يمثل الشرق الأوسط بيئة ديناميكية للاستثمار الملائكي، وإحدى أسرع بيئات الاستثمار المبكر نمواً على مستوى العالم. فمع وجود أكثر من 400 مستثمر فردي وشبكات ملائكية تغطي المنطقة، يوفر هذا النهج الاستثماري إمكانات هائلة ويواجه تحديات هيكلية ملحوظة في الوقت نفسه.
تعد الاستثمارات الملائكية ضرورة لتعزيز جهود التحول الاقتصادي وتنويع الاقتصاد في المنطقة. وقد جذبت الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمويلاً بقيمة 2.3 مليار دولار عبر 610 صفقات في عام 2024، مع استحواذ جولة التمويل المبكرة على أكثر من 1.2 مليار دولار من الإجمالي. وارتفع تمويل المرحلة المبكرة بنسبة 92% على أساس سنوي ليصل إلى 1.5 مليار دولار في النصف الأول من 2025، مسجلاً أقوى أداء للنصف الأول منذ عام 2022.
ومع ذلك، يواجه المستثمرون الملائكيون في الشرق الأوسط تحديات عديدة، أبرزها:
- الحواجز التنظيمية: يفتقر العديد من دول المنطقة إلى أطر قانونية واضحة للاستثمار في المراحل المبكرة، ما يخلق غموضاً حول حقوق المساهمين وحقوق الملكية الفكرية. كما يعوق تباين اللوائح من دولة إلى أخرى إنشاء صناديق استثمارية مشتركة وهياكل استثمار جانبية.
- الحواجز الثقافية وقلة الوعي: يجهل العديد من أصحاب الثروات فرص الاستثمار الملائكي أو يفتقرون إلى الثقة باستراتيجيات الاستثمار المبكر. كما يسود اعتقاد بخطورة الاستثمار المحلي مقارنة بالفرص الدولية، ما يضعف نشاط التمويل الإقليمي.
- محدودية حجم السوق: تضم المنطقة العديد من الأسواق الصغيرة نسبياً، ما يخلق فرصاً محدودة للشركات والمستثمرين الملائكيين، ويزيد مخاطر الاستثمار ويحد من فرص التخارج الناجح.
- نقص الخبرات والمهارات: يفتقر العديد من المستثمرين الجدد إلى الخبرة التقنية اللازمة لبناء الهياكل الاستثمارية الفعالة ودعم الشركات بعد الاستثمار.
على الرغم من امتلاك الثروات، قلما يتوجه الأفراد لاستثمارها بالطريقة الملائكية، أو قد لا يعرفون كيف يبدؤون بتنفيذ الفكرة، وهو ما يخلق تحدياً وفرصة في الوقت نفسه؛ إذ يواجه رواد الأعمال صعوبة في الحصول على التمويل في المراحل المبكرة، بينما يمكن للاستثمار الملائكي أن يفتح مسارات جديدة للابتكار والنمو في المنطقة.
هذا ما دفع باحثة من جامعة الملك فيصل في المملكة العربية السعودية، وباحثتين من الجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة إلى دراسة واقع الاستثمار الملائكي في المنطقة، مع التركيز على آليات الدعم التي تساعد الأفراد على دخول هذا المجال.
من هم المستثمرون الملائكيون؟ وما هو دورهم؟
المستثمرون الملائكيون هم أشخاص أثرياء يستثمرون أموالهم الخاصة في المشاريع الناشئة في مراحلها الأولى، ولا يقتصر دورهم على تقديم التمويل فقط، إذ يمكن أن يشمل أيضاً توفير شبكات العلاقات، وتقديم المشورة التشغيلية، ودعم الاستراتيجية.
استند البحث السابق الذكر إلى 43 مقابلة مع أطراف معنية بالاستثمار الملائكي في السعودية. وأظهر أن المستثمرين المحتملين غالباً ما يبدؤون رحلتهم بالاعتماد على أنفسهم؛ فيلجؤون إلى قراءة الكتب، وحضور الدورات التدريبية، واستخدام الموارد الرقمية، أو متابعة البرامج التلفزيونية مثل "شارك تانك" أو "هوامير الصحراء". لكن الكثيرين منهم أشاروا أيضاً إلى أهمية الانضمام إلى شبكات المستثمرين الملائكيين لما لها من دور محوري في تعزيز المنظومة الريادية.
وقد أبرز البحث 3 أدوار محورية لهذه الشبكات داخل المنظومة الريادية:
أولاً: تعزيز المصداقية
يمنح الانضمام إلى شبكة استثمار ملائكي الأفراد مصداقية أكبر في سعيهم لدخول هذا المجال؛ فوجودهم ضمن شبكة معترف بها يجعل فكرة الاستثمار في مشاريع ناشئة محفوفة بالمخاطر أكثر قبولاً، ويمنحهم ثقة بأن ما يفعلونه ليس مغامرة فردية، بل ممارسة معترفاً بها داخل المنظومة الريادية.
كما يساعد الانضمام إلى الشبكة المستثمرين على إظهار هويتهم الاستثمارية في منصات مهنية مثل لينكد إن، وبهذا تصبح الشبكات قناة لزيادة الوعي المجتمعي، وتعزيز المصداقية، وحتى إلهام مستثمرين جدد لدخول هذا المجال.
ثانياً: توفير بيئة آمنة للتعلم والتواصل
توفر شبكات المستثمرين الملائكيين بيئة آمنة يلتقي فيها المهتمون بهذا المجال أشخاصاً يشاركونهم الاهتمامات نفسها، بعيداً عن قيود دوائرهم الاجتماعية التقليدية. وهو ما يمثل جانباً مهماً في السعودية، إذ لم يكن متاحاً للرجال والنساء الاجتماع بحرية في سياقات مهنية.
وبما أن الاستثمار الملائكي مفهوم جديد نسبياً في المنطقة، فإن هذه الشبكات لا تقتصر على توفير مساحة للتواصل فقط، بل تتيح أيضاً فرصة للتعلم من الآخرين ومن البرامج التدريبية المنظمة التي تسهلها الشبكة نفسها.
ثالثاً: تمكين الاستثمار وتعزيز الشمولية
تفتح شبكات المستثمرين الملائكيين المجال أمام أعضائها للوصول إلى الشركات الناشئة من خلال فعاليات مثل أيام العروض، حيث يقدم رواد الأعمال أفكارهم أمام لجنة من المستثمرين في وقت قصير، وتمنح هذه الفعاليات فرصاً للمستثمرين لا يجدونها عادة بمفردهم، وتزيد من ثقتهم عند اتخاذ القرارات.
تجري الشبكات أيضاً فرزاً أولياً للفرص الاستثمارية، وهو ما يضيف طبقة من الحماية ويعزز ثقة المستثمرين. ويكتسب هذا الجانب أهمية خاصة في منطقة يعتمد فيها الاستثمار تقليدياً على العائلة والعلاقات المباشرة، فقد تؤثر الخلفية المالية للمستثمر على قبوله المخاطرة، بمعنى: إذا كان ينتمي لعائلة ثرية فقد يميل إلى تقبل المخاطر أكثر من شخص قادم من خلفية متواضعة؛ فالأول يمتلك وسادة مالية قوية، والثاني يخشى على ماله الخاص الذي كسبه بجهده.
إلى جانب ذلك، تتيح هذه الشبكات للمستثمرين الاستثمار الجماعي، من خلال إنشاء اتحاد استثماري، ما يقلل المبالغ الفردية المطلوبة ويخفف المخاطر، ويوفر فرصة للتعلم مع الآخرين، ومنها شبكة "وومان سبارك"، التي تمكن النساء من الانخراط في الاستثمارات، بما يعزز الشمولية والتنوع.
خطوات لتعزيز دور شبكات الاستثمار الملائكي
باتت شبكات المستثمرين الملائكيين اليوم جزءاً أساسياً من بناء منظومة ريادية أكثر حيوية وشمولية في المنطقة، ويمكن تعزيز دورها من خلال ما يلي:
- تبني نماذج الاستثمار المشترك والتكتلات التي تقلل المخاطر عبر تنويع المحفظة الاستثمارية وتحسين جودة الصفقات المتاحة.
- توفير برامج تعليمية مستدامة ترفع من كفاءة المستثمرين، وتجعل عمليات الاستثمار أكثر احترافية ومنهجية.
- وضع بروتوكولات واضحة للسندات الاستثمارية، وتبني سياسات تسهل الاستثمارات عبر الحدود.
- التعاون والتكامل مع مؤسسات دعم ريادة الأعمال للمواءمة بين مصالح المستثمرين ورواد الأعمال وتحقيق نجاح أكبر على المدى الطويل.
بالمحصلة، يضع تضافر عوامل الدعم التنظيمي والحكومي والتكامل بين الاستثمار والتمويل أسساً راسخة لمواجهة عوائق الاستثمار الملائكي وتحقيق التنمية المستدامة لقطاع ريادة الأعمال في المنطقة.