كيف تستفيد الشركات من نهج كايزن الرقمي؟

6 دقائق
نهج كايزن الرقمي
(مصدر الصورة: هارفارد بزنس ريفيو، تصميم: محمد محمود)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يسهم موظفو الخطوط الأمامية في كثير من الأحيان بأفكار عظيمة لتحسين العمليات كما وجدت شركة تويوتا وغيرها من الشركات. يشرح المؤلفان في هذه المقالة كيف يمكن الاستفادة من نهج كايزن الرقمي لتحسين العمليات، والمستخدَم في شركات التصنيع، في سياق العمل المعرفي، بحيث يساعد الشركات على اكتشاف الفرص الممكنة لأتمتة أعمالها المعرفية. تدور المقالة حول إنشاء منصة للأفكار ومجموعة أدوات للتطوير يمكن للموظفين مشاركتها وتجربتها. وقد وجدت شركة المحاسبة العملاقة، برايس ووترهاوس كوبرز (بي دبليو سي أو PwC)، أن تبنّي هذا النهج ومنح تقدير إضافي ومكافآت للموظفين لتحفيزهم على المشاركة على المنصة قد ساعد الموظفين في أتمتة أكثر من 7 ملايين ساعة من وقت العمل. 

تستفيد الشركات على مستوى العالم من أفكار موظفيها وابتكاراتهم في الخطوط الأمامية لتحسين منتجاتها وعملياتها. كان لنهج كايزن الرقمي في هذا الصدد، الذي يرجع أصله إلى نظام الإنتاج في تويوتا، دور فعال في قيادة الأداء من خلال توليد الأفكار للموظفين في الخطوط الأمامية وتنفيذها. تقوم الفكرة الأساسية لنهج كايزن على أن التحسين المستمر للأعمال اليدوية يؤدي إلى تحسينات كبيرة في الإنتاجية والجودة بمرور الوقت. على الرغم من أن هذه الممارسة راسخة في التصنيع، أثبتت منهجية كايزن أيضاً فعاليتها في العمل المعرفي مثل التدقيق والإعلان والصيرفة، حيث تكون المدخلات المبتكرة للموظفين ذات قيمة خاصة. يدرك الموظفون جيداً المهام التي تتطلب تدخل العامل البشري، وأين وكيف يمكن للأتمتة القيام بالعمل اليدوي الروتيني بشكلٍ أفضل، وغالباً ما يكون لديهم مصلحة في أتمتة الأعمال الروتينية المملة، ما يمنحهم المزيد من الفسحة للقيام بأعمال معرفية أكثر إثارة للاهتمام.

لقد تم بالطبع رقمنة جزء كبير من العمل المعرفي. لكن النهج الذي نعرضه هنا، نهج كايزن الرقمي، يساعد الشركات التي تتسم بالأعمال المعرفية الكثيفة في الاستفادة بشكل أفضل من خبرة ورؤى موظفي الخطوط الأمامية على نطاق واسع لأتمتة العمل المعرفي بشكلٍ ناجح. دعونا نلقِ نظرة على تجربة شركة المحاسبة العملاقة، برايس ووترهاوس كوبرز، وشركات أخرى في تطبيق منهجية كايزن الرقمية لتسريع الأتمتة الفعالة للعديد من العمليات المستهلكة للوقت.

تحفيز مشاركة الموظفين

في الدراسات السابقة التي تناولت الابتكار، رأينا كيف يتم قمع الأفكار الجيدة لموظفي الخطوط الأمامية وإبراز الأفكار السيئة، وكيف يمكن أن تضيع بعض الأفكار الجيدة ما بين سوء التنفيذ والمستويات الإدارية والأقسام المؤسسية المنعزلة.

نادراً ما يرى الموظفون أن تقييم أفكارهم واختيارها يتسم بالشفافية، وغالباً ما يكون من غير الواضح سبب رفض فكرة ما أو تقييمها على أنها سيئة. وعلى الرغم من أن موظفي الخطوط الأمامية هم في وضع أفضل لاستشعار تغير ظروف العمل وفرصه، فنادراً ما يكون صوتهم مسموعاً (لأنهم في المستوى الأدنى من المؤسسة). باختصار، من الصعب إشراك الموظفين في نهج كايزن الرقمي للتحسين، حتى لو كانت الشركات قد قامت بالفعل برقمنة عملياتها.

ينطوي نهج كايزن الرقمي على إنشاء منصة رقمية داخلية (يمكن النظر إليها على أنها “متجر تطبيقات” داخلي) يمكّن موظفي الخطوط الأمامية من طرح أفكارهم، ويزودهم بمجموعات من الأدوات دون برمجة أو منخفضة البرمجة تمكنهم من تحويل أفكارهم مباشرةً إلى نموذج عمل أولي يمكن اختباره وتحسينه بسهولة. على سبيل المثال، استخدم مدققو الخطوط الأمامية في شركة برايس ووترهاوس كوبرز للمحاسبة هكذا منصة لتطوير العديد من الخوارزميات الجاهزة التي تقرأ البيانات تلقائياً من مجموعة من المستندات المصدر، وتطبيق بعض العمليات الحسابية الأساسية، ومن ثم كتابة المعلومات التي تمت معالجتها في مستند أو تطبيق مستهدف آخر.

حتى الآن، أنشأ مطورو الشركة المحليون (غير المتخصصين في البرمجة)، كما يُطلق على المساهمين في مثل هذه المنصات، أكثر من 7 آلاف عملية أتمتة على منصة كايزن الرقمية التي يعملون عليها. في فرع الشركة في الولايات المتحدة وحده، ينشط أكثر من 95% من الشركاء والموظفين (نحو 55 ألف شخص) على المنصة.

حلول قابلة للتطوير

هناك مشكلة أخرى تواجه ابتكارات موظفي الخطوط الأمامية تتمثل في أن الحلول التي يبتكرونها لا تنتشر بسهولة بين المواقع أو الوحدات المنفصلة. غالباً ما تكون الأفكار أو الحلول “مرتبطةً” بعملائها المحددين ومن أنشأها وبخصائص العملية المحددة. وما يزيد الطين بلة، يمكن أن تعاني الوحدات المؤسسية المنفصلة “متلازمة لم يصنع هنا”، ونتيجة لذلك، غالباً ما تضيع الأفكار التي يُحتمل أن تكون جيدة أو يتم تجاهلها.

في هذا الصدد، يمكن أن تساعد منصات كايزن الرقمية على منع حدوث ذلك. في البداية، يمكن للمستخدمين البحث عن الحلول التي يقترحها المطورون المحليون واستخدام الأدوات الموجودة على المنصة لتكييف الحل وفق حاجاتهم الخاصة، وبالتالي يصبحون هم أنفسهم مطورين محليين.

لكن هذه القدرة الوظيفية لا تكفي وحدها. الشرط الأساسي لقابلية التوسع هو أن يوفر الحلّ حلاً لمشكلة مشتركة بين عدة مستخدمين مستهدفين، وللوفاء بهذا الشرط، عادةً ما يستغرق الأمر من المساهم التحقق من فائدة أتمتة مهمة معينة لأقرانه (عادة ما تستغرق هذه العملية وقتاً طويلاً وتكون عرضة للخطأ) وفهم كيفية تنفيذها من قبل مستخدمين مختلفين. وبالإضافة إلى ذلك، يتطلب ذلك جهوداً تطويرية إضافية لضمان أن يتكيف الحل مع استخدامات متنوعة ومتعددة.

لتحفيز جهود جمع المعلومات وتطويرها، قدم قادة الأتمتة في شركة برايس ووترهاوس كوبرز حوافز للمطورين المحليين لبناء حلول قابلة للتطوير؛ حيث رُبطت المكافآت والتقدم المهني والتقدير للمطور المحلي باعتماد الزملاء للأتمتة التي يبتكرها واستخدامها. وفي هذا السياق، تتعقب المنصة عدد التحميلات ومستويات الاستخدام وتقييمات المستخدمين، ما يسمح لشركة برايس ووترهاوس كوبرز بربط أداء المستخدم على المنصة بالمكافآت بشفافية.

ونظراً لأن المنصة تسمح للمستخدمين بتعديل الحل بأنفسهم بسهولة، فإن ذلك يمكّن الآخرين من إنشاء “إصدارات” جديدة من أي حل معين، ما يسهل أكثر من توسيع نطاق أفكار الأتمتة. على سبيل المثال، يمكن لمدقق الحسابات في مكتب برايس ووترهاوس كوبرز في سان فرانسيسكو تعديل حل نظيره في برلين لأن أعمالهما التجارية لا تختلف سوى في تنسيق إدخال البيانات الخاصة بكل بلد.

إذاً ما هي زبدة الكلام من نشر حلول كايزن الرقمية وتبنّيها؟ يمكن توسيع مكاسب الإنتاجية بمرور الوقت، لأنه يمكن جنيها بشكل متكرر دون تكلفة حدية. إجمالاً، تم تنزيل 7 آلاف حل أتمتة لشركة برايس ووترهاوس كوبرز أكثر من 5 ملايين مرة، ما سمح بأتمتة أكثر من 7 ملايين ساعة عمل (حسب مقياس برايس ووترهاوس كوبرز التقريبي لمكاسب الإنتاجية).

إدارة العملية

هناك قوة عمل في العديد من الشركات تحرص على المساهمة في التحول الرقمي لعملها. مع وضع ذلك في الاعتبار، حددنا خمسة عوامل حاسمة تضمن استمرار نجاح نهج كايزن الرقمي.

رفع الوعي

كما هو الحال مع أي مبادرة تغيير ناجحة، من المفيد خلق وعي شامل بالوضع الراهن للإمكانيات والعمليات الرقمية. في شركة برايس ووترهاوس كوبرز، على سبيل المثال، بدأ العمل بمبادرة كايزن الرقمية بتقييم ذاتي لمهارات الموظفين الرقمية عبر تطبيقٍ رقمي للملاءمة الوظيفية. ولخلق الإحساس بالاستعجال والجدية حول هذه القضية، نشر كبار المدراء التنفيذيين نتائج تقييماتهم الذاتية، بما فيها أوجه القصور لديهم.

تحسين مهارات موظفي الخط الأمامي

معظم موظفي الخطوط الأمامية ليسوا مبرمجين، ولا يقومون ببرمجة أعمالهم الرئيسية. ولكن غالباً ما يكون تزويد المستخدمين بالمهارات الرقمية من خلال الدورات التدريبية أو الهاكاثون أسهل من نقل المعلومات حول مشكلات المستخدمين إلى متخصصي الرقمنة، بالإضافة إلى ذلك، يحرص الموظفون في الخطوط الأمامية على صقل مهاراتهم. في برايس ووترهاوس كوبرز، تجاوز عدد المسجلين في دورات المهارات الرقمية الحد المسموح به بثلاثة أضعاف. ومع اكتساب نهج كايزن الرقمي زخماً كبيراً في برايس ووترهاوس كوبرز، اُستبدل التدريب الذي قُدّم في الأصل عبر “مسرعات العمل الرقمية” بمجموعة من وحدات التدريب المتاحة لجميع القوى العاملة.

تحديث الأدوار المؤسسية

“المطور المحلي” أكثر من مجرد شهادة يحملها الموظف. إذ يجب تقديره رسمياً ودعمه بالتدريب. وفي هذا الصدد، يمكن للشركات تخصيص وقت مدفوع الأجر للمطورين المحليين حتى يتمكنوا من إنشاء حلول الأتمتة وتحميلهم المسؤولية عن النتائج. ويمكنها أيضاً منح الألقاب والشهادات لتعكس المستويات المختلفة من التوقعات والمهارات والأدوار في نهج كايزن الرقمي – على غرار مستويات الحزام “الأخضر” أو “الأسود” اللذين يرمزان إلى التصنيع الرشيق. على سبيل المثال، كان المستوى الأساسي في شركة البرمجيات الرومانية، يو آي باث، هو “مستهلك الأتمتة”؛ أي الموظف الذي لا يطور، ولكنه يسهم في أفكار للأتمتة. بالنسبة للمستويات الأعلى التالية، يمكن أن يكون المحليون المطورون إما “مستخدمين ذاتيين” يقومون ببناء الأتمتة بنفسهم في المقام الأول، أو “مستخدمين محترفين” يقومون ببناء الأتمتة لمجتمعات المستخدمين الأكبر.

التحفيز والمكافأة

كما رأينا، تربط برايس ووترهاوس كوبرز الحوافز المالية وتقييمات الأداء بمعدلات التحميل وتقييمات المستخدمين، ما يخلق حافزاً أقوى للموظفين للمشاركة في نهج كايزن الرقمي. لكن تحفيز نشر الحلول والمساهمة لا يتطلب بالضرورة تحفيزاً مالياً. على سبيل المثال، كان بعض الموظفين في شركة التسويق والإعلان العالمية دينتسو (Dentsu) مدفوعين أكثر برؤية الشركة الأوسع و”الرغبة الملحّة الذاتية للتخلص من المهام المملة”، حسب تعبير رئيس الأتمتة في الشركة. يمكن أن يشعر الموظفون بالتحفيز بشكلٍ فعال من خلال جعل أعمالهم اليومية أقل تكراراً من خلال اعتمادهم على أدواتهم الرقمية، وبالتالي يمكنهم استعراض مهاراتهم الرقمية. من الشائع أن يذكر المطورون المحليون أدواتهم التي طوروها في سيرهم الذاتية إلى جانب عدد التحميلات وتقييمات المستخدمين.

الحوكمة: تحقيق التوازن بين الإبداع والتحكم

يمكن للشركات إدخال مستوى معين من الرقابة الإدارية من خلال إنشاء “حقوق المحلي” المناسبة لمنصات كايزن الرقمية. تدور هذه الحقوق حول التطوير والرفع على المنصة (من يمكنه أن يطور وأي أدوات يمكن رفعها على المنصة) والموافقة (ما الحلول التي تحتاج إلى موافقة خاصة؟) والتحميل (من يمكنه أو يجب عليه تحميل الأدوات) والتعديل (من يمكنه تعديل أي أجزاء من الأداة؟). تساعد الإجابة عن هذه الأسئلة الشركات في إدارة الشدّ والتجاذب بين إبداع توليد الأفكار اللامركزي والحاجة إلى الالتزام بمعايير موحدة على مستوى الشركة.

اكتشف رواد نهج كايزن الرقمي، مثل برايس ووترهاوس كوبرز والشركات الأخرى التي وردنا على ذكرها، أنه يمكن تطبيق النهج على حلول رقمية أخرى بخلاف أتمتة العمليات المعرفية القياسية للعمل. ويرجع ذلك إلى أن فكرة كايزن الرقمية تدور في جوهرها حول استعداد المدراء للاستفادة من الحافز الجوهري لدى موظفيهم ومهاراتهم في الخطوط الأمامية وإشراكهم في الابتكار المستقل لدفع التحولات الرقمية لشركاتهم، وذلك يتجاوز مجرد أتمتة تدفقات المعلومات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .