يهتم المدراء الأكفاء بتعلم أساليب إدارة الوقت. يحرص هؤلاء المدراء على تحليل جدول مواعيدهم وتحديد أولويات قوائم المهام التي يجب عليهم إنجازها لزيادة الإنتاجية الفردية ولو بنسبة مئوية قليلة، وهذا أمر إيجابي للغاية. في المقابل، يدرك المدراء العظماء حقيقة أساسية، وهي أن وقتهم هو أندر مواردهم، وليس الميزانية أو عدد الموظفين، وبالتالي يجب توفير الموظفين المناسبين للفريق وتنظيمهم بطريقة تعزز من تأثيرهم الشخصي إلى أقصى حد.
قبل بضع سنوات طُلب مني أن أتولى تدريب مسؤول تنفيذي يُدعى أحمد، الذي حصل على ترقية إلى منصب رئيسي في فريق قيادة الشركة قبل بضعة أشهر. بناءً على طلب أحمد، أجريتُ مقابلة مع مديره بالإضافة إلى عدد من مرؤوسيه المباشرين وزملائه في الفريق التنفيذي. أثنى هؤلاء جميعهم على أدائه. أظهر أحمد قدرة عالية على التكيف مع منصبه بوصفه عضواً في فريق القيادة، ونال احترام أعضاء فريقه نظراً لما يتمتع به من مهارات إدارية قوية. إذاً، لماذا كان أحمد يشعر بالإحباط والإرهاق الشديدين؟ أخبرني بأنه شعر بالإرهاق بسبب كثرة الاجتماعات التي يجب عليه حضورها بالإضافة إلى قضاء الكثير من الوقت في مراجعة رسائله الإلكترونية. أشار أيضاً إلى أنه يمتلك فريقاً قوياً ومتميزاً من الخبراء المتخصصين، لكنه لم يكن متأكداً من إمكانية تفويض مهام إضافية إليهم. اعتقد باقي الموظفين في الشركة أن أحمد كان يؤدي أداءً جيداً، لكنه كان يشعر بالضغط والإرهاق.
اقترحتُ على أحمد أن يفكر في 4 أسئلة:
- ما المجال الذي يمكنه من خلاله إضافة أكبر قيمة للشركة في منصبه الجديد؟
- ما المواضيع والقضايا التي يجب أن يتابعها مباشرة ويكون على دراية تامة بها، وما المهام التي يمكنه تفويضها إلى الموظفين؟
- كيف يقضي وقته حالياً وكيف يود قضاء وقته بعد 6 أشهر لكي يستطيع تخصيص وقت كافٍ لأداء دوره في تقديم قيمة مضافة؟
- ما التغييرات التي يجب عليه إجراؤها في فريقه من حيث تركيبته وكيفية إدارته لتحقيق هذا الهدف؟
اتفقتُ مع أحمد على التواصل مجدداً بعد عطلة نهاية الأسبوع، وعندما التقينا في يوم الاثنين، كان من الواضح أنه أمضى تلك الأيام القليلة في تفكير عميق. أظهر فهماً عميقاً وواضحاً بشأن دوره وكيفية إسهامه في إضافة قيمة أكبر للشركة. بطريقة أو بأخرى، كان يجب عليه توفير الوقت للقاء العملاء وأصحاب المصالح الخارجيين الآخرين والعمل على تطوير الاستراتيجية المستقبلية والحصول على دعم زملائه في الفريق التنفيذي للمبادرات الاستراتيجية الجديدة والمساعدة في تطوير الجيل الجديد من قادة الشركة. نظراً لوجود عدد من الأنشطة المدرجة في جدول مواعيده التي كانت إلزامية إلى حد كبير، مثل حضور اجتماعات اللجنة التنفيذية وقيادة اجتماعات موظفي الفريق وإجراء مراجعات الأداء وغيرها، فإن العامل الرئيسي الذي يمكنه التحكم فيه كان قوة فريقه وكيفية إدارته.
في البداية، كان أحمد يعتقد أن فريقه يتمتع بالكفاءة والخبرة. أما الآن، فقد أدرك عدم وجود مرؤوسين مباشرين يمكنه تفويض مسؤوليات مهمة إليهم، مثل الإشراف على تنفيذ نظام تخطيط موارد المؤسسة الرئيسي في القسم، وهي مهمة تتطلب الخبرة التقنية إلى جانب القدرة على التأثير على المدراء في عدة أقسام أخرى. كان ذلك يمثل مشكلة كبيرة. أدرك أيضاً أنه كان يقضي الكثير من الوقت في متابعة المسائل الكبيرة والصغيرة مع الموظفين. على الرغم من أهمية هذه المتابعة، فقد تساءل عن كيفية تنفيذ هذا الأمر بكفاءة أكبر.
كان أحمد جاداً بشأن تحقيق هدفه المتمثل في تخصيص وقته للأنشطة التي تضيف قيمة حقيقية. أدرك أنه لا يستطيع تحقيق ذلك بين عشية وضحاها، لكنه اتخذ بعض الخطوات الملموسة للمضي نحو تحقيق هذا الهدف. تمثلت خطوته الأولى في تعيين واحدة من أعضاء الفريق، التي تتميز بالتنظيم العالي لتشغل منصب الرئيس الفعلي للموظفين. عقد أحمد اجتماعات منتظمة مع تلك المرؤوسة المباشرة وأذن لها بمتابعة أعضاء الفريق الآخرين نيابة عنه والمساعدة في إعداد جداول أعمال اجتماعات الموظفين بحيث تكون اجتماعات الفريق أكثر تركيزاً على مراجعة حالة الأولويات الرئيسية داخل قسم أحمد.
اجتمع أيضاً مع مساعدته لوضع بعض القواعد الأساسية حول الاجتماعات التي سيحضرها. في السابق، كانت تحدد مواعيد لحضور اجتماعات بناءً على طلبات الآخرين، دون التحقق مما إذا كان موضوع الاجتماع يمثل أولوية بالنسبة لأحمد. كان أحمد يحظى بشعبية كبيرة بين موظفي الشركة نظراً لإبداعه ومعرفته الواسعة، لذلك، كان الموظفون جميعهم يرحبون بحضوره اجتماعاتهم. نظراً لأنه أصبح الآن عضواً في الفريق التنفيذي، فقد كانوا يتطلعون أيضاً إلى فرصة التواصل مع أحد كبار المدراء في الشركة. كان أحمد يأسف لأنه كان يضطر إلى إحباط الموظفين ورفض التواصل معهم، لكنه أصبح على حد تعبيره صارماً بشأن الاجتماعات التي يختار حضورها. في بعض الأحيان كان يشارك فقط في بداية اجتماعات التخطيط الطويلة ونهايتها لتوفير الوقت.
اتّضح أن هذه الخطوات كانت الجزء الأسهل في التنفيذ. كان إدراك أحمد لعدم وجود موظفين يمكنه تفويض مزيد من المسؤوليات إليهم بمثابة مفاجأة حقيقية له. أدرك أيضاً أن العديد من مساعديه الذين لديهم خبرة كبيرة لا يحققون أي تقدم داخل الشركة ويعوقون التقدم الوظيفي لبعض الموظفين الموهوبين والواعدين. استغرقت العملية عدة أشهر وتضمنت بعض المحادثات الصعبة، لكنه نجح في مساعدة اثنين من مرؤوسيه المباشرين على الانتقال إلى مناصب وظيفية جديدة. سمح له ذلك بتعيين مدير ذي إمكانات عالية من خارج الشركة وترقية أحد الموظفين الواعدين.
بعد استقرار الأمور، كان أحمد مسروراً بسبب الطريقة التي استجابت من خلالها مؤسسته للتغييرات. ظهرت طاقة جديدة داخل المؤسسة وساد جو من الحماس؛ إذ أصبح الموظفون أكثر استعداداً لتجربة طرق جديدة في العمل بدلاً من الطرق القديمة، بالإضافة إلى الرغبة في تحمل المزيد من المسؤولية. نتيجة لذلك، وجد أحمد نفسه يقضي وقتاً أقل في تنفيذ المهام مخصصاً وقتاً أطول لتدريب موظفيه الموهوبين، وهي أنشطة تتماشى إلى حد كبير مع أولوية تطوير الموظفين التي يركز عليها.
قد يميل البعض إلى تفسير تركيز أحمد على الدور الذي يريد أن يؤديه لإضافة قيمة للشركة على أنه يخدم مصالحه الشخصية. لكن دعونا نفكر في النتائج. اتخذ أحمد خطوات لتعزيز أثره الشخصي فأتقن الأنشطة المطلوبة من أي مسؤول تنفيذي ورفع العائد على الاستثمار الذي تجنيه الشركة من عمله في هذا المنصب. خلال هذه العملية وجد وقتاً لتطوير القادة المستقبليين للشركة وتعزيز القدرات الإجمالية لفريقه. أي رئيس تنفيذي يمكنه الجدال حول هذه الإنجازات؟