وجدت شركة "باين آند كومباني" (Bain & Company) في دراسة أجرتها مؤخراً أنّ نسبة الشركات التي نجحت في تحقيق أهدافها المستدامة لم تتجاوز2% فقط. ربما تكون هذه النتيجة مخيبة للآمال، لكنها ليس كذلك بالضرورة.
يبلغ عمر شركة "إنغرسول راند" التي أقودها 146 عاماً، ودمجت على مدى السنوات القليلة الماضية الاستدامة مع استراتيجية الأعمال لاستباق الاتجاهات العالمية الرئيسية ومعالجتها، وأبرزها تغيّر المناخ. يُعتبر التزامنا بالمناخ أحد الطرق التي نساعد من خلالها في إيجاد حل للطلب المستمر على موارد الطاقة غير المستدامة وما لذلك من تأثير سيء على البيئة.
وبصفتنا شركة عريقة، أدركنا أنّ إرثنا يمتد إلى ما هو أبعد من السنوات القليلة القادمة، حيث نقود الطريق إلى خلق قيمة طويلة الأمد وتأثير اجتماعي إيجابي داخل صناعاتنا، إننا نبني تراثاً للقرن المقبل وما بعده.
ولكننا مع ذلك، وكما هو الحال مع العديد من الشركات التي شملها الاستطلاع الذي قامت به "باين"، لم نكن متأكدين من كيفية ربط رؤيتنا الاستراتيجية حول الاستدامة بتغييرات عملية ذات مغزى. ولكن أعتقد أنه من الإنصاف القول أننا جزء من نسبة 2% التي نجحت في ذلك. ما هي الدروس التي يمكن أن نتشاركها؟ تعلمنا كيفية إدراج الاستدامة في شركتنا من خلال تمكين موظفينا، وجعل الاستدامة أمر شخصي، وتجميع النتائج ودراستها.
اعتمد على موظفيك
تنبع أفضل الفرص لتحسين الأثر البيئي للشركات من الأشخاص الأقرب إلى الآليات اليومية وأوجه القصور في الإجراءات القائمة. فغالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص أول من يدرك مجالات التحسين ويلفت النظر لها، ومن المهم أن تكون القيادة جاهزة للاستماع بالطبع.
ومع وجود الموظفين في أمثل وضع لاتخاذ إجراء فعّال، إلا أنهم في كثير من الأحيان، لا يدركون الطريقة المناسبة التي تمكّنهم من المساهمة في ذلك، أو لا ينظرون ربما إلى الاستدامة على أنها ضرورة للعمل. ولذلك، يجب أن تضمن القيادة شعور أعضاء الفريق بالقدرة على فهم دورهم في مساعدة الشركة على تحقيق أهداف الاستدامة على المدى الطويل.
على سبيل المثال: تُعتبر منشأة "ثيرمو" كينغ للتصنيع في غالواي، إيرلندا، واحدة من أول منشآتنا التي انعدمت فيها كمية النفايات التي ترمى في المكبات. فقد لعب فريقنا الموجود على أرض الواقع دوراً حاسماً في تحديد مجاري النفايات والنهج البديلة لإعادة تدوير هذه المواد أو إعادة استخدامها. ومضى فريقنا التطوعي "غالواي غرين تيم" خطوة إضافية في مهمة الاشراف على الموقع عندما كشف عن فرصة لتوفير المياه. فقد استفاد الفريق من الهطول المطري الوافر في المنطقة بحيث أنه ركّب نظام تجميع مياه الأمطار. وأدّت إعادة استخدام المياه التي تم تجميعها إلى توفير ما يزيد عن 50,000 لتر من المياه كل شهر. يقود فريق "غالواي" الطريق الآن في مشاركة قصته، وخارطة طريقه التي تصل إلى انعدام النفايات، مع منشآتنا الأُخرى.
اجعل المسألة شخصية
وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" مؤخراً، فإن 32% فقط من موظفي الولايات المتحدة يقولون أنهم متحمسون لعملهم وملتزمون به، وفي جميع أنحاء العالم يقول 13% فقط من الموظفين أنهم كذلك. قارن هذا مع "إنجرسول راند"، حيث حققت درجة مشاركة موظفينا رقماً قياسياً بين جميع الشركات. وأعتقد أنّ التزامنا العام بالاستدامة هو المحرك الكبير لهذه المشاركة، حيث يعتقد 92% من موظفينا أنّ كفاءة الطاقة واستدامتها هما أمران حاسمان لنجاح أعمالنا في المستقبل، ونحن بدورنا نمنحهم التشجيع والقدرة على مساعدتنا في تحقيق هذه الرؤية طويلة الأمد.
تجتذب الشركات التي لديها برنامج قوي للاستدامة والثقافة أشخاصاً يتمتعون بمواهب أفضل من غيرهم وتحافظ عليهم فهم يرغبون في أن يكون لديهم هدف ويسهموا في تحقيق مصلحة كبرى. ولكي تربط عمل فريقك بالمصلحة العالمية، ضع في اعتبارك محاذاة أهداف شركتك مع شيء أكبر.
في عام 2016، اعتمدت الأمم المتحدة 17 هدفاً (تُعرف باسم أهداف التنمية المستدامة) وهي دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان تمتّع جميع الناس بالسلام والازدهار. واعترافاً بالأثر العالمي لأهداف التنمية المستدامة والالتزام الشخصي لموظفينا، تحركنا بسرعة لمواءمة أهدافنا المستدامة لعام 2020 المحددة بالفعل مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لتوضيح كيفية تناسب جهودنا ضمن سياق أوسع للتغيير الإيجابي. إننا نتفق اليوم مع 11 من أصل 17 هدفاً من أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك القضاء على الجوع، والمساواة بين الجنسين، والمياه النظيفة، والطاقة النظيفة بأسعار معقولة، والمدن والمجتمعات المستدامة، والإجراءات المناخية. لقد آمنت شبكتنا من الفرق الخضراء العالمية بهذه الأهداف من صميم قلبها وخطت خطوات كبيرة في عام 2016 عن طريق تحويل 2.4 مليون باوند من النفايات من مكبات القمامة وتوفير أكثر من 2.2 مليون غالون مياه.
قم بالتتبع والقياس والاعتراف بالفضل
ينبغي أن يفهم أعضاء الفريق أنّ تحقيق أهداف الاستدامة لا يساعد الشركة فحسب، بل يساعد أيضاً العملاء والمجتمعات المحلية والعالم أجمع. وأحد الخيارات المتاحة في هذا المجال هو نظام معتمد من طرف ثالث يتتبع جميع الإجراءات المتّخذة لتحقيق أهداف الاستدامة، ما يسمح للشركة برؤية التقدم على المستويين المحلي والعالمي.
في شراكة مع "ثينك ستيب"، أنشأْنا سلسلة من أجهزة قياس الغازات المسببة للاحتباس الحراري لتتبع الانبعاثات الصادرة عن منتجاتنا ذات الصلة، بما في ذلك الانبعاثات الناتجة عن الكهرباء. من خلال أجهزة القياس المرتبطة بالإنترنت، نحن قادرون على توزيع مسؤولية جمع البيانات عبر فرقنا الداخلية، وتحليل البيانات والإبلاغ عن النتائج بطريقة متسقة وشفافة وموثوقة. وعلاوة على ذلك، من خلال تقاسم هذه النتائج مع الشركاء الخارجيين والعملاء، نحن قادرون على توفير مزيد من التبصر في كفاءة منتجاتنا والتي يمكن أن تساعد شركاءنا من خلال إمدادهم بالمعلومات بينما هم في طور تحديد أهدافهم الخاصة.
في حين أنّ تتبع المقاييس لإظهار التحسن المحلي والعالمي هو عنصر مهم، لا تغفل عن الاعتراف بفضل الموظفين الذين يجعلون هذا النجاح أمراً ممكناً. سواء من خلال الاعتراف على نطاق المؤسسة أو من خلال برامج الجوائز القائمة على الفريق، فإنّ تقدير تفاني زملائك في الفريق سوف يقطع شوطاً طويلاً بالمشاركة المستمرة والالتزام بالشركة وأهدافها.
انتقل إلى مرحلة العمل
في حين أنّ الاعتماد على موظفيك، وإعطاء الأهداف صبغة شخصية، وقياس التقدم والاعتراف به هي خطوات حاسمة لتحقيق النجاح، إلا أنك يجب عليك أولا القيام بشيء واحد: وهو "كن جريئاً". سيعطي إطلاقك رحلة الاستدامة مع سلسلة من الأهداف الجريئة الموظفين نقطة فخر للاحتشاد خلفك. ربما تبدو بعض الأهداف بعيدة المنال، وربما لا يكون لها خارطة طريق نهائية واضحة، ولكنّك تشق طريقك إلى النجاح من خلال إثارة موظفيك وإبداعهم وابتكارهم. إذ أننا من خلال التفكير على نطاق واسع والتصرف بجرأة كبيرة قمنا بتطوير وإطلاق التزامنا بالمناخ العالمي في عام 2014. ومنذ انطلاقته اتّحد موظفونا حول هذا الالتزام وبذلوا جهودهم لمساعدتنا على تحقيق أهدافنا وبل وتجاوزها أيضاً.
هناك أمل في النجاح برحلتنا نحو الاستدامة، بل هي الآن أهمّ من أي وقت مضى. مع استراتيجية جريئة في مكانها الصحيح، يمكنك التحرك بسرعة لإشراك الموظفين، وجعل الأمر واقعاً ملموساً والبدء في تتبع وقياس النجاح والاعتراف به. وجنباً إلى جنب، يمكننا زيادة عدد الشركات التي تنجح في هذه الرحلة، وتساهم في عالم أفضل.