تقرير خاص

لمحة عن الاستثمار في الثقافة من خلال دراسات حالة لمشاريع سعودية

10 دقيقة
وزارة الثقافة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يختلف تعريف الاقتصاد الإبداعي من دولة إلى أخرى بحسب أنشطتها، ويمكن التعبير عنه باختصار بأنه الأنشطة الاقتصادية التي ينتُج عنها خدمات وسلع ذات قيمة فكرية وإبداعية، وقد اكتسب أهمية متزايدة في العقود القليلة الماضية، خاصة في القطاع الثقافي الذي يُعرف غالباً بقطاع “الصناعات الإبداعية” والذي بات واحداً من أسرع القطاعات نمواً في العالم وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، إذ يمثل 6.1% من الاقتصاد العالمي ويصل في بعض الدول إلى 10% من اقتصادياتها.  وتقدر القيمة العالمية له بـ 4.3 تريليونات دولار أميركي سنوياً، إلى جانب خلق نحو 50 مليون وظيفة حول العالم، وفي دولة مثل المملكة المتحدة ولّدت الصناعات الإبداعية قيمة أكبر للاقتصاد مقارنةً بصناعات الطيران وعلوم الحياة وصناعات السيارات مجتمعة.

واليوم في المملكة العربية السعودية، يتطور المشهد الثقافي بشكل ملحوظ، ولا سيّما في ظل رؤية المملكة 2030 ومحاورها الرئيسية الثلاثة؛ مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. فقد تبنّت المملكة نهجاً مميزاً خلال السنوات القليلة الماضية عزز القطاع الثقافي محلياً ودولياً وعظّم إسهاماته في التنمية الاقتصادية.

تمثّل هذا التعزيز على أرض الواقع في إنشاء وزارة الثقافة في عام 2018، ولحقها تأسيس 11 هيئة ثقافية تحت إشرافها وهي: هيئة المتاحف، وهيئة الأفلام، وهيئة الموسيقى، وهيئة الأدب والنشر والترجمة، وهيئة التراث، وهيئة فنون الطهي، وهيئة الفنون البصرية، وهيئة الأزياء، وهيئة فنون العمارة والتصميم، وهيئة المكتبات، وهيئة المسرح والفنون الأدائية.

تسعى وزارة الثقافة إلى تعزيز إسهام القطاع الثقافي اقتصادياً، ليسهم القطاع بـ 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030. وعلى الرغم من أن القطاع الثقافي يضم قطاعات إنتاجية وصناعات إبداعية تخلق عوائد للمستثمرين، ووظائف للعاملين، وسلعاً وخدمات ترفع من جودة حياة شريحة واسعة من المستفيدين، إلا أن التحدي يكمن في خلق مشهد ثقافي نشط جاذب للجمهور وتوفير بُنى تحتية خاصة بالقطاعات الثقافية، ومنظومة تمكين للمبدعين، وهذا ما عملت عليه الوزارة على مدار السنوات الخمس الماضية، ودللت عليه في تقرير الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2022 تحت عنوان “الاستثمار في القطاع الثقافي”.

حسب ما أكد صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة: “تقف الثقافة السعودية على أرض صلبة، فلدينا مبدعون سعوديون في شتى المجالات، كما نقف اليوم على أرض غنية بالصناعة الإبداعية في الحقول الثقافية المتنوعة، وطاقات بشرية مبشرة تجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالم، لذا سنعمل في الوزارة بنهج تشاركي مع المبدع السعودي، رأس مال الثقافة، وسنذهب بعيداً لخلق بيئة تدعم الإبداع وتساهم في نموه، وسنفتح نوافذ جديدة للطاقة الإبداعية عند السعوديين، وستظل الثقافة السعودية نخلة سامقة في عالمنا”.

دراسات حالة لمشاريع سعودية في القطاع الثقافي

حمل تطور المشهد الثقافي دلائل عديدة، مثل إدراج 138 وظيفة مرتبطة بالقطاع الثقافي في التصنيف السعودي الموحد للمهن، ونمو السياحة الثقافية من عام 2019 وحتى عام 2022 بنسبة 109%، إذ تجاوز عدد الرحلات السياحية المحلية التي تشتمل على أنشطة ثقافية 18 مليون رحلة، بحسب تقرير الحالة الثقافية في المملكة 2022، كما تجلّى تطور المشهد الثقافي السعودي في ظهور العديد من مشاريع القطاع الخاص والمشاريع الناشئة المتعلقة بالقطاعات الثقافية المختلفة.

وقد رصدت وزارة الثقافة في مشروع دراسات الحالة في القطاع الثقافي الذي أجرته بالتعاون مع كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال ثمانية مشاريع ثقافية سعودية تعد نماذجاً لتحقيق نجاح مستدام في القطاع الثقافي.

انتمت الجهات الثمانية إلى ستة قطاعات ثقافية، قطاع الثقافة بمجمله ويمثله كل من شركة ثمانية ومركز حي جميل، وقطاع الأزياء ويمثله كل من ستوديو آشي للأزياء وشركة لومار، وقطاع صناعة الأفلام وتمثله شركة ميركوت للرسوم المتحركة، وقطاع الفنون البصرية ويمثله معرض أثر، وقطاع الأدب والنشر والترجمة ويمثله كل من منصة اطبع ودار تشكيل.

وقد سلطت دراسات الحالة الضوء على مسيرة كل مشروع، ووضعه الحالي، وخطواته المستقبلية، إلى جانب وضع القطاع الفرعي من حيث نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر، وإمكانات الاستثمار في المستقبل، وفيما يلي استعراض نماذج لأربع دراسات حالة:

فرصة أمام صنّاع المحتوى العربي

ركزت دراسة الحالة المتعلقة بشركة ثمانية على الإمكانات الجاذبة لمجال إنشاء المحتوى العربي، فعلى الرغم من وجود اختلافات في تحديد حجم المحتوى العربي على الإنترنت، إلا أنه في أقصى تقدير لا يبلغ أكثر من 5%، وذلك على الرغم من أن عدد مستخدمي الإنترنت من الناطقين بالعربية يتجاوز الـ 200 مليون مستخدم، وهذا ما يجعله فرصة أمام الجهات الناشئة مثلما فعلت شركة ثمانية.

بدأت شركة ثمانية في 2015 بإطلاق بودكاست بعنوان “فنجان” يُجري خلاله مؤسس الشركة عبدالرحمن أبومالح حوارات ثقافية مع شخصيات بارزة، وقد حقق البرنامج متابعة عالية، إذ احتل المرتبة الأولى في قوائم بودكاست آبل، ففي عام 2023 وصل عدد الحلقات إلى 300 حلقة استمع إليها أكثر من 128 ألف شخص، وشاهدها أكثر من 342 ألف مشاهد لكل حلقة، وفقاً لتحليل دراسة الحالة.

شرعت الشركة في بناء محفظة متنوعة من المنتجات في مجالات الإنتاج الصوتي والمرئي والمكتوب والمباشر، واستطاعت، بنهاية عام 2021، جذب المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) لتكون مستثمراً استحوذ على 51%، ليسهم ذلك في تنمية محفظة منتجات الشركة باستمرار، والتي وصلت إلى 22 منتجاً، إضافة إلى زيادة حجم فريقها، كما استفادت الشركة من تمويل صندوق التنمية الثقافي الذي قُدِّم مؤخراً لدعم توسع مشاريع الشركة. (وقد تم تأسيس صندوق التنمية الثقافي، الذي يرأس مجلس إدارته وزير الثقافة السعودي، بهدف تنمية القطاع الثقافي وتحقيق الاستدامة من خلال دعم النشاطات والمشاريع الثقافية، ولتسهيل الاستثمار في الأنشطة الثقافية وتعزيز ربحية القطاع، وتمكين المهتمين من الانخراط في الأعمال الثقافية).

أدركت ثمانية قلة المحتوى العربي، ولمست حاجة الجمهور العربي إلى الاستمتاع بمحتوى عربي جيد، فنجد أن ثمانية وصلت إلى أكثر من 300 مليون مستمع ومشاهد للبودكاست، وأكثر من 60 مليون مشاهد لإنتاجها البصري، بنهاية عام 2023. وقد رصدت دراسة الحالة تمتُّع هذا السوق بإمكانات كبيرة للمستثمرين الحاليين والجدد بناءً على الجمهور المحتمل ونقص المنتجات والمحتوى المتاح.

فعلى الصعيد العالمي، يستمع نحو 10% من مستخدمي الإنترنت إلى البودكاست، ومن المتوقع أن يصل عدد مستمعي البودكاست هذا العام إلى 505 ملايين مستمع، وفي المملكة يستمع نحو 18.4% من السعوديين إلى البودكاست مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، وكثيراً ما يعود مستمعو البودكاست إلى القناة، ما يعني أن البودكاست الناجح يتمتع بمعدل احتفاظ مرتفع ويعد منصة ناجحة للإعلانات.

يمكن للبودكاست الأكثر شعبية أن يجذب نحو 11 مليون مستمع لكل حلقة، ما يجعل انتشاره واسع النطاق. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن ينمو سوق البودكاست بمعدل سنوي مركب يبلغ نحو 27.6% من عام 2023 إلى عام 2030، ما يشكل فرصة حقيقية أمام صنّاع هذا النوع من المحتوى.

وفي هذا الإطار، يقدم صندوق التنمية الثقافي الدعم للقطاع الثقافي من خلال “دعم الأنشطة الثقافية، وتسهيل الاستثمار الثقافي، وتحسين ربحية القطاع”. ويقول الرئيس التنفيذي للأعمال في شركة ثمانية، فيصل الغامدي: “منذ عام 2022 يقوم صندوق التنمية الثقافي بعمل رائع في تحديد الفرص التي لا يمكن دعمها بغير الصندوق ومن ثم تقديم مساعدته”.

وتحتاج الشركات العاملة في القطاع الثقافي إلى نموذج عمل مستدام ودعم مالي لإدارة مشاريع محددة لتتمكن من الإسهام في النمو الاقتصادي، وتمويل توسعها من خلال نماذج الاستثمار ذات الصلة.

سوق الفنون البصرية السعودية يتمتع بمشهد فني نشط

تناولت دراسة الحالة المتعلقة بمعرض أثر مشوار النشأة في مرحلة مبكرة للغاية حتى قبل تحديد القطاعات الثقافية مثل الفنون البصرية، حيث كان الفنانون والرعاة والمعارض يعملون ضمن دائرة مغلقة، ليدرك مؤسسا المعرض حمزة الصيرفي ومحمد حافظ  أهمية دعم الفن ورعاية الفنانين، فأسسا المعرض ليكون داعماً ومساهماً في إنشاء شبكة محلية ودولية تعود بالنفع على الفنانين.

بدأ حمزة الصيرفي ومحمد حافظ في 2009 بدافع حب الفن والشغف بدعم المجتمع الفني، في وقت لم يكن المشهد الفني السعودي يتمتع بالزخم نفسه الذي يتمتع به اليوم، غير أن بدايتهما المبكرة هذه ضمنت لهما مكاناً متقدماً للغاية بل وريادياً أيضاً في المشهد الآن، فيقول محمد حافظ: “لم يكن لدينا سوى قليل من الموظفين، وكنا نحاول الموازنة بين هذا العمل ووظائفنا اليومية، كان المعرض لا يزال مشروع شغف”.

كانت بداية المعرض أشبه بحركة شعبية داخل المجتمع الفني في المملكة، وظل يتوسع بشكل مطرد لسنوات، مع الالتزام بنهج مستدام للنمو، حيث أعاد المؤسسان استثمار الفوائض المالية في المشروع، فلم يحصلا على رواتب لسنوات، ولم يوزعا الأرباح، وإنما أعادوا استثمار كل شيء. وعلى مدار سنوات، أسهم المعرض في عدد من المشاريع التي عززت أدائه المالي مثل تنفيذ مشاريع لبعض الفنادق، وعمله مع مستثمرين أفراد.

وبفضل هذا النهج، وصل المعرض إلى مكانته الآن، إذ بات معرض أثر منصة للفنانين السعوديين والعاملين لعرض أعمالهم وتلقي الدعم في جوانب مختلفة، مثل الوصول إلى المنصات الدولية، والحصول على التمويل، والاستفادة من فرص التعليم.

يتعاون معرض أثر مع 27 فناناً مشهورين أو ناشئين مثل أحمد ماطر، وعهد العمودي، و أيمن يسري ديدبان، ومعاذ العوفي، وسلطان بن فهد، وساره عبده، ودانيا الصالح، ودانة عورتاني، ومهند شونو، وزهرة الغامدي، وغيرهم. وتعرض أعمال الفنانين الذين يمثلهم معرض أثر في مجموعات دائمة مرموقة في وجهات عالمية مثل متحف غوغنهايم في أبو ظبي،والمتحف البريطاني في لندن، ومركز بومبيدو في باريس، وتحقق نجاحات مشهودة، فمثلاً، تجاوزت لوحة “المغناطيس” للفنان أحمد ماطر التوقعات الأولية من 50 إلى 90 ألف يورو، حيث وصل سعرها إلى 189 ألف يورو في مزاد كريستيز في يونيو 2023.

استفاد المعرض أيضاً من نمو سوق الفنون البصرية في المملكة بدعم من وزارة الثقافة والهيئة التابعة لها هيئة الفنون البصرية ومؤسسة بينالي الدرعية التي توفر منصة كبيرة للمعارض الفنية وفنانيها، وتحفز الحوار بين العاملين في المجتمعات الفنية المتنامية والمتنوعة في المملكة والعالم. إذ يتطور سوق الفنون البصرية السعودي حالياً ليصبح قطاعاً فنياً متكاملاً، ولا تزال هناك إمكانات كبيرة لاستكشافها، وهو ما تعمل عليه المنظومة الثقافية مؤخراً من حيث تقديم الدعم للفنانين السعوديين ومنحهم الفرص لعرض إنتاجهم الفني عبر عقد فعاليات محلية دورية وتوفير فرص للمشاركة الإقليمية والدولية، ما يوسع من نطاق جمهورهم، ويمنحهم فرص أكبر لتصدير فنهم إلى العالم. ومن المتوقع أن ترتفع قيمة الصادرات الفنية السعودية 1.5% على أساس سنوي في السنوات المقبلة، لتصل إلى 46 مليون دولار في عام 2026.

السعودية تقدم فرصاً واعدة لصناع الأفلام من مختلف أنحاء العالم

كانت شركة ميركوت إحدى الجهات التي تناولتها دراسات الحالة، وهو استوديو الرسوم المتحركة الرائد في المملكة العربية السعودية والذي أنتج عرض “مسامير” الذي يتمتع بمتابعة كبيرة، وحقق إيرادات عالية في شباك التذاكر السعودي، وعُرض فيما بعد على المنصة العالمية نيتفلكس. (Netflix)

أُسست ميركوت عام 2011 على يد عبدالعزيز المزيني ومالك نجر، بوصفها مشروع استوديو الرسوم المتحركة الأخير في سلسلة من المحاولات السابقة التي احتاج كل منها إلى تعديلات لتحقيق النجاح، ومع إصرار المؤسسين، تمكنا من تطوير منصتهما تطويراً مستداماً وناجحاً، وأعادا استثمار أرباحهما لتنمية منصتهما وركزا على جودة الرسوم المتحركة الخاصة بهما، وتطوير اسم علامتهما التجارية.

تعد السوق السعودية أحد أسرع الأسواق نمواً في مجال صناعة الأفلام، إذ افتُتحت أولى دور السينما في المملكة في عام 2018، ومع اكتسابها شعبية، باعت أكثر من 30 مليون تذكرة وبلغت عوائدها 238 مليون دولار بحلول عام 2021، إضافة إلى ذلك، افتتحت المملكة أكثر من 50 دار سينما تضم 470 شاشة.

وبدأ صانعو الأفلام والمنتجون والمخرجون والممثلون في استكشاف إمكاناتهم وفرصهم، وقد أدرك فريق ميركوت الفرص المتاحة حالياً في السوق، وأسس شركة الإنتاج الفني سرب في عام 2022 للتوسع في إنتاج أفلام عالية الجودة.

قطاع الأزياء السعودي يظهر إمكاناته الواعدة إلى العالم

تناولت دراسة الحالة قصة دار الأزياء الراقية في باريس آشي، والتي يديرها المصمم السعودي محمد آشي، والتي بدأت في عام 2007 بثلاثة موظفين، لتصل الآن إلى 120 موظفاً في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وسويسرا، بقائمة عملاء تصل إلى أكثر من 2,000 عميل.

افتتح آشي الدار الخاصة به باستثمار قدره 60 ألف دولار أميركي، واستطاع بعد ذلك تطوير أعماله تطويراً مستداماً من خلال إعادة استثمار أي أرباح محققة مرة أخرى في العمل، وقد أدت استراتيجية النمو المستدام هذه إلى توسيع أعماله من استوديو واحد إلى أربع شركات دولية مختلفة، واستطاع آشي بعد 18 عاماً في مسيرته في عالم التصميم والأزياء أن يصبح من أوائل الخليجيين المنضمين إلى البرنامج الرسمي للفيدرالية الفرنسية لـ “هوت كوتور”.

مع تطور قطاع الأزياء في المملكة وتأسيس هيئة الأزياء في فبراير 2020، أسس آشي فرع المملكة مؤخراً، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التوسع إلى زيادة الإيرادات بنسبة 20%.

إن سوق الأزياء الراقية في السعودية يحمل إمكانات خاصة لم تُستكشف بعد، فالموضة عموماً تحظى باهتمام كبير في المملكة، ويمثل نمو علامة تجارية سعودية للأزياء الراقية فرصة قوية للحصول على حصة من النمو المتوقع بنسبة 3% في سوق المنتجات الفاخرة على المستوى المحلي.

وتلعب هيئة الأزياء التابعة لوزارة الثقافة دوراً حاسماً في تمويل العروض الحية، التي تتراوح في المتوسط بين 500 ألف دولار أميركي إلى 800 ألف دولار أميركي لكل عرض، ويمثل هذا استثماراً كبيراً في عرض مواهب تصميم الأزياء في المملكة العربية السعودية.

وقد طورت هيئة الأزياء صناعة الأزياء من خلال مبادرات متنوعة، من بينها برنامج “100 براند سعودي” (Saudi 100 Brands)، وهو برنامج تطوير مهني لشركات وعلامات ومصممي أزياء سعوديين عبر الاستشارات، ومشاركة الخبرات من قادة الصناعة الخبراء مثل محمد آشي، وتمكين الوصول إلى شبكة هيئة الأزياء وتقديم دعمها المالي، وإتاحة منصة لعرض أعمالهم على المحلي والإقليمي والدولي، إذ تعرض المبادرة أعمال المشاركين في عدد من الفعاليات المحلية والدولية.

كيف أسهمت وزارة الثقافة في رسم المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية اليوم؟ 

على الرغم من أن أغلب الجهات التي تضمنتها دراسة الحالة بدأت قبل إطلاق الاستراتيجية الوطنية للثقافة، فقد تمكنت من الاستفادة من التغيير الذي شمل قطاع الثقافة في السعودية، إذ أوضحت الوزارة – في تقرير الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2022 تحت عنوان “الاستثمار في القطاع الثقافي” – خطتها المكوّنة من ثلاث ممكنات لتعزيز إسهام القطاع الثقافي اقتصادياً، هي: البيئة التشريعية، والدعم والتمكين، وإتاحة فرص واعدة للمستثمرين، وهنا نستعرض أبرزها:

1. البيئة التشريعية: تعد البيئة التشريعية من أهم الممكنات لخلق مشهد ثقافي جاذب للمبدعين والمستثمرين على السواء، وتمكنت وزارة الثقافة من تطوير البيئة التشريعية على أكثر من نحو، من ضمنها:

  • حماية الملكية الفكرية وتنظيمها: تعد حماية حقوق الملكية الفكرية وتنظيمها، أحد المحفزات التنظيمية للعمل الإبداعي، وحماية حقوق المبدعين، وتوفير بيئة آمنة ومشجعة للاستثمار في القطاع الاقتصادي.

حيث أُطلقت الهيئة السعودية للملكية الفكرية الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية في عام 2022 بهدف بناء منظومة للملكية الفكرية تدعم الاقتصاد القائم على الابتكار والإبداع من خلال إنشاء سلسلة قيمة للملكية الفكرية تحفز تنافسية الابتكار والإبداع، كما أصدرت اللائحة التنفيذية لنظام حماية حقوق المؤلف.

  • الأنظمة واللوائح والسياسات: صدر عدد من التنظيمات المهمة خلال عام 2022 التي وضعت أطراً وحدوداً واضحة ولا سيّما فيما يخص السياحة الثقافية مثل نظام السياحة الذي يستهدف رفع جودة المرافق السياحية وفق تصنيف منظمة الأمم المتحدة للسياحة والمعايير الدولية.

2. الدعم والتمكين: بذلت وزارة الثقافة جهوداً في تقديم كل من الدعم المالي وغير المالي لتمكين القطاع الثقافي، وتقديم الحوافز والتسهيلات مثل:

  • برامج التمويل: حيث أطلق صندوق التنمية الثقافي برامج تنموية بآليات تمويل مختلفة صُممت لتمكين القطاع الثقافي في مجالات مختلفة، مثل صناعة وتطوير المحتوى، والتعليم والتدريب، ودعم البنى التحتية، ونشر المخرجات الثقافية وتسويقها، وتشغيل المرافق الثقافية، وقد أُطلقت خلال عام 2022 ثلاثة برامج للشركات العاملة في القطاع الثقافي لتحفيز القطاع الثقافي بميزانية مالية بلغت 277,5 مليون ريال عبارة عن منح مالية، أو برامج تمويل.
  • مسرّعات الأعمال: توفر الهيئات الثقافية مسرعات الأعمال، مثل مسرعة أعمال النشر الخاصة بأدب الطفل التي قامت بها هيئة الأدب والنشر والترجمة والتي حققت نتائج لافتة من حيث زيادة المبيعات التي بلغت 488,960 ريالاً سعودياً بزيادة قدرها 1,015% عن الإيرادات قبل المسرّعة، ومبادرة الشريك الأدبي التي أشركت من خلالها 41 مقهى في تفعيل مساحاتها لإقامة الفعاليات والأمسيات الأدبية بأنواعها المختلفة.
  • تحفيز الإنتاج: تقدم جهات مثل هيئة الأفلام و مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) وشركة نيوم ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي حوافز وتسهيلات لدعم الإنتاج السينمائي السعودي..
  • تسهيل الخدمات: أطلقت الوزارة منصة أبدع لإصدار التراخيص والتصاريح الثقافية للمنشآت والممارسين والموهوبين السعوديين لتمكينهم من ممارسة الأنشطة الثقافية الداعمة والإسهام في نمو القطاع والرفع من كفاءته وجاذبيته الاستثمارية.
  • برامج الابتعاث: وفّرت وزارة الثقافة برامج ابتعاث للمبدعين للدراسة في جامعات مرموقة مثل هارفارد، وييل، وستانفورد، وكولومبيا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وغيرها.

3. فرص واعدة: أشار تقرير الحالة الثقافية، الذي سبق الإشارة إليه، إلى عدد من الفرص الاستثمارية مستهدفاً جذب المستثمرين إليها، وهذه أبرز القطاعات التي أشار إليها التقرير من حيث الفرص الواعدة:

  • قطاع المسرح والفنون الأدائية: تتضمن تلك الفرص رعاية العروض المسرحية والأدائية، والإعلانات، والتذاكر، وبرامج التطوير والتدريب، وإنشاء أكاديميات خاصة للتدريب والتعليم، والاستثمار في البنية التحتية، وإنشاء المسارح وصالات العرض.
  • قطاع الأدب والنشر والترجمة: إنشاء منصات النشر الذاتي، ووحدات ومصانع طباعة عالية الجودة، ونشر الكتب الصوتية، واستثمار الذكاء الاصطناعي في مجال الكتب الصوتية، والشراكة مع وكلاء النشر الدوليين ومع دور النشر الدولية.
  • قطاع فنون الطهي: إنشاء متاجر ومنصات عبر الإنترنت لتقديم منتجات فنون الطهي السعودية الفاخرة، وقاعات وصالات طعام تركز على المطبخ السعودي، ومراكز لتجربة الطعام السعودي في مواقع تاريخية وأثرية، وتصميم جولات سياحية مخصصة لفنون الطهي.

آتت هذه الجهود ثماراً واضحة، وهو ما يتضح في مؤشرات متعددة، فعلى سبيل المثال، في عام 2022، نمت مؤشرات المشاركة الثقافية بنسبة 22%، وارتفعت حصة السياحة الثقافية المحلية 109%، مع نمو إيرادات تذاكر دور عرض الأفلام بنحو 10% لتحقق إيرادات بلغت 908 ملايين ريال، وغيرها.

وهكذا، تسير المملكة بخطى متسارعة لتعزيز دور الاقتصاد الإبداعي، لا سيّما في ظل مواردها البشرية وطاقاتها الإبداعية وأنشطتها المتنوعة. يمكنكم الاطلاع على المزيد من دراسات الحالة في القطاع الثقافي السعودي التي رصدتها وزارة الثقافة من هنا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .