تخصيص الوقت للاستماع إلى المرضى باهتمام

5 دقائق

تعتمد إمكانات الشفاء الحقيقية للطب الحديث على مورد يتعرض للاستنزاف باستمرار، ألا وهو الوقت والقدرة على الاستماع باهتمام إلى المرضى، والإنصات بعناية لقصصهم، واكتشاف ليس فقط ما هو المهم لحالتهم، وإنما أيضاً ما يهمهم هم. ويزعم بعض مقدمي الرعاية الصحية أن أعباء العمل وعوامل أخرى قد قلصت من وقت التواصل الطبي إلى درجة أن إجراء محادثات صريحة مع المرضى لم يعد ممكناً أو عملياً. لكننا لا نتفق معهم.

فمن خلال تجاربنا - (رنا أوديش) بصفتها طبيبة في وحدة الرعاية الحرجة، قادها مرض خطير أصيبت به إلى تلقي تدريب الأطباء على أساسيات التواصل الذي يركز على بناء العلاقات مع المرضى، و(ليونارد بيري) بصفته باحثاً في مجال الخدمات الصحية أجرى مقابلات مع المئات من المرضى والأطباء والممرضات وراقب مسارات تقدمهم - اكتشفنا أن الرعاية الطبية المتعجلة تؤدي إلى عواقب خفية، وتصنع اقتصاداً زائفاً. وبعبارة أخرى: قد توفر هذه الرعاية المال على المدى القصير، لكنها تهدره بمرور الوقت.

أهمية الاستماع إلى المرضى

حينما يستمع الأطباء إلى المرضى باهتمام، فإنهم بذلك يرسلون لها إشارات باحترامهم لمعرفتهم بذاتهم، علاوة على أن ذلك يبني الثقة بين الطرفين. كما تتيح تلك المحادثات للأطباء تولي دور الوسيط الموثوق الذي لا يقدم فقط المعرفة الطبية ذات الصلة، ولكنه يترجمها أيضاً إلى خيارات تتفق مع أولويات المرضى وقيمهم المعلنة. ولن يستطيع الأطباء والمرضى المشاركة في وضع خطة رعاية صحية حقيقية وناجحة إلا من خلال المعرفة المتبادلة بينهما.

إذ لا تستطيع أدوات الطبيب ولا إرشاداته التوجيهية حول أفضل الممارسات الطبية - على الرغم من وفرتها - التعامل مع مخاوف المريض، أو حزنه بعد تشخيص مرضه، أو المسائل العملية المتعلقة بحصوله على الرعاية الصحية، أو مدى ثقته في فاعلية نظام الدعم الاجتماعي الذي يخضع له. وليس من الحكمة تجاهل هذه الحقائق، إذا ستقود إلى الكثير من المخاطر، سواء بالنسبة إلى صحة المريض أو تقديم الرعاية الصحية الفعالة. وبدورنا، نعتقد أنه لا ينبغي أن يكتفي الطبيب بمشاركة اتخاذ القرار الطبي مع المريض، وإنما يجب أن يحدث ذلك في سياق علاقة صادقة تربطه به.

عواقب التواصل الطبي المتعجل

تقليص وقت التواصل بين الطبيب والمريض له مخاطر حقيقية، حيث تزداد احتمالات تقديم الأطباء علاجاً غير فعال أو غير مرغوب، وإغفال معلومات وثيقة الصلة كان يمكن أن تغيّر الخطة العلاجية، وتقود إلى عدم انتباه الأطباء في أغلب الأوقات إلى عجز المرضى عن فهمهم. يؤدي كل هذا إلى تقليل الرضا عن خدمة المرضى، مما يساهم في ارتفاع معدلات إنهاك الأطباء. وينتج عن هذه العواقب خسائر بشرية ومالية واضحة.

وفي هذا الشأن، تقدم الدراسات الطبية، بشكل متزايد، حلولاً محتملة لمواطن القصور التي تحرم المرضى من وقت الأطباء واهتمامهم، بما في ذلك تفويض المهمات التي لا تتطلب خبرة كبيرة إلى أعضاء الفريق غير الطبي، وتحسين تصميم المنظومة الصحية الإلكترونية، وتقليل البيروقراطية الورقية التي لا تضيف إلا قيمة ضئيلة أو معدومة. وهكذا، يمكننا إفساح مجال أكبر للإنصات الفعال. ورغم أن تقديم الرعاية الطبية المتأنية قد يكون أمراً صعباً، لكنه قابل للتنفيذ.

إعادة تصور الأدوار

بخلاف ضغوط الوقت، هناك عامل آخر يحول دون بناء العلاقات بين الأطباء والمرضى، وهو الأدوار النمطية التي يتمسك بها الطرفان. فيتعلم الأطباء، خلال تدريبهم الطبي، الحفاظ على وجود مسافة بينهم وبين مرضاهم، وكذلك الحفاظ على رباطة جأشهم. إذ يتم تحذيرهم من الاقتراب بشدة من مرضاهم، خشية أن يتقمصوا معاناتهم ويحملوها هم أنفسهم على عاتقهم. ولكن أفضل الأطباء، الذين نعرفهم، يرفضون هذه النصيحة لأنها تنتقص من إنسانيتهم وتضر مرضاهم الذين يحتاجون إلى ما هو أكثر من مجرد فني طبي عالي الكفاءة، وبخاصة عندما يصيبهم مرض عضال.

ومن ناحيتهم، يتعلم المرضى التمسك بدورهم أيضاً، عن طريق الالتزام بخطة الطبيب العلاجية، وكبت أفكارهم المزعجة التي قد تبدو ساذجة، وعدم طرح الكثير من الأسئلة، والانصياع لأوامر الخبير، والتحلي بكل مواصفات "المريض المثالي". وفي مقالة حديثة اشتركنا في تأليفها مع آخرين، أثبتنا أن كثيراً من المرضى - وبخاصة أولئك المصابين بمرض عضال - يتصرفون كما الرهائن في حضور الأطباء، فلا يحاولون تحدي سلطتهم، ويقللون من هول مخاوفهم، ويطلبون أقل مما يرغبون. بالتأكيد لا يرغب معظم الأطباء في أن يشعر مرضاهم أنهم كالرهائن، لكن هذا ما يشعر به المرضى في أغلب الوقت. وحين يشعر المرضى أنهم كالرهائن، تصبح فكرة القرار الطبي المشترك مجرد وهم.

لا عجب إذاً أن تكون المشاعر التي يعلنها المرضى المصابون بمرض عضال هي "الارتباك" في أغلب الأحيان. فتشخيص المرض، والخيارات المتاحة، والعلاج، والآثار الجانبية العديدة، وتغيُّر الإحساس بالذات بعد الإصابة بالمرض، كل ذلك يمكن أن يكون مربكاً فعلاً بشكل يفوق استيعابهم. وفي هذا الموقف المعقد والمشحون، يحتاج المرضى مرشداً حنوناً وحكيماً ومواسياً يفهم طبيعة المرض ومخاطر طرقه العلاجية المتنوعة والخطط البديلة القابلة للتطبيق. إذ ينبغي أن يكون الطبيب شريكاً في رحلة العلاج، وليس مجرد عامل طبي يستخرج الأدوات والقواعد المعيارية من جعبته. فالمرضى يحتاجون، بل ويستحقون، ما هو أكثر من ذلك.

وعندما يوحِّد الطبيب والمريض جبهتيهما، تفكِّك ديناميكية الفريق هذه الهرمية الضارة. وحينها، يمكن أن يعتمد كل منهما على الآخر نظراً لأن جميع البيانات المهمة ليست بيد أحدهما فقط. تحدثت د. ريتا تشارون - رائدة منهج الطب السردي الحديث - خلال مراسم حلف اليمين لطلاب كلية الطب، قائلة:

اعتدت طرح ملايين الأسئلة على مرضاي الجدد بشأن صحتهم، والأعراض التي يشعرون بها، ونظامهم الغذائي والرياضي، وأمراضهم أو جراحاتهم السابقة. ولكنني لم أعد أفعل ذلك. فلقد وجدت فائدة أكبر في الإنصات إلى المرضى، وتشجيعهم على إخباري بما يعتقدون أنني يجب أن أعرفه عن حالتهم... فأجلس أمام المريض فوق يدي لأمنع نفسي من كتابة ملاحظاتي أثناء حديثه، وهذا أفضل حل لأضمن انتباهي إلى قصته، ربما أجدني فاغرة الفم من دهشتي للامتياز الذي أناله دون شك بسماع شخص آخر يحكي - بسلاسة وحرية وبأي صيغة يختارها - ما أحتاج معرفته عنه.

مؤسسة تستمع وتعالج

عدم الاستماع إلى المريض، إذاً، يؤذيه هو والطبيب معاً. فكلاهما، بذلك، محرومان من المعرفة المتبادلة، ومن القدرة على اتخاذ قرارات مشتركة مستنيرة، ومن الوقت اللازم لبناء الثقة بينهما. وتحتاج المنظومات الصحية التي تريد تجنب تلك المخاطر إلى قادة يستثمرون في غرس ثقافة مؤسسية تقدِّر قيمة الاستماع إلى المريض. وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن أن تتخذها هذه المؤسسات:

  • شارك قصص المرضي والدروس المستفادة منها في كل اجتماع. من الممكن أن تكون إحداها قصة نجاح (ما نجحنا في تحقيقه للمريض)، وإحداها قصة فشل (ما يجب أن نطوره).
  • اعرض منهجاً في التواصل على الفريق الطبي والإداري. واحرص على أن تكون التنمية المهنية ممتعة وتفاعلية كي تجذب الدارسين من الكبار، ويرونها مفيدة.
  • شجع وكافئ الفضول الطبي الذي يتسبب في طرح أسئلة وفيرة لجمع إجابات وفيرة من المرضى. فشدد على ضرورة الاستماع ليس فقط إلى ما يقال، ولكن إلى طريقة التعبير عنه أيضاً. فكر في استخدام مقومات الطب السردي.
  • اعقد مجالس استشارية للمرضى تجتمع بانتظام مع قادة المؤسسة للتعبير عن المخاوف وتقديم الاقتراحات حول تحسين تجارب المرضى.
  • استخدم طرقاً متعددة لتحديد العوائق التي تواجه الأطباء في عملهم اليومي - أي الإلهاءات اليومية التي تحيد بهم عن هدفهم - وتعامل معها بطريقة منهجية. على سبيل المثال: جولات المستشفى (التي ينظمها كبار القادة) مع الموظفين والمرضى، ومناقشات الموظفين الجماعية، واستطلاعات الرأي المجهولة، واجتماعات المدراء التنفيذيين التقييمية مع مجموعات صغيرة تتحدث علناً عما يحول دون تقديمها رعاية صحية أفضل.
  • أنشئ بطاقة أداء متوازن لقياس أداء الأطباء، ليس فقط لقياس إنتاجيتهم، ولكنها أيضاً لقياس التطور المهني ومهارة بناء الفرق ومعايير السلامة والجودة وسرعة تقديم الرعاية الصحية أو سهولة الحصول عليها ومهارات التواصل والتنسيق بين مقدمي الرعاية، وهي كلها مقاييس تهم المرضى.

طريق النجاح

يتطور مجال الطب باستمرار مع ظهور طرق جديدة للعلاج والتعافي، بل وحتى الشفاء الكامل من الأمراض. ويتعيّن علينا أن نفكر دائماً في التطورات، وأن نصحح مسارنا عند الحاجة إلى ذلك. وبالتأكيد، لا يمكن أن يتحقق هذا دون تطبيق الكفاءة بالقوة. إذ يجب على جميع الأطباء والمرضى والإداريين الحفاظ على الجانب المقدس والإنساني في الممارسات الطبية والبناء عليه. ويجب علينا أن ننصت باهتمام كي نغذي العلاقات الصادقة ثنائية الاتجاه التي تمنح الأطباء والمرضى شعوراً بوجود غاية مشتركة لا يمكن أن تحققها أي خوارزميات أو قواعد إرشادية على الإطلاق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي