تبدو الإنترنت للناظر وكأنها شيء موجود في الهواء، لكن الشبكة العنكبوتية تتضمن فعلياً شبكة واسعة من "مراكز البيانات" (data centers)، والخوادم التي تحتاج إلى الطاقة للعمل. خلال العام 2010، شكّل ما تستهلكه مراكز البيانات من الطاقة 2% من كامل الكهرباء المستهلكة في الولايات المتحدة الأميركية. أما على المستوى العالمي، فإن ذلك يكافئ 2% من حجم جميع الانبعاثات السنوية المرتبطة بالتغيّر المناخي.
ورغم أن هذه النسبة لا تبدو كبيرة، فإنها تعادل تقريباً الأثر الذي يتركه شحن جميع البضائع حول العالم كل عام. وإذا ما أراد العالم بلوغ مستويات أعلى من الكفاءة، وتحقيق أهدافه في في كبح تغير المناخ، فإن الطاقة المغذية للإنترنت لديها دور يمكن أن تؤديه في هذا الصدد.
لكن البشرى السارة هي أن الإنترنت التي تعمل بالطاقة المتجددة، باتت أقرب مما يعتقد الكثيرون، فالشركات الرائدة تعلم الآن أن تزويد مراكز البيانات بالطاقة المتجددة، هي طريقة منخفضة التكلفة لتُظهر التزامها بالأهداف الرامية إلى الحد من التغيّرات المناخية في العالم، عدا عن أن ذلك يجعل عملية استهلاك الطاقة في هذه المراكز أكثر موثوقية، ويزيد من القدرة على التنبؤ بحجم هذا الاستهلاك. كما أن تكاليف الطاقة المتجددة تشكل الآن تنافسية في العديد من الولايات الأميركية، مثل تكساس وكاليفورنيا.
وتوفّر الطاقة النظيفة إمكانية التحوط ضد أسعار الطاقة الكهربائية الآخذة بالتزايد، والتي تشهد تقلبات وتذبذبات متنامية، ففي الآونة الأخيرة، وكمثال من شركة مرموقة في هذا المجال، أعلنت شركة "هيوليت-باكارد" (آتش بي) (HP) خلال يوليو/تموز من العام 2015، أنها ستزود جميع مراكز البيانات التابعة لها في تكساس بطاقة الرياح ولمدة 12 عاماً، الأمر الذي سيمكّنها من خفض تكاليفها التشغيلية. ونحن نعمل مع شركة "هيوليت-باكارد" (آتش بي) (Hewlett Packard Enterprise) و9 شركات تكنولوجيا أخرى على تحقيق هدف آخر يتمثّل بتشغيل الإنترنت بنسبة 100% بالطاقة المتجددة عبر مبادرتنا الخاصة في هذا المجال والتي تسمّى "مبادرة مستقبل طاقة الإنترنت".
الشيء المؤكد في هذا المجال، هو أن كفاءة مراكز البيانات التي تسمّى أيضاً "مزارع خوادم الإنترنت" يمكن تحسينها بشكل كبير، والعديد من الشركات أخذت تصمم خوادم أنيقة جداً تستهلك كميات أقل من الطاقة. ومهما ازدادت درجة ذكاء تصميم الخوادم، فإن مصادر الطاقة المستعملة لتوفير الكهرباء لمراكز البيانات ستترك أثراً أكبر على كفاءتها الإجمالية وعلى الحد من حجم الانبعاثات الغازية. وهذا هو السبب الذي يجعل الطاقات المتجددة تكتسب شعبية متزايدة كبديل للفحم وغير ذلك من المصادر الطاقية المعتمدة اعتماداً كثيفاً على الكربون، والمستخدمة لتشغيل الخوادم.
وخلال العام 2015، خلصت "وزارة الطاقة" الأميركية، وعبر مختبرها الوطني لأبحاث الطاقة المتجددة، إلى أن أكثر من 100 شركة معلوماتية وتكنولوجية تستهلك ما يعادل 1.5% من الكهرباء في أميركا، تحصل على 14% منها من مصادر متجددة. وقيّمت هذه الدراسة القدرات الكامنة للطاقة المتجددة على تشغيل الإنترنت، ووجدت أن هذه النسبة قد تصل إلى ما بين 30% و50% خلال فترة لا تزيد على 5 أعوام بسبب الالتزامات التي تعهدت بها شركات معيّنة.
وثمة إشارات واضحة على حصول تحول محتمل في مصادر الطاقة وفي استهلاكها، ويتعين على مدراء التكنولوجيا والخدمات العاملين في مجال الحوسبة السحابية، البدء بإيلاء الاهتمام لكيفية الاستفادة من هذا الوضع. وفيما يلي الأسباب التي تثبت أن الآن هو الوقت المناسب للاستثمار في مصادر الطاقة البديلة لاستعمالها في الإنترنت:
- الطاقة المتجددة يمكن أن تساعد على التقليل من التكلفة. تشير معظم التوقعات الموثوقة إلى أن تكلفة الكهرباء المولدة بالطاقة المتجددة ستنخفض، في حين أن تكلفة العديد من مصادر الطاقة التقليدية سوف تزداد. وعلاوة على ما سبق، فإن التقلبات والتذبذب في أسعار الكهرباء – بل وحتى في موثوقية الخدمة بحد ذاتها – آخذة بالتزايد. وستصبح الطاقة المتجددة المصدر المنخفض التكلفة في عدد من الأماكن، علماً بأن أعداد هذه المواقع في تصاعد. ولا يزال العديد من المدراء الذين نتحدث إليهم يعتقدون خطأ بأن إمدادات الطاقة المتجددة ما زالت تعاني من "التقطع". صحيح أن الطاقة المتجددة ليست متوفرة في جميع أوقات النهار، لكن الصحيح أيضاً هو أنه يمكن تنبؤ ساعات توفرها بدقة، عدا عن أن الأدوات المستخدمة في عملية التنبؤ هذه تتحسن يومياً. وبالتالي فإن أدوات التنبؤ والاستثمار الأفضل يمكن أن تساعد هذه المشاريع المعنية في تلبية الأهداف المتعلقة بخفض التكاليف.
- لم يسبق أن كان هناك خيارات أكثر من الخيارات الحالية في مجال الطاقة الكهربائية المولّدة من الطاقة المتجددة، والتي تعتبر شكلاً جديداً من أشكال مصادر الطاقة الكهربائية. كما أن دخولها إلى السوق فتح أبواباً جديدة ومنح خيارات إضافية إلى جانب شركات الكهرباء التقليدية، ناهيك عن إمكانية تجاوز هذه الخيارات التقليدية أصلاً. وإضافة إلى ذلك، فإن الطلب المتزايد من الشركات التكنولوجية العملاقة دفع العديد من مزوديها بمراكز البيانات إلى تبني هذه الخيارات والاطلاع على فوائدها. ويمكن للمدراء التوقف عن الاعتماد على شركات الكهرباء المحلية من خلال إضافة طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى المكاتب والمنشآت الأخرى، بهدف تزويد الخوادم الأصغر ومراكز البيانات المحلية بالطاقة.
- هناك مكاسب كثيرة يحققها من يدخل هذا المجال مبكراً، وهناك مخاطر تترتب على من يتأخرون في الدخول إلى مجال الطاقة المتجددة. أعلنت شركة "جوجل" مؤخراً عن هدفها بالتحول إلى جهة غير مضرة بالمناخ. في حين أن شركات أخرى مثل "فيسبوك" و"أدوبي" قطعت على نفسها وعوداً كبيرة بخصوص الطاقة. وثمة 40 شركة تقريباً، بمن فيها "إيكيا"، و"أوتوديسك"، و"وول مارت"، التزمت بالانتقال إلى الطاقة المتجددة بنسبة 100%، من خلال مبادرة خاصة بالطاقة المتجددة تدعى (RE100 initiative). وبالنسبة للاتفاق العالمي الخاص بالمناخ والذي توصلت إليه 196 دولة في باريس، السبت 12 ديسمبر/كانون الأول من العام 2015، فسوف يسرّع هذا التوجه أكثر وسيعطيه زخماً إضافياً، فهذه الالتزامات تبعث برسائل قوية بخصوص الطلب إلى كل من شركات الكهرباء، والمطورين، وزبائن الشركات.
- بعض الدول والبلدان تقدّم صفقات جيدة. فأسواق الكهرباء خاضعة للتنظيم من الدول والبلدان التي تطبّق سياسات متباينة للغاية فيما بينها. ففي بعض المواقع، تشهد الطاقة المتجددة تنامياً سريعاً بسبب الأنظمة والتشريعات السائدة، وبسبب الحوافز التي تمكّن الزبائن التجاريين من التفاوض مباشرة مع مزودي الكهرباء والمطورين أو من بيع الفائض في السوق. فمجموعات مثل "مستقبل طاقة الانترنت" التابعة لشركة "بي إس آر" (BSR) و"مركز الطاقات المتجددة الخاصة بقطاع الأعمال" والتابع لـ "معهد روكي ماونتن"، تساعد الزبائن في العثور على الفرص المناسبة ضمن هذا الجو المعقد.
باتت الإنترنت العاملة على الطاقة المتجددة بنسبة 100% في متناول اليد. وبالنسبة لقطاع الأعمال، هذا يعني المزيد من الخيارات، وتكاليف أقل، وموثوقية أكبر، وإلى جانب هذه المكاسب كلها هناك موضوع تلبية أهداف الشركة والأهداف المتعلقة بالحفاظ على المناخ في العالم. فإمدادات الطاقة لدينا تمر حالياً بعملية تحول لا تحصل إلا مرة واحدة في القرن. وهذه التحولات النادرة تحصل بالضبط عندما تبرز على الساحة الشركات التي تسبق التوجهات الاجتماعية السائدة وتضطلع بدورها بوصفها من قادة الاقتصاد المقبل.