صحيح أننا نعيش في زمن التحول، لكن ذلك لا يعني أنه من السهل إقناع الآخرين بالأفكار التحويلية. فحالة الضبابية التي يعيشها الاقتصاد أصمّت آذان الكثيرين عن الخطابات الجريئة. كما أن الابتكار مجازفة حتى في زمن الازدهار، وحين يتخذ المبتكرون خطوات جريئة يتظاهرون بمظهر التقليديين لكي يخففوا وطأة المخاوف.

من منا لا يحب أن يحقق إنجازات غير مسبوقة؟ لكننا لا نستطيع أن نتيقن من الأفكار التي ستحقق تلك الإنجازات، فلكل جواد كبوة، وكما حققت فورد نجاحاً باهراً بسيارتها موستانغ، أخفقت إخفاقاً ذريعاً بسيارتها إدسل. وكل هاتف قابِل للطي قابَل الإخفاق، (صحيح أن سجل منتجات شركة آبل مثل آيبود وآي تيونز وآيفون مذهل، ولكنه يبقى استثناء). من الصعب دفع أفكار تسبق عصرها إلى حد بعيد، فلن يتقبّلها الناس ولن تدعمها البنية التحتية، فأحلام الطاقة المتجددة الرخيصة تصطدم بواقع ارتفاع تكاليف التوربينات الريحية أو الألواح الشمسية.

ذاقت عدة شركات تكنولوجية مرارة القفز مسافات طويلة إلى المستقبل والسعي لإحداث ثورة بدلاً من التطور التدريجي، فابتعدت كثيراً عن عملائها المحتملين. لكن التقدم بثبات خطوة بعد خطوة يمكن أن يحظى بالدعم داخل الشركة ويؤدي إلى التغلب على المنافسين والفوز بحصة من السوق أو باهتمام العملاء، وخاصة إذا سارعت الخطى.

فكر في عرض وودي آلين الكوميدي عن أول هبوط للكائنات الفضائية على الأرض وأول اتصال لنا مع حضارة متقدمة (أو منافس متقدم). قال ألين إن معظم المخاوف بشأن الغزو الفضائي يدور حول كائنات فضائية بعيدة عنا سنوات ضوئية وتسبقنا بقرون في التكنولوجيا، وتحضِر أجهزة نعجز عن فهمها أو التواصل معها تجعلها تتحكم بكل شيء. يرى ألين أنه لا داعي إلى القلق، فإذا لم نتمكن من فهم أنظمتها أو التواصل معها، فسوف نتجاهلها ونتابع عملنا بطريقتنا حتى تغادر مُحبَطة، ويرى أن الحضارة المتقدمة التي يجب أن نقلق بشأنها هي التي تسبقنا بـ 15 دقيقة فقط، لأنها ستكون دائماً في المقدمة في كل مكان، لن تفوّت أي فرصة مهمة وستكون دائماً الأولى في أي سباق.

لنطلق عليها اسم “ميزة الـ 15 دقيقة التنافسية”؛ أي التغيير على فترات قصيرة وسريعة بدلاً من انتظار الإنجاز غير المسبوق الذي يغير كل شيء. إذا تعلمت شيئاً كل 15 دقيقة، ودمجته في الخطوة السريعة الآتية، فسوف تستمر في التقدم. وبعد فترات زمنية قليلة، سيكون التحول جارياً.

أشاد مؤسس شركة إنتويت (Intuit) سكوت كوك، بقيمة التجارب الرخيصة والسريعة. وذكر كيف راقب أسلوب شركة تويوتا في التحسين المستمر لخط الإنتاج، عبر التبسيط والتسريع وخفض التكاليف في كل جولة، إذ استخدمت البرغي بدلاً من اللحام، وشريط الربط بدلاً من البرغي، والتثبيت بدلاً من الشريط. نصيحة كوك هي تحويل مفاهيم الأعمال إلى فرضيات لاختبارها بسرعة، وهي جوهر النماذج الأولية السريعة، ولا تتطلب تحولاً كاملاً.

تقدَّم قليلاً على المنافسين وفي الوقت نفسه ابقَ قريباً بدرجة تتيح للعملاء فهم ابتكارك واستخدامه، وحينها سيكون إقناعهم بفكرته أسهل. فيما يلي بعض خصائص الابتكارات التي يرجح أن تنجح في الحصول على الدعم:

قابلية التجربة: يمكن عرض الفكرة أو المنتج على نحو تجريبي، ويمكن للعملاء تجربته أولاً واستخدامه على نطاق ضيق قبل الالتزام بالتحول إليه.

قابلية التجزئة: يمكن تبنّي الابتكار تدريجياً أو على مراحل، إذ يمكن للمستخدمين التأقلم معه تدريجياً خطوة تلو الأخرى واستخدامه إلى جانب الحلول الحالية.

قابلية العكس: يجب أن تكون قادراً على العودة إلى الوضع السابق للابتكار في حال عدم نجاحه، لعلك ترغب في أن تكون الحياة غير ممكنة من دونه، ولكن يجب أن يستطيع المستخدم الاستغناء عنه نظرياً على الأقل.

النتائج الملموسة: يجب أن يقدم الابتكار نتائج ملموسة يمكن ملاحظتها ويحقق أمراً ذا قيمة في مجال يحتاج إليه المستخدمون.

التوافق مع الاستثمارات السابقة: يجب أن تعتمد فكرة الابتكار على التكلفة الغارقة (المصاريف التي لا يمكن استعادتها) أو الإجراءات التي اتُخذت مسبّقاً، لكيلا يبدو أن هناك الكثير من التغيير.

الألفة: يجب أن يفهم الناس الابتكار كي لا يكون صعب الاستخدام، وأن يتوافق مع التجارب الأخرى، وخاصة الناجحة منها.

التوافق مع الاتجاه المستقبلي: يتماشى الابتكار بطبيعة الحال مع الاتجاه الذي تسير فيه الحياة كي لا يتطلب من الناس إعادة النظر في أولوياتهم أو مساراتهم، على الرغم من أنه سيُحدث تغييراً.

القيمة الإعلامية الإيجابية: يجب أن يسهم الابتكار في تحسين صورة الشركة والعاملين فيها.

تتيح هذه المبادئ مجالاً واسعاً لتعزيز الأفكار الثورية تحت مظلة التغيير التدريجي، ولكن العثور على سوق لأي منتج وتنميتها، سواء كان منتجاً صديقاً للبيئة أو خطة جديدة لتقديم الرعاية الصحية، يعني البقاء على مقربة مما يمكن للمستخدمين تبنّيه بسهولة ومن ثم توجيههم إلى التحسين القادم.

على المبتكرين الذين يتحملون المخاطر أن يقللوا المخاطر عند الآخرين، لذلك فكّر في التوجهات البعيدة المدى ولكن عبر خطوات قصيرة المدى، 15 دقيقة لكل خطوة.