوليسترول في المنزل، والتي تدمج فيها آلية الإدخال/الإخراج المأخوذة من مشغلات الأقراص المدمجة.

كيف تولد أفكاراً إبداعية جديدة

على مدار العقود الثلاثة الماضية، أظهرت البحوث أن الأشخاص الذين تزيد احتمالية ابتكارهم عن طريق التهجين يتحدثون مع مجموعات من الأشخاص لا يتحدث بعضهم مع بعض. وفي لغة شبكات التواصل الاجتماعي، يضم هؤلاء الأشخاص مجموعة متنوعة، وهو ما يعطيهم "ميزة التصور" (vision advantage)، وذلك حسب تسمية الباحث الاجتماعي رونالد بورت. ويتيح لهم وضعهم باعتبارهم "موصلي شبكات" (network brokers) رؤية أمور لا يستطيع الآخرون رؤيتها.

لذلك، إذا كنت تريد الابتكار، فينبغي لك أن تصبح "موصل شبكات"، لكن لسوء الحظ، ليس الأمر بهذه البساطة. إن تغيير شبكتك أمر صعب، لأن الأمر لا يتعلق فقط بمن تتحدث إليهم. إنما يتعلق بمن يتواصل معهم أصدقاؤك وزملاؤك في العمل ـ ولا يمكنك أن تُملي هذا عليهم، حتى وإن قمت ببناء علاقات جديدة.

ولكن لا تقلق. أظهرت آخر أبحاثنا باستخدام بيانات استطلاعات الرأي على شبكات الاتصالات بين مهندسي البرمجيات في شركة كبرى لخدمات الهواتف المحمولة، أن الأشخاص الذين يستقرون بقوة بين مجموعة مجتمعية وحيدة مرتبطة ارتباطاً كثيفاً (يطلق عليها اختصاراً غير الموصلين non-brokers) يمكن أن يكونوا على درجة من الإبداع والابتكار مثل موصلي الشبكات إذا اتبعوا استراتيجية واحدة بسيطة تعمل على عكس التوقعات البديهية: أي تضييق نطاق تركيزهم.

وعلى الرغم من استفادة الموصلين (brokers) من تخصيص انتباههم بطريقة متوازنة عبر جميع المجموعات التي يتصلون بها، بحثاً عن فرص التهجين عبر المجموعات والمجتمعات، فإن غير الموصلين (non-brokers) يحرزون قدراً ضئيلاً من النجاح عندما يضطلعون بمهمة مشابهة. لقد وجدنا أن احتمالية إبداعهم تقل بمعدل 4 أضعاف عندما يقومون بمسح واستقصاء أفق شبكاتهم الأكثر تقييداً، أكثر منهم عندما يولون بشكل انتقائي انتباههم لبضعة أشخاص في مجال التواصل يستطيعون مساعدتهم في رؤية مواطن الشذوذ والتضاربات بين الأفكار المحلية داخل نطاقهم المجتمعي.

لا يبدو أن هناك أهمية من أولئك الذين يعيرهم "غير الموصلين" انتباههم طالما كانوا يركزون بشدة على عدد قليل من أشخاص الاتصال الأساسيين الذين يكثر حديث بعضهم إلى بعض. وهم عندما يفعلون هذا لفترة طويلة، فإنهم يبدؤون بسماع اختلافات وفروق في طريقة تقديم أولئك الأشخاص للمعلومات، وطريقة تعاملهم مع المشكلات، وتفكيرهم في التوصل للحلول في نفس المواضيع.

يمكن أن يساعد الوعي والإدراك بهذه الفروق والاختلافات التي لا يلحظها أغلبية الأشخاص الآخرين ـ لأنهم لا يعيرونها ما يكفي من الانتباه الوثيق ـ "غير الموصلين" في تطوير أفكار جديدة ومبتكرة تبني على المعرفة المتراكمة. ونطلق على هذه الطريقة الابتكارية "الاستجواب"، حيث إنها تشبه بعض الشيء العمل الذي يتخذه محققو الشرطة عندما يستجوبون عدة أشخاص، ومقارنة رواياتهم عن الوقائع، والبحث عن التناقضات التي ستؤدي إلى العثور على ثغرات في تلك الروايات.

وهذا في الأساس هو المنهج الذي انتهجه المهندسون في "سبيس إكس" (SpaceX)، للحد من تكلفة بناء صاروخها "فالكون 1". لم يستكشفوا أفكاراً أو ممارسات أو تقنيات يمكنهم استيرادها من شركات بناء صواريخ أخرى أو من مجالات أخرى. وبدلاً من ذلك، فإن فريق المهندسين المكلفين بالحد من تكلفة البناء ركزوا انتباههم على مهندسين آخرين في نطاق الشركة ممن يملكون أفكاراً مختلفة حول كيفية تصميم المكونات بتكاليف مادية أقل. وبمقارنة تلك الحلول، أو البحث عن الصفات المشتركة بينها أو البحث عن الفروقات والاختلافات، وتحديد تصميم جديد بناء على هذه المقارنات، تمكنوا من تغيير طريقة بناء الصاروخ تغييراً جذرياً. ونتيجة لذلك، فقد أنتجوا الصاروخ "فالكون 1" لقاء تكلفة قدرها 7 ملايين دولار في وقت كانت تكلفة أقل الصواريخ في السوق 65 مليون دولار.

في دراستنا، إن "غير الموصلين" الذين ركزوا انتباههم على عدد قليل من أشخاص الارتباط أو الاتصال، جاء حكم المدراء الأوائل عليهم على أنهم مبدعون ومبتكرون مثلهم مثل الموصلين. في حين أن الموصلين الذين أعاروا انتباهاً متساوياً لكل شركاء التواصل لديهم، كانت احتمالية تقييمهم من جانب المدراء الأوائل على أنهم من المبدعين والمبتكرين أكبر من أولئك الموصلين الذين ركزوا انتباههم على مجموعة قليلة من أشخاص الارتباط أو الاتصال.

لذلك، من أجل الإبداع والابتكار ولكي تعرف كيف تولد أفكاراً إبداعية جديدة باستمرار، لا يمكن لأي مجموعة من المجموعتين تغيير منهجيتها تجاه الترابط الشبكي (networking)، ولكن يجب على كلتا المجموعتين إيلاء الانتباه إلى أولئك الذي يعيرون انتباههم لهم.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي