في فصل الصيف، ألاحظ مجدداً تردد الزملاء والموظفين في الاعتراف بأنهم ينوون أخذ إجازة وإبلاغ الآخرين بموعد هذه الإجازة.
بصفتي الرئيس التنفيذي، أجد هذا الأمر محبطاً للغاية؛ إذ يؤدي ترتيب زيارات العملاء والاجتماعات الداخلية، ثم اكتشاف أن أحد المشاركين الأساسيين سيكون في إجازة إلى إهدار الوقت والجهد اللذين بُذلا في التخطيط والترتيب لهذه الأنشطة. طالبنا الموظفين مراراً وتكراراً وتوسلنا إليهم بضرورة تحديد أيام إجازاتهم، حتى وإن كانت هذه المواعيد غير نهائية. لكي أكون منصفاً، فإن بعض زملائي، الذين يتحلون بقدر من الثقة بالنفس والمسؤولية، يبلغون عن إجازاتهم مسبّقاً، لكن لا تزال ظاهرة الإجازات غير المعلنة مستمرة.
على الرغم من ذلك، فإنني أدرك أن شركتي ليست الشركة الوحيدة التي تعاني هذه المشكلة. تُظهر الدراسات باستمرار أن الأميركيين يعانون رهاب الإجازات؛ إذ يتركون نحو نصف إجازتهم السنوية المدفوعة الأجر دون الاستفادة منها. تشمل الأسباب المذكورة تجنب تراكم العمل عند العودة من الإجازة، أو الخوف من استبدال موظفين آخرين بهم، أو الاعتقاد أن العمل لن يسير بسلاسة دون وجودهم، وهو ما يمكن وصفه بـ "عقدة الموظف الذي لا يمكن الاستغناء عنه". بطبيعة الحال، يؤدي وجود موظفين يمارسون دور الموظف الذي لا يمكن الاستغناء عنه داخل المؤسسة إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يتبنون النهج نفسه، ما يضع ضغطاً على الموظفين الآخرين لإظهار المستوى نفسه من التفاني والتضحية بالنفس.
ربما يكون هذا السلوك أكثر انتشاراً في مجال عملنا في الخدمات المالية. خلال فترة عملي في إحدى المؤسسات المالية التي عملتُ فيها مدة 22 عاماً قبل أن أشارك في تأسيس شركة أوريوس (Aureus)، كنت أقابل أحياناً أحد مدراء الأموال المخضرمين في بهو المبنى، عندما أكون متوجهاً لاستخدام المصعد للصعود إلى مكاتبنا. كان يتفاخر بوضوح بوصوله إلى المكتب قبل ساعة على الأقل من بدء الدوام الرسمي وإنجازه العديد من المهام خلال هذه الفترة وأنه الآن يعود إلى مكتبه بعد أخذ استراحة قصيرة للحصول على القهوة. كنت أقف هناك، الساعة 7:45 صباحاً، وأشعر بالغيرة وعدم الكفاءة، وهذا بالضبط ما كان يهدف إليه.
الآن، بصفتي قائداً، أسعى إلى تشجيع الموظفين على أخذ قسط من الراحة والابتعاد عن بيئة العمل قليلاً. لم يسبق أن رفضنا طلب إجازة لأي موظف على الإطلاق، حتى خلال الفترات الحرجة، على سبيل المثال، لم نرفض طلبات الإجازة للموظفين الذين لم يمر سوى فترة شهر واحد على تعيينهم، أو طلبات الإجازة خلال أول أسبوعين من السنة (وهي الفترة التي نعاني فيها ضغطاً كبيراً في العمل في شركتنا). نحن نحاول أن نكون أسخياء ومرنين فيما يتعلق بالإجازات المدفوعة الأجر، إذ نقدم إجازة مدتها 3 أسابيع للموظفين الجدد، وتزداد هذه المدة تدريجياً بمرور الوقت لتصل إلى 5 أسابيع بعد مرور 12 عاماً من الخدمة.
ماذا نتوقع في المقابل من الموظفين؟ نحاول توزيع إجازات الموظفين بحيث لا تتزامن جميعها خلال الفترة نفسها، ولا سيما خلال فصل الصيف أو في الأيام القريبة من عيد الميلاد، ونطلب من الموظفين كافة نشر خطط إجازاتهم في تقويم برنامج البريد الإلكتروني "آوتلوك" (Outlook) المشترك فور تحديدها. لكن بناءً على الملاحظات والإشعارات الفعلية الواردة في جدول الإجازات، فإننا نفشل فشلاً ذريعاً في إقناع الجميع بالامتثال لهذا الطلب.
لحل هذه المشكلة، نحاول التركيز بصورة أكبر على العمل الجماعي والتعاون والتنسيق. يُعد تطبيق هذه المبادئ أمراً صعباً في قطاع يقدّر ساعات العمل الطويلة والمُرهقة والتفاني الشديد في العمل؛ إذ يُعد عدد ساعات الحضور إلى المكتب وقلة الوقت الذي يقضيه الموظف خارج العمل من أهم معايير تقييم قيمة الموظفين بالنسبة للشركة. يشير بعض الأبحاث إلى أن الموظفين الذين نشؤوا في بيئات عمل تقدّر ساعات العمل الطويلة، يعتادون إخفاء فترات إجازاتهم، وقد يحصلون حتى على مكافآت مقابل ذلك السلوك.
لمواجهة هذه الثقافة المرتبطة بالقلق وإخفاء الإجازات، بذلتُ جهوداً كبيرة لتوضيح خطط إجازتي وشجعت كبار الموظفين الآخرين على اتباع النهج نفسه. يرتبط جزء من هذا الأمر بالثقة، ففي بيئة عملنا التعاونية، يعتمد جزء كبير من نجاحنا على المناقشات الحيوية التي تجري ضمن المجموعات الصغيرة، ولا يمكن إجراء هذه المناقشات إلا في بيئة عمل وثقافة قائمتين على الاحترام المتبادل والثقة، وبالتالي يؤدي انعدام الشفافية بشأن وقت وجودنا في المكتب إلى إضعاف تلك الثقة المتبادلة.
بدأنا أيضاً بتضمين مناقشة حول موظفينا الذين سيغيبون خلال الأسبوعين المقبلين، سواء بسبب سفريات العمل أو الإجازات، في جدول أعمال اجتماعنا الأسبوعي الوحيد مع الفريق. يمثّل هذا الإجراء ملخصاً مفيداً حول الموظفين المتاحين خلال هذه الفترة، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى ضغوط غير مباشرة على الزملاء للمشاركة في برنامج توزيع الإجازات.
يبدو من غير المنطقي أن يتسبب الإعلان عن الإجازات في الشعور بالضغط، لكن بمجرد أن نتقبل الحاجة إلى أخذ قسط من الراحة، فأنا متأكد أن الشعور بالذنب أو الضغط المرتبط بأخذ الإجازات سيختفي. لا يُفترض أن يتسبب إقرار الموظفين برغبتهم في أخذ إجازة في وقت لاحق من هذا الأسبوع أو في الأسبوع المقبل في شعورهم بالخجل؛ إذ لا يُعد ذلك بمثابة الاعتراف بسلوك غير لائق أو غير أخلاقي. إنها مجرد إجازة، وهم يستحقونها بالتأكيد.
إذا التزم الموظفون بنشر أيام إجازاتهم التي ينوون الحصول عليها مسبّقاً خلال ربع سنة كامل، فسأمنح الشركة بأكملها يوم إجازة إضافياً.
وسأصدر أمراً للجميع بضرورة أخذ هذا اليوم الإضافي للراحة.