تقرير خاص

كيف دمجت أبوظبي الاستدامة في رحلة تعلم الأطفال؟

6 دقائق
التغير المناخي
shutterstock.com/Rawpixel.com
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عُقدت مئات المؤتمرات حول مكافحة التغير المناخي وسُطرت الآلاف من البيانات للتأكيد على تهديده الحياة على كوكب الأرض، لتخرج الدول بقوائم من الالتزامات والممارسات التي تتعهد بالوفاء بها لتقليل آثار التغير المناخي. غير أن الكثير من هذه الالتزامات يغفل أهمية وضع قادة الأرض المستقبليين في حسبانهم، أولئك الذين سيرثون مشكلات ليست من صنعهم: الأطفال.

وجد بحث جديد أن الأطفال المولودين في عام 2020، وما بعده، سيتضررون في حياتهم من أزمة المناخ أكثر من أسلافهم، إذ سيواجهون ضعف عدد حرائق الغابات، وثلاثة أضعاف فيضانات الأنهار وتدهور المحاصيل، ومرتين ونصف المرة ضعف عدد أحداث الجفاف، و6.8 مرات ضعف موجات الحر خلال حياتهم مقارنة بالشخص المولود في عام 1960.

يبدأ تأثير التغيّر المناخي على الأطفال بشكل مبكر للغاية، حتى قبل ولادتهم، إذ تصيب تبعاته الأطفال بأعراض نفسية وجسدية خطيرة، وعلى الرغم من ذلك، تتجاهل أغلب مبادرات مكافحة المناخ الأطفال؛ هؤلاء السكان الذين سيرثون مشكلة لا دخل لهم بها، ويتأثرون فيها أشد التأثير، ولا سيما أن الأطفال أقل قدرة على النجاة من الأحداث المناخية القاسية، وفقاً لمنظمة اليونيسيف.

وفي الوقت الذي تجاهلت أغلب جهود مكافحة المناخ الأطفال، سعت عاصمة دولة الإمارات، أبوظبي، إلى التصدي لتغير المناخ من خلال وضع أصغر سكانها في صميم خطتها سواء لمكافحة التغير المناخي أو لبناء مستقبل مستدام. إذ اتخذت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة 3 استراتيجيات فعالة في هذا الشأن، وهي التخطيط الحضري للمدن الصديق للطفل، وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، واستغلال المحافل الدولية مثل مؤتمر كوب 28 (Cop 28) لإدراج تأثير التغير المناخي على الأطفال في السياسات الدولية. فكيف يتأثر الأطفال بالتغير المناخي، وكيف تقود هذه الاستراتيجيات نحو مستقبل أكثر استدامة للأطفال؟

كيف يؤثر التغير المناخي في الأطفال؟

يشكل تغير المناخ خطراً بشكل خاص على الأطفال دون سن الخامسة، إذ إنهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المرتبطة بالمناخ، وهم الأكثر تضرراً من الحرارة وتلوث الهواء. وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر مناطق العالم ضعفاً عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، وبالتالي فإن أطفال هذه المنطقة مهددون بشكل كبير من موجات الحر غير المسبوقة على عدة مستويات:

  • نقص الغذاء: يحتاج الأطفال إلى قدر أكبر من الغذاء لكل وحدة من وزن الجسم مقارنة بالبالغين، وتُمثل ندرته خطراً بالغاً على نموهم وتطورهم. وتُشكل القيود المفروضة على الوصول إلى الغذاء والتنوع الغذائي والمحتوى الغذائي مخاطر كبيرة على الأطفال المعرضين للخطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي منطقة تواجه بالفعل مشاكل في التغذية سواء سوء التغذية (الذي يسبب التقزم والهزال ونقص المغذيات الدقيقة) أو الإفراط في التغذية (الذي يسبب زيادة الوزن والسمنة).
  • ندرة المياه: تتزايد ندرة المياه في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب الاستخدام غير المستدام للمياه في الزراعة، وتزايد عدد السكان، وزيادة التحضر، وضعف إدارة المياه، وغيرها. ويحتاج الأطفال إلى كمية من الماء لكل وحدة من وزن الجسم أكثر من البالغين. وعندما تنخفض موارد المياه الصالحة للشرب أو تُضطر المجتمعات المستنفدة إلى استخدام مصادر أقل أماناً، يتعرض الأطفال للإصابة بأمراض مثل أمراض الإسهال الحاد والكوليرا والجفاف وتفاقم سوء التغذية.
  • ارتفاع درجة الحرارة: كلما زاد تعرض الأطفال لموجات الحر، زادت فرصة حدوث مشاكل صحية بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي المزمنة والربو وأمراض القلب والأوعية الدموية. كما سيتأثر تعليم الأطفال أيضاً، إذ ستؤدي موجات الحر إلى انخفاض معدل الالتحاق بالمدارس وانخفاض التحصيل، وانخفاض جودة النوم.
  • الصحة النفسية: يؤثر تغير المناخ على النمو النفسي الصحي للأطفال في جميع أنحاء العالم، إذ يزيد من خطر إصابة الطفل بالاكتئاب أو القلق أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). إضافة إلى ذلك، ترتبط الضغوط الشبه الحادة مثل موجات الحر الصيفية بزيادة خطر حدوث مضاعفات الولادة والولادة المبكرة، وهي عوامل خطر راسخة للعديد من الاضطرابات النفسية الرئيسية.

كما يكون الأطفال معرضين بشدة للإصابة بالأمراض المعدية والسموم البيئية، ويمكن أن تؤخر مشاكل الصحة البدنية الوصول إلى مراحل التطور في مجالات مثل الإدراك واللغة، التي تتفاعل مع ضعف الصحة العقلية وتزيدها.

الاستراتيجية الأولى للحل: التخطيط الحضري الصديق للطفل

تتزايد الدعوات حول العالم نحو أهمية مراعاة الأطفال في مرحلة تصميم المدن وتخطيطها وهو ما يُعرف بـ “التخطيط الحضري الصديق للطفل” عبر زيادة المساحات الخضراء، وتصميم الملاعب أو المرافق الترفيهية، وتصميم شبكة واسعة من الشوارع، ووسائل نقل مستقلة، وتحديد سرعات مناسبة للمركبات والسيارات، ليتمكن الأطفال من التجول بحرية وأمان.

وبدورها، تتبع هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة بعض المبادئ لدعم التنمية الشاملة للطفولة المبكرة في المجال العام للمدن، مثل جمع البيانات حول رغبات الأطفال الصغار ومقدمي الرعاية في الأماكن العامة، وضمان القرب من الأماكن العامة ذات الجودة الصحية ووسائل النقل الآمنة، وتصميم شوارع عالية الجودة توفر فرصاً آمنة للعب وتناول طعام صحي وإنشاء روابط إيجابية، وتحفيز الإبداع وفرص التعلم الاجتماعي والعاطفي للأطفال الصغار وأسرهم، وتوثيق قصص النجاح وتبادلها حول التغيير السلوكي الإيجابي في المجال الحضري في أبوظبي.

الاستراتيجية الثانية للحل: بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ

تسعى دولة الإمارات إلى إدراج الوعي البيئي حول التغير المناخي والاستدامة ضمن المناهج التعليمية كاستراتيجية فعالة لبناء المرونة لدى الأطفال من خلال رفع الوعي لديهم بالقضايا البيئية، وبناء الكفاءة والثقة. إذ أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إطلاق شراكة التعليم الأخضر استعداداً لاستضافة الدولة لمؤتمر المناخ COP 28 وهي مبادرة تستهدف تعزيز دور التعليم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتضمين أجندة المناخ في المنظومة التعليمية في الدولة. وتركز شراكة التعليم الأخضر على أربعة محاور رئيسية هي: التعليم الأخضر والمدارس الخضراء وبناء القدرات الخضراء والمجتمعات الخضراء.

وتسير أبوظبي على النهج ذاته، إذ تتعاون هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة مع وزارة التربية والتعليم لضمان إدراج الأطفال في خطة عمل الوزارة. كما أطلقت أبوظبي العديد من المبادرات التي تستهدف رفع وعي الأطفال وزيادة مشاركتهم في قضايا البيئة، فأوردت مدير عام هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، سناء محمد سهيل، في تقرير لها بعنوان “أبوظبي تدمج تغيّر المناخ في رحلات تعلم الأطفال” أبرز مبادرات أبوظبي لتهيئة الأطفال للتعامل مع التغير المناخي:

 1. الماراثون البيئي (Enviro-Spellathon)

واحد من البرامج السنوية لهيئة البيئة – أبوظبي الذي انطلق عام 2001. ويهدف إلى محو الأمية البيئية بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4-11 عاماً، إذ يعزز المهارات اللغوية والبيئية والتوعية حول النباتات والحيوانات المحلية والقضايا البيئية المحلية بطريقة يمكن للجميع الوصول إليها.

سجل أكثر من 91% من مدارس أبوظبي في برنامج الماراثون البيئي ليستفيد منه أكثر من 1.8 مليون طالب وطالبة منذ عام 2001 من خلال زيادة وعيهم بالقضايا البيئية. وتحوّل مؤخراً إلى تطبيق ذكي يضم 18 لعبة، و12 عرضاً للرسوم المتحركة، و9 رسوم متحركة تفاعلية ومقاطع صوتية في كل كتاب، ووصل عدد تنزيلاته إلى 17,624 مرة وفق آخر تحديث.

2. مبادرة المدارس المستدامة (Sustainable Schools Initiative)

انطلقت مبادرة المدارس المستدامة (SSI) في عام 2009، وتستهدف الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً. إذ تسمح المبادرة للشباب باستكشاف البيئة وتعلم العديد من الطرق والوسائل المبتكرة لتقليل بصمتهم البيئية، مع تعزيز شعورهم بالملكية والمسؤولية تجاه المستقبل من خلال معالجة التأثير البيئي لهذه البصمة. وقد تم الاستشهاد بها كمثال لأفضل الممارسات العالمية، وحصلت المبادرة على العديد من الجوائز بما في ذلك جائزة الشرق الأوسط الأخضر لأفضل مشروع توعية وتثقيف بيئي في عام 2013.

وقد حققت المبادرة هدفها هذا العام، 2023، بضمها جميع مدارس إمارة أبوظبي، بتعاون هيئة البيئة – أبوظبي مع وزارة التربية التعليم ومؤسَّسة الإمارات للتعليم، ودائرة التعليم والمعرفة بأبوظبي. كما تهدف المبادرة إلى ضم 700 مدرسة أخرى من جميع أنحاء الدولة قبل نهاية 2023.

3. مبادرة الجامعات المستدامة (Sustainable Campus Initiative)

انطلقت مبادرة الجامعات المستدامة في عام 2014، لتستهدف الشباب في الفئة العمرية من 18 إلى 35 عاماً، وتسعى إلى تعزيز القدرات القيادية وبنائها بين شباب الإمارة لمعالجة قضايا الاستدامة البيئية، عبر زيادة ممارسات الاستدامة، وتعزيز الوعي والمعرفة، واستنباط السلوكيات الاستباقية لحماية الكليات والجامعات في الإمارات العربية المتحدة. وتشارك في المبادرة 24 كلية وجامعة من مختلف إمارات الدولة.

ودربت مبادرة الجامعات المستدامة 1,276 طالب وعضو هيئة تدريس من خلال ورش العمل، كما قدمت الكليات والجامعات المشاركة بالمبادرة 104 مشروع وتقرير للتدقيق البيئي بشأن مدى التأثير البيئي واستدامة الحرم الجامعي.

4. تواصل مع الطبيعة (Connect with Nature)

انطلقت حركة تواصل مع الطبيعة في عام 2019 من خلال شراكة بين جمعية الإمارات للطبيعة وهيئة البيئة – أبوظبي. وتسعى إلى غرس الشعور بالمسؤولية الفردية والاجتماعية في الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً، لضمان صحة الدولة ورفاهيتها، وتنوعها البيولوجي الاستثنائي.

الاستراتيجية الثالثة: الاستفادة من المحافل الدولية مثل مؤتمر المناخ COP28

سعت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة وشركاؤها الاستراتيجيون إلى الاستفادة من مؤتمر المناخ COP28 الذي سيُعقد في الإمارات لتحفيز التفكير في مصلحة الأطفال في مراحلهم المبكرة كمحور لتحقيق الاستدامة، عبر:

  • ضمان دمج تنمية الطفولة المبكرة في صنع السياسات المناخية العالمية والحوارات.
  • تطوير خطة عمل تدعم النظام الإيكولوجي في السنوات الأولى لبناء المرونة في مواجهة تأثيرات المناخ واتخاذ الإجراءات المناخية.
  • تقليل عوامل الخطر وزيادة عوامل الحماية من أجل النمو الصحي للأطفال الصغار.
  • مراجعة وسن التشريعات لتعزيز المدن الصديقة للأسرة.

تسهم هذه المبادرات وغيرها في تشكيل الوعي لدى الأطفال حول أزمة التغير المناخي ومخاطرها والسلوكيات الإيجابية والسلبية، وبالتالي بناء الاستعداد لديهم للتعامل مع الأزمة كسكان مستقبليين لكوكب الأرض، إذ إن أطفال اليوم هم قادة الغد في المعركة ضد تغير المناخ. يقول المدير التنفيذي لمنظمة اليونيسيف، أنتوني ليك: “تبدأ التنمية المستدامة وتنتهي بأطفال آمنين يتمتعون بصحة جيدة وتعليم جيد”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .