كيف يمكن الاستفادة من أسوأ الظروف لاكتشاف أفضل البشر؟

4 دقائق

من السهل أن تتأمل ما يدور حولك وأن تلاحظ أن أزمة "كوفيد 19" قد أبرزت عدة جوانب سلبية لدى بعض الأفراد، من الاكتناز القهري لآلاف العبوات من معقّمات اليدين إلى التزاحم على المطاعم، على الرغم من إرشادات الصحة العامة. إلا أنني أعتقد أن هذا السلوك غير العقلاني لا يتّبعه سوى فئة قليلة من السكان. فقد أثبت الأفراد والمجتمعات مراراً وتكراراً أن المواقف الصعبة تُبرز الصفات الحميدة لديهم ولدى المؤسسات التي ينتمون إليها على حد سواء. وكما يوجد لحظات لا حصر لها من اليأس، يوجد لحظات لا حصر لها من النور، كالإيماءات البسيطة من الرحمة والتواصل التي تتيح للأفراد إظهار جوانب أخرى من شخصياتهم، وأساليب معيشتهم، والأمور التي تعنيهم.

درَسَت الكاتبة القصصية الشهيرة ريبيكا سولنيت في كتابها الذي يحمل عنوان "الجنة المبنية في الجحيم" (A Paradise Built in Hell)، استجابات عفوية من القاعدة إلى القمة لبعض أسوأ الكوارث الطبيعية والكوارث التي صنعها البشر في العالم، مثل الزلازل القاتلة في مدينتي سان فرانسيسكو ومكسيكو سيتي، وانفجار "هاليفاكس" (Halifax) عام 1917، وهجمات 11 سبتمبر/ أيلول. وكتبت: "يوضّح التاريخ الحافل بالكوارث أن معظمنا حيوانات اجتماعية متعطّشة للتواصل والعيش وفق هدف ما". وقد يُقحمنا الوضع المؤلم والمأساوي، "في ظروف تتطلّب منا أن نتصرف بإيثار وشجاعة وأن نتمتّع بروح المبادرة من أجل النجاة أو إنقاذ الآخرين، بغض النظر عن آرائنا السياسية أو أسلوب حياتنا الشخصي".

وبينما كنت أتفكّر في ملاحظات سولنيت، تذكرّت عملاً بطولياً يُمثّل رسالتها أفضل تمثيل. حدث ذلك العمل البطولي في أعقاب إعصار "كاترينا" الذي دمّر مدينة نيو أورليانز وساحل خليج الميسيسيبي. كانت الحياة اليومية آنذاك بمثابة صراع دام أسابيع وشهوراً، ليس فقط من أجل العثور على الطعام أو الملابس أو حفاضات الأطفال، وإنما من أجل العثور على المال لدفع ثمن هذه الاحتياجات. وحال تعطّل أنظمة الكهرباء في المنطقة دون عمل أنظمة بطاقات الائتمان. كما غمرت المياه فروع البنوك، ودمّر الإعصار أجهزة الصراف الآلي، وهو ما أحبط أي طريقة للحصول على المال.

وفي خضم هذا الوضع البائس، انبثقت فكرة ملهمة من قبل موظفي بنك "هانكوك" (Hancock Bank)، وهو بنك مجتمعي تعود جذوره إلى عام 1899 ويقع في مدينة غولف بورت في ولاية ميسيسيبي. ففي الأيام التي تلت إعصار "كاترينا" مباشرة، قام موظفو البنك بالكشف عن أماكن الأموال في الأرضيات والأدراج والخزائن في 40 فرعاً تقريباً من فروع "بنك هانكوك" التي دمرتها العاصفة، على الرغم من معاناة هؤلاء الموظفين من أزمات شخصية ومالية. وبعد أن جمعوا كل النقود الرطبة والموحلة والقذرة التي تمكّنوا من العثور عليها، وضعوها في أكياس قمامة بلاستيكية. ثم عملوا على توصيل الغسالات والمجفّفات بالمولدات، ووضعوا صفوفاً من ألواح الكي، وقاموا بتنظيف النقود وكيّها برفق، لقد قاموا بغسل الأموال بالمعنى الحرفي للكلمة!

ثم وضعوا طاولات قابلة للطي تكسوها أغطية خارج فروع البنك ووزّعوا النقود على أي شخص يطلبها، حتى إن لم يكن يمتلك هوية شخصية، فالإعصار جرف جميع ممتلكات السكّان. وعلى الرغم من تعطّل أنظمة الكمبيوتر، سجّل موظفو البنك "عمليات السحب" على قصاصات من الورق تحمل اسم كل شخص وعنوانه ورقم ضمانه الاجتماعي. ووزّعت عملية بنك "هانكوك" المؤقتة في المجمل أكثر من 42 مليون دولار من النقد "المغسول". وكما أشار أحد التقارير الاستقصائية: كان مشهداً مثيراً من شأنه أن "يجعل أي رئيس عصابة فخوراً".

في الواقع، لقد أسفر هذا التعبير الشعبي عن الإبداع والإنسانية عن جعل البنك وزبائنه فخورين. وتمكّن البنك من استعادة أكثر من 99.5% من النقد الذي وزّعه. كما ارتفعت نسبة ودائعه وأصوله، فعندما توجّه الزبائن إلى فروع البنك لسداد الأموال، أو عندما تبّرع آخرون لسداد الأموال، كانوا ممتنين للغاية لدرجة أنهم طلبوا فتح حساب جديد في البنك، أو أضافوا أموالاً إلى حساب موجود بالفعل، واستخدموا البنك للحصول على قرض أو رهن في وقت لاحق. وصرّح الرئيس التنفيذي لبنك "هانكوك"، جورج شلوغل، لمشروع التاريخ الشفوي، أن الموقف تلخّص في جملة واحدة: "وقفتم معنا وقت الشدة، وسنقف معكم وقت الرخاء". وفي العام التالي للعاصفة، نمت الودائع بمقدار 1.5 مليار دولار.

وفي الوقت نفسه، تعززت استراتيجية عمل بنك "هانكوك" نتيجة مبادرات الخدمة والثقة المتبادلة هذه. ويفتخر بنك "هانكوك" اليوم بتبنّيه ثقافة التخطيط للكوارث الطبيعية التي تعدّ جزءاً من الحياة في هذا العالم. ومنذ إعصار كاترينا، أصبح البنك "آخر من يُغلق أبوابه وأول من يفتحها"، ومثّل هذا النهج جوهر علامته التجارية. وبعد عشر سنوات من العاصفة، دُعي المسؤولون التنفيذيون للبنك للتداول في سوق أسهم "ناسداك" (Nasdaq) للاحتفال بقدرة المنطقة على الصمود وسلوك موظفي البنك خلال "أحلك أيام" مرّت على ساحل الخليج.

خلاصة القول: ستعود أفعال الخير العملية والمفيدة بالنفع على البشرية والشركات والأشخاص الذين يؤدّونها، وكلما كان فعل الخير ملموساً، كانت آثاره أعمق. وغالباً ما يشير الأكاديميون الذين يدرسون السلوك "الإيجابي الاجتماعي" إلى أهمية "نشوة المساعد" أو ما يُدعى "وهج العطاء الدافئ"، على عكس السلوك "المعادي للمجتمع"، وهو ما يعني أن شعور الرضا الذي ينتابنا عند مساعدة الآخرين سيعود بالنفع علينا أيضاً. وتجادل ميلاني رود، الأستاذة بجامعة هيوستن قائلة: "من الصعب القيام بأفعال إيثارية بحق، لكننا دائماً ما نشعر بالرضا عن أنفسنا بعد قيامنا بعمل خيّر".

صحيح أن هذه الأوقات مخيفة ومرهقة وصعبة، ومن المحتمل أن تزداد سوءاً قبل أن تتحسن. لكن حين نشعر بالغضب عند مشاهدة بعض السلوكيات المتهورة، أو عندما ينتابنا اليأس متسائلين عن قدرة شركاتنا على إحداث فارق ما، من المهم أن نقرأ صفحة من كتاب ريبيكا سولنيت، وأن نستقي الخبرة من دروس بنك "هانكوك"، وأن نبحث عن طرق تمكّننا وزملاؤنا من اتخاذ خطوة ما لجعل الأمور أفضل قليلاً.

وقد ذُهلت سولنيت خلال إجراء بحثها بآراء تشارلز فريتز، الرائد في دراسات الكوارث الحديثة، وهو مجال ظهر بعد الحرب العالمية الثانية. وأوضحت أن "الأساس المنطقي الثوري" الذي تستند إليه أفكار فريتز هو أن حياتنا اليومية شبيهة بالكارثة، وما يُعيننا على مواجهة هذه الكارثة هي الكوارث الفعلية التي تتيح لكل فرد منا إظهار أفضل جانب منه. ويقول فريتز: إن "دمج الاحتياجات الفردية والمجتمعية" في أثناء الكارثة "يوفر شعوراً بالانتماء والوحدة اللذين نادراً ما يتحققا في ظل الظروف العادية".

لذلك اسمح للأوقات العصيبة بإبراز الجوانب المشرقة لديك ولدى شركتك على حد سواء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي