الإعلان يجعلنا أشخاصاً غير سعداء

5 دقائق
أضرار الإعلانات

إليك هذه القصة عن أضرار الإعلانات تحديداً. قارن آندرو أوزوالد، من جامعة ووريك، مع فريقه، بيانات استطلاعات رأي تخص الرضا عن الحياة، كانت قد شملت أكثر من 900 ألف مواطن من 27 بلداً أوروبياً، خلال الفترة الواقعة بين 1980 و2011، ببيانات تخص الإنفاق الإعلاني السنوي في هذه الدول خلال الفترة ذاتها. توصّل الباحثون إلى وجود ارتباط عكسي بين الاثنين. فكلما كان إنفاق بلد معيّن على الإعلانات أعلى في عام ما، كان مواطنوه أقل رضا بعد عام أو عامين. وكانت الخلاصة التي توصّلوا إليها هي:

أستاذ أوزوالد،

دافع عن بحثك العلمي

أوزوالد: وجدنا علاقة سلبية كبيرة، فعندما تنظر إلى التغيرات في السعادة الوطنية كل عام، والتغيرات في الإنفاق الإعلاني في ذلك العام أو قبل بضعة أعوام – بعد تثبيت العوامل الأخرى مثل الناتج المحلي الإجمالي والبطالة – تجد أن هناك رابطاً بين الاثنين، يشير هذا إلى أنه عندما يصبّ المعلنون المال في بلد معيّن، فإن النتيجة هي تراجع رفاهية الشعب الذي يعيش فيه.

هارفارد بزنس ريفيو: ما الذي دفعكم إلى استقصاء ذلك؟ كنت أنا وزملائي ندرس السعادة البشرية منذ أكثر من 30 عاماً حتى الآن، وتحوّل تركيزي في الآونة الأخيرة إلى السعادة الوطنية. ما هي خصائص البلد السعيد؟ وما هي القوى التي تشكّل هكذا بلد؟ ما الذي يفسّر حالات الصعود والهبوط في السعادة؟ لم يسبق لي أن راجعت الإعلانات من قبل، لكنني قابلت باحثاً كان يجمع البيانات التي تخص الإعلانات لسبب مختلف، وبدا لي أننا يجب أن نتعاون معاً، فأنا مثل الكثيرين في المجتمع الغربي، لا أستطيع إلا أن ألاحظ الحجم المتزايد للإعلانات التي نُقْصَفُ بها. بالنسبة لي، كان من الطبيعي أن أتساءل ما إذا كان ذلك قد يتسبب بحالة من عدم الرضا في ثقافتنا: كيف تتأثر سعادتك وسعادتي بما نراه ونسمعه ونقرأه؟ من البديهي القول إن الكثير من الإعلانات تجعلنا أقل سعادة، فبمعنى ما، هي تحاول أن تولّد حالة من عدم الرضا، إذ تحفّز لديك رغبات لكي تنفق أكثر على السلع والخدمات للتخفيف من ذلك الشعور. وأنا بطبيعة الحال أقدّر أن المعلنين وشركات التسويق في العالم لا يحبّذون سماعي وأنا أقول هذا الكلام.

نعم، أنا لا أعتقد أنهم يوافقونك الرأي أن هذا هو هدف الإعلان. وجهة نظرهم هي أن الإعلان يحاول تعريف عامة الناس على أشياء جديدة ومثيرة ليشتروها، وتتمثل مهمتهم ببساطة في توفير المعلومات، وبهذه الطريقة يرفعون من مستوى الرفاهية البشرية. لكن الحجة البديلة التي يسوقها ثورستين فيبلين وآخرون هي أن تعريض عامة الناس للكثير من الإعلانات يزيد من تطلعاتهم، ويجعلهم يشعرون أن حياتهم، وإنجازاتهم، ومقتنياتهم، وتجاربهم غير كافية. وهذه الدراسة تدعم الرأي السلبي، وليس الرأي الإيجابي.

هل يعني هذا أن الإعلانات تجعلنا نريد الحصول على ما لا نمتلكه أو لا نستطيع امتلاكه؟ الفكرة هنا في غاية الجرأة: قبل أن يكون بمقدوري تقرير مدى سعادتي، يجب أن أنظر إلى مَن حولي، سواء بوعي أو بلا وعي، وأن أرى كيف يتصرّف الآخرون. جزء كبير من مشاعري بخصوص دخلي، وسيارتي، وبيتي يتأثر بدخل جاري المباشر وسيارته وبيته. وهذا جزء من الطبيعة البشرية فحسب، أي القلق بخصوص مكانتي بالمقارنة مع مكانة الآخرين من حولي. لكننا نعلم من الكثير من الأبحاث أن عقد المقارنات الاجتماعية يمكن أن يكون مؤذياً لنا عاطفياً، والإعلان يدفعنا إلى قياس أنفسنا بالآخرين، فإذا ما رأيت إعلاناً لسيارة جديدة فارهة، فهذا يجعلني أفكّر في سيارتي العادية، وهذا الشيء قد يدفعني إلى أن أشعر بإحساس سيئ. وإذا ما رأيت هذه الساعة التي تبلغ قيمتها 10 آلاف دولار، ثم نظرت إلى ساعتي، التي دفعت ثمنها 150 دولاراً، فقد أقول لنفسي "ربما هناك مشكلة لديّ أنا". وبطبيعة الحال، الأمم هي تجمعات كبيرة من الأفراد. نحن الآن لا نُثبت في هذه الورقة العلمية أن عدم الرضا ناجم عن المقارنات النسبية، لكن نشك أن هذا هو ما يحصل.

كيف تعلمون أن الإعلان هو ما يتسبب فعلياً بعدم سعادتنا؟ وأنه ليس هناك ارتباط بين الاثنين؟ أولاً، ضبطنا في التجربة الكثير من المؤثرات الأخرى على السعادة. ثانياً، راجعنا زيادات الإعلانات أو انخفاضاته في عام معيّن، وأظهرنا أنها قد نجحت في التنبؤ بحصول زيادة أو نقصان في السعادة الوطنية في السنوات اللاحقة. ثالثاً، أجرينا الكثير من عمليات التدقيق الإحصائي لضمان أن الروابط التجريبية قوية. رابعاً، في بعض الأحيان ينسى الناس أن السببية تستدعي على الدوام أن يكون هناك ارتباط في مكان ما. لكن سؤالك لا يغيب عن ذهني كباحث.

ولكن ألا ينطبق هذا الأمر على الأشخاص الماديين فقط؟ يتفهّم الكثير من الناس أنهم لا يستطيعون شراء السعادة. نعم، البعض قد يرى إعلان الساعة ويقول "لماذا يشتري الرجال ساعات بقيمة 10 آلاف دولار وهم يحملون هاتفاً يُنبئهم بالوقت؟" أو قد يردّون على إعلان سيارة بتهنئة أنفسهم على عدم شراء سيارة تستهلك كميات هائلة من الوقود، وذات تكاليف صيانة باهظة، وتدمّر البيئة. يُظهرُ بحثنا أن أكثر ما يؤثر على السعادة البشرية هي أشياء مثل الصحة، والعلاقات الحميمية، والتوظيف، وشبكات الأمان الاجتماعي، وعدم المرور بأزمة منتصف العمر (وهناك كثيرون يعانون من هذه الأزمة)، وهكذا دواليك. يمكن لشراء تلك الساعة أو السيارة أن يزيد من سعادتنا قليلاً، لكن في أعماقنا يظل تأثيرها هو أننا نبحث عن مكانة لا تقل عن مكانة جيراننا. وعندما يشتري الجميع الشيء ذاته، فإن هذا التأثير يتلاشى. وهذا جزئياً هو السبب الذي يجعل الإعلان يؤذي السعادة الجماعية، لأنه لا يمكن للناس جميعاً أن يتمتعوا بالمكانة ذاتها.

يُذكّرنا هذا بشبكات التواصل الاجتماعي وكيف تجعلنا تعساء، لأننا نقارن أنفسنا بالموجودين على هذه الشبكات. نعم. هناك كم هائل ومتزايد من الأبحاث التي تتناول هذا الموضوع في المجلات العلمية. فعلى سبيل المثال، توصّلت دراسة طولية (شملت تجارب متكررة وفترات متعددة) منذ عام 2017 إلى أن استعمال فيسبوك يرتبط بضرر يصيب العافية. ولديّ شعور أنه في العقود القليلة المقبلة ستصبح هذه القضية من القضايا الجدّية التي تتناولها السياسات.

هل هناك أي أبحاث أخرى اكدت أضرار الإعلانات وربطت الإعلان بتراجع العافية؟ الإجابة المختصرة هي لا. رغم أن هناك بعض الأدبيات المثيرة للاهتمام حول كيفية تأثر الأطفال بالإعلان من جانب أكلهم وصحتهم، إلا أن المفاجئ هو أنه ليس هناك الكثير من الأبحاث حول هذا الموضوع. لا نعلم بوجود أي ورقة علمية قريبة من ورقتنا، ربما هناك ورقة علمية من هذا النوع، لكن أحداً لم يكتب لنا عن الموضوع.

كيف قستم الإعلان الوطني والسعادة الوطنية؟ بالنسبة لمقياس الإعلان، فهو مقياس محاسبي صريح، نمتلك بيانات تخص حجم الأموال المنفقة في مختلف الدول على مختلف أشكال الإعلانات، سواء عبر الصحف أو الإذاعة، أو التلفزيون، أو غير ذلك. أما قياس السعادة أو الرضا عن الحياة فهو أعقد، لكننا نعلم الآن كيف نفعل ذلك بطريقة موثوقة. في هذه الدراسة، لدينا عيّنة كبيرة يصل عدد أفرادها إلى قرابة المليون إنسان، وقررنا اختيار أقدم مقياس بسيط لقياس العافية وهو السؤال الذي يطرح في استطلاعات الرأي "ما مدى رضاك عن حياتك؟" وقد استعمل الناس مقياساً متدرجاً للإجابة عنه، ثم جمعنا إجابات كل بلد.

وأنتم واثقون أن انخفاض الرضا عن الحياة ليس ناجماً عن الأشياء الأخرى التي قلت للتو إنها تؤثر عليه، مثل العمر والحالة العائلية؟ هذه كانت من العوامل التي ضبطناها في التجربة إلى جانب معدل البطالة والناتج المحلي الإجمالي. كما ضبطنا أيضاً المستويات المبدئية للسعادة والإعلان في البلدان، لأننا أردنا عقد مقارنة منصفة انطلاقاً من الخط الأساسي ذاته. وعاماً تلو الآخر ضبطنا ما يمكن تسميته بالصدمات – مثل صدمات أسعار النفط – التي تترك مجموعة من العواقب الشائعة في أرجاء أوروبا بأكملها.

ما حجم أضرار الإعلانات والتأثير السلبي لها؟ يُظهرُ تحليلنا أننا إذا ضاعفنا الإنفاق على الإعلان، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع بنسبة 3% في الرضا عن الحياة. وهذا يشكّل نصف التراجع في الرضا عن الحياة الذي تراه لدى شخص مر بحالة طلاق، أو ثلث التراجع الذي تراه لدى شخص أصبح عاطلاً عن العمل. لدينا خبرة كبيرة في تحديد الكيفية التي يتأثر بها الناس جرّاء أحداث سيئة يمرّون بها في حياتهم، والإعلان يترك عواقب كبيرة حتى بالمقارنة معها.

هل هناك أي شيء بوسعكم فعله بخصوص أضرار الإعلانات بالفعل؟ من الجدير التساؤل ما إذا كان المجتمع الغربي قد فعل الشيء الصائب من خلال السماح بمستويات كبيرة من الإعلان، دون أي تنظيم تقريباً، والتعامل معها كما لو أنها قدر حتمي. ونظراً لهذه الأنماط، يبدو أن هذا شيء ربما يجب علينا التفكير فيه. لكن ليس لدينا موقفاً سياسياً في هذه الورقة العلمية. ونحن لا نوصي بأي سياسة.

ماذا لو استعمل الجميع برمجيات لحجب إعلانات الإنترنت، أو سرّعوا العرض لتجاوز الإعلانات التجارية على التلفزيون؟ هل سيكون ذلك مفيداً لتجنب أضرار الإعلانات تحديداً؟ أحاول أن أكون باحثاً إحصائياً يتعامل مع الجميع على قدم المساواة، لكن أستطيع أن أرى كيف يمكنك أن تنظر إلى دراستنا وأن تقول لنفسك "ربما يكون من المعقول بالنسبة لي أن أختار عدم الاطلاع على هذه الإعلانات".
اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي