لم يمض سوى أسابيع على تسلمي مهام أول وظيفة بعد تخرجي حتى أُلحقت ببرنامج تدريب داخلي حول إدارة الوقت. وقد واظبت على حضور البرنامج واستخدمت المخطط وفق ما أُملي عليّ من تعليمات. مرّت أسابيع من الأداء الملتزم إلا أنني لاحظت عدم تحسّن إنتاجيتي، ولم أكن وحدي في هذه المشكلة. فعندما تأملت عمل زملائي، لاحظت أن العديد منهم يواجهون تحديات حقيقية في تعاملهم مع المنظومة.
ووجدت أن السبب بسيط؛ فلا يوجد نهج موحد لتحقيق الإنتاجية المأمولة. ينصبّ تركيز برامج إدارة الوقت مهما تنوعت على كيفية التخطيط للوقت، وحسن مراقبة الدقائق والساعات والأيام التي تنفقها في تنفيذ مهام أو أنشطة بعينها. قد يكون هذا النهج مجدياً لبعض الموظفين في بعض الوظائف، ولكنه لن يكون مجدياً مع موظفين يتبنّون نهجاً مختلفاً في التفكير والتعلم والتواصل والتنفيذ، وينهضون بمسؤوليات متجددة متنوعة.
لذلك، علينا أن نضفي الطابع الشخصي على مستوى الإنتاجية؛ أي أن نطبق استراتيجيات عمل متوافقة مع أسلوب كل موظف في تحصيل المعرفة، وتخطيط الجهد وتنظيمه بطريقة تناسب ما يتمتع به من نقاط قوة وما يفضله من خيارات.
المفارقة هنا هي أن أغلبنا يؤدي ذلك فعلاً دون أن يدري، فنحن في النهاية أمام أنماط اعتيادية لإدراك المعلومات ومعالجتها وإدارتها، وهي التي تؤثر في سلوكنا. ولكن انشغالنا بتطبيق العديد من البرامج والنصائح والأدوات "المجربة"، بدعم من فرق الاستشاريين والأكاديميين والممارسين، يعوقنا في أغلب الحالات عن مسايرة مسلكنا الفطري.
صممنا هذا التقييم المستند إلى أبحاث علم النفس وعلم الإدارة لمساعدتك على تحديد أسلوبك الشخصي في تحقيق الإنتاجية الفردية وتطبيقه. هل تجيد تحديد الأولويات؟ هل تجيد وضع الخطط؟ أم تبرع في التنظيم؟ أم أنك ماهر في وضع التصورات؟ ما إن تحدد نقطة قوتك، ستتمكن من إدارة حياتيك المهنية والشخصية بفعالية أكبر وتحقيق أهدافك بكفاءة أعلى.
لنأخذ مثالاً على ذلك. من يجيد تحديد الأولويات ميال إلى التفكير المنطقي التحليلي المبني على الحقائق والتفكير الواقعي الناقد. وحتى يزيد كفاءته عليه أن يحدد الزمن اللازم لإتمام مهام معينة حتى يتسنى له تخطيط أيام العمل وأسابيعه وتقسيمها بدقة أكبر. هذا النهج من أفضل الممارسات المعروفة، وأقرب إلى النجاح مع من يجيد وضع الخطط ويعالج المعلومات بطريقة منظمة ومتسلسلة ومفصلة، ولكنه نهج يقيّد خيال صاحب الرؤى والتصورات الذي يُعد من ذوي التفكير الشامل والحدسي والتكاملي الذين يتعزز إبداعهم (وتزداد كفاءتهم) كلما تنوعت المهام واتسعت مرونة الجدول الزمني. ويستفيد من يبرع في التنظيم ويجيد التعبير عن اهتماماته وعواطفه من سياسة مرنة في إدارة الوقت تمكنه من الإحاطة بمستويات نشاطه وقدرته على التركيز ليخطط لعمله بناءً على ذلك، وفي حينه.
لن تستفيد من أحدث تطبيق ذكي أو خطة لتحديد الأولويات أو استراتيجية لفرز رسائلك الإلكترونية وتصنيفها إن تعارضت مع أسلوبك في التفكير ومعالجة المعلومات. فلا بد من تصميم استراتيجيات إنتاجيتك وفقاً لصفاتك ونقاط قوتك أنت، وليس أي شخص آخر، وفي ذلك نجاح حياتك.