تنظر معظم الشركات إلى علاقاتها مع المستثمرين على أنها علاقة أحادية الاتجاه، فعندما قامت شركة الاستشارات الإدارية بين آند كومباني مؤخراً بمسح 51 من كبار المدراء التنفيذيين العالميين حول ممارساتهم الإدارية من ناحية علاقاتهم مع المستثمرين، وجدنا أنه بينما يقوم معظمهم بالتواصل شهرياً على الأقل مع أولئك المستثمرين، ويعملون على تقسيمهم إلى فئات للتواصل بحسب درجة الضرورة، فإنّ أقل من 6% من الشركات المعنية لديها هيكل رسمي يربط ضرورة الاستفادة من آراء المستثمرين مع وضع خطة الشركة الاستراتيجية.
يمكن للمستثمرين أن يكونوا مصدراً مهماً لتعزيز استراتيجية الشركة، ليس فقط من ناحية توفير رأس المال، بل أيضاً من خلال الاستفادة من رؤيتهم الأقل تحيزاً للتهديدات والفرص التي تواجهها الشركة. وتقدم شركة نيكون اليابانية الرائدة في مجال صناعة أجهزة التصوير والبصريات الرقمية؛ دراسة حول تجارب المدراء الناجحة في العمل مع المستثمرين الاستراتيجيين لمواجهة الصعوبات التي تمر بها الشركة. ففي حلول العام 2016، بدا أنّ ظهور الهواتف الذكية جعل شركة نيكون تبدو بعيدة عن التطورات الحاصلة في المجال التكنولوجي: فقد كانت إيراداتها على المستوى نفسه تقريباً الذي كانت عليه قبل عقد كامل من الزمن؛ وارتفعت إلى ذروتها مع ظهور الكاميرا الرقمية في العام 2012، ثم تراجعت عندما توسعت دائرة مستخدمي الهواتف الذكية، وشهدت الشركة هبوطاً في أرباحها وانخفاضاً بسعر السهم عند نقطة معينة لأقل من قيمة سعر التصفية.
بعد ذلك قامت شركة نيكون بضمّ الرئيس التنفيذي للشؤون المالية الجديد ماساشي أوكا إلى فريقها، وهو أحد المحنكين في القطاع المالي الذي لعب دوراً رئيسياً في تحويل مسار بنك الاتحاد المملوك لشركة "ميتسوبيشي يو إف جيه فايننشال غروب" (MUFJ) في الولايات المتحدة، حيث وجد أوكا أنّ آراء المساهمين الأميركيين قد كانت مفيدة للغاية في دعم جهوده الرامية لإنعاش بنك الاتحاد، وقد رأى فرصة للقيام بشيء مماثل في شركة نيكون.
كان تركيز أوكا هذه المرة على المستثمرين، معتبراً أنّ آراء المستثمرين في المؤسسات الكبرى ستكون مفيدة جداً ومتخصصة، وأنهم قادرين على تقديم رؤية حول أخطاء الشركة وكيف يمكنها أن تشكل تحولاً، حيث قرر فور انضمامه إلى نيكون مقابلة بعض منهم.
ما سمعه أوكا كان غير مُطمئن، حيث سأل أحد المستثمرين الرئيسيين السابقين عن توقعاته للشركة (المصاحب للأرباح الربعية الضعيفة)، وكان رده بمثابة صدمة، حيث قال: "إنّ انكماش السوق الحالي سوف يتلاشى قريباً وسوف تتحسن أرباحنا، ولكن الإدارة واهمة حول إمكانياتها على المدى الطويل؛ ففي كل مرة نجتمع فيها يصدمني فعلاً بُعدها عن الواقع وبطئها في إدراك توجهات القطاع".
ساعد هذا الرأي أوكا على إقناع رئيس الشركة كازو أوشيدا، وهو أحد المتمرسين في قطاع التكنولوجيا في نيكون، بأنّ الشركة بحاجة إلى إعادة النظر بشأن تواصلها مع المستثمرين. وكانت فكرته هي تحويل علاقات الشركة مع المستثمرين رأساً على عقب من خلال عقد اجتماعات منتظمة وجدّية مع كبار المستثمرين.
وكانت الخطوة الأولى التي اتخذها أوكا هي تقسيم المستثمرين في نيكون بناء على عناصر جذبهم الكلية بالنسبة للمحفظة الاستثمارية للشركة، إذ تقتصر نظرة الشركات غالباً على مدى جاذبيتها للمستثمرين ولكنها تفشل في تقدير كم يعود المستثمر بالنفع على محفظة الأسهم الخاصة بها، إذ أنّ بناء قاعدة مستثمرين صحيحة من شأنه أن يحسّن سعر السهم، ويحد من التقلبات، ويقدم آراء قيمة.
وكما فعلت بعض الشركات الأخرى، تمكنت شركة نيكون من تحليل سلوك المستثمرين في التداول لتجزئة فئات المستثمرين الفعليين والمحتملين وفقاً لفترة الاستثمار، وتركيز القطاع ودرجة تنوع الاستثمار. بهذه الطريقة، استطاعت نيكون تحديد المستثمرين الذين يجب عليها استهدافهم.
لقد مهدت هذه التجزئة أيضاً الطريق للتواصل الصحيح معهم، وفي حين أنّ الشركات مطالبة بمشاركة المعلومات ذاتها مع جميع المستثمرين، إلا أنه يمكنها التركيز على العناصر الأكثر ملاءمة لفئة معينة من المستثمرين – تلك الخطوة من شأنها أن تبرز التدفق النقدي المستقر لصناديق التقاعد على سبيل المثال، أو عوائد المستثمرين المتوجهين نحو النمو. من جانبها، ركزت نيكون على فرص الاستفادة القصوى من التكلفة وإدارة الميزانية العمومية عند التواصل مع المستثمرين المتوجهين نحو القيمة والتغييرات الهيكلية طويلة المدى عند التواصل مع المستثمرين المتوجهين نحو النمو.
إلا أنّه من أهم فوائد تلك التجزئة؛ هي أنها سمحت للشركة بتحديد المستثمرين الذين سوف يكونون أكثر قدرة على تزويدها بآراء قيمة بشكل منتظم. وتمكنت بفضل التحليل الجيد من مقابلة أفضل المستثمرين السابقين من أجل فهم الأسباب التي دفعتهم إلى شراء أسهم الشركة ثم قيامهم ببيعها، إذ يمكن للشركة بعد ذلك أن تتقصى حول ما الذي يمكن أن يُقنع المستثمر لأن يقوم بالاستثمار في الشركة مرة أخرى.
وأدت وجهات النظر غير المتحيزة التي صرح بها هؤلاء المستثمرين خلال المقابلات الأولية معهم إلى خلق رغبة قوية في الشركة من أجل التغيير. وكنوع من ردة الفعل على آراء المستثمرين، قامت شركة نيكون بوضع خطة لإعادة هيكلة يُمكن أن تكلفها مبلغ 460 مليون دولار، ولكنها في الوقت نفسه تحقق لها وفورات سنوية بقيمة 190 مليون دولار.
وتضمنت خطة شركة نيكون تعديل عدسة انكسار الصورة وأجزاء منتجات التصوير الأخرى، وهي منتجات يمكن أن تكون ذات قيمة مضافة عالية، من خلال خفض التكاليف الثابتة، والحد من وحدات حفظ المخزون (SKUs) والتركيز على خطوط الإنتاج ذات القيمة المضافة العالية. كما تضمنت الخطة أيضاً تبسيط هيكل المقر الرئيسي وخفض تعويضات الإدارة التنفيذية، وتقليل عدد المدراء والموظفين.
وفي الوقت نفسه، قررت الشركة بأن تكون إدارتها قائمة على المحفظة الاستثمارية، وإعادة تحديد دور كل قطاع من أعمالها من أجل تحسين تخصيص الموارد، وأنه سوف يتم تحقيق الأهداف بربطها بقيمة المساهم، بما في ذلك العائد على حقوق الملكية أو العائد على رأس المال المستثمر. من شأن هذا كله أن يعزز هيكل الإدارة، ويضفي نوعاً من الشفافية في تعيينات قيادات الشركة، ويجلب التنوع إلى مجلس الإدارة ويساعد على اتباع نظام أكثر فعالية لتقييم أداء الإدارة التنفيذية.
بعد الإفصاح عن هذا البرنامج، تواصل أوكا مع 30 مستثمراً سابقاً وحالياً للاستفادة من آرائهم حول الخطة، وقد كانت تلك الآراء متباينة، حيث أشار بعض المستثمرين إلى أنه على الرغم من أنّ توجه الخطة نحو الطريق الصحيح، إلا أنها لم تحقق الكثير. وقد علّق أحدهم: "لقد لاحظت الكثير من التحولات، ولكن إذا تراجعت السوق بنسبة 10%، فعليك حقاً خفض التكاليف بمعدل أسرع للحفاظ على هامش ربحك، ولقد افترضت بأنك تخطط إلى تقليص إضافي في التكاليف".
تنبهت الشركة بأنّ عليها خفض التكاليف بمعدل يتجاوز انكماش السوق، وبعد ستة أشهر، بدت نتائج شركة نيكون أكثر تميزاً، وقامت بمقابلة المستثمرين مجدداً؛ الذين كانت ردودهم قد تغيرت أيضاً، إذ قال المستثمر الرئيسي نفسه الذي سبق وأن وصف إدارة نيكون بأنها (واهمة) "إنني منبهر جداً بالإجراءات الجريئة التي اتخذتها الشركة حتى الآن، وأتطلع لأن تحقق تقدماً أكبر، يبدو أنّ نيكون سوف تكون شركة مختلفة تماماً بعد خمسة أعوام من الآن – أقل ما يمكن قوله بأنها سوف تكون أكثر ربحية". ولقد انعكس ذلك الوضع الجديد على سعر السهم؛ حيث ارتفع سعر سهم شركة نيكون بعد عام واحد من هذا التحول بنسبة 35%.
ونتيجة لهذه التجربة، أصبح وضع الخطة الاستراتيجية في شركة نيكون اليوم عملية مشتركة مع المستثمرين، وجزء أساسي من عمل الرئيس التنفيذي للشؤون المالية: حيث اجتمع أوكا شخصياً في العام الماضي مع 145 مستثمراً، واجتمع فريقه المختص بعلاقات المستثمرين بأكثر من 500 منهم.