يرتبط مفهوم “الإجازة” غالباً بفكرة الرحلات إلى أقاصي الأرض. وفي حين أن الرحلات الكبيرة قد تكون ممتعة، بل ومنعشة، فإنها قد تستنزف أيضاً الكثير من الوقت والطاقة والمال، حتى إن الكثيرين يشعرون بالتعب لمجرد التفكير في التخطيط لقضاء إجازة؛ إذ لا تقتصر مسألة كتلك على إعادة ترتيب أوضاع الالتزامات الشخصية وتدبُّر أمر الإجازات المدرسية، ولكنها تشمل أيضاً تحديد كيفية تفويض المشاريع الكبرى للزملاء المناسبين أو تعليق العمل فيها إلى حين العودة من الإجازة، فقط لكي يتمكنوا من قضاء إجازة خالية من أي توتر؛ لذا قد يؤجل البعض إجازاتهم، معتقدين أنهم يستطيعون الحصول عليها عندما لا يكون جدول أعمالهم شديد الازدحام، ليكتشفوا في النهاية أن العام قد انقضى دون أن يستغلوا إجازاتهم المدفوعة الأجر.

وقد وجدتُ بحكم خبرتي مدرّبةً في مجال إدارة الوقت وصاحبة عمل أنه ليس من الضروري أن تكون الإجازة طويلة حتى تغدو ذات أثر مهم على صحتك وسعادتك. وقد جربتُ في واقع الأمر فكرة أخذ “إجازات صغيرة” على فترات زمنية متعددة، عادة كل أسبوعين. تسهم فترات الراحة الصغيرة هذه في زيادة إحساسي بالسعادة والشعور بوجود “مُتسَع لالتقاط أنفاسي”.

وأرى من وجهة نظري أن الإجازات الصغيرة هي فترات راحة تتراوح مدتها ما بين يوم واحد أو أقل من الزمان. ونظراً لقصر مدتها، فإنها تتطلب عادةً بذل قدر أقل من الجهد للتخطيط، كما أن الإجازات الصغيرة لا تتطلب عادة التنسيق مع الآخرين الذين يُفترض بهم الاضطلاع بالأعمال المسندة إليك في أثناء غيابك. وانطلاقاً من هذه الفوائد، يمكنك اغتنام فرصة الإجازات الصغيرة خلال فترات زمنية متعددة على مدار العام، ما يسمح لك بإعادة شحن طاقتك قبل الإصابة بالاحتراق الوظيفي.

وإذا كنت تشعر بأنك بحاجة إلى إجازة للراحة من الأعمال اليومية المتلاحقة، ولكنك لا تجد الوقت الكافي للحصول على إجازة طويلة، فإليك 4 طرائق لجعل الإجازات الصغيرة جزءاً لا يتجزأ من نسيج حياتك:

استغلال الرحلات خلال عطلة نهاية الأسبوع

بدلاً من حصر فكرة الإجازات على المغامرات التي تستغرق أسبوعاً كاملاً، فكّر في رحلة تستغرق يومين إلى 3 أيام لزيارة مكان في مدينة أو منطقة قريبة. وأعتبر نفسي امرأة محظوظة لأنني أعيش في ولاية ميشيغان، وإحدى رحلاتي المفضلة في عطلة نهاية الأسبوع هي قيادة سيارتي إلى بحيرة ميشيغان وقضاء بعض الوقت في كوخ صغير مُستأجَر على شاطئ البحيرة أو التوجُّه شمالاً إلى حديقة الولاية. قد يجعلك السفر ولو لساعات قليلة تشعر وكأنك في عالم مختلف، وبخاصة إذا كنت تعيش في منطقة حضرية.

ولجعل الرحلة منعشة قدر الإمكان، فكّر في أخذ الإجازة بداية من يوم الخميس حتى تتمكن من إنهاء حزم الأمتعة والوصول إلى وجهتك وأداء بعض المهام قبل حلول الليل. وهكذا سيكون أمامك يومان كاملان لاستكشاف المنطقة. وإذا عدتَ إلى المنزل عشية يوم السبت، فيمكنك إفراغ حقائبك وترتيب المنزل قبل بدء أسبوع العمل مجدداً.

قد تجد في انتظارك يوم الأحد رسائل بريد إلكتروني أكثر من المعتاد بقليل، ولكن بخلاف ذلك لن تؤدي إجازاتك الصغيرة إلى تراكم الأعمال المطلوبة منك.

تخصيص هامش من الوقت للمهام الشخصية

قد يجعلك إنجاز أصغر الأشياء تشعر بالانتعاش في بعض الأحيان. فكّر في أخذ إجازة لمدة نصف يوم بعد الظهيرة، أو حتى يوم كامل، للعناية بالمهام غير المرتبطة بالعمل التي تريد أداءها منذ زمن ولكنك تجد صعوبة في توفير الوقت اللازم للعمل عليها. على سبيل المثال، يمكنك حجز موعد عند مصفف الشعر للعناية بشعرك أو أظافرك أو تغيير زيت السيارة أو زيارة الطبيب. أنت تعلم أنه يجب عليك الاهتمام بهذه الأشياء، ولكنك تجد صعوبة في توفير الوقت اللازم لها في ظل جدول مواعيدك المزدحم.

أو ربما تريد تخصيص بعض الوقت لإنجاز أشياء يبدو أنك لن تنجزها أبداً، مثل اختيار أثاث الفناء أو تفريغ الصناديق المتبقية في غرفة الضيوف أو ملء بيانات حساب التقاعد. يمكنك نظرياً إنجاز هذه الأعمال في أحد ليالي الأسبوع أو خلال عطلة نهاية الأسبوع، ولكن إذا كنت تجد باستمرار أنك لا تستطيع إنجازها وحصلت على إجازة قصيرة، فاحرص على استغلالها لإنجاز بعض المهام وشطبها نهائياً من قائمة المهام المزعجة العصية على الإنجاز.

تقسيم الإجازات إلى وحدات زمنية صغيرة

مع تقدم المرء في السن، وبخاصة بعد الزواج، يقل مقدار الوقت الذي يمضيه مع أصدقائه. وتتمثل إحدى طرائق العثور على وقت للأصدقاء دون الشعور بأنك تضحي بوقت عائلتك في قضاء ساعة أو ساعتين في اليوم لمقابلة صديق وتناول الغداء معه أو التقاء أصدقائك قبل العودة إلى المنزل. وإذا سُمح لك بتقسيم وقت إجازتك إلى وحدات زمنية صغيرة بهذه الطريقة، فقد يمنحك يوم إجازة واحد بسهولة 4 فرص للتواصل مع الأصدقاء الذين قد لا تُتاح لك الفرصة لرؤيتهم مطلقاً في ظروف أخرى.

وإذا وجدت صعوبة في تجاذب أطراف الحديث مع زوجتك دون مقاطعة من أطفالك الموجودين معكما دائماً، فيمكنك اتباع استراتيجية مماثلة في هذه الحالة. ابحث عن الأيام التي يستطيع فيها أحدكما أو كلاكما أخذ إجازة صغيرة تقضيانها معاً؛ فتخصيص ساعة واحدة أو ساعتين إضافيتين لن يُحدث فرقاً ملموساً في العمل، لكنه قد يكون ذا أثر هائل على جودة علاقتكما.

العمل عن بُعد في أيام محدّدة لتقليل حدة الضغوط

يقدم الكثير من الشركات خيارات العمل عن بُعد لبعض أيام الأسبوع أو كلها. وإذا كان هذا العرض متاحاً في شركتك وكان العمل عن بُعد يلائم أسلوب عملك وطبيعة مهامك، فاستفد من هذا الخيار.

تجدر الإشارة هنا إلى أن العمل عن بُعد ليس إجازة صغيرة من الناحية النظرية، ولكنه يبدو غالباً كما لو كان إجازة. (احترس من فضلك، فما زلتَ مطالباً بأداء العمل، ولا أريد أن أقع في مشكلة هنا!). وإذا كنت تهدر ساعة أو أكثر في المواصلات ذهاباً وإياباً، فإن عدم الاضطرار إلى الانتقال إلى مقر العمل يمكن أن يضيف ساعتين أو أكثر إلى حياتك، ويمكنك استغلال هذا الوقت لأداء المهام الشخصية أو لتعزيز علاقاتك الاجتماعية المذكورة أعلاه.

وقد يبدو العمل عن بُعد مُتنفَّساً رائعاً أيضاً وخياراً يرحب به أولئك الذين يعملون في مكاتب تعمها الضوضاء أو تفتقر إلى النوافذ أو تكثُر بها الاجتماعات المفاجئة. بالإضافة إلى ذلك، فسوف تزداد قدرتك على الإنجاز في أغلب الأحيان. وقد يمنحك الموقع الخلاب أيضاً إحساساً متجدداً بالهدوء وصفاء الذهن استعداداً للعمل على المشاريع المثيرة للتوتر. فقد لاحظتُ أنني حينما أعمل في مكان جميل، بالقرب من بحيرة مثلاً، فإن هذا يمنحني شعوراً جيداً مثلما يحدث تقريباً حينما أكون في إجازة؛ فالبيئة المحيطة لها تأثير كبير على ما أشعر به.

وبدلاً من اعتبار “الإجازة” حدثاً استثنائياً يقع مرة أو مرتين فقط في السنة، فكّر في طرائق لجعل الإجازات الصغيرة جزءاً لا يتجزأ من نسيج حياتك. ومن خلال تخصيص بعض الوقت لنفسك ولحياتك الشخصية، يمكنك زيادة إحساسك بالارتياح في إدارة الوقت.