كيف يعزز الاختلاف البنّاء الابتكار في فريقك؟

15 دقيقة
الاختلاف البنّاء
ياسينكا أرباناس/غيتي إميدجيز

تضم الفرق المتنوعة أفراداً يتمتعون بوجهات نظر متنوعة، وهذا طبيعي. لكن هل لديهم استعداد لمشاركة وجهات النظر هذه؟ نلاحظ غالباً أنماط الامتثال الذي أساسه الواجب والتفكير الجماعي القمعي في الفرق العالية التنوع.

كيف لنا أن نغير هذه الثقافة؟ وكيف يمكن إقناع فريق العمل بإطلاق العنان لوجهات نظر أفراده الجديدة والمتنوعة والمتضاربة بهدف إنشاء حاضنة للابتكار، دون إثارة الضغينة أو الغضب أو الإساءة إلى أحد؟

يمكنك التفكير في بنية الثقافة على النحو الآتي: إذا كان ثمة نمط سلوكي مشترك سائداً باعتباره قاعدة، فمجموعة الأنماط والقواعد ستشكل ثقافة لأنها  ركائزها الأساسية. حددنا من خلال العمل مع فِرق من مختلف أنحاء العالم على مدى السنوات الثلاثين الماضية قاعدة الاختلاف البنّاء باعتبارها المؤشر الأهم على قدرة الفريق على الابتكار. الاختلاف البنّاء هو ببساطة قدرة الفريق على تبادل وجهات النظر المتباينة بأسلوب محترم. وعلى الرغم من أنه سلوك يمكن تعلمه، فمن الصعب غرسه ليصبح قاعدة في الفريق؛ إذ يتطلب من أفراد الفريق درجة عالية من موازنة الانفعالات وضبط النفس والتحكم بالمشاعر، وهو يولد غالباً مشاعر سلبية قوية ويؤدي إلى اتخاذ مواقف دفاعية عنيفة.

لا يمكن ترسيخ الاختلاف البنّاء البالغ الأهمية في الفِرق بسهولة، فهو يتطلب تدريباً مدروساً. سنتحدث فيما يلي عن 8 طرق عملية لغرس سلوك الاختلاف البنّاء وإطلاق العنان لإمكانات فريقك الإبداعية.

1. اجعل الاختلاف البنّاء هدفاً صريحاً

سادت في أحد الفرق التنفيذية التي عملنا معها ثقافة الاختلاف الهدّام؛ فكان الخلاف الفكري بين المسؤولين التنفيذيين يترافق دائماً مع الخلاف الشخصي. ونتيجة لذلك كانوا يتعاملون فيما بينهم على أنهم زملاء شكليون على مدى فترات طويلة تتخللها فترات قصيرة من النزاعات الشخصية الشديدة.

واجه الرئيس التنفيذي السخرية والاستهزاء عندما لفت الانتباه إلى هذا النمط وقال إنه يهدف إلى تعزيز الاختلاف البنّاء. لكن بمرور الوقت، خلق وضع هذا الهدف مستوى جديداً من المساءلة بين الأقران؛ إذ فرض الفريق تدريجياً نمطه الخاص من المشاركة المتساوية من خلال طرح الأسئلة وضمان توفير فرصة التحدث للجميع والاستماع بقصد الفهم بدلاً من مجرد الرد. تمكّن أعضاء الفريق من مشاركة آرائهم بصراحة أكبر وامتنعوا عن التهجّم شخصياً بعضهم على بعض وتجنّبوا التصعيد العاطفي.

2. ضع القواعد الأساسية ورسّخ الالتزام بها

إذ لم يحدد الفريق القواعد الأساسية وشروط التعامل بين أفراده، فسيتيح هذا الغموض المستمر المجال للاختلاف الهدّام بين الأفراد. تدوين هذه القواعد ليس ضرورياً؛ فهناك العديد من الفرق التي ترسّخ ثقافة الاختلاف البناء على أنها النمط السائد دون توثيق القواعد بأي شكل، لكن الفرق التي ترسخ هذه الثقافة بالكفاءة العالية تحرص على تأكيد التوقعات السلوكية باستمرار.

على سبيل المثال، رسّخ أحد الفرق التي عملنا معها قواعد أساسية تضمنت حظر التهجم الشخصي، والالتزام بالاحترام في التواصل اللفظي وغير اللفظي، والإصرار على حسن النية. أكد فريق آخر أهمية تجنب التباهي بالابتكارات الشخصية، والتوقف عن العمل إذا تعاظمت التوترات بين الأفراد، والاستعداد لتعليق الحكم على سبب عدم نجاح إجراء ما حتى تُتاح الفرصة لإنشاء نموذج أولي له واختباره. بمجرد تحديد القواعد الأساسية، اطلب من كل عضو في الفريق الالتزام بها.

3. طبّق عملية من 4 خطوات لترسيخ الاختلاف البنّاء في الفريق

يعتمد الاختلاف البناء الفعال على العملية الآتية المكونة من 4 خطوات:

  1. التوليد: احرص على توليد الأفكار والخيارات والتوصل إلى الحلول دون إطلاق الأحكام أو التحليل أو النقد.
  2. التوضيح: وضّح الافتراضات والمنطق الذي تتبعه والأدلة التي تستخدمها والشروط التي تطبّقها والقيود التي تعانيها. أظهِر فضولك من خلال الاستماع وطرح الأسئلة.
  3. الخلاف: احرص على تحدي أفكار الآخرين والخيارات التي يطرحونها والحلول التي توصلوا إليها لتحسينها أو استبعادها. هذه هي الخطوة التي تتصادم فيها الأفكار أحياناً (كما قالت المستشارة الإدارية الرائدة، ماري باركر فوليه، في أوائل القرن العشرين: "يتحسّن تعامل أفراد الفريق فيما بينهم من خلال الاختلاف").
  4. الاختيار: احرص على انتقاء الأفكار والخيارات والحلول التي تبدو واعدة أكثر من غيرها للتعمق في تحليلها.

عندما نُطلع أعضاء الفريق على هذه القواعد، يدرك معظمهم على الفور مفارقة الاختلاف البنّاء، التي تتمثل في أنه مهم جداً لإطلاق العنان للابتكار ولكن ترسيخه باعتباره نمطاً سائداً صعب جداً.

في حين نساعد الفريق على جعل الاختلاف البنّاء نمطاً سائداً في الفريق، فإننا نشجع أفراده على توضيح كل خطوة يتخذونها. على سبيل المثال، عندما يبدأ الفريق جلسة رسمية للاختلاف البنّاء، قد يقول أحد الأعضاء: "لنبدأ بالخطوة الأولى: التوليد. ما هي الأفكار المطروحة؟" بمجرد الانتهاء من التوليد، قد يقول عضو آخر: "حسناً، بما أننا انتهينا من التوليد، لننتقل إلى الخطوة الثانية: التوضيح. ما هي الأدلة التي تدعم الأفكار المطروحة؟" بعد أن يطرح أعضاء الفريق أسئلة التوضيح ذات الصلة جميعها، سيشير أحد أعضاء الفريق إلى الخطوة الثالثة قائلاً: "أعتقد أننا مستعدون للانتقال إلى خطوة الاختلاف، دعونا نتحدى الأفكار التي توصلنا إليها". أخيراً، بمجرد النظر في الأفكار ووجهات النظر المتعارضة جميعها، قد يقول عضو في الفريق: "رائع، لننتقل إلى الخطوة الأخيرة، الاختيار. أي من الأفكار التي ناقشناها يتمتع بإمكانات حقيقية ويجب النظر فيها للتعمق في تحليلها واختبارها؟".

ذُهلنا كيف يساعد كل من التمييز بين الخطوات والإشارة إليها مع الانتقال من واحدة إلى أخرى الفرق على تنظيم نفسها بفعالية أكبر ويحسّن ديناميكية المجموعة.

4. اشرح كيف ينشأ الابتكار في نقاط تقاطع مجالات العمل المختلفة.

ينطوي الابتكار بطبيعته على التعاون بين الأقسام المختلفة، لكن في الكثير من الأحيان، لا يتولى شخص واحد مسؤولية نقاط التقاطع بين مجالات العمل المختلفة، كما أنه لا يوجد شخص خبير فيها جميعها، ما يفسح المجال للاختلاف والتعارض. عندما تشرح هذه الفكرة لموظفيك ستمنحهم القوة وتحثّهم على التواضع، ما يحفزهم على التعاون بدرجة أكبر. بالنتيجة، سيتخلون من تلقاء أنفسهم عن عقلية الاستئثار بالابتكارات الشخصية ويتبنون عقلية الملكية المشتركة.

على سبيل المثال، طلب أحد القادة الذين عملنا معهم من أعضاء فريقه توضيح حدود خبراتهم في مجال عملهم. تطلب هذا التصرف انفتاح القائد وتواضعه، كما أنه سلّط الضوء على الحاجة إلى التعاون ودعا أعضاء الفريق إلى التعامل باحترام في مجالات الخبرة المشتركة. استثنت إدارة مؤسسة مبيعات يعمل فيها عميل آخر فريق التصميم والتسليم روتينياً من الجزء الأول من مفاوضات المبيعات، كما أنها كانت تبالغ غالباً في وعودها فيما يتعلق بالتسليم وتسيء تقدير التكاليف. بعد أن تحدّث أعضاء فريقي المبيعات والتصميم والتسليم عن مخاوفهم فيما بينهم وعملوا معاً في نقاط تقاطع مجالات عملهم نجحوا في زيادة مستوى الإبداع في تصميماتهم وتقصير وقت التسليم وزيادة الربحية ورضا العملاء بنسبة كبيرة.

5. احرص على تنمية الثقة العميقة والتسامح مع الصراحة

عندما يبني أعضاء الفريق علاقات شخصية أعمق فيما بينهم، تزداد جرأتهم على التعبير عن آرائهم وتقديم التقييمات غير المنمقة. تعزز الثقة العميقة بين الزملاء توقّع حسن النية في دوافع الآخرين وسلوكياتهم، ما يزيد قدرتهم على التسامح مع صراحة الآخرين ويشجعهم على توليد الأفكار وتوضيحها بطرق توضّح انفتاحهم وتواضعهم. يكون قبول الاختلاف أسهل غالباً عندما يكون حَسن النية.

أوكل أحد الفرق التي اتبعت هذه الطريقة بفعالية بعض أعضائه بإجراء مقابلات بعضهم مع بعض وتطبيق منهجية قياسية فيها، تشمل مجموعة من الأسئلة العميقة التي وطّدت العلاقة بينهم بسرعة وحولتها من علاقة انتماء مشترك إلى علاقة شخصية. كلّف الفريق هؤلاء الأعضاء بتناول الغداء بعضهم مع بعض بالتناوب مع إجراء المقابلات. كافحت هذه الطريقة الميل الطبيعي للانقسام إلى مجموعات بناءً على التقارب الشخصي الطبيعي.

6. استخدم الأدوار المحددة لممارسة الاختلاف البنّاء

لا يتطلب ترسيخ الاختلاف البنّاء وجعله نمطاً سلوكياً سائداً التشجيع فقط، بل يتطلب أيضاً الممارسة والمساءلة. يمكنك في البداية أن تكلّف بعض أعضاء فريقك بطرح وجهة نظر مخالفة بمجرد طرح فكرة ما، وبعد مشاركة وجهات النظر المختلفة يمكنك تكليف أعضاء الفريق بالدفاع كل عن وجهة نظر الآخر.

أحد التمرينات الفعّالة الأخرى هو أن تشارك فكرة ما علناً ثم تتحداها، وبعد أن تنفذ هذه العملية بنفسك، اطلب من كل عضو في الفريق فعل الأمر نفسه؛ أي توليد فكرة ومشاركتها مع الفريق ثم تحدّيها.

7. ابدأ بالتحرّي

لاحظنا نمطاً ثابتاً عند العمل مع فرق من مختلف الانتماءات الديموغرافية والثقافية: عندما يرفض أحد أعضاء الفريق مباشرة وجهة نظر عضو آخر أو يطرح وجهة نظر تناقضها، يصبح تحقيق الاختلاف البنّاء مهدداً مباشرة. في تفاعلات الفريق، نطلق على أنواع الاختلاف المباشرة التي لا تعاطف فيها اسم "الصدامات المباشرة". حتى عندما يحاول أعضاء الفريق أن يكونوا موضوعيين ويتجنبوا النقد الشخصي، تثير الصدامات المباشرة دائماً انفعالات عاطفية قوية وقد تؤدي أيضاً إلى اتخاذ مواقف دفاعية. كلما كان الصدام الفكري أشد، ازدادت احتمالية استجابة الأطراف المختلفة بانفعالات قوية، ما قد يؤدي إلى تقويض جهود تحقيق الاختلاف البنّاء عمداً أو عن غير قصد.

بدلاً من الصدام المباشر مع وجهة نظر شخص آخر، احرص على ممارسة ما نطلق عليه اسم "الاختلاف من وجهة نظر ليّنة" من خلال البدء بالتحرّي. استخدم أسئلة مثل:

  • ما هو سبب شعورك هذا؟
  • هل أخذت في الاعتبار كذا؟ وهل أنت مستعد للنظر إلى الموضوع بطريقة مختلفة؟
  • هل أستطيع مشاركة تجربتي، التي قد تكون مختلفة قليلاً؟
  • إذا شرحت لك نهجاً آخر، فهل ستخبرني برأيك فيه؟

أخيراً، احرص دائماً على إظهار حسن النية، وخذ في الاعتبار رد فعل أعضاء الفريق تجاه مَن يتباهون بأنهم يخالفون آراء الآخرين دائماً. على سبيل المثال، في إحدى مؤسسات الصناعة التقليدية التي عملنا معها، تبنّى شخص ذو خبرة عالية ومتعجرف جداً موقف المجادل الشكلي لأي فكرة مغايرة تُطرح. بمرور الوقت، توقف زملاؤه ومرؤوسوه المباشرون عن توليد الأفكار، ولكن لأسباب مختلفة؛ إذ شعر الموظفون ذوو الكفاءة العالية بأن سلوكه مزعج ومضيع للوقت على نحو محبط. بينما شعر الموظفون الجدد والأقل ثقة بأنه يثير الخوف والتوتر. في كلتا الحالتين، انسحب الموظفون وامتنعوا عن المشاركة في العملية.

8. اجعل سلوكك نموذجاً للسلوك الذي تريد لأفراد فريقك اتباعه

إذا كنت قائد فريق، فتذكّر أن أعضاء الفريق يتعلمون في المقام الأول من سلوكك الذي تتبعه عادة، من خلال الملاحظة والتقليد؛ فالسلطة المخوّلة بموجب المنصب هي ميزة ومسؤولية في الوقت نفسه. لذلك كن مبادراً في عملية توليد الأفكار وآخر من يسهم في الصدام الفكري.

سيدفع تولي المسؤولية بالمعنى الاستبدادي التقليدي أعضاء فريقك للجوء إلى طرق لحماية أنفسهم. تذكّر أن الخطوة الثانية بين توليد الأفكار والاختلاف هي التوضيح. هذه هي الخطوة التي يمكن تعزيز الفضول والاستقصاء والاكتشاف فيها. احرص على أن يكون سلوكك في هذه الخطوة نموذجاً للآخرين. لتحديد النبرة والوتيرة المناسبتين في بداية الاختلاف البنّاء، تواصل مع الفريق بحكمة ولا تستأثر بالحديث، ثم استخلص النتائج ووجه الفريق للانتقال إلى الخطوات التالية.

إن تعزيز قدرة الأشخاص الذين يتمتعون بوجهات نظر مختلفة على الابتكار هو جوهر الاختلاف البنّاء. يجمع الاختلاف البناء باعتباره قاعدة أو نمطاً سلوكياً مشتركاً بين الاحتكاك الإبداعي والتعاون الاجتماعي والتنظيم العاطفي. إذا لم يتمكن الفريق من التوصل إلى طريقة لممارسة الاختلاف البنّاء، فسيضطر إلى الحفاظ على الوضع الراهن. لكن إذا تمكن من ذلك، فإن هذا النمط العام سيطلق العنان لقدرات الفريق الإبداعية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي