كيف تعالج الإرهاق العاطفي المترافق مع القيادة؟

5 دقيقة
طاقم هارفارد بزنس ريفيو باستخدام الذكاء الاصطناعي

يعد الاستنزاف العاطفي إحدى العواقب الحقيقية والخطيرة للقيادة اليوم. ولم يعد التعافي مجرد رفاهة، بل أصبح ضرورة حتمية للقادة لحماية صحتهم النفسية والجسدية والحفاظ على قدرتهم على القيادة على المدى الطويل. هناك 3 ممارسات مثبتة تساعدك على معالجة مشاعرك وتجديد طاقتك بعد المرو…

يشهد القادة العديد من الأحداث الاعتيادية غير المرتبطة بالأزمات، مثل تسريح أحد أعضاء الفريق أو تقديم ملاحظات في اجتماع متوتر أو تلقي استقالة أحد الموظفين ذوي الأداء المتميز.

يشكل كل من هذه المواقف عبئاً عاطفياً خاصاً به، ولكنها تتراكم لتشكل عبئاً كبيراً عند النظر إليها مجتمعة، ولا سيما في ظل ضغوط الأداء وتغير معايير مكان العمل والمجهود العاطفي المتواصل المطلوب لتوجيه الفرق ودعمها خلال الأزمات والاضطرابات العالمية.

توضح بيانات أصدرتها شركة غالوب مؤخراً هذا العبء؛ إذ شهد معدل اندماج الموظفين العالمي عام 2024 تراجعاً هو الثاني فقط خلال أكثر من عقد من الزمن. على عكس الانخفاض الأول عام 2020، لم يكن الانخفاض الثاني أكبر لدى موظفي الخطوط الأمامية، بل كان ناتجاً بالكامل عن تراجع المشاركة بين المدراء. وقد بينت دراسة استقصائية أجرتها شركة مودرن هيلث في مارس/آذار 2025 أن 77% من المدراء أفادوا بأن دورهم أصبح أصعب الآن من أي وقت مضى.

بطبيعة الحال، يركز القادة على إدارة الآخرين خلال الفترات الصعبة. يتعامل هؤلاء مع التوقعات الخارجية ويشعرون برغبة حقيقية في الالتزام تجاه فرقهم، ما يدفعهم إلى توجيه اهتمامهم وطاقتهم إلى الخارج، أي نحو توجيه الموظفين والحفاظ على استقرار المؤسسة والاستجابة للمشكلات التي تمر بها. ولكن مع هذا التركيز الخارجي والضغط المتواصل لتحقيق النتائج، فليس من المستغرب أن يغفل القادة عن خطوة مهمة جداً، وهي التعامل مع تجاربهم العاطفية الخاصة. قد يبدو الاستمرار في العمل ومقاومة هذه الضغوط على أنه كفاءة بالنسبة للقادة، بل إنه الخيار الوحيد للتكيف مع كل ما يستهلك وقتهم. في الواقع، قد تشعر بأن التعامل مع مشاعرك مستحيل تقريباً عندما تكون في خضم العمل. لكن مع مرور الوقت، فإن مقاومة الضغوط في المواقف الصعبة دون تخصيص وقت لفهم التجربة التي تمر بها تؤثر تأثيراً كبيراً في صحتك وفعاليتك بصفتك قائداً وعلاقاتك.

يعد الاستنزاف العاطفي إحدى العواقب الحقيقية والخطيرة للقيادة اليوم. ولم يعد التعافي منه مجرد رفاهة، بل أصبح ضرورة حتمية للقادة لحماية صحتهم النفسية والجسدية والحفاظ على قدرتهم على القيادة على المدى الطويل. بعد حدث مجهد أو فترة عصيبة، اتبع هذه الممارسات الثلاث المثبتة للتعامل مع مشاعرك وتجديد طاقتك:

التأمل: لا تتجاوز المواقف فقط، بل ابحث عن المعنى فيها.

على الرغم من أن استذكار الفترات العصيبة قد يبدو منفراً، فإن تخصيص وقت لتأمل هذه الفترات هو سر المضي قدماً. لا تختفي مشاعرنا عندما نتجاهلها أو نكبتها، بل إنها تتراكم وتظهر لاحقاً على شكل زيادة في التوتر والانفعال والمشكلات الصحية. يساعد التأمل على معالجة التجارب التي نمر بها وفهمها، بما يضمن عدم تراكم المشاعر دون علمنا.

خصص بضع دقائق بعد موقف موتر أو يوم عصيب لتسأل نفسك ما يلي:

  • ما الذي أشعر به؟
  • ما هو الجزء من جسمي الذي أشعر فيه بهذا الشعور؟
  • ما هو تأويل هذه المشاعر؟
  • ما الذي تكشفه المشاعر عما يهمني؟

اعترف بمشاعرك واقبل بها دون إصدار الأحكام. توفر المشاعر جميعها، حتى المشاعر المزعجة مثل الإحباط أو الحزن أو القلق، رؤى حول القيم والاحتياجات وحدود التحمل. إذا أصدرت الأحكام على هذه المشاعر وقاومتها، فسيؤدي إلى تفاقمها وزيادة الانفعال.

دون إجاباتك عن الأسئلة السابقة. تساعدك الكتابة على عزل نفسك عن مشاعرك، ما يتيح لك العثور على المعنى في تجربتك وتحديد الخطوات التالية الهادفة التي عليك اتخاذها. بالإضافة إلى ذلك، بينت الأبحاث أن الكتابة عن المشاعر مدة 20 دقيقة فقط يومياً على مدار 3 أيام تحسن الصحة النفسية وتخفض القلق وتعزز الأداء في العمل. إذا لم تناسبك الكتابة، فحاول تسجيل مذكرة صوتية عن مشاعرك. ما يهم حقاً هو منح أفكارك ومشاعرك الحقيقية فرصة للبروز دون تعديلها أو تجاهل أي منها.

يمكنك أيضاً مشاركة التحديات التي تواجهها مع قرين موثوق أو أفراد مجموعات اختبار أفكار الآخرين. لا يساعد الدعم الاجتماعي على فهم الأحداث الصعبة والتعامل معها فحسب، بل إنه يزيد القدرة على تحمل الضغوط ويقي من الاحتراق الوظيفي ويعزز الرفاهة العقلية والجسدية. القيادة هي تجربة تسودها الوحدة غالباً، ووجود الأقران الموثوقين أو الموجهين أو غيرهم من الداعمين فعال في تعزيز التواصل والوضوح.

لا يتطلب التأمل وقتاً طويلاً، لكنه يتطلب التزاماً بتخصيص وقت له، على الرغم من انشغالك. تخصيص حتى بضع دقائق للتأمل الهادف يساعدك على تعزيز الوعي الذاتي والذكاء العاطفي والقدرة على التحمل، وهي عوامل ضرورية لضمان فعالية القيادة في عالمنا المعقد والعسير.

تناول الأمور بمنظور مختلف: تغيير السردية.

تؤدي إعادة تقييم التجارب المنهكة عاطفياً إلى تسريع التعافي لأنها تخفف الضيق وتوفر الموارد الإدراكية. لا يعني تناول الموقف بمنظور مختلف تجاهل صعوبته، بل تغيير وجهة النظر للعثور على معنى أو إمكانية جديدة.

على سبيل المثال، بعد أن نجح عميلي، عدنان، في قيادة عملية تحول كبيرة، فوجئ بأن المؤسسة أجرت عملية إعادة تنظيم نقلت فريقه وعرضت وظيفته للخطر. لم يكن غريباً أن يشعر عدنان بالإحباط والتوتر، لكن بمرور الوقت، بدأ بالتعامل مع هذا التغيير من منظور مختلف، معتبراً إياه فرصة لتجديد نشاطه بعد فترة مجهدة ودخول مجال جديد. غير عدنان حالته العاطفية من خلال العثور على جانب إيجابي للتغيير الجديد، ما مكنه من ممارسة عمله بمزيد من الثبات والتفاؤل حتى ترسخت التغييرات المؤسسية ومسؤولياته الجديدة.

بعد الأحداث العصيبة، اطرح على نفسك الأسئلة التالية:

  • ما هي الجوانب الإيجابية لهذا الموقف؟
  • ما هي الفوائد الطويلة المدى المحتملة، على الرغم من وجود المساوئ القصيرة المدى؟
  • كيف يمكنني الاستفادة من هذا الموقف لأنمو أو أطور نفسي مستقبلاً؟

عندما تتناول الموقف بمنظور مختلف، فإنك تغير التجربة التي تمر فيها وتجدد نشاطك وتكتسب رؤى وتوجهات جديدة.

مع ذلك، ستضطر أحياناً إلى تغيير نظرتك إلى نفسك، وليس الموقف فقط. يتطلب العديد من المواقف القيادية المستنزفة عاطفياً ممارسة "الشرور الضرورية"، أي القرارات أو الإجراءات التي تسبب الإزعاج أو الأذى للآخرين، مثل تقديم الملاحظات القاسية أو إقالة أحد الموظفين أو إجراء إعادة هيكلة لفريق يعاني الإجهاد بسبب تغيير ما أو تنفيذ عمليات تسريح الموظفين. حتى عندما تكون هذه الإجراءات ضرورية للصالح العام، فإنها قد تجعل القادة يشعرون بالقلق والذنب ويشككون في أخلاقهم وعدلهم.

التعاطف الذاتي هو أداة مهمة جداً في هذه الحالة. لا يعني ذلك خفض المعايير أو تجنب المسؤوليات؛ إذ تبين الأبحاث أن التعاطف الذاتي يرفع مستوى القيادة من خلال تعزيز الذكاء العاطفي ورباطة الجأش تحت الضغط والقدرة على التحمل. بالإضافة إلى ذلك، يعزز التعاطف الذاتي الرفاهة النفسية والقدرة على إظهار التعاطف تجاه الآخرين. تعني ممارسة التعاطف الذاتي التعامل مع نفسك مثلما تعامل أصدقاءك، أي الاعتراف بوجود المشكلات وإدراك أن أي شخص في موقفك قد يشعر بالمشاعر نفسها والتعامل مع نفسك بلطف بدلاً من انتقاد نفسك بقسوة.

بعد المواقف المنهكة، اسأل نفسك: ماذا سأقول لزميل يمر بالموقف نفسه؟ ثم ادعم نفسك بالطريقة نفسها. سيساعدك التعامل مع نفسك بلطف على تحسين حالتك العاطفية وقيادة الآخرين بفعالية أكبر، كما أنه يسرع عملية التعافي.

استعادة الطاقة: تجديد المخزون العاطفي.

عندما نقاوم الأحداث العصيبة عاطفياً دون تخصيص الوقت للتعافي، فإننا نستنزف ببطء مخزوننا العاطفي والجسدي. قد يؤدي ذلك بمرور الوقت إلى الإعياء العاطفي ويضر بالمزاج والصحة والقدرة على العمل بفعالية. تماماً كما يحتاج الرياضيون إلى الراحة بعد مباراة مجهدة، يجب على المهنيين تجديد نشاطهم بعد المواقف المنهكة عاطفياً في العمل.

يزيد الامتناع عن تجديد النشاط خطر الإصابة بالاحتراق الوظيفي والمشكلات الصحية الطويلة المدى. ما يدعو للسخرية هو أنه كلما زاد الاستنزاف، انخفض احتمال انخراطك في السلوكيات التي تخفف هذا الاستنزاف. تحمل هذه المفارقة اسم "مفارقة التعافي"، أي أنك أقل احتمالية لأخذ قسط من الراحة عندما تكون في أمس الحاجة إليها.

الأهم من ذلك هو أن التعافي لا يتعلق فقط بأخذ قسط من الراحة، بل إنه خوض التجارب الملائمة. تسلط الأبحاث الضوء على 4 تجارب فعالة بصورة خاصة:

  • الانعزال، أي إراحة عقلك. تجنب التحقق من بريدك الإلكتروني بعد ساعات العمل أو استذكار ما حدث خلال النهار.
  • الاسترخاء، أي تخصيص الوقت لنشاطات مثل المشي دون استخدام الهاتف أو الاستماع إلى الموسيقى الهادئة أو قضاء الوقت في الهواء الطلق في مكان هادئ.
  • تعلم مهارة جديدة، أي ممارسة نشاط يمثل تحدياً إيجابياً، مثل تحضير وجبة جديدة أو ممارسة هواية جديدة أو تعلم مهارة لا علاقة لها بوظيفتك.
  • الالتزام بالوقت المخصص للنشاط، أي تخصيص وقت ثابت تختار فيه ما تريد فعله، حتى إن تطلب ذلك رفض التزام آخر.

إذا كنت تعتقد أنه ليس لديك ما يكفي من الوقت للاسترخاء، أو تخشى أن يبدو ذلك تصرفاً أنانياً، فلا تتسرع في الحكم. تبين الأبحاث أن قضاء القادة وقتاً في ممارسة الهوايات أو الاسترخاء أو غيرها من النشاطات الممتعة بعد العمل، يشعرهم وفرقهم بتحسن حالتهم العاطفية، ويعزز أداءهم في العمل في اليوم التالي.

تخصيص وقت للتعافي ليس مفيداً فحسب، بل إنه ضروري في مجال القيادة اليوم. لا تساعدك هذه الممارسات على استعادة توازنك على المدى المنظور فحسب، بل تساعدك أيضاً على اكتساب المهارات العاطفية الضرورية للتعامل مع التحديات المستقبلية بمزيد من الثبات والقوة، ففريقك لا يحتاج إليك اليوم فقط، بل إنه بحاجة إلى أن تحافظ على استمراريتك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي