ملخص: يرسم المقال صورة لسوق استهلاكية سعودية في طور تحول عميق تقوده "رؤية 2030" ومشروعات البنية التحتية الضخمة والانفتاح السياحي. فعلى مدى خمس سنوات فقط، ارتفع عدد السياح الأجانب إلى 27.5 مليون في 2023، وحضر 20 مليوناً موسم الرياض، فيما تتسارع وتيرة التحول في الترفيه والتجزئة. ومع أن السعودية تتصدر إنفاق الأطعمة والمشروبات في الخليج، فإن نصيب الفرد من الإنفاق على السلع الاستهلاكية الأخرى لا يزال أقل بكثير من أسواق الإمارات وأوروبا والولايات المتحدة، بسبب انخفاض الابتكار، وقلة العلامات التجارية الفاخرة، والاعتماد على الواردات، وضعف التجارة الإلكترونية، ما يعني أن السوق لم تبلغ النضج بعد لكنها تحمل إمكانات نمو كبيرة. تشير أبحاث ماكنزي إلى عشرة تحولات كبرى في المستهلك السعودي حتى 2035:
- خمسة تحولات ديموغرافية: تتمثل في زيادة عدد المستهلكين إلى أكثر من 100 مليون، وغلبة الشباب على فئات المجتمع، وتضاعف النساء العاملات، وصعود الطبقة الوسطى، وتقارب المراكز الحضرية.
- خمسة تحولات سلوكية: تتمثل في النزعة إلى التجارب الجديدة والإنفاق على الترفيه، وانعدام الحدود بين القنوات التقليدية والرقمية، وانقسام سلوك الإنفاق بين التوفير الشديد والإنفاق السخي، وضعف الولاء للعلامات التجارية والمتاجر، وارتفاع الوعي بالاستدامة والصحة.
تبين هذه التحولات أن النجاح يتطلب فهم المستهلك السعودي الجديد، والابتكار، والقدرات الرقمية والتحليلية، لأن سرعة التغيير كبيرة والفرص سانحة لكن المنافسة تتصاعد.
يبدو أن برنامج السعودية الطموح لإحداث تحول في الاقتصاد والمجتمع على نطاق واسع قد بدأ يؤتي ثماره في سوق المستهلكين والتجزئة داخل البلاد؛ فقبل 5 أعوام لم يكن هناك شيء اسمه تأشيرة سياحية، مثلاً، وكان قطاع الترفيه محدوداً. لكن في عام 2023 زار المملكة نحو 27.5 مليون سائح أجنبي، وحضر 20 مليون زائر فعاليات موسم الرياض 2023، وهو مهرجان سنوي انطلق عام 2019. واليوم أصبح أحد المهرجانات الثقافية والرياضية العديدة الحيوية التي تقام في مختلف أنحاء البلاد كل عام.
لكن ما زالت هناك فرصة للتوسع في السوق الاستهلاكية والتجزئة بالمملكة؛ إذ تتصدر السعودية دول مجلس التعاون الخليجي من حيث إجمالي الإنفاق الاستهلاكي، وهو إنفاق تقوده بدرجة كبيرة فئة الأطعمة والمشروبات، التي ينفق السعوديون عليها بمستوى يوازي تقريباً أعلى المستويات العالمية. لكن باستثناء هذه الفئة، لا يتجاوز متوسط نصيب الفرد من الإنفاق على السلع الاستهلاكية والسلع المعبأة ثلث حجم الإنفاق في أسواق مثل الإمارات العربية المتحدة أو أوروبا الغربية، وخمس حجم الإنفاق في الولايات المتحدة، وفقاً لأبحاث ماكنزي.
ترجع هذه الفجوة إلى عوامل، منها انخفاض مستويات الابتكار مقارنة بالمعدلات العالمية وقلة العلامات التجارية الفاخرة والاعتماد الكبير على الواردات، فضلاً عن الفجوات في سلاسل التوريد.
كما أن تجزؤ شبكات التوزيع وانخفاض انتشار التجارة الإلكترونية نسبياً يؤكد أن السوق لا تزال بعيدة عن مرحلة النضج الكامل. لكن في المقابل، تكمن فيها إمكانات نمو كبيرة. فضلاً عن ذلك، فإن الاتجاهات الاستهلاكية التي ستعيد تشكيل هذه السوق باتت واضحة، وكذلك التداعيات المحتملة على شركات المنتجات الاستهلاكية والتجزئة.
نستعرض هنا 10 من أبرز التحولات الجارية في سلوك المستهلك، مع التوقف عند حجمها وتوقيتها، والتمييز بين ما هو مؤكد منها وبين ما لا يزال غامضاً إلى حد ما في بعض الحالات. تستند هذه النتائج إلى أبحاث موسعة أجرتها ماكنزي حول إمكانات السوق الاستهلاكية والتجزئة في السعودية، وقد تمثل مفتاحاً لبناء استراتيجيات قادرة على اقتناص فرص النمو الكامنة في هذه السوق.
10 اتجاهات استهلاكية
تكشف الأبحاث عن 5 تحولات لافتة في السمات الديموغرافية للمستهلكين السعوديين، إضافة إلى 5 تحولات في سلوكياتهم.
خصائص المستهلك
يشهد المستهلكون السعوديون تغيرات سريعة من حيث الأعداد والأعمار وتوزيعهم بين الذكور والإناث ومستويات الدخل، فضلاً عن أماكن الإقامة. وتشير أبحاثنا إلى أن عددهم قد يتجاوز 100 مليون مستهلك بحلول عام 2035، أكثرهم من الشباب، كما قد يتضاعف عدد النساء العاملات. ومن المتوقع أن ينتمي نحو ثلاثة أرباع السكان إلى الطبقة المتوسطة، مقيمين في مدن ستتوسع بوتيرة متسارعة (انظر الشكل 1).
1. أكثر من 100 مليون مستهلك. من المتوقع أن يشهد عدد المستهلكين في السعودية قفزة كبيرة؛ فبحلول عام 2035 قد يتجاوز عددهم 100 مليون، مقارنة بنحو 60 مليوناً في عام 2023، ويعود هذا الارتفاع بالأساس إلى الزيادة الكبيرة في أعداد المقيمين الأجانب والزخم المتنامي للسياحة الدولية، وقد يمثل السياح الذين يزورون السعودية أكثر من نصف عدد المستهلكين بحلول عام 2035.
فيما يخص المستهلكين المقيمين، تشير أبحاثنا إلى أن عدد السكان في السعودية قد يتراوح بين 42 و44 مليون نسمة بحلول عام 2035، مقارنة بنحو 35 مليوناً في عام 2024. وسيشكل السعوديون نحو 25 مليوناً منهم، أي بزيادة قدرها 25%، بما يتماشى مع معدلات الخصوبة. ومن المتوقع أن يرتفع عدد المقيمين الأجانب أيضاً، بيد أن وتيرة هذا النمو تبقى أكثر غموضاً لارتباطها بالعوامل الاقتصادية.
تشكل العمالة اليدوية اليوم نحو 90% من المقيمين الأجانب، بيد أن الجهود المبذولة لجذب مزيد من العمالة العالية المهارة وتشجيع الشركات الأجنبية على تأسيس مقراتها الإقليمية في الرياض تعني أن هذه النسبة قد تنخفض إلى نحو 80% بحلول عام 2035، استناداً إلى التوقعات الاقتصادية الحالية. وفي هذا السيناريو، قد يتضاعف عدد المقيمين الأجانب من أصحاب المهارات العالية (وأصحاب الدخل المرتفع) مقارنة بعام 2024 (انظر الشكل 2).
فيما يتعلق بالسياح الدوليين، تشير البيانات الأخيرة إلى أن السعودية قد تستقبل بحلول عام 2035 عشرات الملايين الإضافية من الزوار، لتصل أعدادهم إلى نحو 70 مليوناً، مقارنة بـ 27.5 مليوناً في عام 2023. وتشير أبحاثنا إلى أن نصف هؤلاء السياح هم من الحجاج والمعتمرين الذين يزورون البلاد بغرض السياحة الدينية. أما النصف الآخر فسيكون من السياح الذين يزورون البلاد بغرض الترفيه، بيد أن تقدير أعدادهم أصعب نظراً لاعتماد السياحة الترفيهية بدرجة أكبر على الأوضاع الاقتصادية وسرعة تطوير البنية التحتية القادرة على جذبهم. وتشير التوقعات الحكومية إلى أن إنفاق السياح على الإقامة وخدمات الطعام والترفيه مثلاً قد يسهم بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
2. غلبة الشباب. يتميز السكان السعوديون (باستثناء المقيمين الأجانب) بأنهم مجتمع شاب نسبياً.
تشير أبحاثنا إلى أن 65% من المستهلكين في عام 2024 كانوا من الجيل زد وجيل الألفية، لكن مع إضافة مستهلكي جيل ألفا (المولودين بين عامي 2010 و2024) ترتفع نسبة المستهلكين الشباب إلى 83% بحلول عام 2035، ما يعني أن هذه الأجيال الثلاثة ستكون مسؤولة عن 77% من دخول الأسر.
من المتوقع أن ينمو عدد السكان المحليين بما يتماشى مع التغيرات المتوقعة في معدلات المواليد والوفيات وفق توقعات الأمم المتحدة. أما عدد السكان من المقيمين الأجانب فقد استند تقديره إلى توقعات الناتج المحلي الإجمالي البالغة نحو 1.9 تريليون دولار في عام 2035 (مع افتراض بلوغ الناتج المحلي الإجمالي الهدف المحدد عند 1.7 تريليون دولار في عام 2030). ومن عام 2030 إلى 2035 يفترض أن ينمو بما يتماشى مع توقعات مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس للإنتاجية والنمو الاقتصادي، مع افتراض أن نسبة إجمالي المقيمين الأجانب إلى المقيمين الأجانب العاملين تبلغ 1.0:0.8.
قد يخلق هذا التحول مشكلات للشركات التي لا تلقى منتجاتها رواجاً لدى المستهلكين الشباب أو التي تعجز عن التفاعل معهم رقمياً، وفي المقابل، قد تتاح فرص كبيرة أمام الشركات القادرة على كسب ولائهم.
3. النساء في الصدارة. من المتوقع أن يتضاعف عدد النساء في القوى العاملة ليبلغ 3 ملايين امرأة بين عامي 2023 و2035، بما يعادل 37% من إجمالي القوى العاملة. ومن اللافت أن ثلثي هؤلاء النساء سيشغلن وظائف عالية المهارة، ولا غرابة في ذلك؛ إذ ستشكل النساء 50% من خريجي الجامعات بحلول ذلك الوقت.
وسيكون لهذا التحول أثر واضح ومتعدد الأوجه في السوق الاستهلاكية والتجزئة. على سبيل المثال، من المتوقع أن تشهد المنتجات المخصصة للنساء العاملات، مثل الوجبات الجاهزة والاستهلاك السريع في أثناء التنقل، نمواً ملحوظاً. كما قد تزدهر المتاجر الصغيرة التي تتيح للأسر العاملة شراء احتياجاتها بسرعة. ومن المرجح أن يكون هذا التحول سريعاً؛ فقبل عام واحد فقط كان من الصعب العثور على وجبة جاهزة في أي مكان، أما اليوم فقد باتت هذه المنتجات تحتل حيزاً متزايداً على رفوف المتاجر الكبرى.
علاوة على ذلك، وبالانسجام مع ما لوحظ في أسواق أخرى، فإن ارتفاع نسبة النساء العاملات قد يعني تراجع متوسط عدد أفراد الأسرة. فقد انخفض متوسط عدد أفراد الأسرة السعودية خلال العقدين الماضيين من 6 أفراد إلى 5. ومن المرجح أن يستمر هذا الانخفاض مع انضمام مزيد من النساء إلى سوق العمل؛ إذ قد يتكون متوسط الأسرة السعودية من 4 أفراد فقط خلال عقد واحد أو أكثر قليلاً، ما قد يدفع الأسر إلى شراء كميات أقل إجمالاً وتفضيل العبوات الأصغر حجماً.
4. التركيز على الطبقة الوسطى. تشهد السعودية تحولاً اجتماعياً واقتصادياً متسارعاً. وتشير توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحالية إلى أن الدخل المتاح للسكان المحليين سيتضاعف بحلول عام 2035. وفي ذلك الحين، سيصنف 75% من السكان المحليين (18 مليون شخص) ضمن الطبقة الوسطى. ومن المتوقع أيضاً أن يزداد إنفاق المقيمين الأجانب. ومع أن شريحة المستهلكين الأثرياء ستظل شريحة جذابة ومربحة داخل السوق، فإن غالبية الشركات الساعية للنمو في السوق الاستهلاكية والتجزئة في المملكة ستحقق ذلك عبر العلامات التجارية التي تجذب المستهلكين من الطبقة الوسطى.
5. تقارب المراكز الحضرية. تدفع سرعة وتيرة التحضر إلى تسارع نمو سكان المدن السعودية القائمة. وفي الوقت نفسه، تضخ المملكة استثمارات كبيرة في مشروعات البنية التحتية ضمن المشروعات العمرانية الجديدة في مختلف أنحاء البلاد. ويوجد حالياً أكثر من 80 مشروعاً قيد التنفيذ، تبلغ قيمة كل منها ما لا يقل عن 0.8 مليار دولار، وهي مشروعات تشمل إنشاء وجهات جديدة للتجارة والترفيه والضيافة وتجارة التجزئة والسياحة (انظر الشكل 4). ونتيجة لذلك، قد يتجمع السكان السعوديون حول مراكز حضرية معينة.
من المتوقع أن يعيش نحو نصف السكان في منطقتي الرياض أو مكة بحلول عام 2035، مع ارتفاع عدد سكان منطقة الرياض من 9 ملايين إلى 15 مليوناً بحلول عام 2030، مشكلين أكثر من نصف إجمالي النمو السكاني في السعودية بين عامي 2024 و2035. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان منطقة تبوك الساحلية على البحر الأحمر 3 مرات بفضل مشروع نيوم التطويري في صحراء المملكة.
سلوك المستهلك
تشير الاتجاهات الخمسة المشار إليها أعلاه إلى الفرص الكامنة في السوق بفضل هذا العدد الكبير من المستهلكين، وكذلك إلى أفضل السبل لاستهدافهم بالنظر إلى أنهم يافعون ويتمتعون بقدرة شرائية مرتفعة، وبالنظر إلى ارتفاع نسبة السياح وتزايد أعداد النساء في القوى العاملة، إضافة إلى تمركز المستهلكين في مناطق معينة.
لكن الشركات التي ترغب في الاستفادة من نمو السوق ستحتاج أيضاً إلى تلبية أنماط سلوك المستهلكين السعوديين. وقد برزت بالفعل 5 أنماط سلوكية جديدة؛ أولها الشغف بالتجارب الجديدة، أما الأنماط الأربعة الأخرى فتعكس ما نطلق عليه "المستهلك الصفري"، وهو المستهلك الذي لا يعترف بالحدود بين القنوات ولا بالولاء لها، ويفضل العروض الاقتصادية أو الفاخرة (دون حلول وسط)، كما أن عاداته الشرائية تتأثر على نحو متزايد بالاعتبارات المتعلقة بالاستدامة والصحة.
1. النزعة إلى التجديد. مع تطور الاقتصاد، أتاح التوسع الكبير في فرص الضيافة أمام المستهلكين السعوديين المزيد من الخيارات لقضاء أوقاتهم خارج منازلهم، وقد انطلق بالفعل نمو ملموس في القطاعات ذات الصلة. على سبيل المثال، تشير تقارير الهيئة العامة للترفيه إلى أن 72 مليون شخص حضروا فعاليات رياضية وأنشطة وفعاليات ثقافية وترفيهية في عام 2023. كما استضافت السعودية بطولة العالم للملاكمة للوزن الثقيل في عام 2024، وكذلك نهائيات رابطة محترفات التنس، وهو الحدث الأبرز للرابطة. وفازت المملكة أيضاً بحق استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 ومعرض إكسبو 2030 العالمي وكأس العالم لكرة القدم 2034.
وعلى الرغم من أن معظم المستهلكين يتجهون إلى خفض مستوى الإنفاق، فإن أكثر من نصفهم يبدون رغبة في الإنفاق بسخاء.
2. انعدام الحدود. السعوديون من أكثر الشعوب ارتباطاً رقمياً على مستوى العالم، ما يشير إلى الإمكانات الكامنة في سوق التجارة الإلكترونية الموجهة إلى المستهلك، والتي لا تزال متأخرة نسبياً في تطورها حتى الآن. وتشير أبحاثنا إلى أن هذه السوق قد تنمو بمعدل سنوي متوسط قدره 15% لتصل إلى 60 مليار دولار بحلول عام 2035. لكن المستهلكين السعوديين يوضحون بالفعل أنهم يفضلون تجربة تسوق متعددة القنوات. وقد أظهرت استطلاعات سابقة لماكنزي أن نحو 70% من المستهلكين السعوديين يستخدمون فعلياً قنوات متعددة في البحث عن السلع وشرائها، مثل الإكسسوارات والملابس والأحذية والمجوهرات. وفي قطاع الملابس على وجه الخصوص، قال 77% إنهم استخدموا القنوات الإلكترونية والتقليدية معاً في عمليات الشراء خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مقارنة بـ 73% في الإمارات العربية المتحدة و64% في الاتحاد الأوروبي.
قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً أساسياً من هذه التجربة المتعددة القنوات؛ إذ يستخدم نحو 80% من سكان السعودية وسائل التواصل الاجتماعي، ومن المتوقع أن تنمو سوق التجارة الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة بمعدل سنوي متوسط قدره 30% بين عامي 2023 و2028، ليصل إلى نحو 4.5 مليارات دولار. وباختصار، قد يكون على الشركات التي تسعى إلى النمو في السوق الاستهلاكية والتجزئة بالسعودية أن تفكر في إدراج وسائل التواصل الاجتماعي ضمن استراتيجياتها.
3. عدم الوسطية في الإنفاق. تتميز عادات الإنفاق لدى المستهلكين السعوديين بخصوصية لافتة؛ فكثير منهم يميلون إما إلى التوفير الشديد وإما إلى الإنفاق بسخاء. في استقصاء سابق لماكنزي، قال 9 من كل 10 سعوديين إنهم خفضوا مستوى إنفاقهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، سواء بشراء كميات أقل أم بالتوجه إلى تجار تجزئة أقل سعراً. وبالنسبة لمعظم المستهلكين، تظل القيمة عاملاً أساسياً.
وعلى الرغم من أن معظم المستهلكين يتجهون إلى خفض مستوى الإنفاق، يبدي أكثر من نصفهم رغبة في الإنفاق بسخاء. وبالتالي، قد تتمكن بعض الشركات من اقتناص فرص للنمو عبر منتجات فاخرة في مجالات معينة. أما الشركات التي تقدم علامات تجارية متوسطة السعر، فقد تواجه صعوبات في السوق.
4. انعدام الولاء. يرفض المستهلكون الشباب اليوم عادات التسوق التقليدية ويجربون علامات تجارية ومتاجر وقنوات جديدة. وقد أثبتت أبحاث سابقة لماكنزي في أسواق أكثر نضجاً أن جيل الألفية أكثر ميلاً بمقدار 2.5 مرة للتسوق في المتاجر المستقلة والمتخصصة مقارنة بسلاسل البقالة التقليدية، على سبيل المثال، وأكثر ميلاً بمقدار 3.7 مرات من الأجيال الأخرى لتجنب منتجات "شركات الأغذية الكبرى"، مفضلين المتاجر والمنتجات المتخصصة. وباختصار، يتوق هؤلاء المستهلكون الشباب إلى تجربة منتجات جديدة مع اتساع الخيارات المتاحة أمامهم، ما يتيح للأسواق الجديدة أن تنمو بسرعة.
في السعودية، غالباً ما يغير المستهلكون المتاجر التي يتسوقون منها في إطار خفض الإنفاق؛ إذ ذكر 53% ممن خفضوا إنفاقهم أنهم انتقلوا إلى متجر آخر أقل سعراً، وأفاد 22% بأنهم غيروا العلامة التجارية التي اعتادوا شراءها واعتمدوا أخرى أقل سعراً أو علامة تجارية خاصة. ومن المرجح أن يكون المستهلكون السعوديون الجدد بالقدر نفسه من الحماسة لتجريب منتجات جديدة، ما يجعل هذه المرحلة مناسبة للتأثير في صياغة اختياراتهم المستقبلية.
5. المستهلك الواعي. بدأ المستهلكون السعوديون يبدلون سلوكهم الشرائي بدافع من اعتبارات الاستدامة. وقد أظهرت أبحاث سابقة لماكنزي أن 40% من المستهلكين السعوديين يتأثرون بهذه الاعتبارات، مقارنة بـ 46% على المستوى العالمي. وتبرز الاستدامة على نحو خاص في قطاع الملابس؛ إذ أفاد 60% من المشاركين في أحد استقصاءات ماكنزي بأن ممارسات التجارة العادلة مهمة في هذا المجال، بينما أكد 62% أن المواد المستدامة المصدر تمثل عاملاً مهماً عند شراء الملابس. لكن الاهتمام بأنماط الحياة الصحية يكتسب زخماً بوتيرة أسرع؛ إذ يقول 70% من السعوديين إنهم يحاولون اختيار بدائل صحية في غذائهم، ويعبر 65% عن استعدادهم لدفع المزيد مقابل أطعمة أكثر صحة، مثل المنتجات العضوية أو الأعلى قيمة غذائية.
فرص وافرة في سوق حيوية
تعيد هذه الاتجاهات العشرة رسم ملامح مجموعة واسعة من فرص الاستثمار في السوق الاستهلاكية والتجزئة في السعودية. ويمكن تصنيف هذه الفرص في 4 فئات رئيسية.
- استثمارات تستهدف "مراكز القيمة" الاستهلاكية. توضح الاتجاهات المذكورة أعلاه بجلاء مواضع هذه المراكز. على سبيل المثال، سيصنف 75% من السعوديين المحليين ضمن الطبقة الوسطى خلال 10 أعوام، بينما يخفض 90% من السعوديين إنفاقهم فعلياً، ما يؤكد حجم الفرص المتاحة أمام تجار التجزئة القادرين على تقديم عروض تجمع بين القيمة والسعر الميسور.
وحسب تحليل ماكنزي، قد تتراوح قيمة سوق نماذج متاجر التخفيضات بين 15 و45 مليار ريال سعودي بحلول عام 2035.
- استثمارات في عروض جديدة. تغير أنماط المعيشة وتقارب المراكز الحضرية واستعداد المستهلكين لدفع علاوات سعرية لقاء منتجات عصرية وأكثر تطوراً، هي كلها اتجاهات تدفع باتجاه فرص استثمارية في مجالات العروض الجديدة، مثل الرياضة والترفيه والسياحة والصحة والعافية.
- استثمارات في القنوات. يجب أن تتطور قنوات التسوق بما يلبي احتياجات المستهلكين وتوقعاتهم، وهو ما يستلزم بدوره استثمارات لتحديث قنوات التعامل التجاري القائمة بين الشركات أو لتيسير التجارة الإلكترونية، على سبيل المثال.
- استثمارات لبناء القدرات واستخلاص أقصى قيمة من النشاط الأساسي. ستتطلب المرحلة المقبلة ضخ استثمارات لتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي في القطاع وتعزيز الأتمتة، فضلاً عن إعادة هيكلة القطاع من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ، وذلك كله من شأنه أن يرفع مستويات الإنتاجية.
ستختلف الفرص من قطاع لآخر، لكن على الشركات كلها أن تنظر إليها من 3 زوايا: أولاً: كيف ستؤثر التوجهات الاستهلاكية العشرة المشار إليها هنا في نشاط الشركة الأساسي؟ وهل من فرص لتعزيزه؟ ثانياً: هل ثمة فرص لتنمية الأعمال عبر التوسع إلى مجالات متجاورة؟ ثالثاً: من منظور النمو البعيد المدى، ما هي الخيارات الاستراتيجية التي يمكن الاستثمار فيها لبناء أنشطة جديدة؟
يتوقف تحقيق الاستفادة الكاملة من فرص النمو الكامنة في السوق الاستهلاكية والتجزئة السعودية على ترسيخ محددات أداء أساسية داخل المؤسسات، مثل الابتكار والقدرات الرقمية والتحليلية. لكن نقطة البداية تكمن في فهم الاتجاهات الاستهلاكية المتسارعة التغير ومتابعتها من كثب؛ إذ إن تلبية احتياجات "المستهلك السعودي الجديد" على النحو الأمثل ستعتمد على ذلك.