يشعر العديد من الموظفين أحياناً بالإحباط في وظائفهم الحالية أو في مؤسساتهم. قد تكون الاستقالة من الوظيفة قراراً سديداً أحياناً، ولكن يمكن لبعض الظروف الخارجة عن إرادتك أن تجعل الاستمرار في الوظيفة الخيار الأفضل أو الوحيد. إذا كنت ممن يجدون أنفسهم مضطرين للاستمرار في وظيفة غير مرضية ولا تلبي تطلعاتهم، فمن المهم أن تدرك أنك قادر على استكشاف بدائل وفرص أخرى.
من خلال عملنا مع الموظفين وكبار القادة؛ فشارون هي مدربة تنفيذية ومتخصصة في علم النفس التنفيذي، ودوري هي مؤلفة ومتحدثة رئيسة، فقد توصلنا إلى 4 استراتيجيات لتحويل هذه الفترة الصعبة إلى مرحلة قيمة ومميزة في مسيرتك المهنية.
اتخذ قرار الاستمرار في عملك بناءً على قناعتك الشخصية
قد تفضي التجارب السلبية المتكررة في العمل إلى دخول الدماغ في حالة العجز المكتسب، ما يؤدي إلى انخفاض الشعور بالتحكم والتأثير والقدرة على اتخاذ القرارات وزيادة خطر الإصابة بالاحتراق الوظيفي. بدلاً من النظر إلى نفسك على أنك عالق في وظيفتك ومجبر على الاستمرار فيها، استعد قدرتك على التحكم بقراراتك من خلال اتخاذ قرار مدروس بالاستمرار بإرادتك لأن الفوائد التي تحصل عليها حالياً أكبر من السلبيات أو الأعباء التي تتحملها. على سبيل المثال، قد يكون من المفيد تغيير وجهة نظرك حول وظيفتك بوصفها التزاماً أو واجباً مفروضاً عليك وتبني طريقة تفكير مختلفة تتمثل في الذهاب إلى العمل وفق شروطك الشخصية، أو النظر إلى الشركة التي تعمل فيها والراتب الذي تحصل عليه على أنهما وسيلة لتسهيل انتقالك المستقبلي نحو فرصة أفضل.
للحفاظ على قدرتك على التحكم بقراراتك، حدد مواعيد مراجعة ربع سنوية مع نفسك لإعادة تقييم جدوى استمرارك في وظيفتك. على سبيل المثال، يمكنك أن تطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- ما هي الجوانب التي تساعدني على النمو المهني واكتساب الخبرات من خلال هذه الوظيفة؟
- هل يمكنني تنمية مهارات أو خبرات أو علاقات في عملي الحالي لتساعدني في المستقبل؟
- ما هي الخطوط الحمراء التي ستجعل الاستمرار في هذه الوظيفة غير ممكن، ما يستدعي اتخاذ قرار مختلف، وكيف أعرف أنني وصلت إلى هذه المرحلة؟
يساعدك طرح هذه الأسئلة على تحويل التزامك غير المحدد أو المطلق إلى مجموعة من القرارات المدروسة، ما يمنحك شعوراً أكبر بالقدرة على التحكم بحياتك المهنية.
استكشف الفرص التي لم تكن واضحة لك سابقاً
يؤدي اتخاذ قرار الاستمرار في الوظيفة بوعي كامل مع تحمل مسؤوليته إلى تقليل التوتر الناتج عن المحاولات المستمرة للبقاء والتكيف أو تغيير وضعك، ويتيح لك الوصول إلى رؤية أوسع والتفكير بطريقة إبداعية. حاول تبني عقلية المبتدئين لرؤية وظيفتك من زوايا جديدة. حتى لو لم تعد وظيفتك تمنحك التحفيز اللازم، يمكنك تحديد قيمة جديدة لعملك من خلال استكشاف العلاقات والروابط بين الأقسام، أو فهم أثر عملك في العملاء، أو إعادة النظر في الأفكار الواعدة التي أجلتها خلال فترات انشغالك السابقة بسبب ضيق وقتك. يمكنك أيضاً التركيز أكثر على تطوير مهارات الآخرين أو تعزيز تواصلك العميق مع زملائك لتحسين جودة تفاعلاتك وعلاقاتك.
على سبيل المثال، كانت شارون تعمل في إحدى المؤسسات المالية، وحين لم تحصل على الترقية التي كانت تتطلع إليها، قررت الاستمرار في وظيفتها الحالية حتى في ظل عدم توافر فرص للترقية أو التقدم الوظيفي بسبب قلقها من عدم العثور على وظيفة مماثلة في شركة أخرى. ولكن من خلال تحليل أصحاب المصلحة في المؤسسة وتحديد الفرص المتاحة لخلق القيمة، اقترحت تولي منصب جديد يتمثل في قيادة مشروع بارز يحقق إيرادات كبيرة ويحظى باهتمام الرئيس التنفيذي وحصلت على الموافقة، وعينها النائب الأول للرئيس فعلاً. سمح لها ذلك بالتعامل بذكاء مع مديرها الذي يتبع أسلوب الإدارة التفصيلية في العمل، وحصلت على ترقية في المنصب الوظيفي مع زيادة راتبها. يمكن أن يساعدك تغيير وجهة نظرك حول وظيفتك والنظر إليها من زوايا مختلفة على رؤية آفاق جديدة وابتكار الفرص وتجنب الركود المهني.
تحمل المسؤولية عن دورك الشخصي في هذه المسألة
بدلاً من إلقاء اللوم على العوامل الخارجية لتبرير عدم شعورك بالرضا، حدد أفعالك وقراراتك التي أسهمت في وصولك إلى الوضع الحالي، فعادةً ما تكون قدرتك على التحكم بقراراتك ومسيرتك المهنية أكبر مما تتصور، وهي التي ستحدد قدرتك على إيجاد فرص أفضل.
على سبيل المثال، أرادت إحدى عميلات شارون، التي تشغل منصب الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا في إحدى شركات التكنولوجيا، الاستقالة من وظيفتها، ولكنها كانت ملزمة بموجب العقد بالبقاء مدة عام إضافي. وقد اختارت تغيير طريقة تفكيرها بطريقة واعية ومدروسة، فقالت: "بدلاً من التركيز على السلبيات ونقاط الضعف المتعلقة بأسلوب القيادة التنفيذية، بدأت بالتركيز على تقديم أفضل أداء ممكن والظهور بأفضل صورة ممكنة في العمل"، وحددت طرقاً لتحسين كفاءة عمليات فريقها وتعزيز الشراكات والعلاقات مع أصحاب المصلحة. وقد ساعدتها هذه الخطوات على تطبيق تكنولوجيا رائدة في المجال دون زيادة التكاليف، ما أسهم في تعزيز أثرها ومكانتها في اجتماعات الإدارة، بالإضافة إلى تقليل التوتر الذي كانت تشعر به حول استمرارها في الوظيفة.
من المفيد أن تبدأ بتحليل جوانب وظيفتك الحالية وتحديد الأمور التي يمكنك التحكم بها مباشرة أو التأثير فيها، وكذلك الأمور الخارجة عن إرادتك ولا تستطيع تغييرها. اختر من طريقة إلى 3 طرق محددة لتحسين وضعك الحالي من خلال جهودك الشخصية فقط دون أن تطلب من أي شخص آخر تغيير سلوكه أو قراره. بالإضافة إلى ذلك، يمكنك التفكير في تبني عادة يومية تتمثل في وضع هدف واضح للقيادة في كل صباح. حدد 3 صفات ترغب في تجسيدها خلال اليوم، بغض النظر عن الظروف أو سلوك الآخرين. على سبيل المثال، يمكنك اختيار صفات مثل التفكير الاستراتيجي والإيجابية والعمل التعاوني. حتى لو كنت لا تستطيع التحكم بالظروف الخارجية، فيمكنك تحسين تجربتك وأفكارك الداخلية لتعزيز شعورك بالكفاءة والرضا الوظيفي.
استفد من الفترة الحالية في وظيفتك للتطور والنمو لا لمجرد تحمل الوضع ومحاولة التكيف معه
قد يكون من المفيد أيضاً النظر إلى وظيفتك الحالية على أنها جزء من مسار مهني أكبر، بدلاً من التعامل معها على أنها مرحلة انتظار مؤقتة. احرص على الاستفادة من هذه الفترة بطريقة مدروسة لتطوير المهارات اللازمة لمنصبك الوظيفي القادم أو لتحديد خطوتك المهنية التالية. تحدثت دوري في كتابها "كيف تعيد اكتشاف نفسك؟" عن محامية غير راضية عن وظيفتها، التي كانت تستثمر وقت الغداء بطريقة مدروسة من خلال دعوة أشخاص يشغلون وظائف تثير اهتمامها، وبعد العديد من هذه اللقاءات، تمكنت من تحديد مسارها المهني التالي.
يمكنك السعي لتحديد مهارة واحدة على الأقل تجعل منك مرشحاً أكثر جاذبية في سوق العمل، ثم ابحث عن فرص لتطويرها في منصبك الحالي من خلال إعادة صياغة دورك الوظيفي أو توسيع نطاق مهامك الوظيفية. على سبيل المثال، إذا كانت مهاراتك أو معرفتك المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ستحسن فرصك المهنية المستقبلية، فيمكنك التطوع للانضمام إلى فريق عمل الذكاء الاصطناعي في شركتك أو لقيادته، وإذا كنت ترى أن مهارة التحدث أمام الجمهور ستعزز مكانتك المهنية، فيمكنك تمثيل مؤسستك في المؤتمرات والفعاليات المتخصصة.
بالإضافة إلى ذلك، استفد من خبرتك ومعرفتك الجيدة بوظيفتك الحالية، فأنت أكثر كفاءة لأنك تعرف التفاصيل الدقيقة، لتوفير الوقت والطاقة اللازمين لتطوير مهاراتك وخبراتك خارج نطاق عملك المباشر. فكر في التقدم لشغل مناصب استشارية في مجالس الإدارة، أو قيادة جمعيات مهنية مرتبطة بمجال عملك، أو التسجيل في برامج تعليمية قصيرة تمنح شهادات مهنية. يمكنك أيضاً استكشاف طرق أخرى للوصول إلى حالة التدفق الذهني والتركيز العميق، مثل تقديم الإرشاد للآخرين أو الانخراط في أنشطة وهوايات ممتعة وهادفة.
عندما لا يكون خيار الاستقالة متاحاً، يبقى بإمكانك تحويل التحديات وظروف العمل الصعبة إلى فرصة للنمو. من خلال اتباع هذه الخطوات، يمكنك استعادة شعورك بالقدرة على التصرف واتخاذ القرارات وتقليل الضغوط والتوتر والاستعداد للفرص المستقبلية، بدلاً من الاكتفاء بمحاولة التكيف مع الوضع الحالي دون إجراء أي تغييرات.