ملخص: لا يضع معظمنا أي خطط للاحتفال بالإنجازات. وعادة ما يمتلك الأفراد والمؤسسات عقلية "في المرة القادمة"، كما لو أن الاستمتاع بتحقيق أهدافنا النهائية حتى لفترة وجيزة يتعارض مع الإنتاجية والكفاءة. لكن ذلك غير صحيح على الإطلاق؛ بل إن الاحتفال بالإنجازات هو فرصة مهمة لتوثيق الخبرات المكتسبة على طريق الإنجاز، ولتعزيز العلاقات بين الأفراد الذين يجعلون تحقيق الإنجازات المستقبلية أمراً ممكناً. ويصف المؤلف 4 لحظات يمكن استغلالها للاحتفال بالإنجازات بطريقة هادفة.
غالباً ما نمتاز بقدرتنا كأفراد بالغين على تحقيق أداء جيد في العمل أكثر من تحقيق أداء جيد في اللعب والمرح. في الواقع، يبدو أننا حوّلنا المرح إلى شكل من أشكال العمل، لكنه شكل نكون أقل كفاءة فيه للأسف. تأمّل على سبيل المثال حفلات التقاعد وأعياد الميلاد التي تزينها البالونات وتقدّم فيها المعجنات وأطباق الخضروات الطازجة. عادة ما تُعقد تلك الأنواع من الحفلات بين الاجتماعات. إذ ترحب بالجميع، ثم تملأ طبقاً من المأكولات التي تحبها لتتناولها بمفردك على مكتبك. وربما يمر عليك ضيف الشرف ليلقي عليك السلام.
وجدنا في شركة "دسربشن أدفايزرز" (Disruption Advisors) أن معظمنا لا يضع خططاً للاحتفال بالإنجازات، إضافة إلى أن حقيقة إحجامنا عن الاحتفال أصبحت أكثر وضوحاً وأعمق أثراً بعد عامين من العزلة التي فرضتها الجائحة. وهو أمر مؤسف حقاً؛ إذ كما أوضحت في كتابي الجديد الذي يحمل عنوان "النمو الذكي" (Smart Growth)، فإن الاحتفال هو فرصة مهمة لتوثيق الخبرات المكتسبة على طريق الإنجاز، ولتقوية العلاقات بين الأفراد الذين يجعلون تحقيق الإنجازات المستقبلية أمراً ممكناً. وعندما أتحدث عن الاحتفال، فأنا لا أعني الحفلات الصاخبة، بل الأحداث التذكارية التي تضم مختلف أنواع المشاعر المعقدة، كتلك التي تجعلنا نشعر بهيبة الذكرى، والأخرى التي تحرك فينا بعض العواطف الجياشة، إضافة إلى مشاعر المتعة والفرح في الرحلة.
تُصمّم كل مبادرة أو رحلة نمو نسير في دربها، سواء كانت شخصية أو مهنية وفق منحنى التعلم "إس" (S). تمثّل قاعدة المنحنى "إس" نقطة الانطلاق التي نخوض فيها كفاحاً مثمراً. وتتسم بوجود نقص في الموارد والخبرات. ويكون النمو فيها بطيئاً، ويصعب تمييزه أحياناً، لكنه يحدث في النهاية. وتساعدنا الأهداف الصغيرة والقابلة للتحقيق والمقاييس المناسبة فيها على تعزيز حوافزنا وخوض لحظات الانتصار المبكرة. ومع تعزز خبراتنا وحوافزنا، ننتقل إلى نقطة الكفاءة المثلى، وهي مرحلة تتسم بتسارع التقدم والإنتاجية. قد ننتهي من إنجاز العديد من المشاريع بنجاح خلال ذلك الوقت، لكن نمونا يتباطأ كلما اقتربنا من الإتقان. وقد يمثّل الجزء العلوي من المنحنى "إس" منطقة خطر تتسم بالملل والركود. وذلك يعني أنه حان وقت خوض تحدٍ جديد.
وقد نضطر إلى الانتقال إلى تحد جديد في النهاية، لكن من المهم أن نتذكر أن الاحتفال بحد ذاته يمثل معلماً مهماً على المنحنى "إس"، سواء كان المنحنى خاصاً بفرد أو فريق أو مؤسسة بأكملها.
وكما قلت، لا تضع معظم المؤسسات أي استراتيجيات للاحتفال، في حين يمتلك الأفراد عادة عقلية "في المرة القادمة"، كما لو أن الاستمتاع بتحقيق أهدافنا النهائية حتى لفترة وجيزة يتعارض مع الإنتاجية والكفاءة. لكن ذلك غير صحيح على الإطلاق.
لحسن الحظ، من السهل دمج عادة الاحتفال بالإنجازات في حياتك ومؤسستك. ويمكنك البدء بهذه الاستراتيجيات الأربع:
احتفل بالإنجازات الصغيرة الأولى
نحرز التقدم بشق الأنفس بداية التحدي (نقطة الانطلاق على المنحنى "إس"). وقد يكون ذلك محبطاً ويتطلب مثابرة مضنية. لماذا لا نحتفل إذاً بالانتصارات المبكرة فيه مهما كانت صغيرة؟ يشرح عالم السلوك الرائد "برايان فوغ" العلاقة بين العواطف والعادات. فتكوين العادة لا يقتصر على قضاء 21 يوماً من الممارسة المستمرة، كما يدعي الفكر السائد. بل يؤدي الاحتفال بالإنجازات الصغيرة إلى تحفيز إفراز الدوبامين في الدماغ، وهي مادة كيميائية تبعث على الشعور بالسعادة وتعزز تجربة التعلم وتقوي إحساسنا بالتواصل مع من نعمل معهم. وبالتالي، يتعزز التغيير والنمو من خلال المشاعر الإيجابية أكثر من الممارسة المنظمة. وضع في اعتبارك أن الاحتفال هو تجربة، لكنه يكون أكثر فعالية عند مشاركته مع الزملاء في مكان العمل. إنه ليس شهادة أو بطاقة هدايا أو لحظة تميّز موظف الشهر، على الرغم من أن تلك المكافآت قد تفيد أيضاً.
عموماً، ليس من الضروري أن تكون الإنجازات التي نحتفل بها كبيرة؛ وليس من الضروري أن تكون احتفالاتنا كبيرة أيضاً؛ بل يجب أن تكون ذات مغزى فقط. على سبيل المثال، يجري تشجيع مرضى السرطان الذين يكملون دورة العلاج الكيميائي على قرع جرس لإعلان تعافيهم ليحضر بعدها مقدمو الرعاية الصحية المعنيين ويقدموا لهم التهاني. وعلى الرغم من بساطة ذلك الإقرار الفاعل نفسياً، لا ينبغي التغاضي عنه على الإطلاق.
احتفل في المرحلة الانتقالية
تمثّل النقطة المثلى في المنحنى "إس" مرحلة الإنتاجية الأكبر. يوجد أسباب وجيهة للرغبة في تمديد هذا المنحنى لأطول فترة ممكنة وبشكل معقول سواء بالنسبة للأفراد أو القادة. وقد يتطلب ذلك إعادة تشكيل الفرق، ووضع مشاريع ممتدة، وفرض قيود لجعل مستوى التحدي مرتفعاً بما يكفي لإطالة أمد النمو والتواصل. وتضمن تلك التقنيات أن نتمكّن من تجاوز العديد من الجبال الصغيرة في طريقنا إلى القمة النهائية. ومن الضروري أن تحتفل بها كلها. نحن لا نحتفل بعيد ميلادنا الأول والأخير فقط؛ بل نحتفل بكل عيد ميلاد بينهما. وبالتالي، كلما حققت هدفاً نهائياً، ضع خطة للاحتفال به، حتى لو كان الهدف الفعلي والذكرى الاحتفالية مجرد حدث متواضع. لذلك، تأكد من أن يقر الأفراد بإنجازاتهم وأن يعرفها مدراؤهم وفرقهم ويقدرونها أيضاً. إذ إن الاحتفال بالإنجازات يعزز الخبرات المكتسبة والممارسات المعتمدة ويقوي الأساس وروح الجماعة لتحقيق الإنجازات المستقبلية.
احتفل في القمة
قد يبدو ذلك أمراً مسلّماً به، لكن من الواضح أنه ليس كذلك. على سبيل المثال، ضع في اعتبارك احتفال التقاعد النموذجي الموصوف أعلاه. نحن نواجه صعوبة في أخذ استراحة من حياتنا المليئة بالمشاغل لنعترف حقاً بالجبل الذي تسلقناه، حتى بالنسبة للأحداث الكبيرة والنهائية. تأمّل وصف فريد براينت الاحتفال بقدرته على تسلق قمة جبل سنوماس في كولورادو في كتاب "التلذذ: نموذج جديد للتجربة الإيجابية" (Savoring: A New Model of Positive Experience)، الذي شارك في تأليفه مع الراحل جوزيف فيروف. حاول براينت التسلق مرتين سابقاً، لكن دون جدوى. وكان يعلم عندما نجح في تسلقه أنه قد لا يعود إليه مرة أخرى. لذلك، بقي مع أصدقائه متأملاً المنظر الخلاب، وربط أحاسيس تلك اللحظة بذاكرته: رائحة الهواء، وصوت الريح، وتفاصيل المشهد. واسترجع بعقله التحديات التي تغلب عليها للوصول إلى تلك اللحظة، ثم احتضن أصدقاءه وزملاءه المتسلقين وأعرب عن امتنانه لمشاركتهم رحلة التسلق ولحظة الاحتفال. وأمضى إجمالاً حوالي 10 دقائق في القمة مستمتعاً بالبهجة والمشاعر الجياشة في لحظة النصر.
قد يكون جَبَلك هو العمل في وظيفة أحلامك، أو إطلاق منتج جديد، أو إبرام صفقة مع عميل كبير، أو طرح شركتك الأولي للاكتتاب العام، أو أحد العديد من الأحداث الشائعة ولكن غير المألوفة بالنسبة لك. ليس من الضروري أن يكون الاحتفال طويلاً أو مفصلاً، لكن يجب أن يكون له مغزى.
احتفل بأيامك
يمثّل كل يوم منحنى "إس" بحد ذاته. وأنا أشجعك على التفكير في أيامك على هذا النحو. خصص بضع لحظات في الصباح قبل انخراطك في أداء المهام، وقبل قراءة بريدك الإلكتروني حتى للتفكير في يومك. ما هو أهم هدف يجب عليك تحقيقه اليوم؟ تلك هي قمة الجبل، قمة منحنى "إس" لهذا اليوم. وأياً كان ما يتطلبه اليوم، اجعل ذلك الهدف الحاسم أولويتك القصوى. تمثّل ممارسات التأمل الصباحية المخيّم الرئيسي الذي يمكنك من خلاله التخطيط لمرحلة التسلق. ثم احتفل نهاية اليوم بإنجازك أو بتقدمك نحو بلوغه. يقول برايان فوغ أن الاحتفال قد يكون بسيطاً كالنظر في المرآة وادعاء "النصر".
وتأملوا أيضاً التشبيه الذي قدمه فيظي فتحي، الرئيس التنفيذي لشركة "كورنت تكنولوجي" (Corent Technology)، وهو ممارس للزعزعة الذاتية ومتسلق جبال حقيقي عندما أجريت معه مقابلة في بودكاست "زعزع نفسك" (Disrupt Yourself) حيث قال: "لطالما قلت في قرارة نفسي عندما أشعر براحة شديدة، يجب عليك أن تتحرك ... الأمر مثل التسلق، لا يمكنك التخييم في مكان ما فقط. يمكنك أخذ قسط من الراحة، ويمكنك أن تجول بنظرك في الأرجاء، ويمكنك أن تتنفس بعمق، وأن تتناول وجبة خفيفة، لكن يجب عليك الاستمرار في التحرك، وإلا فإنك ستشعر بالرضا".
الاحتفال هو حدث وليس وجهة. إنها فترة التريث التي تتيح لنا النظر إلى الطريق الذي سلكناه والجبل الذي تسلقناه. يمكننا تناول وجبة خفيفة مع زملائنا أو أصدقائنا، بدلاً من تناولها بمفردنا في مكاتبنا. إنها فترة الاستراحة والتنفس والتفكير في الفرصة التالية القادمة قبل أن ننزل المنحدر لتسلقه مرة أخرى. لا تغفل عن الاحتفال بإنجازاتك المتتالية بقولك إنها غير مهمة أو لا ضرر من عدم الاحتفال بها، بل إن الاحتفال بالإنجازات الكبيرة والصغيرة هو كالوقود العالي الأوكتان لتحقيق مزيد من الإنجازات. باختصار، نحن لا نحتفل بالفوز فقط؛ بل نحتفل لنفوز.