متى يمكن أن يتحول الابتكار وزيادة المنتجات إلى مشكلة؟

5 دقائق
تحول الابتكار إلى مشكلة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لطالما كانت شركة “رويال فيليبس” الهولندية، العلامة التجارية الأبرز، رائدة في مجال ابتكار المنتجات. غير أن إيراداتها هبطت في السنوات العشر الأولى من الألفية الجديدة بنسبة 40%، وأُهدرت أرباحها في ذلك العقد، كما انخفضت قيمتها في السوق بشكل كبير. فما الخطأ الذي حدث؟ كيف تحول الابتكار إلى مشكلة؟

لقد اتّضح أن المشكلة كانت تكمن في المبالغة في طرح منتجات جديدة. ففي بداية الألفية الثالثة قام مدراء الشركة التنفيذيون بتوسيع تشكيلة ما تعرضه الشركة في السوق، من خلال تطوير منتجات جديدة داخل الشركة وشراء تصاميم جاهزة، لتشمل طيفاً واسعاً جداً من المنتجات والخدمات. ففي العام 2003 كانت شركة “فيليبس” أكبر مسجّل لبراءات الاختراع في أوروبا ومن بين العشرة الأوائل في الولايات المتحدة الأميركية. ومن بين المنتجات الجديدة مصابيح كهربائية موفرة للطاقة، وأجهزة المسح الطبي، وأجهزة التصوير القابلة للوصل على شبكة الإنترنت، والرقائق الإلكترونية المناسبة لأنظمة الترفيه داخل السيارات، وعروض البرمجيات، إضافة إلى بعض الخدمات المرتبطة بهذه المنتجات. وفي عام 2011 كانت شركة “فيليبس” منافسة في أكثر من 60 صنفاً من المنتجات.

غير أن شركة “فيليبس” سمحت لقادة أعمالها في العديد من الخطوط والمواقع أن يصمّموا أنظمة مستقلة لدعم منتجاتهم وزبائنهم، ولذلك فإن تعقيد العمليات في سلسلة الإمداد، وقسم البيع والتسويق، وتطوير المنتجات، وإدارة العمليات، قد ازداد بشكل ملحوظ، الأمر الذي أدى إلى ازدياد النفقات بشكل كبير. ومن غير المستغرب أن ذلك التعقيد قد أدى إلى صعوبات أكبر بالنسبة للزبائن والموظفين. فلقد اضطر الزبائن الذين أرادوا شراء أجهزة المسح الطبي وما يرتبط بها من برمجيات وخدمات على سبيل المثال، إلى التعامل مع مدراء محاسبة متعددين وتلقي فواتير عدة. كما كان على الموظفين البحث بين أكثر من 10,000 تطبيق على الإنترنت، بما في ذلك 60 نظاماً لتخطيط موارد المؤسسات، كانت قد نشأت مع الزمن. ومع انتشار البيانات المرتبطة بالزبائن في كل هذه التطبيقات والنظم، كان من المستحيل تقريباً على الموظفين الذين هم على تماس مباشر مع الزبائن أن يكوّنوا نظرة شاملة حول حاجاتهم أو أن يحافظوا على مستوى الخدمات التي يقدمونها.

الجانب المظلم لابتكار المنتجات الجديدة

أهلاً بكم في الجانب المظلم لابتكار المنتجات الجديدة. عندما يتوجب على الزبائن أن يعاودوا إدخال بياناتهم أكثر من مرة، وعندما يختبرون سوية متغيرة من الخدمات تبعاً للقسم الذي يتعاملون معه في الشركة، وعندما يضطرون إلى الاتصال مع أكثر من شخص للحصول على المطلوب، فإن ذلك يضر بالشركة. وعندما لا يتمكن الموظفون من الحصول على معلومة مهمة حول الزبون، ويضطرون لانتظار القرارات من أشخاص عدة وأقسام متنوعة، فإن ذلك يضر بالشركة أيضاً. حتى إن من شأن ذلك أن يدمّر الشركة كما كاد أن يحصل لشركة “رويال فيليبس”.

من الواضح أن الزبائن والموظفين الذين هم على احتكاك مباشر معهم، يدركون المشاكل التي قد تنشأ عن تنوع المنتجات في الشركة. غير أن قادة الشركات عموماً يميلون إلى التركيز فقط على الفوائد المحتملة لذلك التنوع. فلقد أقر فريق القيادة في واحدة من شركات الخدمات المالية الكبرى التي درسناها، بأنه “مدمن على ابتكار المنتجات”. وحتى عندما يعترف المدراء التنفيذيون أن بعض منتجاتهم المبتكرة لا تخلق سوى قيمة منخفضة، وأنه بات من الصعب القيام بالأعمال التجارية مع شركتهم؛ فإنهم قد لا يرون أي ترابط بين الأمرين. ولعلّ الرغبة في سبق الآخرين في طرح منتج جديد في السوق – أو المسارعة إلى تقديم بديل لما يطرحه أحد المنافسين – تعمي الشركات عن الأوجه السلبية المحتملة لتكثير المنتجات. فغالبية الشركات تقوم بتقييم إمكانية طرح بدائل لمنتجات منافسيها، غير أن القليل منها يقدّر تكاليف ما يسببه ذلك من زيادة في التعقيد.

وللتعمق في هذه المشكلة قمنا باستبيان آراء 255 من كبار المدراء التنفيذيين وبدراسة معمقة لسبع شركات من خلال إجراء مقابلات مع 72 مديراً تنفيذياً في تلك الشركات. (لقد كانت الشركات المدروسة: شركة “دي إيتش إل إكسبرس”، وشركة “آي بي إم”، و”بنك آي إن جي دايركت سبين”، وشركة “ليغو غروب”، وشركة “برينسيبال فايننشال غروب”، وشركة “رويال فيليبس”، وشركة “يو إس إيه إيه”.) لقد وجدنا أن تنوع المنتجات لا يترابط عموماً مع ربحية الشركات، لكنه يترابط مع سوية المصاعب التي يواجهها الزبائن والموظفون. وكانت النتيجة في المحصلة: كلما أضفت إلى تشكيلة منتجات شركتك ابتكارات جديدة وواعدة بخلق القيمة، أدخلت إلى شركتك تعقيداً أكثر ينذر بتدمير القيمة. إننا نقدم هنا ثلاثة توجيهات لمعالجة هذه المشكلة: ركّز على إدماج المنتجات الجديدة، لا على تكثيرها. واضمن أن يعمل مطوّرو منتجاتك بشكل لصيق مع الموظفين المسؤولين عن خدمة الزبائن وإدارة العمليات. وحدّد هدفك بطريقة ترشدك في اتّخاذ قراراتك.

مجابهة الجانب المظلم لابتكار المنتجات الجديدة

عندما شرعت شركة “فيليبس” في معالجة المشاكل التي نشأت عن سوء إدارة ابتكار المنتجات الجديدة، سرعان ما أدركت أن عليها إجراء تحول حقيقي في مجال عملياتها كما في تشكيلة منتجاتها. وبدأت في عام 2011، كجزء من برنامج تحوّلها، بإقامة منصة جديدة مكونة من وحدات نظم وعمليات ذات مقاييس موحدة عالمياً، وذلك في مجالات ثلاث: أولاً، من الفكرة إلى السوق (متضمناً جميع العمليات المرتبطة بابتكار المنتج الجديد)؛ وثانياً، من السوق إلى طلب الشراء (الإجراءات المرتبطة بالبيع والتسويق)؛ وثالثاً، من طلب الشراء إلى النقود (الإجراءات المرتبطة بمكتب الدعم الإداري واستيفاء الأموال).

لقد كان الهدف من هذه المنصة تخفيف المشاكل التي يواجهها الموظفون والزبائن بشكل ملحوظ، غير أن إدارة الشركة اكتشفت أن هذا الأمر قد يتطلب سنوات طوالاً إذا ما جرى الاحتفاظ بالتشكيلة الواسعة الراهنة من المنتجات. وهكذا لجأت الشركة أيضاً إلى تخفيض درجة تنوع منتجاتها بشكل كبير. فلقد كانت الشركة تنشط عام 2000 في ستة مجالات تجارية: مجال الإنارة، ومجال الإلكترونيات الاستهلاكية، ومجال الأجهزة المنزلية والعناية الشخصية، والقطع الإلكترونية، ومجال أنصاف النواقل، ومجال النظم الطبية. وهكذا شرعت الشركة في بيع أعمالها ذات هوامش الربح المنخفضة حتى اقتصرت تلك الأعمال على مجالين اثنين فقط: مجال التكنولوجيا الصحية (الرعاية الصحية ونمط المعيشة الاستهلاكي)، ومجال الإنارة. وفي العام 2016 باعت “فيليبس” أعمالها في مجال الإنارة لتتمكن من تركيز اهتمامها على مشاريعها في مجال التكنولوجيا الصحية. وبطبيعة الحال، لم يكن الدافع إلى اتخاذ القرار بتركيز الأعمال في مجال واحد مقتصراً على تخفيف المشاكل الناتجة عن تعقيد العمليات، غير أن تخفيف المشاكل كان فعلاً أحد أهم العوامل المحفِّزة لاتخاذ ذلك القرار، حسبما أفاد به المدراء التنفيذيون الذين تحدثنا معهم.

لقد نجحت عملية التحول في شركة “فيليبس” في تحقيق هدفها على المدى المتوسط والمتمثل في رفع هوامش الإيرادات قبل الفوائد والضريبة والإهلاك إلى أكثر من 10%، كما تضاعف سعر أسهمها في السوق منذ عام 2011. بيد أن رحلتها لتخفيف سوية تعقيد عملياتها، مثلها في ذلك مثل العديد من الشركات الأخرى، كانت طويلة ومؤلمة.

غير أنك قد تختبر الجانب المظلم لابتكار المنتجات الجديدة، حتى لو لم تكن تشكيلة منتجاتك متنوعة بدرجة تنوعسلبيات إدماج المنتجات الجديدة منتجات شركة “فيليبس”. ففي تسعينيات القرن الماضي كانت ردة فعل شركة “ليغو غروب” على انتهاء مدة براءة اختراع أحجارها المميزة – إلى جانب تنامي شعبية الألعاب الإلكترونية – بأن ركّزت كل جهودها على ابتكار المنتجات الجديدة. فعملت الشركة على مضاعفة عدد أحجارها الفريدة إلى أكثر من 12,000 حجر بين عامَي 1997 و2004. كما نشطت أيضاً في مجالات عمل جديدة كمجال ألعاب الكمبيوتر، ومجال ألبسة الأطفال، ومجال مدن الملاهي. ومع نمو تنوع منتجات الشركة، تسلل التعقيد إلى عمليات الشركة التشغيلية. وبدأ زبائن الشركة وموظفوها يعانون من غياب الشفافية في سلسلة إمدادها. وغدت المجموعات المشهورة من أحجار الشركة غير متوفرة في مستودعاتها، ربما لنفاد أحد أحجار المجموعة التي قد يزيد عددها على 500 حجر. كما عانى تجار التجزئة من انعدام قدرة الشركة على الاستجابة السريعة وتعويض النقص في إحدى الدول من خلال استجرار المخزون الفائض في دولة أخرى. وفي عام 2004 وجدت شركة “ليغو غروب” نفسها على حافة الإفلاس.

وكما شركة “فيليبس”، عملت شركة “ليغو غروب” على معالجة مشكلة تعقيد عملياتها المدمّر للقيمة و تحول الابتكار إلى مشكلة من خلال إطلاقها عملية تحول كبيرة في الشركة. ففي عام 2004 بدأت ببيع أعمالها في مجال مدن الملاهي وعملت على توحيد مقاييس سلاسل إمدادها العالمية وعمليات إدارة دورة حياة منتجاتها. كما خفضت عدد أحجارها الفريدة، على الرغم من استمرارها في ابتكار طرق جديدة لكيفية تركيب الأحجار في مجموعات جديدة. ولقد أثمرت هذه الجهود في رفع الربحية والنمو، كما أدت إلى جعل التعامل مع شركة “ليغو غروب” أسهل.

تحول الابتكار إلى مشكلة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .