كيف توجّه الشركات استثماراتها خلال فترات الركود الاقتصادي؟

6 دقيقة
فترة الركود الاقتصادي

ملخص: في ظل تراجع أسعار أسهم الشركات العاملة في قطاعي التكنولوجيا والتجزئة، ومع ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة واستمرار مشكلات سلاسل التوريد، بات واضحاً حتى الآن أن عام 2022 أكثر قتامة من توقعات الجميع بشأن تعافي الاقتصاد عقب انتهاء تداعيات فيروس كورونا المستجد. فكيف تستجيب الشركات لهذه التطورات الاقتصادية بطريقة تستطيع من خلالها تحقيق أفضل النتائج؟ قد لا تخرج الاستجابة الطبيعية عن خفض التكاليف في كافة المجالات بلا استثناء عن طريق تأجيل المشاريع الجديدة وتقليل النفقات الاختيارية، مثل البحث والتطوير والتسويق وتدريب الموظفين، إضافة إلى تجميد التعيينات الجديدة وتقليل عدد الموظَفين. ونظراً لأن الشركات الرقمية عانت تراجعات حادة في أسعار الأسهم وأكثرها دراماتيكية مؤخراً، فقد يستنتج المرء خطأً أن هذه هي نهاية الثورة الرقمية، وقد يبدأ بعض الشركات تقليص جهود التحول الرقمي استناداً إلى هذا الاستنتاج. ويجادل كاتبا المقالة بأن هذه ليست بالضرورة أفضل الاستراتيجيات في الحقبة الحالية. على العكس من ذلك، توفر التطورات الحالية فرصاً قد لا تتكرر للاستثمار الرشيد في المستقبل. ويقدّم الكاتبان 3 طرق يمكن للمدراء الاستفادة منها، وحتى استغلالها في التخطيط للنمو في هذه البيئة الحافلة بالتقلبات.

 

شهدت أسهم الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا تراجعاً ملموساً في الآونة الأخيرة، ما أعاد إلى الأذهان فقاعة الإنترنت مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة. على سبيل المثال، تراجعت قيمة شركة أرك إنوفيشن إي تي إف (Ark Innovation ETF) تحت رئاسة كاثي وود بنسبة 75% مقارنةً بقيمتها في وقت الذروة. يتشابه هذا الانخفاض كلياً وجزئياً مع تراجع مؤشر ناسداك بنسبة 78% خلال الفترة من مارس/آذار 2000 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2002 الذي أعقبه ركود اقتصادي حاد.

ولا يقتصر التراجع في أسعار الأسهم على أسهم شركات التكنولوجيا فقط. فقد فقدت أسهم الشركات العاملة في قطاع التجزئة التي تعتبر مقياساً للاقتصاد بمفهومه الأوسع ثلث قيمتها منذ وصولها مؤخراً إلى الذروة. وراح خبراء الاقتصاد يحذرون من الركود الاقتصادي على مستوى الولايات المتحدة والعالم أجمع.

علاوة على ذلك، فقد ارتفعت أسعار الفائدة وستستمر في الارتفاع في المستقبل القريب. وتزداد صعوبة إتاحة الائتمان بمرور الوقت. ولا تزال مشكلات سلاسل التوريد الناتجة عن سياسة القضاء على فيروس كورونا المستجد في الصين والحرب الروسية الأوكرانية من المشكلات المشتعلة. وقد اتضح حتى الآن أن عام 2022 أكثر قتامة من توقعات الجميع بشأن تعافي الاقتصاد في مرحلة ما بعد انتهاء تداعيات فيروس كورونا المستجد.

فكيف تستجيب الشركات لهذه التطورات الاقتصادية بطريقة تستطيع من خلالها تحقيق أفضل النتائج؟ قد لا تخرج الاستجابة الطبيعية عن خفض التكاليف في كافة المجالات بلا استثناء عن طريق تأجيل المشاريع الجديدة وتقليل النفقات الاختيارية، مثل البحث والتطوير والتسويق وتدريب الموظفين، إضافة إلى تجميد التعيينات الجديدة وتقليل عدد الموظَفين. ونظراً لأن الشركات الرقمية عانت تراجعات حادة في أسعار الأسهم وأكثرها دراماتيكية مؤخراً، فقد يستنتج المرء خطأً أن هذه هي نهاية الثورة الرقمية، وقد يبدأ بعض الشركات تقليص جهود التحول الرقمي استناداً إلى هذا الاستنتاج. ونعتقد أن هذه ليست بالضرورة أفضل الاستراتيجيات في الحقبة الحالية. على العكس من ذلك، توفر التطورات الحالية فرصاً قد لا تتكرر للاستثمار الرشيد في المستقبل. وإليك 3 طرق يمكن للمدراء الاستفادة منها، وحتى استغلالها في التخطيط للنمو في هذه البيئة الحافلة بالتقلبات.

1. دراسة الأمثلة الناجحة

أولاً: عادة ما تكون فترات الركود قصيرة الأجل وتليها فترات طويلة من النمو والازدهار. على سبيل المثال، تعتبر الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية أكبر فترة توسعية في العصر الحديث. وتنطبق القاعدة ذاتها على السنوات التي أعقبت فترة الركود الاقتصادي الناجم عن قرار منظمة أوبك بحظر تصدير النفط (1973 إلى 1975) والركود الناجم عن أزمة الطاقة (1981 إلى 1982) والركود الناجم عن حرب الخليج (1990 إلى 1991) وفقاعة الإنترنت (2000 إلى 2002) والركود الاقتصادي الكبير (2008 إلى 2009). فقد أعقبت كل ركود اقتصادي فترة نمو أطول من فترة الركود الاقتصادي.

ولكن الأهم من ذلك أن فترات الركود الاقتصادي تمثل فرصة لا تُقدَّر بثمن لأنها تميّز بين الغث والسمين، وتميّز بين الرابحين والخاسرين. ولا ننسى أن فقاعة الإنترنت كانت انعكاساً للتوسع في إدراج الشركات في سوق الأسهم في حين أن الكثير منها لم يكن لديه شيء يقدمه سوى فكرة تجارية واعدة، مثل شركات بتس دوت كوم (Pets.com) وإي تويز دوت كوم (eToys.com) وويب فان (Webvan)، وكلها كانت إما تدرّ إيرادات قليلة أو معدومة. وكانت أشبه بمحرقة حقيقية للأموال في أثناء تجربة أفكار تجارية لم تنضج بعد. وقد ازداد عدد هذه الشركات المدرجة في سوق الأسهم بشكل كبير خلال أوائل التسعينيات، ما أدى إلى وصول عدد الشركات المدرجة في سوق الأسهم إلى الذروة عام 1997 لنحو 7,400 شركة. وأدت فقاعة الإنترنت إلى إفلاس وشطب الكثير من الشركات التي اعتمدت في المقام الأول على التفاؤل المفرط تجاه حالة الأسواق، واستمرت شركات التكنولوجيا التي نجت من أزمة فقاعة الإنترنت وفترة الركود الاقتصادي الكبير حتى أصبحت أكبر مصدر للثروة للمستثمرين في التاريخ المسجل (وعلى رأسها شركات مثل فيسبوك وآبل وأمازون ونتفليكس وإنفيديا وجوجل ومايكروسوفت).

لذا فإننا ننصح المدراء بأن يحلموا أحلاماً كبيرة، على الرغم من المصاعب التي لا يمكن إنكارها، وأن يسعوا إلى تمييز أنفسهم عن الآخرين والتخطيط للفترة التوسعية المرتقبة. ابدأ بدراسة ما فعلته الشركات التي نجت من الأزمات بشكل مختلف خلال فترات الركود السابقة. والأهم من ذلك أن تدرس أمثلة أولئك الذين لم ينجوا فحسب، بل خرجوا من فترات الركود فائزين.

انظر على سبيل المثال إلى شركة سامسونج، فقد أعادت الشركة هيكلة أعمالها خلال فترة الركود الاقتصادي الكبير من 2008 إلى 2009، وذلك من أجل التركيز على الربحية والكفاءة، كما فعل معظم المؤسسات الأخرى. لكنها فعلت شيئاً مختلفاً أيضاً من خلال مضاعفة جهودها لتحسين جودة مجموعة محدّدة من المنتجات: أشباه الموصّلات وشاشات "إل سي دي" (LCD) والهواتف المحمولة. كانت تهدف إلى احتلال مكانة رائدة عالمياً في هذه المجموعة المحدودة من المنتجات وتوقعت أن يتحول المستهلكون إلى منتجات عالية الجودة خوفاً من عدم استمرارية الشركات ذات المنتجات المنخفضة الجودة في حالة الركود. وقد زادت من نفقات البحث والتطوير والتسويق بالشركة ووظَّفت أفضل مدراء العلامات التجارية وظهرت كرقم صعب في الأسواق الثلاث.

2. التوسع بينما ينكمش المنافسون

تعتبر فترة الركود الاقتصادي أفضل وقت للحصول على الموارد من أجل استغلالها في تحقيق التوسع في مراحل لاحقة، كل ذلك في الوقت الذي ينكمش فيه منافسوك. إذ يُعد المورد الأكبر والأكثر أهمية، ألا وهو الموهبة، متاح الآن بسهولة أكبر مما كان عليه خلال الفترات التوسعية. وفي حين أنه من الصحيح أننا ما زلنا في خضم معاناة نقص المواهب، فقد بدأنا نشهد تسريح العمال بشكل جماعي في قطاع التكنولوجيا. وفي ظل لجوء الشركات إلى خفض أعمال البحث والتطوير والمشاريع الجديدة وتقليل عدد الموظَفين وتخفيض رواتب الموظفين ومكافآتهم، وفي ظل تراجع أسعار الأسهم التي تؤثر بالسلب على خيارات الأسهم، فإن أصحاب الموهبة أنفسهم الذين كانوا ينضمون إلى الشركات الناشئة أو شركات التكنولوجيا المالية ويتمتعون بالمكافآت الضخمة وخيارات الأسهم يبحثون الآن عن فرص عمل مستقرة.

كما أن هذا الوقت مناسب أيضاً للاستحواذ على الشركات وشراء الأصول بأسعار منخفضة. على سبيل المثال، بعض شركات التكنولوجيا الحيوية متاحة الآن بأقل من قيمتها التقديرية. ونتيجة لذلك، زادت شركات الأدوية الكبرى من عمليات الاستحواذ على تكنولوجيا الصحة الرقمية، مثل التطبيقات الإلكترونية والأجهزة القابلة للارتداء. فقد استحوذت كبرى شركات التكنولوجيا خلال الفترة من عام 2008 إلى عام 2010 على مئات الشركات وبراءات الاختراع الجديدة. وبالإضافة إلى استقطاب الموظفين والاستحواذ على الأصول، فإن الوقت المناسب لكسب حصة سوقية من خلال جذب العملاء غير الراضين من الشركات المنافسة لأنها تقلل المصروفات المخصصة للإنفاق على خدمة العملاء.

3. تسريع التحول الرقمي

لا يعني تراجع أسعار أسهم الشركات الرقمية نهاية الثورة الرقمية. إذ تمتلك كل شركة تقريباً استراتيجية رقمية مكَّنت الشركات من إدارة عملياتها بشكل طبيعي قدر الإمكان خلال جائحة فيروس كورونا المستجد. وتم توثيق فوائد الاستراتيجية الرقمية المدروسة جيداً: الرؤية المحسنة للموارد وإدارة الموارد بشكل أفضل وتعزيز المرونة التنظيمية والمؤسسية وخفض التكاليف وإدارة سلاسل التوريد بشكل أكثر سلاسة وخلق تجربة أفضل للعملاء وتحسين مستوى الإنتاجية وتطوير المنتجات بمعدلات أسرع وإجادة تخطيط الموارد البشرية.

ولا يعني انهيار أسعار أسهم الشركات الرقمية أن هذه الفوائد لم تتحقق. كما أن الوقت غير مناسب بالمرة لإبطاء التحول الرقمي. وعلى العكس من ذلك، فقد حان الوقت لتسريع هذا التحول. إذ تطرح البيئة المتقلبة المزيد من التحديات التي يمكن معالجتها بشكل أفضل من خلال التحول الرقمي، فضلاً عن الفرص التي تسهم في تسهيل التحول الرقمي. خذ على سبيل المثال شركات البيع بالتجزئة التقليدية التي تواجه الآن مشكلات معقدة في سلاسل التوريد التي أدت إلى تدهور الإيرادات وزيادة التكاليف. قد لا يحل التحول الرقمي كل المشكلات، لكنه يمكن أن يخفف من حدتها. على سبيل المثال، قد يمكّن تعلم الآلة تجار التجزئة من تحديد أنماط التسوق وفهم سلوكيات الشراء وتعديل العروض الترويجية والعروض الخاصة وإضفاء الطابع الشخصي على توصيات المنتجات وتعديل الأسعار في أثناء العمل وتحقيق التوازن بين العرض والطلب وتفضيلات العملاء التي تشهد تغيرات متلاحقة.

والأهم من ذلك أن الشركات تستطيع الآن تعيين المتخصصين في الهندسة وتكنولوجيا المعلومات الذين تم تسريحهم من قطاع التكنولوجيا عندما يبدؤون البحث عن فرص عمل أكثر استقراراً.

أدى الانهيار الأخير في أسعار الأسهم إلى خلق فرص قد لا تتكرر إلى جانب ظهور مخاطر فريدة من نوعها لكلٍّ من شركات التكنولوجيا والشركات الصغيرة. لا شك في أننا نمر بأوقات عصيبة وأن المستقبل القريب لا يبدو وردياً. لكن التاريخ أثبت لنا مراراً وتكراراً أن فترات الركود تستمر لمدة قصيرة في أغلب الأحيان وتليها مدة طويلة من التوسع والازدهار. ويُظهر الفائزون خلال هذه الأوقات العصيبة قدرتهم على الاستفادة من الفرص والاستحواذ على الأصول واستقطاب العملاء والمواهب والكفاءات المناسبة بالأسعار المناسبة. كما أن هذا يعتبر الوقت المناسب أيضاً للشركات الصناعية لتسريع عمليات التحول الرقمي، نظراً لتزايد الحاجة لها، إضافة إلى توافر الموارد اللازمة لإنجاز هذه التحولات الآن أكثر من أي وقت مضى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي