كيف تتولد الأفكار الابتكارية بنجاح؟ هل تسعى إلى تحقيق إنجاز كبير؟ إذاً، استعد لاستلهام أفكار جديدة من مجالات أخرى.
يحدث التبادل والانتقال للأفكار فيما بين المجالات عندما ينتقل ابتكار أو فكرة ما، أو مجموعة من المعارف، من مجال إلى آخر، والنتيجة المترتبة على ذلك هي إحراز تقدم كبير. وأحياناً يأتي الأشخاص والأشياء التي نحتاج إلى مزجها معاً لإنجاز مهمة محددة من أماكن غير متوقعة.
مثلاً بدلات رواد الفضاء التي ارتداها "رواد فضاء أبولو" لم تصنعها شركة "هاملتون ستاندرد" (Hamilton Standard) المعنية بالفضاء الجوي، كما كانت تعتزم وكالة "ناسا" في البداية، بل صُنعت بواسطة خيّاطات في شركة "آي إل سي دوفر" (ILC Dover) المعروفة باسم "بلايتيكس" (Playtex). فقد اتضح أن المعرفة بتصميم الأزياء - وهو فن تصميم الملابس المناسبة تماماً لشكل الجسم - هو الأهم فيما يتعلق بمساعدة البشر على النجاة في الفضاء من عمل مهندسي الفضاء الجوي، كما كان مفهوماً في السابق.
وأول منظّم لضربات القلب لم يُصمَّم في مختبر، بل خلال لقاء بالمصادفة في قاعة طعام جامعة "كورنيل" بين طبيبي قلب زائرين وطالب يدرس الهندسة الكهربائية. ونظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" (GPS) صُمم خلال استراحة غداء طويلة في مختبر الفيزياء التطبيقية التابع لجامعة "جونز هوبكنز" (Johns Hopkins Applied Physics Lab).
كما أن مصدر أحدث التطورات في مجال الطب هو ألعاب الحاسوب. ففي خلال 3 أسابيع فقط، فك لاعبو لعبة "فولديت" (Foldit)، التي تحاكي طي البروتين، رموز جزء من التركيب الجزيئي لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (HIV/AIDS) الذي استعصى على الباحثين في المجال الطبي لما يزيد عن عقد من الزمان.
وبإضافة إيقاعات موسيقى الهيب هوب وأساليبها إلى السيرة الذاتية التاريخية لألكسندر هاملتون، استطاع لين مانويل ميراندا، المؤلف والشاعر الغنائي والممثل، ابتكار عرض مسرحي "متداخل" من خلال مسرحية "هاملتون" (Hamilton)، وهي مسرحية موسيقية فازت بجائزة غرامي عام 2016 بوصفها أفضل ألبوم لمسرحية موسيقية.
الدرس المستفاد هنا: إذا لم تفسح مجالاً أمام تلاقي الأفكار غير المتوقعة، فأنت تتخلف عن تحقيق الإنجاز الثوري القادم. وفقط القادة الحالمون هم مَن يفهمون ذلك. فهُم يُنشؤون بيئات خلاقة وتعاونية تُعزز التداخلات والابتكارات التي تنبع منها. وقد أكدت الأبحاث صحة هذا النهج. فقد وجدت دراسة أجراها مارتن روف، الأستاذ في "جامعة ديوك" (Duke University)، أن الشبكات الأفقية التي تضم أفراداً أصحاب خبرات متنوعة، كانت أكثر احتمالاً لأن تُبتكر من الشبكات الرأسية التي تضم أفراداً متماثلين.
في شركة "جنرال إلكتريك" (GE) نحاول بذل المزيد من الجهد مع الشبكات الرأسية من خلال تشجيع الأفراد على تحديد أنماط جديدة وخلط الأجزاء معاً، وأيضاً الجمع بين الشركاء بطريقة شمولية. حتى إننا أطلقنا عليها اسم "جي إي ستور" (GE Store). فهذه هي طريقتنا في جمع الابتكارات من أعمالنا التجارية جميعها معاً في مكان واحد. وعندما يزور عملاؤنا وموظفونا "جي إي ستور" يمكنهم إجراء عمليات المزج والمطابقة للتوصل إلى أي من الحلول المعينة التي يحتاجون إليها. على سبيل المثال، تقنية الموجات فوق الصوتية في مجال الطب تساعد، عن بُعد، في مراقبة أنابيب النفط لاكتشاف التسريبات وكذلك مراقبة أجزاء المحركات النفاثة لمعرفة ما إذا كانت قد أصبحت ضعيفة. كما أنّ العلماء في مجال البحث والتطوير، الذين اخترعوا طريقة جديدة لطباعة المواد ذات الحرارة العالية بالطابعة ثلاثية الأبعاد، استوحوا إلهامهم من التأمل في المجوهرات المصنوعة يدوياً. (وقد ألهمني ذلك للغاية، لدرجة أنني طلبتُ منهم أن يطبعوا لي زوجاً من الأقراط المصنوعة من التيتانيوم على شكل لا يمكن صنعه يدوياً).
لقد قضيت وقتاً طويلاً خلال مسيرتي المهنية محاولة "ربط النقاط ببعضها" من خلال رؤية الروابط بين الأشياء التي يبدو أنها عكس بعضها، والتعلم من الأشخاص أصحاب الخبرات التي تختلف للغاية عن الخبرات التي أمتلكها، وأيضاً تجميع العناصر بطرق غير متوقعة لتكوين أشياء جديدة.
وفيما يلي تمرين من أجلك: تحدَّ نفسك. في المرة المقبلة التي تذهب فيها إلى أكشاك بيع الصحف في المطار، اختر مجلة مغمورة واربط فكرة أو موضوع جديد بها مع أي شيء أنت على علم به. وهذا هو ما فعله فريقنا المعني بالعلامة التجارية مؤخراً عندما ألهمتهم وصفات الشواء الرائعة ليطلقوا سلسلة حول كيفية تتغير موجات الدماغ عندما نأكل أطعمة مشوية. حتى أنهم وضعوا خوارزمية (أو مكونات) لوصفة شواء رائعة حقاً.
ولكن ما العبرة من كيف تتولد الأفكار الابتكارية تحديداً؟ العبرة هي أنه ينبغي لك ترك التراتبية الهرمية التي يلتزم كل فرد فيها دوره بالتحديد، والانضمام إلى الشبكات الأفقية التعاونية حيثما يتمتع الأفراد بحرية الاجتماع معاً بالمصادفة حسبما تمليه الحاجة. وتأكد أيضاً أنك أدمجت بعض الأشخاص ذوي الخبرات غير الاعتيادية داخل هذا المزيج. ولن تقتصر نتيجة ذلك على مجرد الخروج بالابتكارات بشكل أسرع، ولكن أيضاً سوف يصبح مكان العمل هو المكان الذي يتعلم فيه الموظفون ويستمتعون بشكل أكثر بكثير عن ذي قبل.
اقرا أيضاً: