وفقاً لأحدث بيانات شركة نيلسن (Nielsen) المتعلقة بموضوع الاستفادة من فريق التصميم، يمضي الأميركي العادي أكثر من 11 ساعة يومياً في النظر إلى شاشة ما. وهذا الكشف له تداعيات كبيرة للشركات على اختلاف أطيافها. في عصرنا هذا، سواء كنت تمتلك بنكاً أو متجر بيع تجزئة أو سلسلة فنادق أو شركة تصنيع سيارات، فلا بد أن يكون مشروعك بمثابة شركة تقنية أيضاً. ونقطة الاتصال الأساسية بينك وبين قاعدة عملائك غالباً ما تكون رقمية. وفي هذا السياق، أمسى التصميم عاملاً فارقاً في معركة الفوز بقلوب العملاء وعقولهم.
لقد شرعت المزيد من المؤسسات إلى الاستثمار تدريجياً في ممارساتها التصميمية، وبعضها ضخ استثمارات ضخمة للغاية. فقد افتتح بنك كابيتال وان سلسلة من مختبرات الأبحاث في مدن شتى في أنحاء الولايات المتحدة كوسيلة لتقديم خدمات مصرفية رقمية مخصصة بما يتماشى مع العملاء العصريين. كما تبين أن شركة آي بي إم استثمرت أكثر من 100 مليون دولار لتوسعة نطاق أعمال التصميم الرقمي لديها، بما في ذلك تعيين ألف موظف وتأسيس 10 مختبرات تجارب. وثمة شركات استشارية مثل ماكنزي وديلويت وإرنست آند يونغ استحوذت على شركات تصميم لتلبية الطلب المتزايد على الخبرات في هذا المجال.
وهناك دراسة حديثة أجرتها شركتي إنفجن (InVision) كشفت عن أن المؤسسات التي أتقنت التصميم شهدت نتائج تتجاوز بكثير تحسين سهولة استخدام المنتج ورضا العملاء. وتستند بياناتنا على دراسة استقصائية لأكثر من 2,200 مؤسسة حول العالم؛ بداية من شركات صغرى ومؤسسات غير ربحية وحتى المؤسسات الكبرى وتلك المدرجة ضمن قائمة فورتشين 500. وسألنا كل شركة عن السلوكيات المحددة التي تنخرط فيها فرق التصميم لديها، وكذلك عن النتائج التي تلمسها نتيجة لتلك السلوكيات. وكان هدفنا ينحصر في الكشف عن العمليات التي تُميِّز الشركات التي تزاول التصميم ببساطة عن تلك التي تستغله كعامل فارق أساسي.
وحددنا خمسة مستويات طبيعية لنضج التصميم، حيث يمثل المستوى 1 أقل درجة نضج والمستوى 5 أعلى درجة نضج. تتسم الشركات ذات المستوى الخامس من النضج بتحقيق مزايا ملموسة من خلال استخدامها للتصميم، وتتميز بالعمل على ترسيخ التصميم بفعالية في ثقافة المؤسسة بغية تحقيق تلك المزايا مراراً وتكراراً في شتى أقسامها. وصرحت 92% من الشركات التي صُنّفت ضمن المستوى الخامس أنها استطاعت أن تربط بين جهود فريق تصميمها وإيرادات مؤسستها بشكل مباشر. وصرحت 85% من تلك المؤسسات أنها حققت وفراً في التكلفة عبر التصميم، فيما قالت 84% منها إن التصميم ارتقى بالزمن اللازم لطرح المنتج بالأسواق.
وكان من بين أهداف الدراسة تحديد الممارسات والسلوكيات المعينة والمرتبطة بتلك الأنواع من المزايا الملموسة للأعمال. لقد اكتشفنا أن الشركات التي تحقق مزايا أعمال أكثر عن طريق التصميم، تُبدي بعض السلوكيات المحددة والمتباينة بشكل شاسع مع الشركات التي لا تحقق مزايا أعمال أكثر. في غالبية الشركات التي تتمتع بنضج التصميم، تشارك المؤسسة برمتها - بما في ذلك الفريق التنفيذي - في التصميم. وهذا يعني أن أصحاب المصلحة غير المحسوبين على فريق التصميم يشاركون في أبحاث المستخدمين ويعملون على برمجيات مشتركة ويطورون أفكاراً للمنتجات بالتعاون فيما بينهم.
بالإضافة إلى ذلك، تبين أن المؤسسات التي تشهد مزايا ملموسة أكثر من غيرها تتعامل معها كأداة لصنع القرار، بينما تتعاطى المؤسسات التي جنت أقل المزايا مع التصميم بطريقة قاصرة على تحسين جماليات تطبيقها أو موقع الإنترنت الخاص بها. وتُصمم الشركات المحسوبة على المستوى الخامس عمليات لاختبار الجوانب التي تدعم احتياجات عملائها أكثر من غيرها والتعرف عليها. وتستخدم هذه الشركات أيضاً التصميم لوضع استراتيجية تختص بمكامن وكيفية التحرك في سوقها عن طريق وضع رؤية للعروض الجديدة التي تسترشد بأبحاث المستخدمين ويُتحقق منها من العملاء ويُروج لها في شتى أرجاء المؤسسة.
كيفية الاستفادة من فريق التصميم
ويمكن أن تتخذ الشركات الساعية إلى تحقيق مزايا الأعمال ذاتها بضع خطوات محورية لتأهيل مؤسستها للنجاح. لقد جمعنا فيما يلي قائمة بالممارسات المثلى بناء على الردود مجهولة المصدر والتي تم استخلاصها من دراستنا، فضلاً عن أمثلة واقعية من شركات تنتهج تلك الممارسات.
وظف رواد التصميم الخبراء
إن تشكيل فريق قوي من المصممين هو الخطوة الأولى لا أكثر نحو بناء ممارسة تصميمية ناجحة. فالرواد القادرون على خلق رؤية ومشاركتها وإلهام فريقهم وبقية المؤسسة ومؤازرة التصميم على المستوى التنفيذي لا غنى عنهم. لقد اتضح أن حوالي ثلثي الشركات المنتمية إلى المستوى الخامس في دراستنا لديها فرق يقودها رواد التصميم الذين يشغلون منصب المدير فما فوق. ومن الأرجح أن يتمتع هؤلاء بأثر أكبر على التنفيذيين ويمارسون عليهم قدراً أكبر من المساءلة ويشغلون مكانة تمكنهم من تطوير شراكات قوية بشكل أفضل مع قادة الأقسام الأخرى. في نهاية المطاف، فإن ذلك يعني أنه كلما كانت قيادة التصميم أعلى مكانة ومنصباً، كان الأثر على صافي المبيعات أعظم.
أطلق عنان قسم التصميم
بالمقارنة بالشركات التي تنتمي إلى المستوى الأول في دراستنا، وجدنا أن قادة التصميم في مؤسسات المستوى الخامس سينخرطون بثلاثة أمثال تقريباً على الأرجح في قرارات تجارية حساسة، وسيكونون أنداداً لنظرائهم في قسمي الهندسة وإدارة المنتجات. ووُجِد أنهم من المرجح بمقدار أربعة أمثال أن يمتلكوا منتجاً رئيساً وخصائص أساسية ويطورونها بالتعاون مع شركاء أساسيين، والأغلب بمقدار الضعف أن يرأسهم الرئيس التنفيذي مباشرة، ما يؤكد أهمية تمكين فريق التصميم داخل سياق فريق المنتج الأكبر.
استغلت شركة نتفليكس، المشهورة بمستوى الاستقلالية الذي تمنحه لموظفيها في شتى أقسام المؤسسة، نهجاً مثيلاً في التعامل مع فريق التصميم لديها. فكل مسؤول عن تصميم منتج من ضمن صلاحياته التشكيك في الوضع الراهن، والبحث عن سبل جديدة للارتقاء بالشركة. وهم يطرحون أسئلة حول طبيعة العمل انطلاقاً من البيانات، مثل: "كيف يمكننا تحسين تجربة الكشف عن المحتوى؟". وتنطلق المشروعات من نهج "التفكير الحالم" الذي لا تحدّه التقنيات الحالية. وبعد ذلك، يطور الفريق ويستنسخ مفاهيم مختلفة تتم مشاركتها مع الزملاء في جميع أنحاء العالم التماساً للملاحظات والتعقيبات قبل تنفيذ أي شيء.
قم بإجراء الكثير من التجارب
لقد اكتشفنا أن فرق التصميم في الشركات المنتمية إلى المستوى الخامس لديها ممارسات تجريبية أقوى بكثير. ومن الأرجح أن تجري اختبارات مفاهيمية واختبارات A/B واختبارات بيتا. ومن الأرجح أيضاً أن تضع تلك الشركات عمليات لاستقطاب العملاء سريعاً لأغراض الأبحاث واختبار تعاطيهم مع المنتجات التي بين أيديهم. وأخيراً، فمن الأرجح أن تتبنى سلوكيات قياسية حيال قياس نجاح التجارب والتي تلازمها مزايا أعمال أكثر بكثير.
على سبيل المثال، تحرص فرق التصميم في شركة غاب على إجراء اختبارات في مرحلة مبكرة ومراراً وتكراراً، حيث عادة ما تستقطب موظفين من "جابتيريا"، مقهى المقر الرئيس للشركة، لإجراء اختبارات سريعة على المفاهيم قبل الانتقال بها إلى اختبارات وتجارب رسمية أكثر في مختبر قابلية الاستخدام أو على شبكة الإنترنت أو في متاجر البيع بالتجزئة. لقد تبين أن فرق العمل في شركات المستوى الخامس، حيث تُعتبر التجارب عرفاً متبعاً في عملية التصميم، تصرح على الأرجح بمقدار أربعة أمثال أن التصميم كان له أثر إيجابي على إيراداتهم، وأنها ستشهد على الأرجح بمقدار خمسة أمثال على الوفر في التكلفة، وأنها على الأغلب ستُقلّص الزمن اللازم لطرح المنتج بالأسواق بواقع ستة أمثال.
ضَعْ آليات للقياس
من الصعب بمكان، كما هو معلوم، تحديد عائد استثمار التصميم، غير أن فرق عمل الشركات المحسوبة على المستوى الخامس من الأرجح أن تقيس المؤشرات القياسية مثل صافي مؤشر المروجين ومقاييس عمليات فريق التصميم والمؤشرات الخاصة بالمبادرات. على سبيل المثال، طورت شركة يو إس أيه أيه بطاقة أداء التصميم التي تفصّل كل شيء بداية من التعامل مع قسم الامتثال والشؤون القانونية حتى سهولة التعامل مع التصاميم. وكثير من الشركات أيضاً تستخدم إطار عمل "هارت" (HEART framework) من شركة جوجل، وهو سلسلة من المقاييس ركيزتها المستخدم وتسمح للمصممين بقياس تجربة المستخدم المرتبطة بتطبيق أو موقع إنترنت ما على نطاق واسع.
شجِّع عملية تبني التصميم العام
كثير من المؤسسات لديها جانب أو جانبان يعمل فيهما فريق التصميم على مستوى عال، غير أن المؤسسة التي لديها أعمال تصميم ناضجة عليها أن تتوقع شيوع ثقافة تصميم متجانسة لديها تشتمل على ممارسات ومبادئ ومقاييس للجودة وأدوات تُمكن التصميم على نطاق كبير يمتد إلى شتى أرجاء المؤسسة. وتشمل المؤشرات الأساسية ما يلي: هل يشارك الموظفون من خارج فريق التصميم بفعالية وحماس في عملية التصميم؟ هل يتفاعلون بكثرة مع فريق التصميم؟ وهل تلك التفاعلات ملموسة؟ لاحظ عزيزي القارئ أنه بالرغم من أن ورشات فرق العمل متعددة التخصصات تعتبر بداية جيدة، إلا أن الشركاء الرئيسيين في قسم المنتجات والقسم الهندسي ينبغي أن يعملوا بفعالية مع المصممين من أجل صياغة المتطلبات وتحديد أولويات نطاق العمل وتحقيق الأهداف المشتركة. في شركة جوجل يُنظر إلى العلاقة بين التخصصات المختلفة على أنها شراكة، بينما تعتبر المساءلة عن العمل مشتركة بين القسم الهندسي وقسم المنتجات وقسم التصميم.
وبينما تستثمر الشركات بكثافة أكثر تدريجياً في ممارسات التصميم الخاصة بها، فمن الأهمية بمكان لقادة الأعمال أن يكونوا على دراية بتلك السلوكيات كي يفهموا ما إذا كانت مؤسستهم تستخدم التصميم بفعالية كعامل دافع لعجلة الأعمال، أو إذا كانت تزاول أعمالها دون إيمان حقيقي بأهميتها. فضلاً عن ذلك، بينما ينمو تصميم المنتج ويتطور، حري بنا جميعاً، نحن الذين نعمل في مجال التصميم، أن نعزز الممارسات المثلى وأن نوجه الآخرين إلى الأعمال العظيمة وأن نُعرف أصحاب المصلحة بالظروف التي يمكن للتصميم أن يزدهر تحت مظلتها. وتثبت هذه الدراسة أن التصميم قادر على تحقيق إنجازات مذهلة، وأنه بالتآزر والتعاون يمكننا بحق إطلاق عنانه والكشف عن إمكاناته وسنتمكن عندها من الاستفادة من فريق التصميم بشكل كامل.
اقرأ أيضاً: