أشار أحد التقاريرالصناعية إلى أنّ الشركات الأميركية أنفقت أكثر من 90 مليار دولار على أنشطة التدريب والتطوير في العام 2017، بزيادة سنوية بلغت 32.5%. وفي وقت يؤكد فيه العديد من الخبراء على أهمية تطوير الموظفين وفوائده - أي جعل القوة العاملة أكثر قدرة على المنافسة وزيادة الاحتفاظ بالموظفين وتعزيز مشاركتهم في الأنشطة - يشير المنتقدون إلى غياب نتائج هذه الاستثمارات بصورة مؤلمة. وفي نهاية المطاف، ثمة حقيقة في كل من وجهتي النظر هاتين. فالتدريب مفيد في بعض الأحيان لكنه يفشل في كثير من الأحيان، ولاسيما عندما يُستخدم لمعالجة مشاكل لا يمكن حلها بالفعل.
وينظر العديد من القادة ذوي النوايا الحسنة إلى التدريب على أنه علاج شامل للمشاكل السلوكية أو لتوفير فرص تعلم واضحة. مثلاً، قبل عدة أشهر، طلبت مني شركة خدمات مالية عالمية تصميم ورشة عمل لمساعدة موظفيها على أن يكونوا أقل بيروقراطية وأكثر ريادة. وكان هدفها تدريب الموظفين على التوقف عن انتظار موافقة رؤسائهم، وبدلاً من ذلك الشعور بأنهم قادرون على اتخاذ القرارات بأنفسهم. وكانت تأمل، كنتيجة، في اتخاذهم القرارات بشكل أسرع. وعلى الرغم من أنّ الشركة بدت متحمسة للاستثمار، إلا أنّ برنامج التدريب لم يكن الطريقة الصحيحة لتقديم السلوك الجديد الذي أرادت من موظفيها تعلمه.
فالتدريب يمكن أن يكون وسيلة قوية عندما يتوفر دليل على أنّ السبب الأساسي للحاجة التعليمية هو مهارة غير مطورة أو نقص في المعرفة. وفي هذه الحالات، ينجح بشكل رائع برنامج جيد التصميم يشتمل على محتوى مخصص ومواد ذات صلة بالموضوع وممارسة لبناء المهارات ومقياس نهائي لاكتساب المهارات. لكن في حالة هذه المؤسسة، لم يكن لنقص المهارات علاقة بمشكلتها. فبعد سؤال القادة في المؤسسة عن سبب شعورهم بالحاجة إلى التدريب، اكتشفنا أنّ الأسباب الجذرية لمشكلتهم تتعلق أكثر بما يلي:
- عدم فعالية عمليات صنع القرار التي فشلت في توضيح أي من القادة والفرق يملك سلطة اتخاذ القرارات.
- توزع السلطة في شكل ضيق، فهي مركزة في الجزء العلوي من المؤسسة.
- غياب التوقعات القابلة للقياس حول اتخاذ الموظفين القرارات.
- غياب التقنيات اللازمة لنقل المعلومات بسرعة إلى أولئك الذين يحتاجونها لاتخاذ القرارات.
وبالنظر إلى هذه المشاكل المنهجية، من غير المحتمل أن يكون لبرنامج التدريب نتائج منتجة أو مستدامة. والأسوأ من ذلك، يمكن أن تكون له نتائج عكسية، ما يجعل الإدارة تبدو بعيدة عن الواقع.
يحدث التعلم نتيجة للتفكير، وليس التدريس. ويحدث ذلك عندما يتأمل الناس سلوكاً جديداً ويختارونه. لكن إذا كانت بيئة العمل لا تدعم هذا السلوك فلن يحدث موظف مدرب تدريباً جيداً فرقاً. وفيما يلي ثلاثة شروط مطلوبة لضمان نجاح البرنامج التدريبي.
- أن تدعم الأنظمة الداخلية السلوك المطلوب. من المؤكد أنّ اكتشاف السلوك غير المرغوب فيه هو دليل على أنّ شيئاً ما يحتاج إلى التغيير. لكن أصول هذا السلوك غير المرغوب فيه قد لا تكون بسبب نقص في المهارات. فالسلوكيات الفردية في المؤسسة تتأثر بالعديد من العوامل، مثل مدى وضوح قيام المدراء بتحديد الأولويات والإبلاغ عنها والتمسك بها، أو الأشياء التي تثمنها الثقافة وتعززها، أو كيف يجري قياس الأداء ومكافأته، أو ما هو عدد مستويات التسلسل الهرمي الحالية. تؤدي كل هذه الجوانب دوراً في تشكيل سلوكيات الموظفين. وفي الحالة المذكورة أعلاه، لم يكن الناس يتصرفون بطريقة عاجزة لأنهم لا يملكون معرفة أفضل، ولكن لأن عمليات اتخاذ القرار في الشركة تمنعهم من التصرف بأي طريقة أخرى. وكانت هناك مستويات متعددة من الموافقات المطلوبة حتى لاتخاذ القرارات التكتيكية. واقتصر الوصول إلى المعلومات الأساسية على كبار المدراء. فالثقافة عززت طلب إذن لكل شيء. وما لم تُعالج هذه القضايا، ستكون ورشة العمل المزمع عديمة الجدوى.
- أن يكون ثمة التزام بالتغيير. لن يحدد أي تقييم تنظيمي شامل المهارات التي يحتاجها الموظفون للتطوير فحسب، بل سيكشف أيضاً عن الشروط المطلوبة لتعزيز هذه المهارات والحفاظ عليها بمجرد تنفيذ البرنامج التدريبي. ولا يعني مجرد اعتراف المؤسسة بالعوامل المسببة للسلوك غير المرغوب فيه أنها منفتحة لتغييرها. فعندما أثرت مخاوفي الواضحة مع المؤسسة المذكورة أعلاه، تلقيت الرد المعهود: "نعم نعم بالطبع.. نحن ندرك أنّ تلك المشاكل لا تساعد، لكننا نعتقد أننا لو استطعنا الحصول على ورشة العمل هذه، سنبني الزخم المطلوب ثم نهتم بهذه المشاكل في وقت لاحق". وهذا الموقف يعني عادة "أنّ الأمر لن يحدث أبداً". وإذا لم تكن المؤسسة مستعدة للتعامل مع الأسباب الخاصة بمشكلة ما، فلن يحقق التدريب الفائدة المرجوة منه.
- أن يخدم البرنامج التدريبي الأولويات الاستراتيجية مباشرة. عندما تطبق مؤسسة استراتيجية جديدة، مثل إطلاق منتج حديث أو الولوج في سوق جديدة، يمكن أن يؤدي التدريب دوراً حاسماً في تزويد الأشخاص بالمهارات والمعرفة التي يحتاجونها لمساعدة هذه الاستراتيجية على النجاح. لكن عندما لا يكون لمبادرة التدريب هدف واضح أو هدف نهائي، يبرز خطر الفشل. مثلاً، طرح أحد عملائي عقد ورشة عمل حول الانتباه على مستوى الشركة. وعندما سألت بعض الموظفين عن رأيهم في ورشة العمل قالوا: "كانت مثيرة للاهتمام.. على الأقل حصلنا على ساعتين بعيداً عن مكاتبنا". وعندما طلبت من المسؤولة التنفيذية المسؤولة عن تنظيم ورشة العمل أن تشرح لي الهدف من التدريب، قالت: "أشارت البيانات الخاصة بتفاعل الموظفين وتشاركهم في الأنشطة المختلفة إلى أنّ موظفينا يشعرون بالتوتر والإجهاد، لذلك اعتقدت بأن مساعدتهم على التركيز والحد من التوتر سيكون أمراً مفيداً لهم". لكن عندما سألتها عن سبب الضغوط والتوترات، لم تكن إجابتها قاطعة وأردفت قائلة: "لا أعرف حقاً، لكن معظم البيانات السلبية جاءت من الذين بدؤوا العمل مطلع القرن وهم يشتكون من العمل فوق طاقتهم. بالإضافة إلى ذلك، هم يحبون هذا النوع من الأشياء". وأعربت عن اعتقادها بأنّ برنامجها التدريبي له صلة استراتيجية بذلك لأنه يرتبط بقياس الدور الحيوي للموظف. لكن التقييمات أشارت إلى أنّ التدريب لم يقلل من الضغوط التي تمارس على الموظفين على الرغم من أنهم وجدوا أنه "مثير للاهتمام". وثمة عدد لا يحصى من الأسباب التي تجعل عبء العمل يتسبب في توتر الموظفين. لذلك، كان من الأفضل توجيه طاقة هذه المديرة إلى محاولة تحديد تلك الأسباب في قسمها الخاص، ومعالجتها _ على الرغم من نواياها الحسنة.
إذا كنت ستستثمر ملايين الدولارات في تنظيم تدريب خاص بالشركة، كن على ثقة من أنه يعالج حاجات التعلم الاستراتيجية لديك. وعلاوة على ذلك، تأكد من قدرة مؤسستك على الحفاظ على المهارات والمعارف الجديدة من خلال معالجة العوامل الأوسع التي قد تهدد نجاحها. وإذا لم تكن واثقاً في هذه الشروط، فلا تنفق المال على هذا التدريب.