الشركات تجعل الابتكار مهمة الجميع الآن

4 دقائق

في الأسابيع الأولى من يناير/ كانون الثاني عام 2016، انتقل ثلاثة من مسؤولي الابتكار في إحدى الشركات - أو بالأحرى اتسع دورهم في الشركة ليشمل- وظيفة التدريب فيها. وقد علق أحد الأشخاص، بحزن ربما، قائلاً: "يجب علي الآن أن أحصل على أشخاص يتولون فعلاً أعمال الابتكار".

أجل، فكما يبدو أن الحديث حول الابتكار في الشركات قد بدأ بالتحول من مناقشة "كيف" يحصل الابتكار إلى "من" سيتولى أعمال الابتكار. وقد توجهت النقاشات الدائرة حول عملية الابتكار ومنهجيته للحديث عن التحدي المتعلق بكيفية تعزيز قدرات الأشخاص وتنفيذ ذلك بأفضل الطرق. بالنسبة للعديد من الشركات الآن، أصبحت سياسة الابتكار تتمحور حول الاستثمار في رأس المال البشري بقدر ما تتعلق أيضاً بتقديم منتجات وخدمات جديدة.

لكن إن أصبح الابتكار مهمة الجميع الآن، فعلى من يقع عاتق التدريب إذاً؟

والجواب بالطبع هو ليس "مهمة الجميع" وهو حتماً ليس مسؤولية الرئيس التنفيذي. يشرف المسؤولون في المناصب التنفيذية العليا على عمليات تطبيق الابتكار، لكنهم نادراً ما يديرونها. وبدأنا نجد على نحو متزايد أن أبطال الابتكار في المؤسسة والمبشرين به باتوا يتحولون إلى "مدربي ابتكار". كما ألاحظ أن ملخصات سيرهم باتت تشمل مسؤولياتهم عن التوظيف والتأهيل وإعداد اللوحات الخاصة بمؤشرات الأداء الرئيسة. وهذا ما يشكل قمع الابتكار الجديد للشركة.

لا تعتمد هذه الوظيفة الجديدة على المبادرات الجريئة والكبيرة بقدر اعتمادها على التأثير الكبير للطريقة التي تتبعها الشركة في تقييم السلوك الابتكاري وتقديره. فقد أعاد هؤلاء الأشخاص بفاعلية صياغة الأسلوب الذي يدرك الآخرون من خلاله مفهوم الابتكار داخل المؤسسة. بحيث إن أثبت الشخص اجتهاداً وتفانياً وتنافسية قصوى، فهو على الأرجح مؤهل للحصول على الوظيفة أو الفوز بالترقية. ترغب تلك الشركات الآن من الموظفين المحتملين أو الأشخاص المرشحين للترقية أن يظهروا استعدادهم وقدرتهم على خلق قيمة جديدة بالتعاون مع الآخرين. ولا يتعلق الأمر بالتمتع بالكفاءات اللازمة فقط، بل بسلوكيات الابتكار كذلك. فبقدر ما تتعلق روح الجماعة بالكفاءة، تتعلق أيضاً بالثقافة.

لذلك، نجد في شركات الخدمات الاحترافية العالمية الموجهة لتحليل الأشخاص، أن موضوع الابتكار يحتل مكانة عالية ومن الأهمية بمكان سواء أثناء مقابلات العمل، أو خلال عمليات إعداد الموظفين الجدد. يجري البحث في ملخصات السير الذاتية وفي ملفات البيانات المهنية على موقع "لينكد إن" عن كلمات مفتاحية ومشاريع وأي مواصفات تتعلق بجهود بذلها صاحبها في مجال الابتكار. (لقد علمت من مصدر موثوق أن موقع لينكد إن يتفحص خوارزمياً ملفات البيانات المهنية للمشتركين لمساعدة أرباب العمل على الاختيار على نحو أفضل الأشخاص الذين يتوافقون ثقافياً مع فكر الابتكار وغيرها من صفات العمل ذات القيمة). يطلب من المرشحين للوظيفة، لاسيما حملة الماجستير في إدارة الأعمال، لا أن يذكروا فقط كيف يمكنهم المساعدة في "التوصل إلى الحلول" المتعلقة بالتحديات الخاصة بالعملاء، لكن يطلب منهم أيضاً اقتراح مفاهيم عمل جديدة تتعلق بالابتكار من شأنها أن تحقق زيادة في النمو. كما يطلب من فرق العمل حالياً وصف ومشاركة "أكثر الأمور الابتكارية التي يقومون بها من أجل الاندماج في أماكن العمل".

وهل هذا أمر مكلف؟ الإجابة هي "لا". وهل هو شائع عالمياً؟ الإجابة هي "نعم". هل هو مؤثر؟ ذاك هو الرهان الحقيقي.

يطلب المدراء حالياً في إحدى سلاسل مطاعم الوجبات السريعة المشهورة حتى من المبتدئين حديثاً في الوظائف أن يعبروا عن مدى استعدادهم للمساعدة في اختبار أنواع جديدة من الطعام وعروض الخدمة المقدمة للزبائن وتحسينها. ومن المتوقع أن يخضع الموظفون الجدد لاختبار سريع عبر الهاتف الذكي حول نجاحاتهم في الابتكار في الشركة. أثبت مقطع فيديو نُفذ بمهارة على مدى دقيقتين لأحد طهاة الشركة فاعليته في ربط الموظفين الجدد بمفهوم الابتكار في مجال جودة الأطعمة السريعة. (ما زال من السابق لأوانه تحديد فيما إذا كانت الشركة ستسمح للمدراء الشباب بالتحادث عما يفعلونه على مستوى الشركة).

وبالمثل، وضعت إحدى شركات الطيران التي تركز بشكل كبير على عملائها استجواباً للمضيفات، يُملأ عن طريق شبكة الإنترنت أو مباشرة. ويهدف الاستجواب إلى جمع الملاحظات والاقتراحات حول الطريقة التي يستخدم فيها المسافرون المميزون أجهزتهم الإلكترونية ووسائل الراحة الخاصة بهم. إن ضمان خوض المسافرين لتجربة ممتعة على متن خطوط الطيران هو لا شك أمر ضروري، لكنه ليس كافياً على صعيد الالتزام الثقافي المتوقع أن يبديه طاقم الطيران، فالأولى بهم أن يقدموا توصيات حول "تحسين تجربة الركاب أثناء سفرهم".

قد يبدو الأمر بالنسبة للمدراء الشباب وكأنه إعادة ابتكار لصندوق الاقتراحات التقليدي، على الرغم من وجود وسائل رقمية ووسائل متاحة عبر الشبكة حالياً. إن جعل الابتكار أمراً ديموقراطياً وشائعاً ضمن المؤسسة هو بالتأكيد أحد طموحاتها. وعلى الرغم من أن كل تلك المؤسسات لديها أقسام متخصصة في البحث والتطوير وقامت بإجراء عمليات ابتكارية رسمياً، إلا أنها لا تزال تبحث عن مشاركة على مستوى الأفراد لم يسبق لها مثيل.

فهم يعولون على مشاركة أكبر من أجل طرح منتجات جديدة وتوفير خدمات أسرع وعلى نحو أسهل.

وهناك اختلاف آخر واضح يتمثل في أن جهود "كايزن" هذه، على عكس سابقاتها اليابانية، تركز على الزبون أكثر من تركيزها على نتائج العمليات الداخلية. بمعنى أن الموظفين الذين هم على تماس مباشر مع الزبائن والعملاء يطلب منهم، أو بالأحرى طلب منهم، اقتراح ابتكارات من شأنها أن تعزز من تجربة المستخدم على نحو قابل للقياس. حيث أنهم يخضعون للتدريب ليس لمجرد اقتراح بعض التحسينات البسيطة، بل لصياغة حالات الاستخدام وتقديم نماذج رقمية بالتعاون مع الزملاء للخروج بحالات يمكن اختبارها في الواقع الفعلي. وأصبح تحقيق قيمة خارجية جديدة، وليس مجرد إثبات الكفاءة الداخلية في العمل، أفضل وأكثر أهمية بالنسبة لعمل هؤلاء الموظفين.

وفي حين أني مندهش من وضع الكثير من الشركات التي لا تمتلك نموذج ابتكار داخلي خاص بها، كما هو الحال في نموذج أكاديمية خان - التي تعد منصة تعليم مجانية تقدم الدروس لطيف واسع من العلوم عبر آلاف مقاطع الفيديو- لكن لا يسعني إلا أن أذكر أيضاً الرواد الذين تحولوا إلى مدربين، مرتجلين في الوقت المناسب منهاجا تعليمياً يمزج بين خطابات "تيد" (TED talks) ومقاطع فيديو "بيغ ثينك" (Big Think) ومقالات موقع "هارفارد بيزنس ريفيو"، في جهود رامية إلى نشر المحادثات حول الابتكار على مستوى المؤسسة بأكملها.

وهم بذلك لا يحققون القيادة بتمثيلهم للقدوة فقط، بل يبتكرون بصفتهم القدوة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي