ما الذي عليك معرفته قبل دخول عالم الاستثمار الجريء في الشرق الأوسط؟

10 دقائق
الاستثمار الجريء في الشرق الأوسط
shutterstock.com/Erman Gunes

يركز المستثمرون في الأسواق الناشئة على القطاعات ذات النمو السريع مثل التجارة الإلكترونية، والتكنولوجيا المالية، وتطبيقات الهواتف الذكية نظراً لطبيعتها الرقمية التي لا تتطلب ابتكار منتجات ملموسة وما يترتب على ذلك من جهد وتكاليف معتبرة. ويُعدّ الاستثمار الجريء نفسه من أكثر القطاعات المالية ديناميكية، إذ يجمع بين المخاطرة العالية والعوائد الكبيرة. ويتطلب النجاح في هذا المجال فهماً عميقاً لمؤشرات السوق، وسلوك المستهلك، والعوامل الثقافية، بالإضافة إلى الخبرة العملية. في هذا السياق، استعرض الشريك الإداري في شركة نوفو كابيتال، بن هاربرغ، خلال ويبينار نظمته هارفارد بزنس ريفيو العربية، رؤيته حول واقع ومستقبل الاستثمار الجريء في الشرق الأوسط، مسلطاً الضوء على الدروس المستفادة من الأسواق العالمية وتطبيقها بالمنطقة.

ويرى هاربرغ أن الاستثمار الناجح يعتمد على معايير عدة، أبرزها 5، وهي:

  1. الاستفادة من النماذج العالمية الناجحة: يُعتبر الشرق الأوسط سوقاً نامية، ما يتيح للمستثمرين إمكانية استنساخ نماذج أعمال ناجحة من الولايات المتحدة وآسيا وتكييفها محلياً.
  2. الحماية الإقليمية للنموذج التجاري: يشير هاربرغ إلى أهمية وجود "حصون" إقليمية تحمي الشركات الناشئة من المنافسة الأجنبية، مثل الشراكات المحلية أو التفاعل المباشر مع العملاء على أرض الواقع.
  3. رهان على رواد الأعمال ذوي الخبرة: يفضل المستثمرون دعم رواد أعمال سبق لهم تأسيس شركات ناجحة، إذ يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع التحديات مثل جمع التمويل، وبناء الفريق، والتنافس مع لاعبين كبار.
  4. تحديد فجوات السوق: يجب التأكد من أن المنتج أو الخدمة تلبي احتياجاً حقيقياً في السوق، مع قابلية كبيرة للتوسع والنمو.
  5. التوجه نحو الأسواق الناشئة: الأسواق التي تعاني نقصاً في الخدمات الأساسية أو التقنيات الحديثة توفر فرصاً استثمارية كبيرة للشركات الناشئة.

القطاعات التي ستجذب الاستثمار الجريء

يعتقد هاربرغ أن القطاعات التي ستجذب الاستثمار أكثر من غيرها في الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة تشمل الخدمات المالية والتكنولوجيا المالية (Fintech)، إذ لا تزال أنظمة الدفع الإلكتروني والتمويل الرقمي في طور النمو، ما يوفر فرصاً كبيرة. وهي تضم أيضاً التجارة الإلكترونية وتمكين التجزئة الرقمية، فمع تزايد الاعتماد على الشراء عبر الإنترنت، يشهد هذا القطاع ازدهاراً ملحوظاً. وينعكس نموّه أيضاً على قطاع التوصيل السريع والخدمات اللوجستية، إذ يتطلب ازدهار التجارة الإلكترونية تحسين الخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد. ومن القطاعات التي ستجذب المستثمرين أيضاً التكنولوجيا الصحية والتعليم الرقمي، فضلاً عن قطاع الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، إذ يمكن أن يؤدي استخدام هذه التكنولوجيا المتقدمة إلى تحسين عمليات الشركات وزيادة الكفاءة التشغيلية.

يشهد الاستثمار في الشرق الأوسط والتقنيات الناشئة اهتماماً متزايداً، حيث يبحث المستثمرون عن الفرص التي تحقق عوائد سريعة ومستدامة. ففي الأسواق الناشئة مثل جنوب شرق آسيا، غالباً ما يكون بناء الأجهزة مكلفاً وصعباً، لذا يركز المستثمرون في المنطقة على القطاعات التي يمكنها تحقيق نمو سريع مثل التجارة الإلكترونية، والتكنولوجيا المالية، والخدمات الرقمية التي تدعم الاقتصاد المحلي. وأصبح الذكاء الاصطناعي أيضاً من المجالات الجاذبة نظراً لتأثيره الكبير على مستقبل الأعمال.

أما في مجال العملات الرقمية، فيشير هاربرغ إلى أن غالبية العملات الرقمية تعتمد على البيتكوين، ما يجعلها الاستثمار الأكثر أماناً نسبياً مقارنة بغيرها. وتأتي العملات الأخرى مثل الإيثيريوم وسولانا في المرتبة الثانية لكنها لا تضاهي استقرار البيتكوين. أما فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، فهو مجال استثماري حيوي سيؤثر على الاقتصاد وسوق العمل تأثيراً جذرياً، وتقدم الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وجوجل وآبل فرصاً قوية للاستثمار فيه.

3 مناطق رئيسية لأسواق المنطقة

يمكن تقسيم الأسواق الناشئة في الشرق الأوسط إلى 3 مناطق رئيسية، الأولى هي دول الخليج التي تُعتبر الأكثر جاذبية للاستثمار نظراً لاستقرارها المالي وقوتها الشرائية، والثانية هي بلاد الشام مثل الأردن والعراق التي توفر فرصاً استثمارية بسبب المواهب الهندسية والتعداد السكاني الكبير، والثالثة هي إفريقيا وجنوب آسيا التي تواجه تحديات اقتصادية مثل تذبذب العملات وعدم وجود صفقات كبيرة، ما يجعل الاستثمار فيها أكثر خطورة. وتبقى السعودية والإمارات الأكثر جذباً للمستثمرين، في حين تعاني أسواق مثل مصر وباكستان تراجع العملات المحلية، ما يؤثر على جاذبية الاستثمار فيهما.

وبحسب هاربرغ، عند تقييم الشركات الناشئة، تُستَخدَم "مصفوفة" تحليلية تشمل النماذج المالية، والأداء السوقي، والمخاطر المحتملة، وذلك لضمان الاستثمار في الشركات التي تتمتع بإمكانية نمو مستدامة. يُنظر إلى الأسواق المشابهة في دول أخرى مثل البرازيل والمكسيك ونيجيريا، من أجل مقارنة تنافسية الشركات الناشئة في الشرق الأوسط مع نظيراتها العالمية.

فهم خصوصية المنطقة

يرى هاربرغ أنه عند الاستثمار في منظومة الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من الضروري فهم سلوك المستهلكين وكيفية تفاعلهم مع المنتجات المختلفة، سواء في التجارة الإلكترونية أو الخدمات المالية أو الترفيه أو وسائل التواصل الاجتماعي. كما يجب التأكد من أن هذه المنتجات تتناسب مع تفضيلاتهم وتتماشى مع سلوكهم ومعاييرهم الأخلاقية والأعراف الثقافية السائدة في المنطقة. ففي بعض الأحيان، يتم تقديم منتجات متطورة أو جديدة جداً على السوق، ما يجعل من الصعب اعتمادها على نطاق واسع. بدلاً من ذلك، يكون من الأفضل طرح منتجات قابلة للتكيف وسهلة الاستيعاب من المستخدمين المحليين. ويُكمل هاربرغ أنه لا بد من الأخذ بالاعتبار المرحلة التطويرية التي تمر بها السوق، ففي بعض الحالات، قد لا يكون هناك دافع قوي لدى المستهلكين للانتقال من منتَج إلى آخر أو لتبنّي تقنيات جديدة. على سبيل المثال، لا تزال معدلات انتشار الدفع عبر الهاتف المحمول في الولايات المتحدة منخفضة مقارنة بالصين، لأن معظم الأميركيين يمتلكون بطاقات ائتمان، وبالتالي لا يرون فائدة كبيرة في التحول إلى أنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول.

ويشير هاربرغ إلى أن إحدى الطرق الفعالة لإدخال الابتكارات إلى الأسواق هي دمجها في التطبيقات القائمة التي يستخدمها المستهلكون يومياً، بدلاً من إجبارهم على تحميل تطبيق جديد والمرور بعملية تسجيل معقدة. ولهذا السبب نجد شركات مثل ميتا وكريم تعمل على دمج أنظمة الدفع الخاصة بها داخل منصاتها الحالية، ما يجعل التبنّي والاستخدام أسهل.

بالنسبة للشركات الناشئة ذات الابتكارات الثورية التي تنشأ في بيئات تفتقر إلى الموارد، فإن التوسع إلى أسواق أكثر تطوراً يُعدّ خياراً استراتيجياً ضرورياً. فمثلاً، نجد شركات تأسست في الشرق الأوسط مثل شيك آوت التي انتقلت إلى لندن، أو إنسايدر التي انتقلت من تركيا إلى سنغافورة، وذلك للوصول إلى مصادر تمويل أعمق ومواهب هندسية أكثر تطوراً.

أما على صعيد "التوطين العميق"، فإن الاستثمارات التي تركز على المنتجات والخدمات التي لا يمكن تطويرها خارج المنطقة تكون الأكثر جاذبية. على سبيل المثال، نجحت تطبيقات توصيل الطعام وخدمات النقل في الشرق الأوسط لأنها تتطلب بنية تحتية محلية معقدة، ما يجعل دخول الشركات العالمية إليها أمراً صعباً.

وفيما يخص الاستثمار في أسواق شمال إفريقيا، فإن هناك فرصاً محدودة مقارنة بالخليج العربي، إذ لم تنتج هذه الأسواق شركات ضخمة، مع بعض الاستثناءات مثل "يسير" في الجزائر. وتظل التحديات في هذه الأسواق، مثل عدم الاستقرار السياسي وضعف البنية التحتية الاستثمارية، عوامل تحد من جاذبيتها للمستثمرين.

تحديات الاستثمار الجريء في الشرق الأوسط

على الرغم من الفرص الواعدة، يواجه الاستثمار الجريء في المنطقة تحديات عدة، بدءاً بالتمويل، والمنافسة مع الشركات العالمية، إذ تواجه الشركات الناشئة المحلية صعوبة في منافسة هذه الشركات الدولية التي تمتلك موارد وخبرات أكبر. ومن الصعوبات أيضاً عدم توافر المواهب التقنية محلياً، ما يتطلب تطوير شركات تكنولوجية ناجحة توفر مهارات تقنية متقدمة، بالإضافة إلى التحدي المتمثل في التشريعات، إذ قد تشكّل الأنظمة التنظيمية عائقاً أمام بعض الشركات، ما يتطلب مرونة في التكيف مع القوانين المحلية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي