إياك والإيجابية المفرطة

3 دقائق

لطالما سمعنا جميعاً الكثير مما قيل حول قوة التفكير الإيجابي. غير أن هناك مشكلة واحدة فقط. إذ إن الأبحاث التي أجريتها أنا وزملائي على مدار العقدين الماضيين، تشير إلى أن التفكير الإيجابي لا يساعد فعلياً بالمقدار الذي نفترضه.

تعتبر هذه النتيجة منطقية تماماً، خاصة إذا ما تأملناها بعمق. فالحلم الذي يراودك بتحقيق محصلة ناجحة مستقبلاً هو أمر يدخل السرور إلى قلبك، ويترك لديك شعوراً جميلاً ودافئاً بالرضا. أما ضمن سياق مكان العمل، فإن هذا الأمر لا يقود إلى النتيجة المرجوة. فأنت ستكون أقل حافزاً لتجميع قواك والمثابرة وبذل الجهد القوي المطلوب لتحقيق رغبة منشودة. وفي بعض دراساتنا، وجدنا أن الأشخاص الذين يميلون إلى حمل الأفكار الإيجابية كان لديهم ضغط دم انقباضي أدنى بكثير، حيث إن ضغط الدم الانقباضي (وهو القيمة الأعلى بين رقمي ضغط الدم) يعتبر مقياساً رئيساً على مدى شعور الشخص بالحيوية. وفي دراسات أخرى، كان احتمال اتخاذهم خطوات سهلة باتجاه هدفهم، هو ذاته الاحتمال الموجود لدى المشاركين في مجموعة المراقبة والضبط الإحصائي، لكنهم كانوا أقل ميلاً بكثير إلى اتخاذ خطوات متعبة وصعبة، مثل التبرع بجزء مهم من وقتهم أو أموالهم.

وقد يقول قائل: "حسناً، لندع التفكير الإيجابي جانباً. سأركز كل جهدي وتفكيري على جميع التحديات المضنية التي أواجهها في عملي". لكن المؤسف في الأمر هو أن بذل الجهد كله على الواقع فقط لا يفيد كثيراً أيضاً.

لكن ما يمكن أن يكون مفيداً هو اللجوء إلى تقنية تسمى "الموازنة العقلية"، وهي عبارة عن تمرين يجمع فيه الشخص بين خيالاته الإيجابية المتوهمة حول المستقبل وبين تصور العوائق التي تقف في سبيله. وسيكون من المفيد أكثر استعمال التخطيط المشروط (إذا حصل كذا ... فسأفعل كذا) الذي يسمح له بالتعامل مع العوائق عند ظهورها.

في دراساتنا التي أجريناها، طورنا أداة تساعد في تنفيذ تمرين "الموازنة العقلية" المذكور أعلاه وأسمينا هذه الأداة "وووب" (WOOP)، وهي كلمة مؤلفة من الأحرف الأربعة الأولى باللغة الإنجليزية لكلمات "الرغبة" و"المحصلة" و"العائق" و"الخطة". وفيما يلي الطريقة التي ينفّذ فيها هذا التمرين: ابحث أولاً عن مكان هادئ ليس فيه أي ما يمكن أن يعكّر صفوك، ثم أطفئ كل أجهزتك، وأغمض عينيك. اذكر رغبة يمكنك تحقيقها أو تعتبر واقعية بالنسبة لك، كأن تتمنى الحصول على زبون جديد. بعد ذلك تخيل لبضع دقائق ما الذي سيحصل إذا تحققت تلك الرغبة وصارت واقعاً، واترك الصور تتداعى بحرية في ذهنك. ثم غير السيناريو تماماً. حدد العقبة الرئيسة داخلك والتي تقف حجر عثرة في طريقك، وتخيلها لبضع دقائق. والآن انتقل إلى خطتك: إذا واجهتك العقبة (س)، فسوف تتخذ الإجراء الفعال (ع) لمواجهة تلك العقبة.

إن هذا التمرين سهل وبسيط ولا يكلفك فلساً واحداً – إلى درجة تحملك على الاعتقاد بأنه لن ينفعك. ففي نهاية المطاف، تغيير السلوك يحتاج عادة إلى برامج تدريب أو رعاية باهظة التكلفة، أليس كذلك؟ الجواب هو لا بحسب ما تشير نتائجنا. في دراسة شملت مقدمي خدمات الرعاية الصحية، وجدنا أن أولئك الذين استعملوا هذا التمرين المقترح كانوا أكثر انخراطاً بكثير في عملهم وأقل شعوراً بالتوتر بالمقارنة مع مجموعة المراقبة والضبط الإحصائي. وفي دراسة شملت طلاب الجامعة المسجلين في برنامج للتدريب المهني في قطاع الأعمال، توصلنا إلى أن التمرين ساعدهم في إدارة أفضل لوقتهم أفضل.

فلماذا ينجح التمرين؟ السبب في ذلك هو واحد من اثنين: إما أن العملية المتبعة تساعد الناس على فهم أن رغباتهم قابلة للتحقق، مما يمنحهم الطاقة وحس التوجه، ويسلط الضوء على مدى انخراطهم ويدفعهم إلى التصرف، أو أن التمرين يساعدهم في إدراك أن رغباتهم غير حقيقية، مما يقودهم إلى التخلي عن تحقيق الهدف ويحررهم للبحث عن أهداف أخرى واعدة أكثر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي