شعور الإنسان بأنه منتصر يغيّر نظرته إلى مفهوم العدالة

3 دقائق
الشعور بالانتصار

هل تتغير معتقداتك حول العدالة والمهارة والثقة بناءً على ما إذان انتابك الشعور بالانتصار أو إذا كنت تشعر بأنك مهزوم؟ وكيف يسهم الشعور بالانتصار في تعزيز مفهومك للعدالة؟

الإجابة هي نعم، وفقاً لبحث جديد أجراه كل من جازمين براون – لانوزي، وكريستين لوندبيرغ، وكيث باين من "جامعة إن واي سي تاشبيل هيل" وكذلك آرون كي من "جامعة ديوك". فبغية استكشاف هذه القضايا، استعمل الباحثون لعبة على الإنترنت لطرح أسئلة حول قضية ساخنة محددة، وهي: إعادة توزيع الثروة في المجتمع.

وقد أجرى الباحثون سلسلة من التجارب في أثناء كتابتهم لهذه الورقة الجديدة. وتعتبر واحدة من هذه التجارب ملفتة للانتباه. فقد صمموا لعبة إلكترونية على الإنترنت تستند إلى سوق الأسهم (البورصة) وأعطوا المشاركين 40 سنتاً أميركياً ليستثمروها فيما يصل إلى ست "شركات" مختلفة، يفترض أنها تستند إلى شركات حقيقية. ولجعل اللعبة تبدو واقعية، أعطى الباحثون إلى المشاركين توصيفات لكل شركة، والأداء السابق للسهم، ومكررات ربحية السهم، وإرشادات لتساعدهم في تفسير كل المعلومات. وقد قال الباحثون للمشاركين في التجربة بأنه بعد تحديد اختياراتهم الاستثمارية، فإن الكومبيوتر سيشارك لمدة 6 أشهر في النشاط الفعلي في سوق الأسهم.

وما حصل فعلياً هو أن تحديد الرابحين والخاسرين بين صفوف المشاركين جرى بطريقة عشوائية. حيث أخبر الباحثون ثلث المشاركين بأن أداءهم كان "أفضل من أداء 89% من جميع اللاعبين حتى هذه اللحظة"، في حين أخبروا الثلث الثاني من المشاركين بأن أداءهم كان "أسوأ من أداء 89% من جميع اللاعبين حتى هذه اللحظة"، أما الثلث الثالث والأخير من المشاركين (وهي مجموعة الضبط والمراقبة) فلم يُقل لهم أي شيء حول أدائهم بالمقارنة مع الآخرين.

أخيراً، خفّض الباحثون مكاسب كبار الرابحين بنسبة 20% لتعويض خسائر الأشخاص ذوي الأداء الأضعف، في حين تلقى هؤلاء الأشخاص ذوو الأداء الأضعف علاوة تساوي 25% من أصولهم.

وبعد كل هذه التداولات والنشاطات، طلب الباحثون من المشاركين في اللعبة تقديم توصياتهم بخصوص التغييرات التي يجب إدخالها على شروط إعادة توزيع الأرباح. وقد سئلوا عما إذا كانوا يوصون بأن يحتفظ الفائزون بمقدار أكبر من أرباحهم، أو التبرع بقدر أكبر منه؟ وما حجم العلاوة التي يجب أن يتلقاها الخاسرون؟

وكما يمكن أن تتوقعوا، كان الرابحون يميلون إلى معارضة إعادة التوزيع. أما بالنسبة للخاسرين، فقد كادوا يتحولون إلى اشتراكيين؛ حيث إن معظمهم لم يمانع الإبقاء على الوضع الراهن. أما مجموعة الضبط والمراقبة، فقد كانوا في منزلة بين المنزلتين، لكنهم كانوا أقرب إلى الرابحين.

وطلب الباحثون من "المستثمرين" أيضاً تقييم مدى الإنصاف في كل من اللعبة وفي نظام أميركا الاقتصادي. وقد كان الرابحون أميل بكثير من الخاسرين إلى الاعتقاد بأن اللعبة المزيفة تماماً والنظام الاقتصادي الأميركي الحقيقي تماماً كانا عادلين ومنصفين. ومرة أخرى، كانت مجموعة الضبط والمراقبة أقرب إلى المجموعة ذات المكانة الأرفع.

العلاقة بين الشعور بالانتصار وتعزيز مفهوم العدالة

من الواضح إذاً أن معتقداتنا تتغر اعتماداً على ما إذا كنا قد ربحنا أو خسرنا (وما إذا كنا نعرف النتيجة أصلاً). لكن هل يغيّر الربح أو الخسارة طريقة تفسيرنا لمعتقدات الآخرين؟

للإجابة عن هذا السؤال، أعاد الباحثون التجربة، دون استعمال مجموعة ضبط ومراقبة (بما أن سلوكهم كان مشابهاً لسلوك الرابحين) وطلبوا من المشاركين، هذه المرة، تصنيف التوصيات الضريبية للمجموعة السابقة وتقييم مدى انحيازها. وقد خلصوا –بعد الكثير من الحسابات الرياضية– إلى أن اللاعبين الذين أوصوا بإعادة توزيع مقدار أكبر من الثروة كان يُنظر إليهم على أنهم أكثر انحيازاً جراء اهتمامهم بمصالحهم الذاتية، ولكن فقط من قبل الرابحين. وكان يُنظر إلى اللاعبين الذين أرادوا خفض إعادة توزيع الثروة على أنهم أقل انحياز نسبياً، لا بل والملفت أكثر بأنهم حظوا بالنظرة ذاتها من قبل الرابحين والخاسرين على حد سواء.

المهم في الأمر هو أن الباحثين وثّقوا –ومن خلال دراستين إضافيتين– بأن يكون المرء رابحاً أو خاسراً موضوعياً ليس هو ما يغير وجهة نظره ويجعله يشك في أن الآخرين منحازين، وإنما هذا الشعور يعتمد على أسس ذاتية.

ربما تساعدنا هذه الدراسة في تفسير سبب استمرار معارضة المصوّتين الأمركيين في الانتخابات العامة معارضين لإعادة توزيع أكبر للثروة، على الرغم من التفاوت المذهل في الدخل داخل أميركا. إذا كان وجودك في القمّة يجعلك تتجنب مفهوم المشاركة والتقاسم وأكثر ميلاً إلى النظر إلى من يخالفونك الرأي على أنهم منحازون، في حين أن الناس الموجودين في القاع هم وإلى حد كبير يقبلون الوضع الراهن، وإذا كان الناس الذين لا يعلمون مرتبتهم ضمن هذا النظام التراتبي يتصرفون مثل الناس الموجودين في القمة، وإذا كان الجميع أقل شكاً في الناس الذين يرغبون في تقليل إعادة توزيع الثروة بالمقارنة مع الأشخاص الذين يريدون زيادة إعادة توزيع الثروة –فإن 60 عاماً من تراجع معدلات الضريبة تبدو فجأة غير مفاجئة.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي