لا شك في أن كل واحد منا شهد موقفاً أعطي فيه الفضل لمن لا يستحقه؛ فهذا مدير لا يتردد في أن ينسب لنفسه نجاحاً يعود الفضل فيه إلى عمل موظفيه المجتهدين خلف الكواليس؛ وهؤلاء موظفون يجتهدون في صمت وتواضع فلا تنتبه الشركة إلى إسهاماتهم وتقدّرها على نحو لائق. فيُسدى الفضل لغير أصحابه ولأسباب غير منصفة.
عندما تبدي الشركة امتنانها وحرصها المستمر على الاعتراف بفضل موظفيها وفِرق العمل، فإن الانطباع الناتج من هذا النهج هو أن نظام الشركة عادل ويعترف بإسهامات الأفراد بإنصاف، وهو ما يحفز الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم. وعلى العكس من ذلك، في الحالات التي يُوزع الفضل فيها على من لا يستحق وعلى نحو شبه متواصل، ينشأ خلل وظيفي في الشركة أشبه بسرطان يستشري في إداراتها، ما يؤدي إلى قصور الحافز بين موظفيها وفرقها للأداء بأعلى مستوى لديهم بسبب فقدان الثقة في تلقي التقدير المناسب لجهودهم.
من خلال أدواري القيادية في الأوساط الحكومية والأكاديمية والطبية السريرية، ومن واقع خبراتي في القطاع الخاص، توصلت إلى مجموعة مبادئ توجيهية للتعامل الفعال مع تحديات إسناد الفضل بإنصاف. وأود التنبيه إلى أن هذه القواعد من تأليفي ولا تمثل أي سياسات رسمية اتبعها أي من المؤسسات والشركات التي عملت بها.
اطلب الصدق من موظفيك
من الضروري أن تطلب من موظفيك تحري الصدق في حديثهم عن إسهاماتهم الفعلية في تنفيذ المشاريع والمبادرات. ولا بد أن تتحقق من صدق حديث الموظف بمضاهاته بأحاديث زملائه في الموضوع نفسه. فيميل الموظف، الذي تقدم في مسيرته المهنية في شركات تطلبت منه الاعتماد على قدراته الذاتية، غالباً إلى المبالغة في وصف إسهاماته. أذكر أن موظفة متميزة الأداء، في فريق كان يعمل تحت قيادتي، اعتادت أن تنال تقديراً مفرطاً عن عملها، ما تسبب في استياء زملائها. وعندما بحثت في الأمر من كثب، وجدت أن المشكلة الأساسية كانت نابعة من أنماط سلوك سلبية اكتسبتها خلال وظيفتها السابقة، حيث كانت تحتاج إلى التحلي بجرأة في الترويج لجهودها لترتقي في السلم الوظيفي. فوجهتها لتوخي الصدق عند الحديث عن جهودها في العمل، وأن تسلط الضوء على إسهامات الآخرين، وكانت تلك وسيلة فعّالة لتلقينها قيم ثقافة شركتنا.
قدّر من يقدر الآخرين
الاعتراف بإنجازات الموظف أمر مهم، وهناك كذلك قيمة كبيرة في تقدير الموظف الحريص على تقدير إسهامات زملائه والاحتفاء بها، فالشركة تقدم بذلك نموذجاً عملياً لتقديرها كل من يسدي الفضل إلى أصحابه، في سلوك يتسم بالأمانة والجود. اعتدت خلال شغلي لأحد المناصب في بدايات مسيرتي المهنية أن أخصص وقتاً لإرسال رسائل إلكترونية، أعرب فيها عن امتناني لمن أسهموا في نجاح أحد مشاريعي، وكنت أرسل نسخة من كل رسالة إلى مديري. وبدوره، اجتمع بي للتعبير عن امتنانه لجهودي في تقدير إسهامات الآخرين. وبتصرفه هذا عبّر عملياً عن مدى تقديره لهذا السلوك، فتحول إلى عادة أمارسها بانتظام، وواظبت منذ ذلك الحين على إرسال رسائل إلكترونية مماثلة إلى الأفراد في فِرق العمل الناجحة التي أشرفت عليها.
انتبه للموظف المجتهد دون انتظار تقدير وسانده واحتفِ به
أفضل الموظفين أداءً وإسهاماً أخفضهم صوتاً في مكان العمل. ويبدو أن أمثال هؤلاء غير مهتمين بالحصول على التقدير عن عملهم، ويكتفون بلعب دور ثانوي، أياً كانت أسبابهم. ومع ذلك، يدرك قادة الشركة غالباً أن هؤلاء هم الأعمدة الأساسية التي تدعم تنفيذ مشروعات الشركة أو تساند أعمال إداراتها. إن تمييز أمثال هؤلاء الأبطال المجهولين داخل الشركة وتقدير جهودهم يعزز العلاقات الإيجابية والنوايا الحسنة بين الموظفين جميعهم، إذ يعكس التزاماً بتقدير النزاهة الحقيقية.
تذكّر أن الاعتراف بالفضل سلوك سخي يكفي الجميع
في بدايات حياتي المهنية، أسدى إليّ أحد المرشدين نصيحة مفادها أن "الفضل لا متناهٍ في حجمه"؛ أي أن التكريم والتقدير والاعتراف بفضل من أسهم في تحقيق النجاح لا يقتصر على عدد بعينه من الموظفين. على الرغم من ذلك، يفقد الاعتراف بالفضل قيمته عندما تسدي الفضل إلى الجميع، حتى مِن لم يسهموا بشيء. فالإسناد المحدد جداً للفضل يتفوق دائماً على التعبير العام عن الإعجاب. وتزداد أهمية الإشادة والاعتراف بالفضل بدرجة كبيرة عندما يبدي القادة انتقاداتهم وتعلن الشركات عن تقييماتها للأداء بالنهج المنضبط نفسه.
ومن الضروري أن يشعر الجميع بالعدالة والإنصاف عند اعتراف الشركة بفضل زملاء لهم. ففي ذلك ما يشجعهم على بذل ما في وسعهم من جهد في العمل. وهو أساس تعزيز الحافز لدى الموظفين وشعورهم بالرضا عن حياتهم المهنية. واستيعاب هذا المفهوم وبذل جهود كبيرة لضمان تنفيذه على النحو الأمثل من سمات القائد الكفء والشركة الناجحة.