كيف يكون الإنسان محور الابتكار في مجال الرعاية الصحية؟

7 دقائق
الإنسان والابتكار في الرعاية الصحية

لطالما اعتمد الابتكار في مجال الرعاية الصحية على نموذج خطي تقليدي في الابتكار – بحث أساسي وتطبيقي يتبعه تطوير وتوظيف تجاري. مع أنّ هذا المبدأ القائم على عبارة "من المختبر إلى سرير المريض" قد يحسن الرعاية الصحية على مستوى العالم، إلا أنّه يستغرق سنوات، وحتى ربما يستغرق عقوداً كي يصل ابتكار ما إلى السوق، وعندما يحصل ذلك يكون بالقليل جداً من المدخلات من المرضى أنفسهم. ومع أنّ النتائج ربما تكون قوية تقنياً، لكنها أيضاً غير مثالية من وجهة نظر المريض (وهو ما تفهمه أي امرأة قامت بالتصوير الشعاعي المؤلم للثدي). 

هناك بديل آخذ بالظهور ضمن مؤسسات الرعاية الصحية في العالم، ويتمثّل في التصميم المرتكز على الإنسان والتعاون المشترك في الابتكار، وهي مجموعة من الطرق التي يمكنها تسريع وأنسنة الابتكار في مجال الرعاية الصحية. لا يتعلق هذا النموذج فقط بالحصول على مزيد من الآراء التقويمية من المرضى خلال فترة الابتكار، بل يكون المرضى فيه مصممين ومطورين مشاركين يتحملون مسؤولية متزايدة عن نتائج ما يقدم لهم وللجماعة من رعاية صحية.

درسنا ثلاثة نماذج عن كثب: مركز هيليكس في كلية إمبيريال كوليدج لندن (The Helix Centre at Imperial College London)، ومركز الابتكار في عيادة مايو (the Center for Innovation at the Mayo Clinic)، وكونسورتيوم للتقنيات الطبية في مستشفى ماساتشوستس العام (the Consortium for Medical Technologies at Massachusetts General Hospital). لدى كل من هذه المراكز مختبرات للابتكار متعددة التخصصات ضمن أو قرب بيئة المستشفى، ويقوم كل مركز بإشراك عدد متنوع من أصحاب المصلحة من غير الأطباء (مجموعة من المصممين والمهندسين ومحترفي الأعمال والمرضى) في مرحلة مبكرة من عملية الابتكار، كما يُشرك كل مركز المستخدمين النهائيين في تخصيص الحلول لاحتياجاتهم الخاصة. بالإضافة لهذا، هناك تشابه في الرسالة وفي شكل النجاح وفي التحديات المشتركة.

مراكز الابتكار

افتتح مركز هيليكس (Healthcare Innovation Exchange) أبوابه في العام 2014 استجابة للضغوط المتزايدة على خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة. هيليكس هو استوديو تصميم متنقل (pop-up design studio) يقع في ساحة أحد أكثر مشافي لندن ازدحاماً، (مسشفى سانت ماري)، وهو مؤسسة ذات إرث من الابتكار بما في ذلك اكتشاف البنسلين. ويُعد المركز مشروعاً مشتركاً بين الكلية الملكية للفنون ومعهد الابتكار الصحي العالمي في كلية إمبيريال كوليدج لندن، وهو الذي يُمكّن كل من المصممين والمهندسين من العمل عن قرب مع الأطباء لتحديد التحديات وتوفير الحلول. إنها المرة الأولى في الخدمة الصحية الوطنية التي يجتمع فيها مصممون ومهندسون وأطباء للعمل معاً.

يمكن رؤية ثمار هذا التعاون في تركيز مركز هيليكس على رعاية المحتضرين، حيث يمنح الإطلاق الذي حصل مؤخراً لخطط أمبير كير بلاس (Amber Care Plans) المرضى طريقة فعالة وسهلة للتخطيط لرعايتهم والتأكد على أنّ رغباتهم تُعرف وتحترم. كما حقق الاستوديو أيضاً نجاحاً – بالعمل عن قرب مع مجلس الإنعاش (Resuscitation Council)– في تطوير التخطيط الجديد للرعاية الطارئة التي تعرف باسم (ReSPECT)، والتي يستخدمها مختصو الرعاية الصحية في أنحاء البلاد. هناك تقنيات جديدة، بما فيها روبوتات الدردشة والخدمات الصوتية الحساسة والمبتكرة، يتم الآن تطويرها للمساعدة في دعم المرضى والقائمين بالرعاية أثناء تقديم الرعاية في المنازل أو في دور رعاية المحتضرين. وهناك مشروع جديد يتناول مستقبل الرعاية في دور رعاية المحتضرين، إذ يبحث في الاحتياجات النفسية التي لا يتم تلبيتها لمن هم في آخر الحياة، وهو بهذا يعتبر تجسيداً للتصميم المرتكز على البشر. ومن المشاريع الأخرى في مركز هيليكس أدوات من أجل "تهيئة" المرضى قبل استئصال الرحم، بما في ذلك القرارات حول الجراحة والرعاية الصحية بعد العملية الجراحية وبعد التعافي، وأعمال تأهيل من أصيبوا بسكتة دماغية، وإجراء اختبارات على سلامة أدوية الطوارئ في طب الأطفال.

تأسس مركز الابتكار في عيادة مايو كلينيك في العام 2008، ليصبح أول مركز لابتكارات الرعاية الصحية يوظف فريقاً من المصممين المقيمين. تحت شعار مايو كلينيك "احتياجات المريض أولاً"، يستخدم المركز تصميماً يركّز على الإنسان لتحويل شكل تجربة الرعاية الصحية وطريقة تقديمها. وقد عملت فرق متعددة التخصصات تتكون من مصممي الخدمات وأطباء ومدراء مشاريع ومختصين في تقنية المعلومات ومنسقي الابتكار وموظفين في المستشفى ومرضى بمشاريع تشمل إعادة تصميم غرفة الفحص السريري، التي لم يطرأ عليها تغيير منذ 100 عام، إضافة إلى تقديم عروض مهمة لتوفير الرعاية الصحية عبر وسائل الاتصال الإلكتروني بما في ذلك الاستشارات الإلكترونية وزيارات الفيديو وتطبيقات خاصة بالمرضى.

كما اشتمل مشروع ناجح مؤخراً تعاوناً بين المركز وبين موظفين ومرضى من مركز مايو أوب/جين (Mayo Ob/Gyn) لتحسين تجربة المرضى ما قبل الولادة. تضمن المشروع العديد من التجارب بما في ذلك المراقبة المنزلية والمواعيد التي يحددها المريض ومجتمعات الإنترنت. كانت نتيجة التعاون التوصل لنموذج للرعاية المتكاملة (OB Nest) يركز على راحة المرضى ويُدمج نموذج الرعاية المستخدم في حالات الحمل منخفضة الخطورة والمطبق الآن في قسم التوليد وأمراض النساء في مركز مايو. يقلل النموذج الناتج من زيارات المرضى ويحسن من رضا العملاء (انظر لمقالة هارفارد بزنس ريفيو على موقع OB Nest هنا).

بالنسبة لمركز كونسورتيوم للتقنيات الطبية المعقولة السعر المعروفة اختصاراً باسم "كام تك" (CAMTech)، الذي تأسس في العام 2012 ومقره في مركز مسشفى ماساتشوستس العام للصحة العالمية، فهو يجمع فرقاً متعددة التخصصات من محترفي وغير محترفي الرعاية الصحية للمشاركة في تصميم حلول جديدة للتحديات الصحية التي تواجه الولايات المتحدة والعالم من خلال برامج جوائز هاكاثون للابتكار ونشاطات تسريع الأعمال. تُعد "كام تك" منصة ابتكار مفتوحة تضم الآن شبكة من 4,300 وأكثر من المهندسين والأطباء ورجال الأعمال والمصممين من أكثر من 700 مؤسسة. ولتوليد الأفكار، يُجري المركز في كثير من الأحيان تحدٍ يهدف لتحقيق اختراقات في الابتكار على مدى يومين يركز على صعوبات محددة في الرعاية الصحية.

على سبيل المثال، في العام 2015، نظم مركز كونسورتيوم اجتماع "زكا" العالمي للمخترقين في الابتكار، قام فيه 200 مبتكر بتطوير 15 حلاً مقترحاً خلال 48 ساعة للمساعدة في السيطرة على فيروس. وفي العام 2016، ركزت نسخة أخرى من الاجتماع على أزمة استخدام الأفيون في ماساتشوستس ونتج عن ذلك 18 ابتكاراً مقترحاً. كما أدى أحد اجتماعات المطورين إلى تطوير جهاز إنعاش الرضيع المعزز، وهو إضافة غير مكلفة على قناع صمام التنفس (يضيف تحسيناً كبيراً على الطريقة التي تقدم بها القابلة التنفس لحديثي الولادة). لقد حاز الجهاز مؤخراً على منحة بقيمة 2 مليون دولار لتوسيعه وتجربته في غانا وأوغندا والهند، ما يجعله قريباً من التوظيف التجاري.

الصعوبات

مع أنّ لدى المراكز الثلاثة بنى وعمليات مختلفة، وجدنا في بحثنا أنهم يشتركون في 6 تحديات أساسية:

1- وضع استراتيجيات لاختيار المشاريع الجديدة:

تعمل المراكز جاهدة لتحديد وتصنيف المشاكل والأفكار والمشاريع التي لديها الإمكانية لأن تُترجم إلى نتائج إيجابية في الصحة والمنظومة. على امتداد الرعاية الصحة، هناك مشكلتان متلازمتان تضران باختيار المشروع: "لقد قمنا بهذا من قبل" و"لم يُبتكر هنا". تفتقر المراكز لمعايير مجربة في اختيار المشاريع، وقد تعاني في موازنة الاحتياجات اللازمة لإحداث التأثير الاجتماعي من ناحية مع العوائد المالية الجيدة من ناحية أخرى.

2- تحديد نطاق المشاريع من أجل النجاح وإدارة الطموح:

تتسم فرق التصميم متعددة التخصصات بأنها بطبيعتها متفائلة وطموحة. لكن هذا الشغف قد يدفع الفرق لأن تثقل كاهلها بمسؤوليات تتجاوز أداء الواجب. كما قد يصّعب هذا على القيادة التوصل لاتفاق يحدد نطاق وموارد المشاريع بالشكل الأنسب، يضاف إلى ذلك، صعوبة تعليق المشاريع (أو قتلها) عند الحاجة. بالنتيجة، يؤدي هذا لتبديد تفاؤل وطموح الفريق على أنشطة تفتقر إلى التركيز.

3- إدارة فرق تشتمل على العديد من أصحاب المصلحة من الأطباء والمصممين والمهندسين ومدراء الأعمال:

يجعل تنوع أصحاب المصلحة مشاريع التصميم التعاوني عادة متضاربة في الحوافز ووجهات النظر والأساليب، وخاصة عندما يعمل هؤلاء بمقتضى أدوارهم المحددة مسبقاً. فالمصممون يتبنون غالباً الكمية والسرعة في توليد الأفكار مع نماذج تجريبية سريعة وغير نهائية. أما الأطباء، بالمقارنة، فهم حذرون ودقيقون وعلميون في منهجهم عندما يتعلق الأمر بحل المشاكل، وربما يبدون صارمين وبيروقراطيين. وبدورهم يميل المساهمون في المشروع نحو الفكر قريب الأجل أو طويل الأجل – وفي حين يُنظر لأصحاب الفكر القصير الأجل على أنهم محسنّون للجودة، يُعتبر أصحاب الفكر طويل الأجل منفصلين عن الواقع.

4- تجنب الضغوط لإظهار قيمة سريعة:

يرغب رعاة المشاريع في كثير من الأحيان بالتوصل لاختراق أو ابتكار مزعزع أو مغيّر، لكنهم يفشلون في شرح ما يعني ذلك، أو يفشلون في دعم الإطار الزمني الأطول المطلوب لإظهار وتقديم قيمة ما. فالرعاة غالباً ما يقيّمون الأفكار المقترحة من حيث ملاءمتها وعائدها المادي في مرحلة مبكرة، وهو أمر ينتج عنه تفضيل المشاريع التي تعد بعائد أسرع على الاستثمار على حساب المشاريع التي تنطوي على مخاطرة أكبر على المدى البعيد.

5- وضع مقاييس مناسبة للأداء وإسناد النتائج:

المخاطرة جزء أصيل من الابتكار، وهي ما تجعل من الصعب تحديد صافي العوائد والنطاق الزمني المستهدف. لهذا فإنّ الأهداف غير الواقعية أو عدم وجود أهداف وتوقعات مالية وغير مالية قد يقيد معنويات الفريق. لكن في بعض الأحيان لا يكون لدى مراكز الابتكار مقاييس واضحة للتمييز بين الحاجة إلى النجاح والحاجة إلى التدرج فيما يتعلق بالابتكارات المتعلقة بحياة الإنسان، كما تظهر مشاكل تتعلق بإسناد النتائج عندما تُنفذ المشاريع خارج جدران مراكز الابتكار وهي عادة تستغرق وقتاً لتأتي بالعوائد.

6- تحديد ودعم المسارات اللازمة التنفيذ:

في كثير من الأحيان، تحتاج نتائج مشاريع الابتكار الناجحة، كالمنتج أو الخدمة أو نتائج البحث، إلى أنواع ودرجات مختلفة من الدعم للانتقال إلى المرحلة التالية من التطوير. ولا يكون دائماً واضحاً الجواب الفوري على السؤال "من يقوم بالتنفيذ وكيف؟".

توصيات

على الرغم من التحديات، أظهرت هذه الأشكال من التعاون أنها واعدة في تسريع الابتكار في مجال الرعاية الصحية وأنسنته. بالنسبة للمؤسسات التي لديها مسبقاً مراكز ابتكار، أو المؤسسات التي تنوي تطوير مراكزها، عليهم الأخذ بالاعتبار الأفعال التالية التي يمكنها التقليل من العبء الذي تشكله هذه التحديات على الابتكار أو التحايل عليه على الأقل:

  • ضع غاية محددة توحد الجهود، واعمل فقط على نشاطات تدفع الغاية للأمام.
  • حاول إنشاء منتديات للمساهمين في المشروع للتعلم عن مختلف الطرق في حل المشاكل.
  • طوّر طرقاً وأدوات لأصحاب المصلحة للمشاركة في الابتكار، بحيث تضمن تحقيق أقصى ما يمكن من التفاعل في ظل تقييدات الموارد.
  • ضع قائمة بمدراء المشاريع واحرص على تحديد واضح لأدوار ومسؤوليات جميع موظفي المركز.
  • حدد ميزانية المشروع ونطاق مشاريع التصميم في البداية كي تتماشى مع حجم وأفق التمويل.
  • ضع المقاييس الأولية للعمليات والأداء مثل النسبة من مفاهيم الابتكار التي يُتوقع أن تُنفذ، وعدد الأطباء والمرضى الذي يتوقع مشاركتهم في عملية الابتكار المشترك، وأنواع حقوق الملكية التي يتوقع أن تُنتج، ومخططات زمنية قائمة على مراحل.
  • كن مستعداً لتعديل المقاييس مع تطور المركز واحتف بالمكاسب الصغيرة.

يوفر ما سبق صورة سريعة عن مبادئ التصميم التي بوسعها أن تمكّن لتأسيس مركز للابتكار التعاوني، ولاسيما الابتكار في مجال الرعاية الصحية. تُظهر لنا هذه المراكز الرائدة إمكانيات التصميم المرتكز على البشر، ومع أنّ الأمر لا يزال في المراحل الأولى، إلا أنه يجهز الأرضية التي تحدد طريقة إعادة تصميم الرعاية الصحية لنفسها من الداخل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي