ملخص: يتقاعد سنوياً آلاف من المسؤولين التنفيذيين بعد مسيرة مهنية طويلة وناجحة في عالم الشركات، لكن القليل منهم يستعدون حقاً لرحلة التقاعد الوشيكة. أجرى المؤلفون عشرات المحادثات مع الرؤساء التنفيذيين المرموقين السابقين، حددوا من خلالها 7 أخطاء شائعة تتنوع بين عدم الاستعداد بما يكفي مسبّقاً والاعتقاد بإمكانية الاعتماد على شبكة العلاقات المهنية الحالية، وعدم الوعي بأن بعض السلوكيات التي كانت مفيدة في مناصبهم التنفيذية قد تؤدي إلى نتائج عكسية في مرحلة التقاعد.
في منتصف صيف عام 2020، لم يكن قد تبقى لرئيسة مجلس الإدارة والرئيسة التنفيذية لشركة آي بي إم، جيني روميتي، سوى 6 أشهر على إنهاء مسيرتها المهنية التي استمرت نحو 4 عقود في الشركة، فطلب موجهها القديم والرئيس التنفيذي السابق للشركة، لو غيرستنر، عقد اجتماع معها لمناقشة خطط تقاعدها، تقول: "في الحقيقة، لم أكن قد بدأت التفكير في الأمر. كنت لا أزال أدير الشركة بدوام كامل ولم يكن بمقدوري تخصيص وقت لهذا الاجتماع".
ذهبت روميتي إلى مكتب غيرستنر في نيويورك، ولكنها أرادت التحضير للاجتماع مسبّقاً، فأعدت قائمة بالأنشطة التي كانت تفكر في ممارستها بعد تقاعدها من الشركة، شملت بعض الأنشطة التقليدية مثل الانضمام إلى مجالس إدارة الشركات أو العمل في شركات الأسهم الخاصة أو الانخراط في الخدمة الحكومية أو حتى تأليف كتاب؛ أعطت القائمة لغيرستنر الذي قرأها ثم دوّن بعض الملاحظات على الصفحة وأعادها إليها.
تتذكر روميتي تلك اللحظات قائلة: "أعتقد أن غيرستنر اعتبرني فاشلة في التخطيط للتقاعد، لقد نصحني أن أتعامل مع هذه المرحلة من حياتي بطريقة مختلفة".
حثّ غيرستنر روميتي على إعادة النظر في سنوات ما بعد تقاعدها من شركة آي بي إم في سياق أوسع من خلال إعادة تحديد هدف حياتها ووضع خطة استراتيجية للاستفادة من مهاراتها في تحقيق رسالتها الشخصية. استفادت روميتي كثيراً من ذلك الاجتماع، وبعد مرور عدة سنوات، استطاعت شق طريقها نحو حياة مُرضية حققت فيها التوازن بين التأثير الإيجابي الذي تريد إحداثه وحياتها العائلية. تقول موضحة: "كان تركيزي الأساسي منصبّاً على إنشاء حركة عالمية تتمحور حول نهج القيادة الذي يعطي الأولوية للمهارات أولاً من خلال مساعدة الشركات على توظيف الأفراد وترقيتهم بناءً على مهاراتهم وليس فقط على شهاداتهم التعليمية الرسمية، ولا سيما أفراد المجموعات غير الممثلة تمثيلاً كافياً. تقول روميتي: "أنا مشغولة اليوم بقدر انشغالي حين كنت رئيسة تنفيذية، ولكن طبيعة العمل اختلفت.
يمكنني القول اليوم بثقة إني أشعر بالرضا عما أفعله، وأشعر بأني أعمل بدافع تحقيق غاية سامية، لكن الطريق للوصول إلى هذه المرحلة لم يكن سهلاً أو محسوباً تماماً".
يتقاعد سنوياً آلاف من المسؤولين التنفيذيين بعد مسيرة مهنية طويلة وناجحة في عالم الشركات، لكن القليل منهم يستعدون حقاً لرحلة التقاعد الوشيكة. من خلال عملنا وخبرتنا في مجالس إدارة الشركات والتعاون معها وتفاعلاتنا الشخصية، شهدنا رحلات تقاعد آلاف المسؤولين التنفيذيين، ورأينا أشخاصاً ينجحون في هذه المرحلة الجديدة من حياتهم، حيث وصل بعضهم إلى مستويات من الرضا والإنجاز تفوق توقعاتهم، لكننا شهدنا أيضاً رحلات طويلة وصعبة وقاتمة أحياناً كان على البعض اجتيازها لتحقيق مستوى حياة مُرضٍ بعد التقاعد.
ينطبق هذا الأمر حتى على أكثر الرؤساء التنفيذيين شهرة وقدراً في العالم، وإدراكاً منا لهذه الحقيقة قررنا نحن الثلاثة تقديم المساعدة في هذا الصدد، فأنشأنا مجتمع أونيكس (ONYX) الحصري الأول من نوعه للرؤساء التنفيذيين المتمرسين الحاليين والمتقاعدين حديثاً من الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 500؛ فاق الإقبال على مجتمعنا هذا توقعاتنا بكثير إذ انضم إلى عضويته أكثر من 50% من الرؤساء التنفيذيين المدعوين، وهذا مؤشر على أن المشكلات المحيطة بتقاعد الرؤساء التنفيذيين مهمة ولم تُعالج سابقاً بما فيه الكفاية.
كان تركيزنا الأخير على رحلة تقاعد المسؤولين التنفيذيين مفيداً جداً، وتضمن مناقشات مع العديد من الرؤساء التنفيذيين السابقين المحترمين. في حين أن الانتقال نحو حياة ما بعد السلطة التنفيذية يختلف كثيراً من شخص لآخر بما يحمله من تقلبات ومنعطفات، فهناك أخطاء شائعة جداً يمكن أن تعوق هذا الانتقال وتعقدّه وتؤخره إلى حد ما.
أطلقنا على أكثر الأخطاء شيوعاً اسم "المزالق السبعة الخفية لتقاعد المسؤولين التنفيذيين"، ويمكن أن يقلل الوعي بهذه المزالق قبل بدء رحلة التقاعد المخاطر التي تواجهها في طريقك نحو مرحلة جديدة مُرضية من الحياة ويجعل رحلتك ممتعة أكثر.
1. يعوق التركيز المفرط على الحاضر رؤية الفرص المستقبلية
إن دور المسؤول التنفيذي متطلب للغاية في الواقع، إذ يشكل الجزء الأكبر من هويتك ويشغل معظم سنين حياتك، لكن هذا الدور وما يصاحبه من امتيازات ومكانة وتقدير ينتهيان فجأة في نهاية المطاف.
قد يعجز المسؤولون التنفيذيون الذين لا يستطيعون تخيل حياتهم بعد أدوارهم التنفيذية عن توقع رغباتهم واحتياجاتهم الفعلية في المرحلة التالية أو استكشافها، وقد يؤدي افتقارهم إلى النظرة الإبداعية عن المستقبل إلى تفويت أنشطة كان من الممكن أن تكون مفيدة لهم ومجزية حقاً.
نستشهد بآلان جورج لافلي، الذي تولى قيادة شركة بروكتر آند غامبل (P&G) مرتين، مرة بصفة رئيس مجلس الإدارة والأخرى بصفة الرئيس التنفيذي، إذ سلط الضوء على هذا الانتقال قائلاً: "عندما تغادر منصب الرئيس التنفيذي، تكون في ذروة حياتك المهنية من نواحٍ كثيرة؛ سمعتك ووعيك وعلامتك التجارية. عليك أن تتغلب على كل ذلك وتنساه، وتدرك أن دورك رئيساً تنفيذياً ليس هويتك بالكامل، بل مجرد فصل من فصول حياتك؛ يجب أن تطوي هذه الصفحة وتبدأ العمل على الفصل التالي من حياتك".
نصيحة من خبير
إذا كنت لا تزال تنظر إلى العالم من خلال هويتك المؤسسية الحالية، فقد تحصر تفكيرك في التغييرات التدريجية وتركز على أسئلة مثل: ما أهم الخطوات المنطقية التي يجب أن أتخذها بعد ذلك؟ كيف يمكنني الحفاظ على مكانة دوري السابق أطول فترة ممكنة؟
بدلاً من ذلك، يجب أن تركّز في أثناء انتقالك إلى هذه المرحلة الجديدة من حياتك على إعادة تصوّر هويتك بالكامل والتفكير في أسئلة مثل: ما هدفي؟ ما قيمي الأساسية؟ ما الإرث الذي أريد أن أتركه؟ ما مواطن قوتي وضعفي المتأصلة؟ ما الذي يجلب لي السعادة؟ ما أهدافي لهذه المرحلة من حياتي؟
شاركتنا الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة كامبل سوب (Campbell Soup)، دينيس موريسون، تجربتها قائلة: "مررت بعملية شاملة لاكتشاف الذات. سألت نفسي: كيف يمكنني استخدام مواهبي ومواردي الآن لإحداث تأثير إيجابي في العالم ومساعدة الآخرين على تحقيق إمكاناتهم؟ يجب أن تتخلى عن ماضيك وتضع إطار عمل لحياتك الجديدة".
2. يمكن أن تؤدي وفرة الخيارات إلى إرباك عملية صنع القرار وشلها
يقول الرئيس التنفيذي المتقاعد لشركة تي آي أيه أيه (TIAA)، روجر فيرغسون: "يمنحك ترك منصب الرئيس التنفيذي شعوراً كبيراً بالتحرر، لكن هذه التجربة قد تكون مخيفة بعض الشيء. فقد أصبحت فجأة المسؤول الوحيد عن ملء جدول أعمالك، وصرت تعمل بمفردك".
لعقود من الزمن، كانت حياتك محكومة بالوقت المحدود والسعي لتحقيق مجموعة محدودة من الأهداف لمؤسسة واحدة، لكنك اليوم تبدأ مرحلة جديدة دون خطط أو التزامات محددة مسبّقاً. لديك سيطرة كاملة على جدول مواعيدك ويمكنك تركيز طاقتك على أي أنشطة تفضلها أو عدم المشاركة في أي منها على الإطلاق.
عادة ما يكون هذا الشعور بالتحرر قصير الأجل، إذ يمكن أن تؤدي وفرة الخيارات إلى إصابتك بإجهاد القرار، ما يدفعك إلى اتخاذ خيارات تلقائية أو حتى تجنب اتخاذ قرار كلياً، وسرعان ما تصبح هذه الوفرة في البدائل مرهقة في أفضل الأحوال، ويمكن أن تؤدي في أسوأ الأحوال إلى فترة ركود يمكن تفاديها، تليها سلسلة من القرارات المؤسفة التي لا يمكنك التراجع عنها.
نصيحة من خبير
كما أوضحنا سابقاً، الخطوة الأولى في رحلة التقاعد الناجحة هي إعادة تحديد هويتك وهدفك ورسالتك. بعد الانتهاء من ذلك، يمكنك ترجمة هذه الأدلة الإرشادية إلى مجموعة من معايير اتخاذ القرار يمكنك من خلالها تقييم الخيارات العديدة المتاحة أمامك بعد التقاعد. على سبيل المثال، يمكنك استخدام معايير محددة مثل "أريد أن أعمل مع فِرق" أو "أريد أن أؤثر في هذا المجال تحديداً" أو "أريد أن أرشد القادة الشباب" أو حتى "أريد أن أسافر خمسة أيام فقط في الشهر"، لتصفية الفرص التي تبدو مغرية ولكنها لا تتماشى مع أهدافك في مرحلة التقاعد.
يقول فيرغسون مشاركاً نهجه الشخصي: "اختزلت معاييري في سؤالين رئيسيين: أولاً، أين يمكنني اكتساب أكبر قدر من المعرفة المتعلقة باهتماماتي، وثانياً، أين يمكنني إحداث أكبر أثر. لقد انجذبت إلى الخيارات التي تلبي هذين المعيارين أكثر من غيرهما".
3. يمكن أن يؤدي الاعتماد على شبكتك القديمة إلى تشتيت انتباهك عن المهمة الحاسمة المتمثلة في بناء شبكتك الجديدة
الغالبية العظمى من شبكة علاقاتك المهنية هي مجرد علاقات مهنية، تماماً كما يشير اسمها. في الواقع، يُصدم العديد ممن يدخلون مرحلة التقاعد عندما يكتشفون أن الجزء الأكبر من علاقاتهم الشخصية كان مجرد علاقات مصلحة فقط.
وبالتالي تصبح إعادة بناء شبكة علاقاتك حاجة غير متوقعة ولكنها ضرورية جداً. يمكن أن تكون شبكة معارفك من المتقاعدين مماثلة لقيمة شبكتك السابقة، ولكنها ستكون مختلفة بالتأكيد، ولن تُبنى من تلقاء نفسها. عليك أن تجعل هذا الأمر أولوية. وكما تنصح روميتي، يجب أن تبني بوعي شبكة العلاقات التي تريدها لمستقبلك.
نصيحة من خبير
احرص على الانضمام إلى مجتمعات جديدة متعددة في أسرع وقت ممكن. ابحث عن أقرانك الذين سبقوك إلى رحلة التقاعد وتعلم من تجاربهم، وتواصل مع من يشاركونك اهتماماتك الشخصية والمهنية والخيرية، وانضم إلى شبكة راسخة تتمتع بسمعة طيبة تشجع بفعالية على التفاعل وتخلق فرصاً جديدة للتواصل والاكتشافات غير المتوقعة.
سيؤدي إحياء العلاقات القديمة أو الاستثمار في بناء علاقات جديدة إلى نتائج قيّمة وغير متوقعة، وفي كثير من الأحيان تصبح هذه العلاقات الجديدة المصدر الأقوى للفرص القادمة وتؤدي إلى أكثر النتائج إثارة للدهشة والرضا.
4. يمكن أن يؤدي التأخر في التخطيط للتقاعد إلى توليد مواقف طارئة ومقلقة ومحرجة
قال معظم الرؤساء والمسؤولين التنفيذيين الذين تحدثنا إليهم إنهم لم يخططوا بطريقة مناسبة لتقاعدهم، وأقر معظمهم بأنهم بدؤوا التخطيط متأخرين جداً وانشغلوا بالعمل حتى آخر يوم لهم. ولكن روميتي أشارت إلى أن الخطة بالغة الأهمية لأنها تساعد على صنع قرارات واتخاذ التزامات أفضل.
ومن دون خطة قد يبدو الانتقال إلى التقاعد مفاجئاً ومربكاً وشبيهاً بالسقوط في الهاوية، ولن تؤدي المماطلة في التخطيط للتقاعد إلا إلى تضخيم مشاعر عدم اليقين والتخوف والقلق. علاوة على ذلك، يحرمك الفشل في التخطيط المسبّق من فرصة الانخراط في تفاعلات منخفضة المخاطر، واكتساب المعرفة، وزرع بذور علاقات جديدة وقيّمة، وتخصيص الوقت والمساحة الذهنية اللازمين للاستعداد لمستقبلك.
نصيحة من خبير
ابدأ التخطيط قبل عامين من تاريخ تقاعدك المتوقع. خذ بعض الوقت للتفكير بهدوء في مرحلة حياتك المقبلة، وتحدث إلى شريكك بصدق عما تتطلع إليه وما يقلقك.
يقول مؤسس شركة الأسهم الخاصة سي دي آند آر (CD&R) ورئيس مجلس إدارتها ورئيسها التنفيذي السابق، دون غُوغل: "إن العديد من الرؤساء التنفيذيين لا يفكرون ملياً في تقاعدهم لشعورهم بأن هذه اللحظة لن تأتي أو لانشغالهم الشديد أو لاعتقادهم أنهم سيتعاملون مع هذا الأمر في وقت ما في المستقبل". ويضيف: "لن يكون الوقت كافياً للتفكير في التقاعد إذا بدأت به قبل 6 أشهر فقط من موعد مغادرتك".
ابحث عن فرص للتواصل مع أفراد تحترمهم نجحوا في اجتياز مرحلة التقاعد، يمكنك مثلاً ترتيب مناسبات اجتماعية للقائهم، وتواصل مع أشخاص تعتقد أنهم قد يساعدونك في تقييم الفرص المستقبلية، وابدأ بالتخلص من مشاعر الخوف وعدم اليقين من خلال التماس المعلومات والمعرفة الواقعية. في النهاية، ادمج هذه الاعتبارات كلها في خطة تقاعد استراتيجية.
5. قد تشكّل السلوكيات الحازمة التي خدمتك في منصبك التنفيذي عائقاً لك في مرحلة التقاعد
اعتاد كثير من المسؤولين التنفيذيين على بيئة صاخبة سريعة الوتيرة، بل باتوا يجدون فيها الراحة، لكنهم حين يتقاعدون ينتقلون فجأة إلى بيئة هادئة جداً؛ فيتوقف الهاتف عن الرنين ويصبح هو وجدول مواعيدهم فارغين تماماً. لا شيء يفعلونه؛ قد يجدون أنفسهم يقرؤون عدة صحف بالكامل طوال فترة الصباح، ويفكرون بعد ذلك فيما إذا كان من المقبول الذهاب لتناول الغداء في الساعة 11 صباحاً؛ بمرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا النقص المفاجئ في النشاط إلى الشعور بالملل والفراغ وفقدان تقدير الذات.
وما يزيد الأمر سوءاً أن الآخرين غالباً ما ينصحون المسؤول التنفيذي قائلين: "لا تلتزم بأي شيء 6 أشهر على الأقل"؛ يمكن أن يؤدي الالتزام بهذه النصيحة إلى مزيد من العزلة المصطنعة دون قصد، فيزداد الصمت ويتصاعد الضغط لملء الفراغ ثم يحدث الانهيار فجأة.
لقد رأينا الكثير من المسؤولين التنفيذيين يعودون فجأة إلى المجال المهني، ويغتنمون الفرص الأولى التي تُتاح لهم في أشد لحظات ضعفهم، بل إن بعضهم قبلوا وظيفة تنفيذية أخرى بدوام كامل بعد أن وعدوا أنفسهم وأحباءهم بأنهم لن يفعلوا ذلك، وتجدهم يتخلون عن محاولات اتباع نهج عقلاني أو مدروس ويتخذون قرارات مدفوعة بالعواطف لملء فراغ مؤقت. قد تنجح هذه الخيارات أحياناً، لكنها غالباً ما تقود إلى التزامات كبيرة لا تتماشى مع أهدافهم ويصعب التخلص منها.
نصيحة من خبير
المرحلة الأولى من التقاعد هي الوقت المثالي للمخاطرة المحسوبة والذكية ومعرفة أكبر قدر ممكن عن الفرص المحتملة وعن نفسك.
لذلك ابدأ بإعداد قائمة بالأنشطة التي تعتقد أنك ستستمتع بها في مرحلة التقاعد، ثم، ولعله الأهم، ضع قائمة بالافتراضات حول العمل الذي ستتضمنه هذه الأنشطة وما يدفعك للاعتقاد أنك ستستمتع بها. أخيراً، حدد فرصاً منخفضة المخاطر لاختبار هذه الافتراضات وتجربتها وتحقق مما إذا كانت الأنشطة اليومية التي ستنخرط فيها مُرضية كما توقعت.
قد تُصدم بعد هذه التجارب إذ تكشف لك أن بعض الأنشطة التي كنت تعتقد أنها ستكون ممتعة ومُرضية ليست كذلك في الواقع، أو قد تقودك هذه التجارب إلى إعطاء الأولوية لبعض الأنشطة التي لم تكن متحمساً لها في البداية.
شاركتنا موريسون تجربتها قائلة: "اعتقدت في البداية أنني أريد العمل في شركة أسهم خاصة، لكن بعد الانخراط في بعض الارتباطات الفعلية أدركت أن العمل لم يكن كما تخيلته، وأن هذا الدور ليس مناسباً لي. ومن الجدير بالذكر أنني لم استكشف بعض المجالات الأخرى لأني لم أعتقد أنها واعدة جداً، لكن تبين لي أنها من أكثر الأنشطة المجزية التي أشارك فيها الآن".
6. يحد التركيز الضيق على الخيارات التقليدية من قدرتك على تحقيق أقصى قدر من الرضا
لدى المسؤولين التنفيذيين المتقاعدين مجموعة لا حصر لها من خيارات نمط الحياة بالنظر إلى خبرتهم المهنية الكبيرة وفي غياب القيود مثل الوقت أو المال.
ولكننا رأينا من خلال تجربتنا أن الكثيرين يجدون صعوبة في الابتعاد عن مسارات التقاعد الأكثر شيوعاً، وسرعان ما يميلون نحو الخيارات الافتراضية، مثل الانضمام إلى مجالس إدارة شركتين أو 3 شركات إضافية، منجذبين إلى ما توفره لهم من مكانة مرموقة وراتب مستمر. ولكن لا يمكن لأي قدر من العمل في مجالس الإدارة أن يسد الفراغ الذي يتركه موقع القيادة التنفيذية، ويمكن أن تصبح هذه الأدوار مملة جداً، ولكن إذا واجهت الشركة تحديات كبيرة تصبح هذه الأدوار مرهقة وصعبة جداً.
لاحظنا أن آخرين يتجهون مباشرةً إلى شركات الأسهم الخاصة بصفة "شركاء تشغيليين" ويقدمون الدعم العملي لشركات المحافظ الاستثمارية، ولكن أحد الرؤساء التنفيذيين السابقين قال لنا: "وجدت نفسي بعد ذلك مقيماً في فندق فخم عبر الشارع المقابل لأحد المصانع، فأدركت حينها أن دوري في شركة الأسهم الخاصة الآن مماثل لتجربتي المهنية المبكرة تماماً".
نصيحة من خبير
من المنطقي عند وضع خطتك لما ستفعله بعد التقاعد أن تبدأ بقائمة المسارات الأكثر شيوعاً، ولكن قبل اتخاذ أي التزامات طويلة الأجل، نوصي بتوسيع هذه القائمة لتشمل مسارات أخرى أقل شيوعاً. على سبيل المثال، قد تستمتع بتدريب القادة أو المهنيين الشباب أو رواد الأعمال أو الطلاب وتوجيههم، أو ربما تجد نفسك متحمساً لإجراء استثمارات أولية في مجموعة من الشركات الناشئة إلى جانب الأعمال الاستشارية لعملاء تنتقيهم بعناية. قد تتطلع إلى كتابة مسرحية أو الانضمام إلى فرقة موسيقية، وقد يكون هناك عنصر آخر تريد إضافته إلى قائمة أمنياتك، مثل تعلم عدة لغات جديدة، أو ربما تحلم بالعيش في بلد جديد شهراً كل عام، أو ترغب في شراء مزرعة صغيرة في الريف والاسترخاء بعض الوقت فيها بعيداً عن صخب الحياة.
شاركنا رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق لشركتي شيرينغ بلاو (Schering-Plough) وفارماسيا آند أبجون (Pharmacia & Upjohn)، فرِيد حسن، تجربته قائلاً: "عندما تقاعدت أخيراً من منصب الرئيس التنفيذي، أدركت أنني في وضع متميز يسمح لي بتنظيم اجتماعات مهمة؛ فأنشأت اجتماعات الطاولة المستديرة للرؤساء التنفيذيين في قطاع الأدوية أستضيفها كل عام، بالإضافة إلى قمة سنوية لكبار قادة البحث والتطوير في هذا القطاع، وحتى إنني أستضيف عشاءً خيرياً مرة واحدة في السنة يجمع كبار القادة من أركان القطاع كله. يساعدني كل ذلك على الحفاظ على نشاطي والتزامي وتفاعلي، وهي أنشطة لا تقدر بثمن للحفاظ على شبكة علاقاتي المهنية".
7. قد يحرمك الجلوس في انتظار الفرص التي ستأتيك من أهم الفرص المُرضية
لا بد أنك في بدايات حياتك المهنية لم تنتظر أفضل الفرص حتى تأتيك، بل كنت تبحث عنها بجد حتى تحصل عليها، وبمرور الوقت بدأت الفِرق التي عملت تحت إشرافك البحث عن فرص جديدة وتقديمها لك لتنظر فيها.
لكن تدفق الفرص على هذا النحو يبدأ بالتضاؤل عندما تتقاعد، ويمكن أن تجلب هذه التجربة التواضع. لم يعتد معظم المسؤولين التنفيذيين الذين عملنا معهم ترويج أنفسهم بصفتهم "خبراء" أو ترويج علامتهم التجارية الشخصية في السوق، لأنهم يشعرون براحة أكبر في إسناد الفضل في نجاحهم إلى فرقهم. في حين أن هذه السمات ترتقي بالقيادة بغرض الخدمة، لكنها لا تساعد كثيراً في توليد فرص جديدة في مرحلة التقاعد.
من المرجح أن تستمر الفرص الجديدة في مرحلة التقاعد، لكن دون وجود مجموعة قوية من الفرص، من المستحيل تقييم الالتزامات المعروضة عليك ومقارنتها بالفرص الأخرى الأقل وضوحاً؛ سيؤدي انتظار الفرص التي تأتيك في نهاية المطاف إلى محاولة الاستفادة قدر الإمكان من مجموعة محدودة من البدائل لست مضطراً إلى التقيد بها.
قال لنا لافلي: "أردت أن أرد الجميل بقدر ما أستطيع، لذلك بدأت البحث عن الفرص. عليك أن تحدد مجال التأثير الذي تريده وتبحث عن أفضل الفرص لتحقيق الأثر الذي ترجوه".
نصيحة من خبير
يتطلب تصميم نمط حياتك المثالي في مرحلة التقاعد اكتشاف الفرص المحتملة في السوق، والتأكد من إمكانية أن تصل هذه الفرص إليك أيضاً. يوسّع اتباع نهج استباقي في بحثك نطاق الفرص المتاحة لك، ويعزز فرص نجاحك، ويبني ثقتك بنفسك، ويجنبك التعلق بأدوار غير مرضية.
حدّث سيرتك الذاتية القديمة، وابنِ علاقات جديدة سواء عبر الإنترنت أو على أرض الواقع، وفكّر في إجراء مقابلات استشارية واتصالات غير مرتب لها (اتصالات باردة) وحتى التعاون مع المؤسسات لصياغة دور جديد.
يتطلب ذلك كله جهداً لكنه سيؤتي ثماره على المدى الطويل، تذكّر دائماً أنك صاحب القرار في تصميم حياتك من الآن فصاعداً.
أصبح للتقاعد مفهوم جديد تماماً يتميز بالرغبة في مواصلة العمل وبناء مجموعة من الأنشطة والالتزامات وإحداث أثر إيجابي هادف وتصميم نمط حياة عام يبقيك منخرطاً ومتحمساً ونشطاً. سيساعدك تجنب هذه المزالق السبعة الشائعة على جعل عملية الانتقال إلى مرحلة التقاعد أكثر سلاسة ومتعة، وقد يقودك إلى المرحلة الأكثر إرضاءً في حياتك حتى الآن.
كيف تدير ذاتك، المسارات المهنية، التخطيط الوظيفي، الانتقال الوظيفي، تخطيط التقاعد، شبكات العلاقات المهنية، العلامة التجارية الشخصية، مقالة رقمية