سل أياً من عشاق الرياضة حول فريقه المفضل وسيُمضي نصف وقته عادة في شتم المدير أو تمجيده. يبدو أن المدير هو المسؤول عن كل خسارة، وربما يكون هو المسؤول عن الانتصارات العرضية. ولو دخلت أي مقهى في إنجلترا خلال موسم مباريات كرة القدم، ستجد مئات المشجعين الغاضبين وذوي الوجوه الحمراء من كثرة الغضب وهم يوجهون الشتائم إلى أجهزة التلفاز، حيث يوجه الكثيرون منهم هذه الشتائم إلى المدير. فما علاقة ذلك بموضوع الإدارة الجيدة في بيئة العمل؟
من ناحية أخرى، لدى الكثير من الناس شكوك متجذرة تجاه أحدث الأفكار الإدارية. وفقاً لهذه الرؤية، فإن الأفكار الإدارية مسكونة بهاجس ملاحقة أحدث البدع، بحيث تشكل هوساً قيادياً شبيهاً بجنون ظاهرة البوكيمون. يألف المستشارون الإداريون المقولة التالية والتي تنص على أن "المستشارين الإداريين يستعيرون ساعتك ليطلعوك على الوقت"، بما معناه أن الإدارة السليمة واضحة للغاية بحيث يعرف كل شخص ما يتعين القيام به.
العوامل المرتبطة بموضوع الإدارة الجيدة
لا يزال الرأي العام منقسماً حول قيمة الإدارة السليمة. ولكن بماذا تُنبؤنا البيانات؟ لقد تأكدنا في البحث الذي أجريناه أن الإدارة مهمة جداً. وهي في الواقع مهمة بقدر مجموعة من العوامل الأخرى المرتبطة بالشركات الناجحة أو أكثر منها، مثل اعتماد التكنولوجيا.
البيانات والإدارة الجيدة
كانت البيانات واسعة النطاق حول الإدارة غير موجودة عملياً حتى وقت قريب على الأقل. وحسبما أشار تشاد سيفرسون من جامعة شيكاغو في ملخصه للأدلة على ما يُحفز الإنتاجية لعام 2011: "...لم تشهد الدوافع المحتملة للتفاوتات في الإنتاجية نسبة أعلى من التكهنات حول دراسة تجريبية فعلية" أكثر من نسبة الإدارة. وهناك آلاف دراسات الحالات والدراسات لعينات صغيرة طبعاً، ولكن من الصعب التعميم بالاستناد إليها، إذ إن الشركات التي تُركّز عليها نادراً ما تُمثّل الاقتصاد الأوسع نطاقاً. ما مدى ثقتنا بأن عشرات المقالات المنبهرة بشركات مثل آبل، وفيسبوك، وجنرال إلكتريك، وجوجل تُطلعنا على أشياء موثوقة حول الإدارة في شركة مثالية؟
اقرأ أيضاً: اجعل اللباقة معياراً ضمن فريقك
لمعالجة هذا النقص في البيانات حول الإدارة الجيدة في العمل تعاونا مع زملاء في مكتب التعداد الأميركي (U.S. Census) على جمع بيانات حول عدد كبير من الشركات. تضمن الاستبيان 16 مسألة إدارية في ثلاثة أقسام رئيسة وهي: المراقبة والأهداف والحوافز. ونحن نعتقد أن هذه الوظائف الثلاث تُمثّل جوهر ما تدّعي كليات إدارة الأعمال وشركات الاستشارات التجارية أنه أساس الإدارة السليمة. مثل الاستبيان الذي أجريناه الوضع على الصعيد الوطني ولكنه اقتصر على الصناعات، وشمل الشركات الصغيرة والكبيرة على نطاق كل ولاية في أميركا. وشَمل مصانع تُمثل أكثر من نصف العمالة الصناعية الأميركية بأكملها بمعدل استجابة بلغ 80% تقريباً، كما مثل الممارسات الإدارية الأميركية. وإجمالاً، حصلنا على بيانات من أكثر من 35,000 مصنعٍ في استبيان وطني ضخم.
إلى ماذا يهدينا الاستبيان الإداري الأول من نوعه على هذا النطاق؟
الإدارة الجيدة مهمة جداً
وجدنا أن خمس المصانع فقط تستخدم ثلاثة أرباع أو أكثر من أساليب الإدارة الموجهة بالأداء التي سألنا عنها، ولكن أحرزت هذه المصانع أداء أفضل بدرجة كبيرة بالمقارنة مع منافسيها. وكانت المصانع التي اعتمدت هذه الممارسات الإدارية القائمة على الحوافز والرقابية أكثر إنتاجية وابتكاراً وربحية بكثير. كما اقترنت كل زيادة في مؤشر إدارة المصنع بنسبة 10% مع زيادة هائلة في إنتاجية اليد العاملة بنسبة 14%، أي قيمة مضافة أكبر لكل عامل. ولم يتعلق الأمر بارتفاع احتمال أن تكون الشركات الناجحة بالفعل مدارة بشكل جيد فقط؛ فقد نزعت المصانع التي تحولت إلى الممارسات الموجهة بالأداء لأن تصبح أكثر إنتاجية بصورة ملحوظة، ما يشير إلى أن تحسين الإدارة كانت تحفز تحسين الأداء. كما ارتفع احتمال توسّع الشركات ذات النتائج الإدارية الأعلى وانخفض احتمال إفلاسها.
اقرأ أيضاً: السخرية، وانتقاد الذات، ونكاتنا الخاصة: دليل إرشادي لاستخدام الفكاهة في بيئة العمل
وقارنّا أيضاً تأثير منهجيات الإدارة مع التفسيرات الأكثر تقليدية لأداء الشركات بما في ذلك البحث والتطوير وتكنولوجيا المعلومات والنفقات ومستويات مهارات العمال. ودرسنا الفروقات بين أفضل 10% من المصانع وأسوأ 10% منها من حيث الأداء لنعرف ما يُفسّر الاختلافات. فسّرت الأساليب الإدارية ما نسبته 18% من ذلك التفاوت. وفي المقابل، يُمثل البحث والتطوير 17%، ومهارات الموظفين 11%، والإنفاق على تكنولوجيا المعلومات 8%. وبعبارة أخرى، تُعدّ الإدارة أكثر أهمية من أكثر التفسيرات شيوعاً للأداء.
ولعل الأكثر إثارة للدهشة فيما توصلنا إليه أننا وجدنا أن جودة الإدارة لم تتفاوت بين الشركات فحسب، بل ضمنها أيضاً. ووجدنا أن أكثر من 40% من التفاوت في جودة الإدارة بين المصانع المملوكة من قبل الشركات متعددة المصانع كان ناتجاً عن الاختلافات عبر المؤسسات ضمن الشركة ذاتها. ووجدنا في العديد من الشركات الكبرى بعض المصانع التي كانت تُدار بشكل مذهل وأخرى تُدار بواسطة ممارسات اعتيادية. وبلغ هذا التفاوت أشده في أكبر الشركات، ويرجح أن ذلك بسبب صعوبة توحيد الممارسات عبر المناطق والأقسام خصوصاً بالنسبة لأكبر الشركات.
تحسين الإدارة يتوقف على المنافسة والمهارات والتعلم من الشركات الرائدة
ما الذي يمكن أن يتسبب بهذه الاختلافات الهائلة في الممارسات الإدارية بين الشركات؟ وجدنا عدة عوامل رئيسة. أولاً، تجنح الشركات في القطاعات الأكثر تنافسية وفي القطاعات الموجودة في الولايات الداعمة للشركات مثل الولايات التي تدعم القانون الفيدرالي الخاص بحق العمل لأن تكون مدارة بشكل أفضل. ثانياً، تَجنح الشركات التي توظف عدداً أكبر من خريجي الجامعات والشركات الواقعة قرب الجامعات إلى اعتماد ممارسات إدارية أفضل. ثالثاً، ساهم الحضور في مواقع مجاورة لشركة جديدة كبيرة وناجحة في تحسين الممارسات، ويعود ذلك على الأرجح إلى إتاحتها للشركات المحلية أن تعرف المزيد حول أفضل الممارسات من الشركات الرائدة.
تُعتبر هذه العوامل كافة مهمة، ولكنها فسرت أقل من نصف التفاوت في أساليب الإدارة، ما يعني أن العديد من العوامل الأخرى مهمة أيضاً. وباعتقادنا، يُمثل المدراء والرؤساء التنفيذيون أنفسهم دافعاً آخر بالغ الأهمية – فالمدراء الرائعون يقومون بممارسات إدارية رائعة.
وبيت القصيد من بحثنا هذا هو أنّ الإدارة هامة جداً بالنسبة لأداء الشركة، ويُشير التفاوت الهائل الذي نشهده بين الشركات إلى توافر الكثير من الفرص لتحسين الأداء بدرجة كبيرة. قد يكون تحسين الإدارة أمراً زهيداً نسبياً، بالمقارنة مع الاستثمارات في البحث والتطوير أو تكنولوجيا المعلومات. وبينما ركزت هذه الدراسة على التصنيع الأميركي، تُبين أبحاثنا الأخرى أن هذا الانتشار الضخم للممارسات الإدارية حقيقي بالقدر ذاته في القطاعات الأخرى، مثل قطاع البيع بالتجزئة والتعليم والرعاية الصحية، وهو أشد وضوحاً في الشركات الموجودة في أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية وأفريقيا.
اقرأ أيضاً: العمل بنزاهة في بيئة فاسدة
لقد تبيّن أن الإدارة الجيدة ليست واضحة للغاية بالضرورة، فهي نادرة نسبياً وقيّمة جداً. كما أنها تُحدّد مصير الشركات والعمال واقتصادات بأكملها. ونحن بحاجة إلى المزيد منها.
اقرأ أيضاً: الامتياز المكتبي الأكثر أهمية: الضوء الطبيعي