أصبحت جلسات الأسئلة والأجوبة أو الدردشة غير الرسمية، الشكل الشائع في مناسبات عديدة مثل المؤتمرات والاجتماعات العامة للموظفين؛ لتحلّ مكان العروض التقديمية والمنصات الرسميّة. فصيغة التواصل بين اثنين يمكن أن تخلق تجربة فيها محادثة أكبر، ومثيرة للاهتمام، وحميمية، ولديها ميزة إضافية تتمثل في أن الرئيس التنفيذي، أو الشخص البارز في تخصصه الذي تجري المقابلة معه نظرياً، لا يتعين عليه التحضير كثيراً.
بصرف النظر عن مدى فاعلية المقابلات نظرياً، إلّا أنه غالباً ما يكون من الصعب تنفيذها عمليّاً؛ ونتيجة لذلك فإن الجمهور يشعر بعدم الاهتمام وعدم الرضا، بينما يعاني الضيوف لإيصال المعلومات، والتفاعل بطريقة يصل صداها.
بدأنا تقديم النصائح في أساسات التواصل الاستراتيجي، في كلية الدراسات العليا للأعمال في جامعة ستانفورد، وتحديداً حول كيفية التعامل مع هذا الشكل بطريقة فاعلة لمساعدة طلابنا؛ كي يصبحوا أكثر ثقة وسحراً في التواصل. وفي سبيل ذلك؛ نقدّم أربع خطوات يسهل تذكُّرها، وهي: وضع إطار، والتضمين، والسكّة، وأخيراً أمثلة، وهي مستمدة من تجربتنا التدريسية والتدريبية.
وضع إطار: في التحضير للمقابلات، يسأل معظم الضيوف: "ماذا أريد أن أقول؟"، ولكن الضيوف الأكثر فاعلية يسألون: "ما الذي يحتاج الجمهور إلى سماعه؟". منذ عصر الإغريق، عرفنا أن أفضل تواصل هو الذي يكون في خدمة الجمهور؛ فهو يجيب عن أسئلتهم، ويزوّدهم بالأفكار المحددة التي يتطلّعون إلى الحصول عليها.
تخصيص المحتوى الخاص بك بناء على اهتمامات جمهورك؛ لذلك، قبل أيّ محادثة غير رسمية أو مقابلة شخصية أخرى، خذ بعض الوقت للقيام ببعض الاستطلاع والتأمّل حول جمهورك، ووضع إطار للمحتوى الخاص بك وفق ذلك. اطرح الأسئلة الآتية:
- ما الأكثر اهتماماً لدى جمهوري؟
- ما الذي يحفزهم؟
- ماذا يتوقّعون أن يتعلموا أو يكسبوا؟
- ما التحيّزات أو الترددات التي قد تكون لديهم؟
- ما مستوى المعرفة الذي يقدّمونه إلى الجلسة؟
إذا لم تتمكن من الإجابة عن هذه الأسئلة بنفسك بثقة، فاطلب ذلك من الشخص الذي يُجري المقابلة، أو مضيف الحدث، أو استشر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بأولئك الذين سيحضرون الحدث.
ستستفيد من وجود هدف واضح للتحدث أيضاً؛ فالهدف الجيد للحديث هو عن المعلومات، والعاطفة، والعمل، ويجيب عن الأسئلة الآتية حول كيفية مغادرة جمهورك الدردشة:
- ما الذي أريد أن يعرفه جمهوري؟
- كيف أريد أن يشعر جمهوري؟
- ماذا أريد أن يفعل جمهوري؟
ستساعد إجاباتك عن هذه الأسئلة على إيصال المحتوى، ووضع الإطار المناسب. ومن خلال فهم جمهورك، والتحلي بهدف واضح للمحادثة؛ يمكنك تخصيص المحتوى الخاص بك لتحقيق أقصى تأثير، وترك جمهورك يذهب وقد حصل تماماً على ما كان ينشده، وما كنت تصبو إلى تحقيقه.
التضمين: تكمن فاعلية صيغة المقابلة في الإحساس بالألفة والمعرفة اللتين يبتدعانها. نحن نعلم من الأبحاث وتجربتنا الخاصة أن تضمين الجمهور قويّ، وهو ما يؤدي إلى تصورات إيجابية أكثر للمتحدث، وحافز أكبر للعمل في المستقبل، وأفضل استدعاء للمحتوى.
الأسئلة والأجوبة الجيدة تدعو الجمهور إلى عيش التجربة، وثمّة طريقتان فاعلتان للقيام بذلك عن طريق: (1) استخدام لغة شاملة، (2) استطلاع آراء الجمهور.
بالنسبة إلى اللغة الشاملة، فكّر في الرجوع إلى الجمهور مباشرة، وفي استخدام كلمات مثل "أنت" و"نحن" كلما أمكن ذلك، والعبارات الممكن استخدامها كثيرة جمّة، منها هذه الأمثلة:
"مثل الكثير منكم، أنا ...".
"لدينا جميعاً …".
"من منا كان (لم يكن ...)".
بالنسبة إلى الاقتراع، فكّر مسبقاً في الأسئلة التي قد ترغب في طرحها على الجمهور، على سبيل المثال: "كم منكم كان لديه تجربة X ...؟"، أو "من يستطيع أن يخبرني ...؟". في الحالة الأولى، تأكّد أن يدك مرفوعة في أثناء طرح السؤال، على أن تُعلم الجمهور كيف تريدهم أن يُجيبوا. تأكّد أنك تعلّق على الإجابات التي تحصل عليها؛ لدعم مشاركة الجمهور وتشجيع المشاركة المستقبلية.
إذا كان جمهورك مشمولاً في المحادثة، فسيكون أكثر تفاعلاً واستجابةً لرسالتك.
السكّة :للحفاظ على القطار في مساره الصحيح؛ تحتاج إلى قضبان قوية، وللحفاظ أيضاً على المحتوى الخاص بك في المسار الصحيح؛ نوصي باستخدام هيكلية لإرشادك. في حين أن ثمّة العديد من الهياكل، مثل المشكلة – الحل - المنافع والمقارنة – التباين - الخلاصة، فإن أحد هياكلنا المفضلة هو هيكل: "ماذا؟" و"إذن، ماذا في ذلك؟" و"ماذا الآن؟".
تبدأ ردّك من خلال تقديم وجهة نظرك، وتقديم مثال لدعمها الـ "ماذا؟". بعد ذلك، تشرح سبب أهمية وجهة نظرك للمحادثة الجارية، وما هو أبعد منها "ماذا يعني ذلك؟"، وأخيراً، تنتهي بشرح الآثار أو التداعيات أو التطبيقات لما قلته للتوّ "ماذا الآن؟".
سيساعدك استخدام الهيكلية على تطوير المحتوى الخاص بك، عند التحدث بطريقةٍ تلقائيةٍ، ويسهّل على جمهورك متابعة ردّك، وتتسنّى بفضله إجاباتٌ واضحة وموجزة بدلاً من الإجابة غير المترابطة وغير المركَّزة.
أمثلة: أجرى تشيب هيث، وهو زميل لنا في جامعة ستانفورد، بحثاً شاملاً حول ما يجعل الأفكار "تعلق"؛ أي ما يجعلها لا تُنسى، وجذابة وملهمة. أتريد معرفة نصيحته الأولى؟ اجعل أفكارك ملموسة، هذا هو الأمر، خذ مفاهيم مجرّدة، واجعلها تنبض بالحياة عبر قصص محددة وتفاصيلَ وأمثلة.
في أثناء الدردشات والمقابلات الشخصية الأخرى، يميل الضيوف إلى التحدث بعامّة - لتقديم مفاهيمَ واستنتاجاتٍ – دون أمثلة وقصص محددة (بما في ذلك القصص الشخصية)، تساعد على جعل المحتوى أكثر جاذبية للجمهور، وأيسر فهماً، وأقرب إلى وجدانهم.
في أثناء الإعداد لمقابلتك المقبلة، نقترح ما يأتي:
ضع قائمة بجميع النقاط الرئيسة، والموضوعات، وأفضل الممارسات، وما إلى ذلك من الأمور التي ترغب في تحضيرها لمشاركتها مع جمهورك، ثم استعرض تلك القائمة عنصراً عنصراً. اكتب قصة ملموسة أو مثالاً يمكنك مشاركته لدعمه وجعله "يعلق في الأذهان". ويمكن أن تكون القصص والأمثلة حقيقية أو متخيَّلة، وكذلك عنك أو عن الآخرين.
الأمر الأهم هو جعل أفكارك ورسائلك ملموسة قدر الإمكان؛ عبر إضافة تفاصيلَ حيّةٍ؛ ففعل هذا الأمر سيجعل محتواك ليس فقط تفاعليّاً في اللحظة ذاتها، بل أكثر قابليةً أيضاً للتذكُّر والتحفيز في الأيام والأسابيع المقبلة.
الدردشة الأصلية
نظراً إلى أننا نمارس ما ننصح به؛ فسنقدّم لك مثالاً حول كيفية ظهور ذلك بالفعل، (على الرغم من أنه في هذه الحالة، كان نوعاً من الخطابة بدلاً من المقابلة).
عندما تولى فرانكلين روزفلت منصبه في البيت الأبيض في مارس/آذار 1933، كان رُبع الأمة عاطلاً من العمل، وانخفضت الأسهم بنسبة 75%، وشعر الناس في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية بالذعر، وسرعان ما سحبوا أموالهم من المصارف الضعيفة، وكان بحاجة إلى إقناع الأميركيين بالثقة به وإعادة أموالهم إلى البنوك؛ ولذلك أجرى أول "دردشة" عبر الإذاعة بعد أسبوع واحد من أداء قسم اليمين. ووُصِفت هذه الطريقة في مخاطبة الجمهور بطريقة حميمة وغير رسمية؛ على أنها "تجربةٌ ثوريةٌ". لقد كانت ناجحة جدّاً؛ فقد جذبت دردشات روزفلت عدداً من المستمعين أكثر من البرامج الإذاعية الأكثر شعبية في ذلك الوقت، كما أنّها ألهمت أعداداً قياسية من بريد المعجبين، وسمحت له - أيضاً - بتأسيس مستويات عالية من الثقة والدعم في فترة الأزمة.
وفي هذه الدردشات التي خاطب بها الأمة، وضع إطاراً لرسالته على الشكل الآتي: فهم أن الجمهور كان مذعوراً؛ لذلك استخدم لغة واضحة وموجزة ولهجة مريحة، وبدلاً من التحدث بصورة مجرّدة عن تحديات النظام المالي، استخدم لغة شاملة: "أريد أن أتحدث بضع دقائقَ إلى شعب الولايات المتحدة، حول الأعمال المصرفية". ووضع سكّةً أيضاً لبناء هيكلٍ لما كان يقوله: "أريد أن أخبركم بما جرى في الأيام القليلة الماضية؛ سبب إنجازه والخطوات المقبلة"، واستخدم أمثلةً أيضاً على ذلك: "دعوني أوضح مثالاً؛ خذ صناعة بضائع القطن ...".
معرفة ما يريده الجمهور أتت أُكْلها؛ فقد فتحت المصارف أبوابها في اليوم التالي لخطابه، أمام صفوف من الناس الذين ينتظرون لإعادة أموالهم إلى البنوك. لقد أعاد الثقة إلى الجمهور الذي لم يكن يشعر بالأمان.
يمكن أن تكون دردشات اليوم، المبنية على الأسئلة والأجوبة، فرصة جيدةً لإلهام الجمهور والتفاعل والتواصل معه بقوةٍ. ومن خلال تذكُّر المبادئ المجسّدة في الاختصارات الأربعة التي ذكرناها آنفاً، يمكنك رفع قيمة هذه المبادئ لك ولجمهورك إلى الحد الأقصى.